أي مستقبل لليسار المغربي؟


حميد باجو
2007 / 11 / 20 - 10:55     

أي مستقبل لليسار المغربي؟
-1-
يظهر الآن أن تبعات نتائج انتخابات 7 شتنبر لن تقف عند حدها الحالي، وأن أمواج الصدمة ستستمر في الانتشار والاتساع لتقلب عديد من المعطيات والثوابتـ، أو تؤدي إلى الإطاحة برؤوس كثيرة من التي بقيت تؤثث مشهدنا السياسي والحزبي لحد الآن.
إننا الآن بدون شك، أمام منعطف مهم في تاريخ المغرب الحديث، من تلك التي لا تحدث إلا على رأس عدة سنوات. فقد يمكن أن نقارن ما يحدث اليوم، بما حدث في بداية الستينات حين وقع الطلاق الكبير بين القصر والحركة الوطنية، أو بما وقع في بداية السبعينات حين وجد القصر نفسه مضطرا تحت ضغط الانقلابات العسكرية، لأن يمد يده إلى الحركة الاتحادية عبر إطلاق ما عرف بالمسلسل الديمقراطي. أو أخيرا بما وقع في أواسط التسعينات حين اضطر هذا الأخير مرة أخرى لأن يتصالح مع نفس الحركة ويدعو إلى حكومة التناوب التوافقي، بعد أن أحس بخطر السكتة القلبية يهدد البلاد.
وبالتأكيد أن مثل هذه المنعطفات إن كانت تؤكد على شيء، فإنما على أن تاريخ المغرب لا يمكن أن يستقيم إلا إذا مشى على رجلين سويتين ومتكاملتين يمثلهما طرفا المعادلة التالية: القصر والحركة الوطنية، ثم القصر والحركة الاتحادية، أو بالتدقيق القصر وأي حركة أخرى تكون قادرة على استيعاب دينامية المجتمع وترجمتها إلى قوة سياسية واجتماعية منظمة.
لقد حاول القصر في المرة الأولى أن يقفز على هذه المعادلة، وذلك لما أوعز لرضا اكديرة في بداية الستينات بأن يصنع له حركة اجتماعية على المقاس بديلة عن الحركة التي ينتجها المجتمع بنفسه، فما كانت النتيجة سوى ظهور لأوفقير الذي كاد أن يعصف حتى بالمؤسسة الملكية نفسها. وهو حاول أن يعيد الكرة مرة أخرى في السبعينات وبداية الثمانينات، حين طلب من عصمان ثم من المعطي بوعبيد أن يفعلا له نفس الشيء حتى يكبح الزخم الاتحادي الذي انطلق بعد المؤتمر الاستثنائي، ومرة أخرى ظهر ادريس البصري الذي أوصل البلاد إلى خطر السكتة القلبية. وفي كلا الحالتين لم يكن يجد بدا من العمل على حل المشكلة عبر مد اليد إلى الطرف الأخر في المعادلة.
غير أنه إذا كانت للعوامل الداخلية الخاصة بالبلاد، دور حاسم في توجيه مسار الأحداث، فللعوامل الخارجية أيضا، دور لا يقل أهمية وتأثيرا. إلا أن هذه الأخيرة قد تغيرت كثيرا عما كانت عليه في المراحل السابقة، إذ بدل ظاهرة المد التحرري واليساري التي عاشها العالم في الستينات والسبعينات، والدعم الخلفي الذي كانت تجده قوى اليسار عند الاتحاد السوفياتي وحلفاءه، وجدنا أنفسنا ابتداءا من التسعينات، أمام معطيين خارجين مختلفين جذريا: انهيار هذا المعسكر الأخير من جهة، وتصاعد المد الإسلامي من جهة أخرى.
هذا المعطى سيكون له تأثير كبير على كيفية تدبير اليسار وفي مقدمته الاتحاد الاشتراكي، لعلاقته مع القصر خلال السنوات الأخيرة، إذ سيقف حائرا بين طريقين:
طريق الحفاظ على علاقته مع الجماهير الشعبية، حتى ولو تطلب منه ذلك تقديم تنازلات لصالح الطرف الاسلامي الصاعد، والمراهنة على موجة التحالف القومي الإسلامي التي جاءت كرد على الغزو الأمريكي للعراق. وهو التحالف الذي أطلق عليه عابد الجابري صفة الكتلة التاريخية، وأسميناه في وقته بالاختيار الشعبوي.
ثم الطريق الحداثي الذي قد يقرب اليسار من ممثلي بعض القوى البرجوازية وحتى من أطراف من داخل القصر نفسه.
ولأن اليسار فشل في التوفيق بين هذين الخيارين، فقد أوصله ذلك إلى الانفجار والانقسام على نفسه، بدءا من انشقاق الاشتراكي الديمقراطي عن المنظمة وانتهاءا بخروج رفاق الأموي والساسي من الاتحاد الاشتراكي.
وإذا كان ما حدث في المؤتمر السادس لهذا الحزب الأخير، قد وضع حدا لكل طموحات أصحاب الخيار الشعبوي، والذي زادت أحداث 16 ماي في تكريسه، باعتبار الموقف الحرج الذي وجد فيه الاسلاميون أنفسهم، وهم الحلفاء المفترضون لهؤلاء ، فإنه في المقابل، قد أطلق يد أصحاب الخيار الحداثي،-والذي كنت شخصيا واحدا من أكثر المتحمسين له- لتعميق تحالفهم مع القصر، وكلنا فرحا وتفاؤلا بهذا الكسب الجديد وبالثقب الذي أحدثناه في جدار المخزن. لكن ما لم ننتبه له في حينه، أنه بقدر ما كنا نقدم التنازلات تلو الأخرى لصالح القصر، بقدر ما كانت الهوة بيننا وبين قواعدنا الشعبية تتسع وتزداد عمقا، وتنقطع كل خيوط تواصلنا معها. وشخصيا إن كان هناك شيء يجب أن أقدم عليه نقدا ذاتيا، فذلك أني تواطئت أو على الأقل بقيت ساكتا حين تقرر الخروج من الكونفدرالية الديمقراطية للشغل وتأسيس الفيدرالية.
كانت هناك ربما بوادر أولية للوعي بهذا المأزق الذي أدخلنا أنفسنا إليه، وذلك حين دعونا كأقلية في الحزب، بمناسبة تعيين حكومة ادريس جطو، للعودة إلى صفوف المعارضة، لكن مع ذلك بقينا نحمل أوهاما، بأنه بعد أن استطعنا تخليص الحزب من البيروقراطية النقابية التي كان يمثلها الأموي وأصحابه، سيصبح من السهل علينا بناء حزب حداثي وديمقراطي بما تحمله هذه الكلمة من معنى. غير أن ما لم نكن نتوقعه أن بيروقراطية أخرى هي ما أسميناه بالأليغارشية الحزبية الجديدة، كانت بصدد وضع يدها على كل الجهاز الحزبي.
- 2 -
لقد جاءت الانتخابات الأخيرة إذن، لتعري عن كل هذه الاختلالات التي سقط فيها اليسار، بشعبوييه وحداثييه، براديكالييه ومعتدليه، فترجعنا إلى نقطة الصفر لنعاود طرح السؤال: ما موقع اليسار وضمنه الاتحاد الاشتراكي، في الخارطة السياسية للبلاد؟ وأي مستقبل ينتظر المغرب في غياب يسار قوي يكون قادرا على ضبط الدينامية المجتمعية وتأطير الاحتجاجات الشعبية وتوجيهها بما يجنبنا كل انفلاتات محتملة؟ وهل في مصلحة القصر أن يحكم لوحده في غياب الطرف التاريخي الآخر في المعادلة الوطنية؟
لا شك أن هناك العديد ممن يعتقدون أنهم يمتلكون أجوبة على هده الأسئلة، وأن لكل واحد رأيه في الموضوع، لكن من جهتنا نعلن على الأقل، أننا ضد نوعين من الأجوبة أو من المواقف مما بدأ يروج له في الساحة وسنعمل بكل ما في وسعنا على تفنيدها و معارضة أصحابها:
الموقف الأول هو الذي يحاول أصحابه أن يقنعوننا بأن الاتحاد الاشتراكي لم يعد له مكان في المعارضة، وأن مكانه هو أن يبق لصيقا بالكراسي الحكومية وبتلابيب القصر، حتى وإن لم يبق هدا الأخير في حاجة إليه ويقذف به إلى الخارج كما فعل مؤخرا مع الحركة الشعبية. وهدا الموقف هو ما عبر عنه اليازغي مثلا، في تساؤله خلال دورة المجلس الوطني الأخيرة للحزب: مادا سنعارض ومع من وكيف؟ فنحن نرى في أصحاب هدا الموقف أنهم أضاعوا كل حس تاريخي وانفصلوا نهائيا عن نبض الشارع المغربي. ومن لا زال لا يعرف مادا سيعارض فليتواضع فقط بالنزول إلى أزقة وأحياء صفرو ليسأل شبابها ونساءها عن دلك. أما مع من وكيف، فالتجارب التاريخية كلها تعلمنا أن الدينامية المجتمعية حين تنطلق هي التي تخلق أدواتها وآلياتها الخاصة للتعبير عن نفسها، وليس لنا نحن أن نرسم كل شيء وبشكل مسبق.
أما الموقف الثاني، فهو الذي بدأ أصحابه يروج لفكرة أن الصراع التقليدي بين اليمين واليسار أصبح متجاوزا، وأنه من الأفضل للمغرب أن يشهد ميلاد حركة سياسية بديلة تجتمع داخلها مختلف الطاقات الحية في البلاد، ودلك في أفق إحداث تحول تنموي وحداثي يجر البلاد كلها إلى الأمام. دعاة هدا الطرح قد يكونون من صنفين: صنف له علاقة باليسار، وقد يكونون من المناضلين الدين سقطوا تحت إغراء ما يعرف بنظرية الطريق الثالث لصاحبيها كيدينز وتوني بلير، وهي النظرية التي رفعت في بداية التسعينات شعار لا اشتراكية ولا رأسمالية بعد اليوم، وإنما شيء ثالث، لم نر منه حتى اليوم شيئا آخر غير المزيد من تكريس الهيمنة الأمريكية على العالم. هده النغمة كنا سمعناها في بلادنا مثلا، عند البعض من نشطاء جمعية بدائل أو ما يمكن نعته بتيار السوسيو ليبرال ، ولكن يبدو أن إغراءها قد امتد اليوم ليشمل حتى عدد من الرموز ومن المعتقلين اليساريين السابقين، و الدين لتمييزهم عن الآخرين، ربما يصلح نعتهم بالسوسيو مخزن. وخطر هؤلاء أنهم قد يخلقون تشويشا وخلطا أكبر في الرؤيا على المشروع اليساري ككل.
الصنف الآخر هو من أولاءك الدين صاروا يروجون أو يراهنون على شخصية علي الهمة، باعتباره رمز الحداثة والتجديد في البلاد، وأنه الوحيد القادر الآن على خلق دينامية جديدة في الساحة السياسية بعد ترهل كل الأحزاب الأخرى. قد يكون للسيد علي الهمة كل هده الخصائل وقد يكون صادقا بالفعل فيما يطمح إليه، غير أن المشكل ليس في الشخص في دانه، أد في كثير من الأحيان ما تكون طريق الجحيم مفروشة بالنوايا الحسنة. ولكن من واجبنا فقط أن نذكر، أنه حين قدم رضا اكديرة مثلا في بداية الستينات باعتباره رمز للإنفتاح والليبرالية، كانت كواليس النظام تشهد بالموازاة مع دلك، صناعة الكابوس الأوفقيري. ثم أن أحمد عصمان نفسه وبعده المعطي بوعبيد، حين قدما لنا كرمزين معتدلين وديمقراطيين، إنما كان دلك ليغطي على صناعة كابوس آخر متمثلا في ادريس البصري. فهل هناك شيء آخر يتهيأ هده المرة أيضا في الخفاء؟ من حقنا أن نخشى على أنفسنا.
3
رؤيتنا نحن للواقع السياسي أن اليمين يجب أن يبقى يمينا واليسار يسارا، مع الأحد بعين الاعتبار الطرف الجديد الذي برز على الساحة في السنوات الأخيرة ألا وهو المكون الاسلامي. ولابد للإشارة هنا بالنسبة لهدا الأخير، أننا كنا من أشد المعارضين له حتى أننا نعتنا في حينه بالاستئصاليين. وهو ما لم يكن خاطئا، أد كانت رغبتنا بالفعل هي استئصال كل فكر -وليس أحزاب أو أشخاص- يدعو إلى الإرهاب وتكفير الآخرين، ودفع أصحاب هدا المكون إلى التبرؤ من المثال الذي كان يقدمه الطالبان أوبن لادن، وفك الارتباط مع إيديولوجية الوهابية وما يدور بجانبها من فكر جهادي وسلفي. أما الآن وبعد أحداث 11 شتنبر و16 ماي، ثم النتائج الانتخابية الأخيرة، وكذلك إدا تأكد ما يظهر من تطور في قناعات بعض قيادييه من حيث ميلهم المتزايد نحو نموذج العدالة والتنمية في تركيا أو ما يشبه الديمقراطية المسيحية في أوروبا، فلا نعتقد أنه سيبقى هناك مبرر لعدم التعامل مع هدا المكون باعتباره طرفا ثالثا قائم الجات . ويهدا تتحول المعادلة السياسية في البلاد من اعتمادها على متغيرين إلى اعتمادها على ثلاث.
أما على مستوى مكون المؤسسة الملكية، فليس هناك من رغبة أخرى لأي ديمقراطي حقيقي غير أن يراها يوما وقد تحولت إلى حكم أو رمز معنوي للوحدة الوطنية، متعالية عن كل النزاعات بين الأحزاب والفرقاء السياسيين، أو ما يعبر عنه بالملكية البرلمانية. غير أن الواقع الحالي للوضع السياسي في بلادنا لا زال بعيدا عن ذلك ولا زالت هذه الأخيرة هي المعبر الأخير والنهائي عن الطرف اليميني في المعادلة السياسية. ولهذا وإلى أن يتحقق الانتقال الديمقراطي، لا يمكن التعامل معها إلا من هذا المنطلق. لقد سعى الديمقراطيون ومنذ مدة طويلة إلى تجاوز هذا الوضع غير السليم، ولكنهم في كل مرة اعتقدوا أنهم على وشك تجاوز العقبة، يجدون أنفسهم أمام عقبة أخرى وكأنهم محكوم عليهم أن يعيدوا تجربة سيزيف مع صخرته. ففي السبعينات مثلا وبعد أن أطلق المسلسل الديمقراطي اعتقدوا أنهم أزاحوا الجدار الأوفقيري ولم يبق أمامهم إلا خطوة صغيرة للوصول إلى جنة الديمقراطية. غير أن الإحباط جاء سريعا بعدما اصطدموا بجدار إدريس البصري. ثم أنهم لما توافقوا مع الملك الحسن الثاني على تأسيس التناوب التوافقي، توهموا أيضا أنهم قد نجحوا هذه المرة في إحداث ثقب في جدار المخزن، لن يتطلب الأمر بعده إلا جهد قليل لهدمه نهائيا، غير أن المعطيات الأخيرة المتعلقة مثلا بطريقة تكوين الحكومة، سرعان ما كشفت أن وراء جدار إدريس البصري هناك جدار جديد قيد التشييد، لن يعمل إلا على إبعادنا مرة أخرى، عن هدف الانتقال الديمقراطي. ولهذا فنحن من حقنا أن نتساءل اليوم، إلى أين يسير النظام السياسي المغربي؟ وهل هو واقع مثلا تحت إغراء النموذج التونسي أو يسعى إلى تجريب ما يعرف بنظرية المستبد المستنير الذي ينوب عن كل القوى الأخرى الحية في البلاد بدعوى عدم نضجها وأهليتها، أو يتعامل معها باعتبارها لا زالت قاصرا؟ وإذا كان الأمر كذلك، من الذي يتحمل المسؤولية في أن يجعلنا نبقى دائما قاصرين، هل النظام نفسه أم قادتنا السياسيون؟
قد يصورنا البعض ونحن لا نزال نتكلم بهذا المنطق، ونتمسك بضرورة تمييز اليسار عما عداه من المكونات الأخرى، بأننا أصبحنا متجاوزين أو مرهونين بعقلية الستينات والسبعينات. وقد يبني حججه في ذلك، أنه بعد انهيار المعسكر الاشتراكي لم يبق هناك شيء اسمه يسار أو يمين. غير أننا نحن نعتبر أن هذه الحجج - التي هي ليست غير صدى لإيديولوجية الفكر الوحيد الأمريكية أو لتوابعها كنظرية الطريق الثالث كما رأينا أعلاه- هي التي أصبحت متجاوزة، بعد أن فشل أصحاب هذه الإيديولوجية في حل أي من مشاكل العالم. في المقابل، نحن نرى أن اليسار العالمي الآن، وبعد الكبوة التي تعرض لها، قد بدأ يشق طريقه من جديد خاصة في أمريكا اللاتينية، ويبحث عن هوية بديلة لنفسه، وبالتالي ليس لليسار المغربي إلا أن ينخرط في هذه الدينامية اليسارية العالمية الجديدة.
وعلى سبيل التذكير فقط على هذا المستوى، أنني سبق أن دخلت في نقاش حول هذا الموضوع مع الرفاق في "الوفاء للديمقراطية" سابقا، رفضت خلاله التصور الذي أرادوا أن يصبغوه على مشروع اليسار آنذاك، بعد أن جعلوا أفق تفكيرهم مؤطرا بمرجعيات من الماضي من أمثال الفقيه البصري أو بعض رموز القومية العربية المرتبطة بحزب البعث في المشرق. فمرجعية المشروع اليساري بالنسبة إلينا، لا يمكن أن تكون إلا في المستقبل، ولذلك فنحن حين طرحنا مبادرة " الاشتراكيون الجدد" فلنؤكد بالأساس على ضرورة توجيه أفق تفكيرنا كيساريين مغاربة، في اتجاه ما يعتمل على الصعيد العالمي على هذا المستوى، وذلك سواء على صعيد الأممية الاشتراكية أو الحركة من أجل عولمة بديلة، أو النضال من أجل ديمقراطية كونية إنسية.
فتصورنا نحن أو اقتراحنا بالنسبة لليسار، هو أن نعمل سوية من أجل إعادة بناء مشروع لليسار تساهم فيه كل المكونات المحسوبة عليه، من جبهة التهامي الخياري إلى النهج الديمقراطي أو حتى المجموعات الأخرى المتواجدة على يساره. ويكون المحور الذي نلتقي عليه كلنا هو ما نقدمه من خدمة للفئات الشعبية في بلادنا. قد نجرب أشكالا مختلفة للتقريب فيما بيننا، فيكون الأمر مثلا على شكل اندماج كما حدث بالنسبة للاشتراكي الديمقراطي أو للمكونات الخمسة لليسار الاشتراكي الموحد، أو تحالف كما الأمر بالنسبة للتجمع اليساري، أو نبتدع أشكالا أخرى جديدة ستفرزها الدينامية النضالية التي سننخرط فيها. وشخصيا اقترحت في ملتقى نظمه الرفاق بحزب الطليعة بالدار البيضاء، أربعة مداخل لتحقيق هذا الغرض علينا أن نفكر فيها جميعا:
- مدخل نظري أو إيديولوجي، نعيد من خلاله تعريف اليسار وتحديد هويته الفكرية بناء على كل المعطيات والتحولات التي شهدها العالم أو مجتمعنا خلال السنوات الأخيرة
- مدخل سياسي، ونناقش من خلاله الخط السياسي أو الحدود الدنيا للبرنامج المرحلي الذي قد نتفق عليه
- مدخل تواصلي اجتماعي، نبحث من خلاله وسائل التواصل أو التضامن أو التعبئة للفئات الشعبية حول القضايا التي تشغلها
- مدخل تنظيمي وتدبيري ويتعلق بالصيغ التي يمكن أن تقرب فيما بيننا وتساهم في إذابة كتل الجليد التي لا زالت تعيق إمكانيات التفاعل الإيجابي بين مختلف المكونات التي ننتمي إليها
وبالمناسبة فقد طرح علينا نحن كاشتراكيين جدد نشتغل من داخل الاتحاد الاشتراكي، السؤال إن كانت مبادرتنا هذه ستبقى محصورة في هذا الحزب الأخير، أو أننا نسعى إلى القيام بانشقاق آخر على غرار ما وقع سنة 1982 أو في المؤتمر السادس للحزب. وإذا كنا قد وضحنا من قبل، أن إصرارنا على تأسيس تيار من داخل الحزب هو في حد ذاته، تأكيد على رفضنا لأية عملية انشقاقية جديدة، إلا أنه لابد هنا من استحضار والاستفادة من النقاشات أوالتفاعلات التي سبق وأن حدثت في محطات معينة من تاريخ الحزب، وبالضبط ما حدث في نهاية الخمسينات، حين قررت الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال الخروج عن هذا الأخير وتأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، أو ما حدث في بداية السبعينات حين قررت أغلبية اللجنة المركزية لهذا الحزب الأخير الانفصال عنه و تأسيس الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية فيما عرف بقرارات 30 يوليوز 1972. مع التذكير على سبيل العبرة فقط، أن قائدا بارزا من طينة عبد الرحيم بوعبيد مثلا، كان في كلتا الحالتين آخر من يقتنع بالانفصال والالتحاق بالحركة الجديدة. فالمهم بالنسبة إلينا أن أية إعادة تجديد لليسار المغربي، لا يمكن أن تتم إلا بحضور أغلبية مكوناته إن لم يكن كلها، وبوجود الاتحاد الاشتراكي بطبيعة الحال في المركز من كل ذلك، وليس بانشقاق البعض عن البعض الأخر. أما بعد ذلك، فلا تهم الصيغة التنظيمية التي سنتفق عليها، هل في شكل حزب واحد تذوب فيه كل المكونات، أم بحزب بتيارات متعددة، أم فيدرالية للأحزاب أم جبهة واسعة، أم بتركيب بين كل هذه الصيغ. فلنترك للدينامية التي سنخلقها لهذا الغرض لأن تفرز الأدوات المناسبة لها.

عضو المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي
منسق تيار "الاشتراكيون الجدد"