شعلة اكتوبر


ثائر سالم
2007 / 11 / 11 - 11:55     

اكتوبر ...بين بلشفية لينين...وغلاسنوست غورباتشوف

لن اتحدث عن اكتوبر ..النظام ..الاشتراكي ، على اهمية ومكانة ذلك المنجز، الذي لن اشك يوما بعدالته او صوابه. واكتوبر احتل مكانه في التاريخ ، بما له وما عليه. و سيكتشف الناس ، اي خطيئة ارتكبوا ، واي ظلم احلوا، بازاحة قوة توازن، في مواجهة نظام راس المال، الاستغلالي الاستعماري، كلما كشف عن طابعه اللاانساني ، اللااخلاقي ، واعاد الحياة الى حلم استعماره للعالم. اكتوبر هذا ظلمه ولا زال، البعض من اهله اكثر من البعض من اعدائه، تقصيرا تارة وقراءة خاطئة تارة اخرى ، وبتحميله ما لا يحتمل ، هدفا ممكنا ، او تاملا ومطلبا ...والنتيجة اختزل المنجز.

وانا في هذا ، لا ابرر ولا ادافع عن، الفساد والبيروقراطية، وخنق الحرية الشخصية، والخطأ في اهمال او تجاهل، تقدير قيمة واهمية، الديموقراطية السياسية، التي ابتلعتها ذريعة ضرورات الديموقراطية الاجتماعية. ولا ولن ابرر لدكتاتورية الحزب وقمع المعارضين. الا انني ، رغم كل المؤاخذات ، والنواقص التي كان، بعضها او معظمها، جديا للاسف(وليس هذا مكان الجدل فيه)، ازعم ان شعلة اكتوبر، ستظل فنارا يعود اليه ، قطاع سيتسع باضطراد. قطاع لا يشمل رفاق العقيدة وحدهم ، وانما رفاق المصير الانساني، والذي سينكشف لهم ثمن الغياب او التغييب، ويدركون خطيئة العداء ، والتآمر على اكتوبر ، بعد ان دفعوا وسيدفعون، ثمن ذلك . دولا ونظم حكم ، احزابا وتيارات ، وستدفع شعوبهم معهم بالدرجة الاولى. من استقلالهم ومصلحة بلدهم ومستقبلهم وسيادتهم. وسيتذوقون ذل الهيمنة والسيطرة الاستعمارية ، المباشرة وغير المباشرة.


ما يعنيني ، الفارق في رسالة الثورتين ، وتاثيرهما على رسم مستقبل العالم .
الثورة في اكتوبر، اضاءت الطريق لكل الشعوب المستعمرة والمتخلفة ، واملها في الحرية والاستقلال ، وعززت الثقة في قدرتها على الانتصار، وقفت الى جانبها وساندتها، حتى تحقيق الاستقلال ، وناصبت الاستعمار العداء ، وفضحت اتفاقياته الاستعمارية. اما في الثورة على اكتوبر ، فقد تم البحث عن حلول ، مع هذا المستعمر على حساب الشعوب الاخرى ، تم التخلي عن مواقف الدعم السياسي قبل الاقتصادي . وبهذا المعنى كانت ثورة على الثورة. قد اتفهم ، دواعي وظرورات ، بل وظروف هذا التحول . واحمٌل العديد من تلك الدول ، التي كانت تأكل في صحن اكتوبر ، وتدعو الدول الاخرى الى ولائمها. خير اكتوبر تأخذه، اما خيرها فلغيره. الشراء نقدا ومن الغرب ، اما الحصول على مساعدة او الشراء بالاجل، والذي لم يدفع الجزء الاكبر منه حتى الان ، فيكون من الصديق اكتوبر.

في التجربة يتضح اليوم، ان المغزى الانساني، والدور المساند ، لتحرر دول العالم الثالث ، كان اكثر اهمية من درس الاخفاق في تجربة اقتصادية اجتماعية، او ضرر افتضاح قصور في نظرية او رؤية. لاسيما اذا ما قورن، بالوضع الذي باتت عليه هذا الدول ، المكشوف والضعيف، امام عدوانية ونهب ، دول استعمارية ، باتت تتطرف في عنصريتها، لا ترى ما يضطرها للوقوف، عند ذاك الحد الذي كان ممكنا في زمن اكتوبر. فتلك القوى والدول الاستعمارية ، لم تعد ترى اليوم ، قوة مكافئة او مواجهة لها، يمكنها ان تكون خيار علاقة، او طريق تنمية آخر، امام هذه الشعوب . مع اكتوبر فقط ، كان هناك حليف او نصير ، لتلك الشعوب . الشعوب المغلوبة على امرها ، المبتلاة بحكامها ، الخائن منهم او الجاهل، الذي يختفي وراء دكتاتورية العقيدة او الوطن المختزلة بذاته، او المضلل بديموقراطية الاستعمار او المستسلم له.


انه الفارق الذي خلقته الثورتين الروسيتين في وضع العالم .فبعد ان كانت الاولى دفعة قوية للامام ، نحو التحرر والعدالة وفرص التنمية العادلة. جاءت الثانية قفزة مغامرة ، في الهواء ، ودفعت بالمجتمع البشري الى الخلف، ادت الى تهشم عظام العديد من المجتمعات ، وموت اخرى. وازالة عوائق هامة ، من وطريق سراق قوت وعمل وثروة الشعوب.
الفارق بين الثورة في اكتوبر والثورة على اكتوبر، التي اهداها الروس للعالم ، ليست العقود التي مضت...ولا الفارق بين النظام الذي قام ، وبين الذي يقوم الان ، وانما الفارق ...بين عهد عرف فيه الشعب الظلم والجوع، الاستغلال وهدر قيمة البشر، على يد النبلاء والاقطاع والطفيليين وحاشية القيصر وكل سراق عمل الاخرين .... وبين عهد كان فيه الشعب مضمون في احتياجه ، مأمون في حياته ، ولكن عجلته توقفت عن السير الى الامام، ولم يسمح له قول ذلك.
الفارق بين الثورة في اكتوبر والثورة على اكتوبر... ليست الفارق بين تلك الزعامة التي ملكت عقلا هائلا وقلبا صادقا(قد يكون بنظر البعض مجنونا او مغامرا او اي شيء آخر) انتصر للانسان، حقا وقيمة ، ولن يقبل غير العدل والتكافؤ...وكان في التجربة ، منجزا وموقفا ، لم يصمت او يضلل، او يزوّر تاريخا....وتلك الزعامة التي خلقتها ، مفاسد وانحرافات، وعيوب نظام، ترهل وسبت، عقدا من الزمن، واستيقظ يوما مذعورا ، ليرى ان الاخرين قد فاتوه... وبدل التفكر غلبه ذعره هذا، اندفع راكضا، محاولا اللحاق، بالاخر باي ثمن...وكان الثمن... الانتحار.


درس اكتوبر التاريخي.. سيبقى ، نجحت التجربة السوفيتية ام اخفقت.
اكتوبر الاثر العالمي ...سيبقى ، تجاوزت التجربة مصاعبها، ووسعت فضاء نظريتها، ام اخفقت .
رسالة الحرية في اكتوبر...ستنجلي يوما بعد يوم، كلما انكشف، زيف حرية راس المال، للاوطان والانسان ،.. نجحت اكتوبر في اقامة حريتها ام اخفقت في الحفاظ على روح الحرية فيها.
رسالتها الانسانية ... ستبقى منجزا واثرا وشاهدا،..سواء اسقطتها طوباويتها،.. في الانسان الجديد... في تحمل عبء عالم وانسان...سرق انتصاراتها، استنزف خيراتها، وبدد تضحياتها...ولم يفهمها ولم يكن وفيا معها..لا فرق...ستبقى.
درس اكتوبر التاريخي ...سيبقى غنيا...خذلتها قرائتها اللاجدلية لنظريتها الجدلية ، او قرائتها اللاواقعية ، لمستلزمات التحدي للتهديد الخارجي، الذي استنزف مواردها، واقتصادها..

اكتوبر العظيم... سيبقى شعلة الحرية الحقة ...التي لم تمنح فرصة تفهمها، لان تعبر عن ذاتها وانسانيتها ...واذا ما واصلت حرية راس المال والاستعمار والعنصرية ، انحطاطها ، وواصلت سيرها في طريق ابو غريب ، وقتل اكثر من مليون انسان ، من اجل حريتها في الاستعمار، وتدمير البلدان ....فان شعلة اكتوبر ستبعث روحها ، في شعوب الارض المقهورة والمستعمرة ، المنهوبة والممنوعة من التنمية ، ...كما تنفختها في روح امريكا اللاتينية اليوم ، ..في فنزويلا ونيكارغوا وبوليفيا ....ولهب الشعلة سيزداد توهجا والقا ..... وستتلاقفها ايادي جديدة