رد عادل سمارة ومسعد عربيد على مداخلة سلامة كيلة حول الدولة الديمقراطية العلمانية

عادل سمارة ومسعد عربيد
2007 / 11 / 6 - 11:59     

ماركس وحده لا يكفي
...بل يأبى هو نفسه أن يُكتفى به
رد عادل سمارة ومسعد عربيد على مداخلة سلامة كيلة

نشرنا في "الحوار المتمدن" مقالتنا (نحو حل إشتراكي في فلسطين: مناقشة نقدية في حل "الدولة الديمقراطية العلمانية": ويمكن القارئ مطالعتها على الرابط التالي: http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=114026
ونشر الاخ سلامه كيلة مداخلته في نفس الموقع رداً على مقالتنا في حلقتين:
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=113003
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=113193

ونقدم فيما يلي نسخة معدلة من ردنا على الحلقة الاولى من مداخلته والذي يشكل رداً على مداخلته في حلقتيها. كان بامكاننا ان نقوم بالرد على شكل مقالة منفصلة، ولكننا آثرنا، وإن لم يكن هذا الاسلوب المألوف، ان ندخل ردودنا في نصه الاصلي (باللون الاحمر) خدمة للقارئ وكي نسهل عليه متابعة القضايا والملاحظات المتشابكة والمتشعبة.

* * *

وإحترازاً من التيه في الابعاد النظرية التي كثيراً ما تعتري مثل هذه النقاشات، فاننا نود ان نؤكد أننا لا نرى الحل الإشتراكي في الوطن العربي وفي فلسطين "وقد أوشك على التحقيق"، بل لا نرى اي حل قريب للمسألتين الأساسيتين:
- حل الصراع العربي الصهيوني بما يحقق حقوق شعبنا وأمتنا.
- حل إشكالية الفترة الإنتقالية الممتدة في الوطن العربي (إمساك القومية الحاكمة بالسلطة وعنق الأمة، وبالتالي قهر القومية الكامنة ممثلة في الطبقات الشعبية).

كما نؤكد بوضوح أننا لم نكتب ما هي الإشتراكية التي نريدها في فلسطين والوطن العربي، لأن ما هدفنا إليه من المقالة اساساً وأخيراً هو أن يكون الحل إشتراكياً.

فَمَن نحن حتى نرسم لخمسين سنة قادمة ما هو جوهر الإشتراكية في القطر والوطن؟ هذا خيار الناس لاحقاً في حدود وعيهم وتطورهم الفكري واوضاعهم الطبقية.... أما إذا كان لنا أن نقول الآن ما نريد، فنحن نكتبه الآن ولا نسمح للأخ سلامة أو لغيره أن يكتبه نيابة عنا وكما يريد أن يراه.


جهدنا في "كنعان"، من أجل بناء وعي نقدي من أجل تحقيق:

ـ اشتراكية تقود إلى الشيوعية، اشتراكية تلغي الملكية الخاصة، ولا تضع مكانها ملكية الدولة كما حصل في البيروقراطيات التي وجهنا نقدنا لها منذ اربعة عقود، وحين كان الكثيرون يسبحون بحمدها كنا ننقدها وننقد منظمة التحرير الفلسطينية ورفضنا لبوس اثوابهن ودفعنا ثمن ذلك، وثبتت صحة مواقفنا.
ـ إشتراكية للطبقات التي لا تملك.
ـ إشتراكية لا ينجزها الجمهور العادي من العمال والفلاحين المعدمين أو الفقراء والموظفين في الدرجات الدنيا، بل من يؤمن من هؤلاء بالإشتراكية. فليس شرطاً أن يكون العامل اشتراكياً، وما أكثر من لا يرون مصالحهم الحقيقية.
ـ إشتراكية في فلسطين بشكل خاص، كي نجرد الصهاينة مما سرقوه من الأرض، نعم بهذا الوضوح. وكل من يسلم لهم بذلك، فهو صهيوني مهما "تمكيج"، وهذا تنازل كبير منا .

كل حل اشتراكي هو ابن مرحلته، ابن أصحاب المصلحة فيه، مهما كان ماركس عبقرياً، وليس وحده. هذا هو درس التاريخ. وإذا كان بوسع فرد أن يتأستذ على غيره، فلا احد يمكنه التأستذ والتعالم على التاريخ.

إن الحل الديمقراطي العلماني في فلسطين أو اي بلد آخر هو في نطاق التشكيلة الإجتماعية الإقتصادية الراسمالية التي محركها نمط الإنتاج الرأسمالي بلا مواربة. ما نريده نحن هو تحضير الوعي باكراً وبوضوح ودون مساومة، الى ان الحل هو الإشتراكي، وبالتالي تكون المسألة الديمقراطية العلمانية مقدمة له، لا نقف عندها ولا نحصر الطرح والتثقيف بها. لذا نرفض هذا التوقف والإنحصار فيها حيث انهما (اي التوقف والانحصار) هما إيمان عميق بالملكية الخاصة، والأنكى من ذلك حصرها في المستوطنين، ومن هنا رأسمالية هذا الحل: اي الحل الديمقراطي العلماني في فلسطين. وهذا الحل هو مراعاة من ماركسيين عرب للماركسيين البيض الصهاينة، هو موقف دوني لإرضاء "الخواجا الأحمر". وأي موقف! إنه تنازل عن وطن وتلزيمه كملكية خاصة للمستوطنين، على وحشيتهم. وليس شرطاً أن لا يعرف الإنسان وحشية المستوطنين كرأسماليين إلا حينما يعيش تحت بطشهم وجشعهم!

إذا كان الحديث مع الأخ سلامه هو حديث مع ماركسي، فالحل الديمقراطي الذي يتحدث عنه هو حل راسمالي بامتياز. نحن لسنا ضد المهام الديمقراطية ولا العلمانية، لكننا لا نتوقف عندها، ولا نقول "ليوم الله وبعين الله". وبالمناسبة، فإن أحد اسباب انهيار نضالية الكثير من فصائل م.ت.ف. أنها طرحت مرحلية النضال، وحينما وصلوا "شبه مرحلة" ناموا.

مرة أخرى، إن التوقف عند حل الدولة الديمقراطية العلمانية، يعطي مبرراً للذين لا يريدون النضال، أو يؤمنون بتفوق "شعب الله المختار" علينا وأحقيته في الأرض مبرراً بالتوقف عند هذه المرحلة.

إذا كان لا بد من الإستشهاد بماركس على الطريقة الأرثوذكسية الدينية، وبما يعزز موقفنا في تمييز الحل الإشتراكي والتمسك به بما هو في مصلحة الطبقات الشعبية ضد البرجوازية، فماركس هو الذي كتب: "إن الشيوعيين يختلفون عن احزاب الطبقة العاملة الأخرى بأنهم: 1- في النضالات القومية لبروليتاريات مختلف البلدان فإنهم يركزون على ويضعون في المقدمة المصالح المشتركة لكل البروليتاريا، مستقلة عن كل قومية. 2- في مختلف مراحل التطور، التي يعبرها نضال الطبقة العاملة ضد البرجوازية فالشيوعيون دوماً وفي كل مكان، يمثلون مصالح الحركة العمالية ككل " من هنا، من أراد، كاشتراكي أو شيوعي أو ماركسي، حلاً لقضية قومية، لا بد أن يراه من منظور طبقي. ونخشى أن يكون بعض من قد قرا هذا النص بصيغة مشوهة كما فعلها الكثير من المترجمين إلى العربية.

إن عدم مناقشة الجوهر الطبقي، مناقشة التشكيلة الإجتماعية الإقتصادية لها، هو دفن الراس في الرمل، وهو إيمان بالملكية الخاصة ودفاع عنها بالمناورة والمداورة. ليتصور القارىء، اتفاق الفلسطينيين والمستوطنين على دولة ديمقراطية ، وحتى لو تضمنت حق العودة فسيكون مصير اللاجئين هؤلاء الإنتقال من اللجوء إلى العبودية فوق أرضهم وممتلكاتهم. فأي اغتراب قومي وطبقي هذا؟ قد يقول الاخ سلامة، إذن أنتم تؤمنون بالملكية الخاصة! ممتاز، هل نقول للفلسطينيين الذين كانوا يملكون قليلاً أو كثيراً، عليكم التحول إلى شيوعيين وأن تعطوا وطنكم للمستوطنين اليهود؟ وهل الشيوعية هي التبرع بالوطن للآخر أنفاً من الملكية الخاصة! إذن سيعمل اللاجئون في مصانع ومزارع "ذوي العيون الزرقاء" ومتى؟ بعد أن قال الأفارقة لذوي العيون الزرقاء منذ قرابة قرن:" أُغرب يا ذا العيون الزرق- Green Eyes …Go!

لن تكون ملاحظاتنا على ما كتبه الأخ سلامة في التفصيل والتعميق النظري، بل في حدود ما كتب. وبقدر ما حاول اتهامنا بالفقر النظري، فإننا سنحاول التلميح له، بأننا تلاميذ في الفكر ولكن ليس كما يرى.

والآن الى مداخلة الاخ سلامة كيلة (اللون الاسود) وردودنا التي أدخلناها على نصه باللون الاحمر وبين أقواس ثلاثية وهوامش باللون الاحمر أيضاً.

عادل سمارة ومسعد عربيد

* * *


الدولة الديمقراطية العلمانية والحل الاشتراكي
(مناقشة مع الصديقين عادل سمارة ومسعد عربيد)

سلامة كيلة

قبل أن ينشر الصديقان عادل ومسعد رأيهما عبر موقع كنعان الذي يشرفان عليه، وفي الرسالة التي يعممها الموقع، كانا قد نشراه على الإيميل المشترك للقوى والأحزاب الماركسية في الوطن العربي التي انطلقت على ضوء النداء الذي صدر في باريس في 18/9/2006، ولقد نشرت ردي هذا على الإيميل ذاته. أجريت هنا بعض التدقيقات والتوضيحات فقط، وشطبت الجمل التي إعترضا عليها في رسالة عممت على الإيميل المشترك ونشرت على موقع الحوار المتمدن كذلك (الحوار المتمدن تاريخ 10/10/2007)، والخاصة بالإشارة التي أوردتها بأن في نقاشهما ما يبدو أنه رد على ورقة تخص الدولة الديمقراطية العلمانية نشرتها على الإيميل المشترك، كونهما أشارا إلى أنهما لم يقرآها.
**********
قدّم الصديقان عادل سمارة ومسعد عربيد مداخلة انطلقت من نقد هدف الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين، معتبرين أن البديل هو الحل الاشتراكي. ورغم أن هناك الكثير من القضايا التي نتفق معها، فقد لحظت أنها وضعت في سياق مربك، وقادت إلى استنتاجات إشكالية. الأمر الذي يشير إلى أن منهجية التحليل هي مرتبكة. حيث نلمس عدم منطقية وغياب ترابط. مما أفضى إلى أن يوضع الحل الاشتراكي في مواجهة الدولة الديمقراطية العلمانية.
(((يبدو أن الآخ سلامة يقرأنا كما يريد. نحن نرفض التوقف عند الحل الديمقراطي العلماني. وبالمناسبة، فهو وإن نقدنا كثيراً في أننا لم نوضح ما هي الإشتراكية التي نريد، مع أن كتاباتنا المنشورة توضح ذلك لكل ذي عين، فهو رغم تكراره العديد لكلمتي دمقراطي علماني لم يشرح لنا ما الذي يقصده بهما. أليس سلاح النقد لا يغني عن نقد السلاح؟)))
وربما كان الإشكال الأساسي في الحوار الآن هو أن النص لا يشير إلى الذين يناقشهم، وبالتالي ربما يقود ذلك إلى أن يكون الحوار حول مسألة الدولة الديمقراطية العلمانية مربكاً وإشكالياً، خصوصاً وأنه يعطي لحل الدولة الديمقراطية أبعاداً ومضامين ليست فيه، وحمّله ما لا يحتمل، وبالتالي كان سهلاً الوصول إلى النتيجة المحددة مسبقاً، وهي: رفضه.
في كل الأحوال سوف أتناول في هذه المناقشة الحل الاشتراكي والحل الديمقراطي في إطار نظري عام، لأن الموضوع يحتاج إلى هذا المدخل. ثم أتناول نقدهما للدولة الديمقراطية العلمانية. وبالتالي رؤيتهما للحل الاشتراكي في فلسطين.

(1)
الحل الاشتراكي والحل الديمقراطي

إذن سوف أبدأ من "مستوى نظري"، هو أساسي في رؤية الوضع الراهن، ومدخل تحديد إستراتيجية القوى الماركسية (أو الاشتراكية كما يحب الصديقين تسميتها). وبالتالي فإن أهميتها نابعة من كونها مفصل تحديد السياسات والتكتيكات والتحالفات.

المهمات الديمقراطية والمهمات الاشتراكية

والصديقان يبدآن من مقابلة الحل الاشتراكي بالحل الديمقراطي، يطرحان الحل الاشتراكي كبديل عن الخيار الديمقراطي. لهذا يعنونا النص بـ: "نحو حل إشتراكي في فلسطين: مناقشة نقدية في حل "الدولة الديمقراطية العلمانية"". وهما هنا يطرحا الحل الاشتراكي النهضوي العربي القائم على تحقيق الوحدة والتنمية والتحرير. من أجل إقامة دولة عربية فيدرالية، موحدة، إشتراكية، ومتطورة. ويدعوان إلى قيام حركة إشتراكية عربية تمثل الطبقات الشعبية. وينطلقان من ذلك لمواجهة حل الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين بالحل الاشتراكي. وهو النقاش الذي يوحي بأن طبيعة المرحلة الراهنة تفرض الحل الاشتراكي وليس الحل الديمقراطي. (((يوحي؟ هذا يعني أنه يوحي لك. والنقاش النظري لا ينطلق من يوحي أو يشي، بل ينطلق من نص مكتوب ومن مفردات لها محمولها. فلماذا لا تناقشنا فيما كتبنا، ومن ثم تسالنا هل هذا ما قصدتماه؟ وليس إساءة التفسير كمبرر للنهش. نحن لا نخلط الحلين، ولكننا لا نكتفي بالحل الديمقراطي))) وهذه مسألة يبدو أنه يجب أن نعيد النقاش فيها، رغم أنها إستحوذت على نقاشات واسعة في الوطن العربي في النصف الثاني من القرن العشرين (خصوصاً السنوات من 1950- 1970)، وبدا أن المسألة قد تبلورت في صيغة "الثورة القومية الديمقراطية" وليس الثورة الاشتراكية، التي ظل قطاع محدود من الماركسيين يؤكد عليها. ((( ما معنى "وبدا أن المسألة تبلورت في ..."؟ من الذي بلورها، ومن الذي إختلف معها؟ وهل إذا بلورها البعض أو الأكثرية معناه ان باب النقاش قد أُقفل. وإذا كان الماركسيون العرب فالحون نظرياً إلى هذا الحد، فلماذا تخلى معظمهم عن الشيوعية وتأنجز (أي أصبحوا مأجورين للمنظمات غير الحكومية NGOs ) منهم العديد؟ وما الذي أنجزوه. لا نهزىء هنا بنضال المناضلين الابطال بل بسطحية الكتبة والمثقفين.

ولو افترضما أن هؤلاء قد انتهوا إلى الثورة القومية (أو الوطنية) الديمقراطية، فهل أُنجزت هذه؟ وما العمل حينما يكتشف الماركسيون أن البرجوازية القومية قد وجدت مصالحها بعيداً حتى عن إنجاز هذه الثورة؟ هل نقول لهم: إما أن تنجزوا المهام الديمقراطية أو لا بديل ابداً؟ ليست الأمور قوالباً جامدة، فحسب المرحلة والتعسكر الطبقي وشدة الصدام وقوة الأطراف وعمق الإنتماء والفهم تكون المهام ومن ثم الإنجاز.

نضطر هنا لتصحيح الأخ سلامة نظرياً مع المعذرة عن "فقرنا" النظري.

هناك حل اشتراكي وهناك حل راسمالي. وبدايةً، فكلمة "حل" يجب ان تعني "مشروعاً". لا يوجد في التاريخ حلا اسمه الحل الديمقراطي. فالحل الإشتراكي يعني هيمنة نمط الإنتاج الإشتراكي ليحل محل ويزيح الأنماط الأخرى وخاصة الراسمالي. قد يتمفصل articulated النمط الإشتراكي مع أنماط أخريات، بل يتمفصل، ولكنه تمفصل/صراع لأن كل نمط يحمل على اكتافه طبقة، اي هناك صراع طبقي، ينتهي، وهذا ما نأمله ونعمل من أجله، دون أن نبدو حتميين، بانتصار نمط الإنتاج الإشتراكي .

ما هو نمط الإنتاج "الديمقراطي" وما هي الطبقة الديمقراطية؟ هذا حديث ضبابي ورمادي يتمظهر نظرياً، ولا علاقة له بالنظرية قط. الديمقراطية بكل التبسيط الممكن هي علاقة وانتظام علاقة بين الفرد والفرد وبين الفرد والسلطة. ليست نمط إنتاج، ولا تشكيلة اجتماعية اقتصادية، ونعتقد أنه من الخطر، والخطر على ماركسي، أن لا يرى هذا عن الديمقراطية. وعليه، ففي هذا العصر تحديداً، إما ان يكون هناك نمط وتشكيلة راسماليان أو إشتراكيان، وما ليس اشتراكياً فهو راسمالي، وما قد يتوسط بينهما هو وضع انتقالي ليس أكثر. أليست الإشتراكية هي نفسها مرحلة إنتقالية، ولذا احتملت الإرتداد. هذا ما عالجه ماو بدقة في حديثه عن ".The Capitalist Roaders" وعليه، فالحل الديمقراطي العلماني في فلسطين هو راسمالي، وهذا ما يحلم به المستوطنون. وما يتزلف إليهم به اليسار الصهيوني من شمعون بيرس وحتى التروتسكاويين وبالطبع وشيوعيي التحريفية السوفييتية. وهذا ما يدفع اليسار الصهيوني هذا إلى رفع شعار الدولة الديمقراطية العلمانية ويجر في أذياله عرباناً كثيرين. قد يقول الأخ سلامة، لا، نحن لا نريد حلا راسمالياً بل ديمقراطياً علمانياً، ونحن نقول ما هي علاقات الإنتاج في هذه التشكيلة، وليس ما هي قوى الإنتاج أساساً؟)))
لهذا ربما من المفيد تركيز الأفكار حول هذه المسألة، لأنها أساس نظري لكل السياسات التي ترسم، وأساس تحديد المهمات ودور الطبقات والتحالفات كما أشرت للتو. إن ملخص النقاش حول هذه المسألة يشير إلى أن التباساً حدث في إطار الماركسيين بعد أن تحولت الرأسمالية من حدودها القومية لتصبح نمطاً عالمياً يفرض مصالح رأسمالية المراكز ((( لكي لا يضيع القارىء في هذا التعميم يجب ان يكون الجمع للراسماليات وليس للمراكز فقط، فتشابه المدارس الراسمالية لا يعني توحد المصالح القومية لبرجوازياتها، هذا علماً بأن المدرسة الراسمالية اليابانية مثلاً مختلفة عن الأميركية، وكلها إمبريالية، وحتى راسماليات شبه المركزSemi-core او شبه المحيط Semi-periphery مختلفة عن بعضها، كوريا الجنوبية والبرازيل...الخ ))) على أمم الأرض، وبالتالي تنحّت البرجوازيات (((إذا كان فهم المرء الطبقي صافياً وواضحا، لا يسقط في أقوال ضبابية من طراز: "البرجوازية لا تتنحى". المسألة ليست تقاعد وظيفي، كمبرادور المحيط وجد مصلحته الطبقية في التبعية، فتبع واتبع البلاد والعباد. للمفردة محمولها وتأثيرها التربوي فالقارئة/رىء الفتى قد يفهم من كلمة (تنحى) طيبة هذه البرجوازية من مدخل "كفى الله المؤمنين القتال))) في الأمم التي لم تصبح رأسمالية عن لعب دورها في بناء الصناعة وتطوير قوى الإنتاج، ((( الأمم لا تصبح راسمالية، الطبقات في البلدان هي التي تصبح بمعنى أن تطور القوى المنتجة يقود إلى علاقات إنتاج مناقضة للسابقة. يجب الحذر هنا، فقوى الإنتاج تصبح بلا فاعلية في الثورة والتغيير إذا لم تجسد في علاقات إنتاج جديدة...وربما هذه معضلة المركز اليوم الذي تتطور فيه هذه القوى كما تتقافز شياطين الجن. يمكن أن تكون هناك مصانع في غاية التقدم أما علاقات الإنتاج والتوزيع والإستهلاك فهي راسمالية)))) وبالتالي في تحقيق المهمات الديمقراطية الضرورية لتطور اقتصادي كهذا (أي الدولة الحديثة، وحل المسألة القومية، وحل المسألة الزراعية، والحداثة الفكرية) (((بناء الدولة الحديثة مفهوم، وحل المسألة الزراعية مفهوم، وهو حل برجوازي لها بالطبع، ولكن ما هو حل المسألة القومية التي تذكره هنا؟ إذا كان المقصود محاولة الإستقلال، اي مقاومة الإستعمار من اجل الإستقلال، فلماذا لا توضع بشكل واضح؟ لماذا نثير هذه النقطة، المقاومة؟ لأنك لاحقاً كتبت عن لبنان (ص 37) "إذا كانت المقاومة ضرورية" وهذا يرتد ويعود إلى ذهنية ضد المقاومة لأنها تخدش الجلد الحضاري للكيان الصهيوني. نعم هناك عرب كثيرون لم يستطيعوا تخيل أن يقوم "أعرابي" بالتطاول على إمبريالي فكيف إذا كان صهيونياً ايضاً!)))، ولقد إنجدلت مع الرأسمالية الإمبريالية (((ما معنى راسمالية إمبريالية؟ هل هناك رأسمالية لا تصبح إمبريالية حين تصل مرحلة "البلوغ" الإمبريالي؟ لعل "صحيح الحديث": الراسمالية في مرحلة الإمبريالية، لأننا نرى أنها تجاوزت "القداسة اللينينية" فوصلت إلى الراسمالية في مرحلة أو حقبة العولمة ))) من موقع التابع. لهذا ظلت هذه الأمم عاجزة عن الانتقال إلى مرحلة الصناعة والدمقرطة والحداثة (وبعضها التوحيد القومي) (((لماذا لوي أعناق الحقائق؟ قد لا توجد منطقة جغرافية في العالم استدفت ومُنعت من التوحد القومي بمثل ما مُنعت الأمة العربية، فلماذا لا توضع الكلمات بوضوح؟ فدور المركز الراسمالي بتنوعاته في منع الوحدة العربية كان ولا زال على أشده. إنه أمر فاصل في تاريخ الوطن العربي. نخشى أن عدم ذكر الأمة العربية بوضوح، يعود الى الفزع والرهاب والإلتباس التروتسكاوي حيال القومية العربية والأمة العربية وهو التباس ناجم عن "صهينة" كثرة لا حصر لها من التروتسكيين في الغرب والشرق. لذا يستعملون كما ورد في أكثر من موضع تعبير "المنطقة العربية" كفراً وتهرباً من "الوطن او الأمة العربية"))). ولقد أصبحت الرأسماليات الإمبريالية والمحلية مضادة لصيرورة التطور والحداثة هناك، وبالتالي أصبح كل تطور يجب أن ينطلق من الصدام معها، وهو لن يتحقق إلا عبر هزيمة هذه الرأسماليات.
في هذا الوضع طرح خياران، الأول: ينطلق من الإصرار على الفكرة الأصلية لماركس، والقائلة بـ "حتمية" الانتقال من المرحلة الإقطاعية إلى الرأسمالية، وهو الانتقال الذي يتحقق بقيادة البرجوازية، ولن يتحقق بغير ذلك. وسنلحظ هنا أن هذا التيار في الماركسية لم يلحظ تحوّل مسار البرجوازية المحلية بعد ترابطها مع الرأسمال الإمبريالي، حيث لم تعد معنية ببناء الصناعة وتطوير قوى الإنتاج، بل أصبحت توظّف الرأسمال في القطاع الهامشي، في التجارة والخدمات والمال (((نجد هنا استعمالاً لغوياً غير علمي لمصطلحات مختلفة، ولن يسعنا الوقت لمتابعة كل ذلك. فما معنى "ترابطها مع الراسمال الإمبريالي". فالترابط يتضمن التساوي، وهذا ما لم يحصل فرأسماليات المحيط تابعة، وتعيش على اقتصادات التساقط Trickle-down economies التي تحصل عليها مقابل التفريط بالثروات القومية لبلدانها، إنها تحصل على مجرد عمولة، فهي ليست شريكاً قط، ولا تطمح، ولو طمحت اصلاً لما اختارت واستنامت للتبعية. ولا يوجد راسمال إمبريالي لأن هذا ينفي عنه سمة القومية التي ما زال فيها، وإن كانت متعدية الجنسية تعمل على صعيد (شبه) عالمي لكنها بالطبع وفي النهاية تعيد الفائض الناجم عن استغلال المحيط إلى المركز، حيث هناك يظل القرار المالي والمستقر المالي والقرار الإداري والإحتكار التقني...الخ. ثم ان التجارة والمال والخدمات ليست هامشية، فالقراءات الحديثة اصبحت ترى في التجارة قطاعاً من قطاعات الإنتاج. والأهم من ذلك، هذا هو القطاع الثالثي (وقد يعود ذلك الى ترجمة بعض المترجمين العرب الذين ترجموا ذلك بتصرف ناجم عن ضعف علمي ولغوي وعلى الشهامة مستخدمين حوافرهم). والأكثر أهمية أن هذا القطاع يشكل اليوم الأوسع في اقتصادات المركز ومن هنا ازمة الراسمالية العالمية اليوم، وخاصة في المراكز وخاصة في الولايات المتحدة حيث يلهث الإقتصاد الحقيقي وراء الإقتصاد المالي (اليوم الحقيقي ثلث القيمة المضارباتية للمالي)، وهذا سر خطورة المضاربات وهذا ايضا ما يدفع الولايات المتحدة التي بدأت تضعف منافستها مع المراكز الأخرى إنتاجياً، فركزت على السبق التصنيعي العسكري، وبالطبع على تجارة السلاح واستعماله... والمهم هنا ما أوردته أنت نفسك على لسان ماركس حول حتمية الإنتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية. طبعاً كان لا بد هنا من الحديث الأدق، اي عن التشكيلات الإجتماعية الإقتصادية الماقبل راسمالية أو اللاراسمالية، والإقطاع الأوروبي من ضمنها وليس ممثلها وحده. هنا يتضح التلوث بالمركزانية الأوروبية التي أصيب بها الشيخ ماركس نفسه، ولذلك كان لزاماً عليك الإشارة إلى أن الرجل نسب "نقل إلى الراسمالية ـ رسملة" المحيط إلى المركز الراسمالي، وهو الأمر الذي لم يقم به المركز بل قام بعكسه وخاصة في الوطن العربي. ما حصل هو الأتعس، الإستقطاب Polarization))) ، وهو القطاع المتراكب مع سيطرة الرأسمال الإمبريالي، وبالتالي مع سياساته. وهي لهذا لم تعد معنية (((غير معنية؟ ما معنى هذا؟ هذا حديث محايد، غير ثوري مصاب بتهذيب البرجوازية الصغيرة الشكلاني والإشكالي. نعتقد أن الصحيح انها لم تعد لها مصلحة في كذا...الخ))) بتحقيق المهمات الديمقراطية، بل حافظت على استمرارية البنى المؤسسية والأيديولوجية التقليدية. ونتيجة ذلك أصبح الانتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية وفق الصيغة النظرية التي تطرحها الماركسية (ماركسية ماركس)، والمستمدة من صيرورة الانتقال في أوروبا، غير ممكن. حيث استمرت البنى الإقطاعية، التي أخذت شيئاً فشيئاً تتكيف مع النمط الرأسمالي وتتحوّل إلى رأسمالية هامشية، وأُخضعت الأمم المخلفة لآليات السيطرة الإمبريالية، لتبقى دون قوى إنتاج قادرة على المنافسة، وبقيت في الغالب أمم زراعية متخلفة، أو تعتمد على المواد الأولية. (((هنا لا نناقشك ماركسياً ولا شيوعياً ولا اشتراكياً... بل نأخذ واقع الحال، وعدم متابعة ما يدور في العالم. فلم تعد بلدان المحيط حتى زراعية ولا معتمدة على المواد الأولية كما كانت سابقاً، باستثناء النفط ـ اللعنة. أصبح المركز يصدّر للمحيط طعامه اليومي، وتمكن المركز عبر التصنيع المتقدم من تقليل كمية المواد الخام في الصناعة مما قلص حصة المحيط من التجارة العالمية إلى درجة خطرة، فطالما نتحدث للأجيال القادمة، علينا وضعهم في صورة عالمهم إذا لم نتمكن من دفعهم لما بعد صوره الحالية))).
الخيار الثاني: هو الانطلاق من أن مواجهة الرأسمالية تفرض تحقيق الاشتراكية، حيث أن الطبقة العاملة لا تحمل سوى مشروع واحد هو: الاشتراكية، بغض النظر عن الظروف الواقعية، وبالتالي المهمات التي يطرحها الواقع. وكما لمسنا للتو فإن الواقع لم يكن قد تجاوز سيطرة الإقطاع، أو تجاوز التكوين الزراعي، وظلت الصناعة هامشاً محدوداً (((هذا لا يكفي ولا يفيد. هناك الكثير من بلدان المحيط حققت مستوىً تصنيعياً مقبولاً (طبعاً بعد الحصول على إذن المركز) مثل النمور وحتى التنينات، ومع ذلك لم تتحول إلى الإشتراكية هذا ناهيك عن المركز نفسه...فالمقياس ليس التصنيع والنمو وإنما طبيعة المشروع التنموي: هل هو إشتراكي أم راسمالي وحدود اشتراكية القوى الطبقية التنظيمية الحاملة لهذا المشروع))) كما ظلت البنى التقليدية هي المسيطرة، وكانت المهمات الديمقراطية كلها لم تتحقق بالتالي. وهذا ما فرض طرح صيغة "إشكالية" من قبل بعض التيارات الماركسية هي صيغة "البرنامج الانتقالي" في إطار ثورة إشتراكية. أو ربما يكون قد أدى إلى تمييع معنى الاشتراكية كما سنلاحظ تالياً. بمعنى أنه قد أُخرج عن أساسه الطبقي فأعيد إلى المعنى السابق للماركسية، والذي نقده كل من ماركس وإنجلز في الفصل الأخير من "البيان الشيوعي"، وأشار إليه إنجلز في كتابه "الاشتراكية الطوباوية والاشتراكية العلمية"، أو "تطور الاشتراكية من طوبى إلى علم".

بمعنى أن المنطق الذي حكم هذين الخيارين إنطلق من الإجابة على سؤال: هل أن المهمات هي التي تحدد طبيعة الثورة (أو التحول أو التغيير) أم أن دور الطبقات هو الذي يحدد ذلك؟ مَنْ إنطلق من المهمات فقط إتبع "الطريق التقليدي" للتطور، والذي شهدته أوروبا في تحولها إلى الرأسمالية، وبالتالي إستنتج بأن البرجوازية هي التي يجب أن تحقق التغيير، وأنْ لا طريق غير ذلك، وبالتالي بنى منطقه على حتمية هي حتمية الانتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية. ومَنْ إنطلق من دور الطبقة العاملة بعد أن رأى عجز البرجوازية، ظل متمسكاً بالفكرة الماركسية "التقليدية" التي تقول بأن مهمة الطبقة العاملة هي تحقيق الاشتراكية، لأن هذه هي مهمتها "التاريخية"، وهنا كمنت حتمية أخرى. لقد تأسس المنطق الأول على أن هذه المهمات التي هي مهمات حققتها البرجوازية إبان صعودها، هي مهماتها. لهذا لن يحققها طرف آخر، إنها مهماتها. وما دامت الطبقة العاملة قد تشكلت، وما دام الحزب الماركسي أصبح قائماً، فعليهما أن يدعماها لا أن يحلا محلها. هنا الربط الميكانيكي المحكم بين المهمات والطبقة التي تحققها (بناءً على التجربة الأوروبية). وتأسس المنطق الثاني على أن عجز البرجوازية عن تحقيق التطور، أو تخلي البرجوازية عن دورها "التقليدي"، وبالتالي إنتهاء دورها "التاريخي"، يفرض أن تقوم "الطبقة النقيض"، أي الطبقة العاملة ما دامت قد تشكلت، بتحقيق برنامجها، الذي هو تحقيق الاشتراكية. وهنا نلمس الربط الميكانيكي المحكم كذلك بين الطبقة العاملة و"مهماتها التاريخية". وسنلمس بأن كلا المنطقين يتجاهل الواقع، وينطلق من فكرة أتى بها ماركس وهو يحلل واقعاً معيناً، جرى تعميمها، أو تحويلها إلى قانون. هل هي قانون؟ لكن كيف يمكن أن تتحول إلى قانون دون أن تدرس تجريبياً في مكان وزمان آخرين، في مكان وزمان غير مكان وزمان ماركس؟ هذا ما تناوله لينين ليتوصل إلى ما هو مخالف لهذه الفكرة ولتلك.
سنلحظ بأن في كلا الإجابتين ما هو صحيح، وإن كانتا إجابتان خاطئتان. حيث أن كل منهما يعتمد زاوية نظر مختلفة عن الأخرى، وهي صحيحة في حدودها لكنها تكون خاطئة حينما تتحول إلى حكم. الحكم المبني على دوغما تنطلق من فكرة لماركس (وليس من منهجيته). وهنا يكون مطلوباً تجاوز الربط الميكانيكي المحكم بين الطبقة والمهمات. فصحيح أن المهمات هي مهمات ديمقراطية تلك التي حققتها البرجوازية في أوروبا والتي لازلنا نسعى إلى تحقيقها. مهمات بناء الصناعة وتطوير القوى المنتجة، الوحدة القومية، الحداثة المتضمنة الدمقرطة والعلمنة. لكن لم تعد البرجوازية (العالمية والمحلية) معنية بتحقيقها كما أشرنا منذ البدء. وليس من الممكن الانتقال إلى الاشتراكية دون تحقيق هذه المهمات. لا إشتراكية دون أن تصبح الصناعة هي أساس قوى الإنتاج، وبالتالي أن تتشكل الطبقة العاملة كطبقة لذاتها. وكذلك دون أن تتحقق المسألة القومية والدمقرطة والحداثة. حيث لا المجتمع متكون بما يسمح بذلك، ولا الطبقة العاملة ( قليلة العدد، ومحدودة الوعي نتيجة الوضع الاقتصادي الاجتماعي ذاته) قادرة على حمل مشروع تحقيق الاشتراكية. إنها بحاجة لأن تتحقق المهمات الديمقراطية، كما أن حجمها يفرض عليها أن تتحالف مع كل الطبقات المعنية بتحقيق المهمات الديمقراطية (خصوصاً الفلاحون والفئات الوسطى المدينية). وما من شك في أن سعيها لتحقيق الاشتراكية يعزلها عن هؤلاء، ويبقي هدفها بعيداً، وليبدو أنه خارج الإمكانات الواقعية.
((( ماذا تريد بعد هذا التكرار لما كتبه ماركس من صح وخطأ؟ فالمسألة ليست إعادة ما كتبه الأستاذ؟ تريد أن تصل إلى أن "سعيها لتحقيق الإشتراكية يعزلها عن هؤلاء، ويبقي هدفها بعيداً، وليبدو أنه خارج الإمكانات الواقعية"، حسناً، ولكن هناك ثلاثة بناشر في ثلاث دواليب من دواليب العربة الأربعة:

الأول: من الذي يحدد حلول او وجود الإمكانات الواقعية؟ وهل ماركس هو خالق التنظير الحقيقي لكل الإمكانات الواقعية في كل زمان ومكان؟

والثاني: ما قصدناه نحن اساساً في كل مقالتنا المحدودة جداً، هو تأصيل المعتقد الإشتراكي للحل، وليس القفز إلى الإشتراكية صبح غدٍ، حتى وإن كان "غد لناظره قريب"! نحن ضد إخفاء الهوية، ضد التخفي بملاءة الديمقراطية البرجوازية العلمانية كي يرضوا عنا. نحن ضد الإندساس في صفوفهم كما لو كنا من العسس، أو تقية الشيعة! إن التثقيف والتثقف بالإشتراكية هو الذي يخلق إشتراكيين صامدين. لاحظ، كيف تفسقل (مستخدمين مفردة قروية فلسطينية، اي تبعثر أيدي سبا) اليسار الماركسي والشيوعي الفلسطيني. أليس للفقر النظري دوره هنا، عدم التثقيف بالإشتراكية؟ هل السبب هو في إمكانية تحقيق الإشتراكية أم لا؟ أصبح هذا اليسار في طليعة قوى التسوية وأصبح هؤلاء اليساريون يدافعون عن مشروع الدولتين اكثر من محمود عباس. وقد يكون طريفاً ونادراً وظريفاً أن يكون نائب الأمين العام للشعبية والديمقراطية في رام الله مهاجمين ل "حماس" أكثر من عباس، بينما تشارك كوادر من الشعبية في الخارج في مؤتمرات الدولة الديمقراطية العلمانية الملقحة "سراً وسفاحاً" بشعوذات كثير من اليسار التروتسكاوي. كيف هذا!! في رام الله مع دولتين وفي باريس ولندن مع دولة واحدة! أما الحزب الشيوعي القديم، فهو ... قديم وكفى!

والثالث: أصبح ممنوعاً منعاً قاطعاً للعنق الحديث عن إشتراكية في فلسطين ولو في التثقيف والقراءة، لأن هذا مرفوض صهيونياً، فمعظمهم بين رأسماليين وطامحين في الترسمل سرقوا الأرض فكيف يؤمموها؟ مستحيل. وعليه، فهم مع حل راسمالي وليس اشتراكي، وهل شاركت المستوطنات البيضاء احداً. حتى في جنوب إفريقيا ماذا حصل؟ مجرد دولة بيضاء بوشاح اسود.

هنا نعود ثانية إلى التروتسكاويين الصهاينة واليهود معاً (توليفة غريبة). فهم ثوريون واشتراكيون في كل مكان، هم مع الطرح وحتى المشروع التنفيذي الحالي اشتراكيا في فنزويلا، وفي كل مكان، أما في فلسطين فهذا ممنوع وغير ممكن ولا يوجد نضوج ولا "بلوغ" ...و و و! حتى في جنوب إفريقيا، كان التروتسكيون ضد مانديلا لأن المؤتمر الوطني الافريقي ليس اشتراكياً ، وهذا موقف صحيح منهم، ولكن لماذا هنا (في فلسطين المحتلة) التروتسكيون معتدلون مائعون وصهاينة ومعظم تروتسكيي العالم يريدونها ديمقراطية علمانية وحسب. هناك جبهة عالمية يقودها هؤلاء كي لا يصل الحوار إلى فلسطين إشتراكية. يريدون ثورة اشتراكية في الأرض والسماء، وفي المريخ إن أمكن، باستثناء فلسطين. لماذا!؟ أليس لأنهم يعتنقون اليهودية أكثر من الماركسية! لماذا انتهوا إما إلى الدولتين أو إلى الدولة الديمقراطية العلمانية وحسب... قف ولا تتقدم بوصة ايها الجندي! نموذجهم حركة "متسبين"، بدأت ممثلة في مركز المعلومات البديلة Alternative Information Center. كانوا يسمون المركز ماركسياً (1980) ثم اشتراكياً (1990) ثم يسارياً (1994) ثم تقدمياً (1995) واليوم منظمة أنجزة ! وقد جروا معهم الجبهة الشعبية، ويا حرام، مالك ومال الجبهة الديمقراطية!)))

إذن، هناك مهمات واقعية لم تعد الطبقة التي حققتها في سياق التطور التاريخي الأوروبي معنية بها، وهناك الطبقة العاملة التي لا تستطيع تحقيق مشروعها الاشتراكي نتيجة حجمها،(((ما القيمة العلمية للحجم هنا! طيب، فما أكبر حجم الطبقة العاملة في بلدان المركز!!! "كبير وقليل بركة"، أو كما قال الشاعر:
وكم رجل يعد بألف رجل وكم الف تمر بلا عداد
لا تؤاخذنا، فحينما يتصدى المرء للقضايا النظرية ويضع نفسه في مقام المنظِّر، فعليه أن يتحمل نقد الطلاب!. العبرة في حدود وعي وثورية وشيوعية العمال، وهل هم مرشيون من البرجوازية أم لا؟ وهل قياداتهم الحزبية والنقابية والحركية العمالية برجوازية صغيرة أم لا؟...الخ))) وطبيعة المهمات التي يجب أن تتحقق. هنا الحتمية تتحدد في ضرورة تحقيق المهمات، لأنها تتعلق بالتطور التاريخي الذي لا تتحقق صيرورته إلا بتحقيق المهمات التي يطرحها الواقع ذاته. لكن إنتهاء الدور التاريخي للبرجوازية (((ما معنى الدور التاريخي؟ معناه وجوب حصوله بمقتضى المادية التاريخية. فهو لا ينتهي، بل هو يُنجز. أما إذا لم يُنجز، فذلك يعني انه ليس تاريخياً أي ليس حتمي التحقق. إذن هو واجب أو مهمة متوقعة، قياساً على تجارب أمم أخرى. لكن ليس شرطاً أن يحصل وها هو لم يحصل؟ هل هناك دور تاريخي لأثرياء ابي ظبي غير مكيجة الغلمان واستخدامهم؟))). يفرض أن تقوم الطبقة التي لن تتحقق مصالحها إلا إذا حققت مصالح الأمة، ولتتحول هي الأمة، هذه الطبقة هي الطبقة العاملة. وهنا تتحدد الحتمية الأخرى، أي أن تلعب الطبقة العاملة دوراً فاعلاً وقيادياً لعملية التغيير والتطور.
/ ملاحظة: الحتمية هنا لا تعني حتمية أن يتحقق التطور، فهذه مسألة خاضعة للممكنات، لكنها تعني أنه من الضروري تحقيق المهمات الديمقراطية، ولا إشتراكية دون ذلك. وأيضاً أن تحقق ذلك يفترض أن تلعب الطبقة العاملة الدور الفاعل والقيادي/
(((أية حتمية؟ دعنا نتواضع قليلاً ونقول الضرورة التي ليس شرطاً حصولها وخاصة الأوتوماتيكي. ألا تلاحظ أنك تنادي بالحتمية الإشتراكية وتحرمنا من الحديث عن الحل الإشتراكي؟ وسواء حتمية أم ضرورة، هنا لا بد من إدخال عامل الزمان والمكان كي لا نبدو ميكانيكيين. والمهم ليس هذا بل التطور، لا يوجد عقل علمي يؤكد عدم حصول التطور، فالتطور حاصل في كل لحظة إنسانية، المهم هو وتيرة التطور، وصوله و/أو انحصاره في درجة التغير والتغيير، أو كما يقول كابرال: "كل شيء يتحول" وعلى اية ارضية طبقية، ونظرية وثورية. ذكرتنا بما تحدثت به مدرسة "عدم اليقين النمساوية، ومثالها بيزي ـ بقرة ـ هاياكاوا. يقولون لا يمكن معرفة الوزن الحقيقي للبقرة لأن خلاياها تنشأ وتموت في كل لحظة، أما المهم أن تغيراً ما يحصل)))

هذا الوضع طرح الصيغة المركبة، التي بدأها لينين (رغم أنها تطورت خلال القرن العشرين)، القائمة على التأكيد على ضرورة تحقيق المهمات الديمقراطية، حيث ليس من تطور دون ذلك، لكن أولاً بأن تلعب الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، وبالتالي الحزب الذي يمثلهما، الدور الفاعل والقيادي، دون تجاهل التحالف مع بقية الطبقات الشعبية، وكذلك التحالف مع الأحزاب المعبّرة عن تلك الطبقات. هنا لا تعود المهمات الديمقراطية حكراً على البرجوازية (وإنْ كانت قد حققتها في الماضي)، كما لا تعود مهمة الطبقة العاملة تحقيق الاشتراكية فقط، بل يجب عليها أن تحقق المهمات الديمقراطية تلك لكي يكون بإمكانها الانتقال لتحقيق الاشتراكية. إذن، المهمات الديمقراطية (وأشير إلى أن الصديقين عادل ومسعد لا يطرحان أكثر من هذه المهمات كما سوف أوضّح تالياً) من جهة، وضعف الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، ولكن مقدرتهما على التحالف مع الفلاحين المتوسطين ومع الفئات الوسطى المدينية من جهة أخرى، يجعلان التأكيد على الطابع الديمقراطي للمرحلة (أو للثورة) مسألة أولية، خصوصاً في الوطن العربي، حيث أن المهمات الديمقراطية واسعة: الاستقلال في فلسطين والعراق ومناطق أخرى، الوحدة القومية وحل مسألة الأقليات، تطوير القوى المنتجة وخصوصاً بناء الصناعة وتحديث الزراعة، الدمقرطة والعلمنة والحداثة. بمعنى أنه يجب ملاحظة المهمات من جهة، والكتلة الطبقية القادرة على تحقيقها من جهة أخرى، ودون ذلك لن يكون ممكناً تحقيق التطور، لا الديمقراطي ولا الاشتراكي. وهذه "الكتلة التاريخية" (كما أشار غرامشي) هي الطبقات الشعبية (أي العمال والفلاحون الفقراء والمتوسطون والفئات الوسطى المدينية)، وإذا كانت الطبقة العاملة والفلاحون الفقراء يمكن أن يدعموا إلغاء الملكية الخاصة فإن بقية الطبقات سوف ترفض ذلك لأنها تسعى إلى التملّك، وتحلم بالتحوّل إلى رأسمالية. وبالتالي فإن المطالبة بتحقيق الاشتراكية، أي بإلغاء الملكية الخاصة (وهو ما يشير إليه الصديقان بشكل عابر على كل حال)، سوف لن يسمح بتحقيق التحالف الذي هو وحده القادر على تحقيق المهمات الديمقراطية.
(((هل حقا أننا لم نطرح إلا المهمات الديمقراطية؟ لقد إتهمتنا، في أكثر من موضع، باننا لم نطرح هذه المهمات، وهنا تتهمنا أننا طرحناها وحدها! نرجوك الإستقرار على موقف مما قلنا. ثم تتهمنا بأننا اشرنا إلى إلغاء الملكية الخاصة وتحقيق الإشتراكية بشكل عابر. ليست المسألة بكثرة اللغو والتوكيد اللفظي. لم تكن مقالتنا كتاباً في التنظير. لقد جاءت من أجل موقف سياسي، حل سياسي. وإذا كان تكرار الكلمات هو المطلوب، وهذا ما لا يعجبنا، فنؤكد بغلاظ الأيمان اننا نريد وسنعمل على إلغاء الملكية الخاصة وتحقق ملكية عامة وشعبية لا دولانية لوسائل الإنتاج، وليس هناك ما يخجلنا في ذلك))).

طبيعة الحل الاشتراكي الذي يطرحه الصديقان

لقد حدد الصديقان المهمات في: الوحدة، التنمية (ومرة حدداها بالتنمية الاشتراكية)، التحرير (ومرة بإضافة تعبير: وصولاً إلى الاشتراكية). لكنهما إعتبرا أنها هي "الحل الاشتراكي"، كما إعتبرا أن الطبقات الشعبية (دون تحديد من هي) هي صاحبة المصلحة الحقيقية في تحقيق هذه الأهداف. ولهذا دعوا إلى قيام حركة إشتراكية عربية منها.
(((ليكن، ألا يحق لنا القول أن مجموع هذه التحديدات يشكل موقفاً اشتراكياً؟ نحن لم نطرحها في تناقض ولا حتى تناظرمع بعضها، بل في تكميل لبعضها البعض. ولكن يا أخ سلامة، حين تكون الأمور بالتصيُّد، لا يعود النقاش ثورياً، ولا علمياً بل تكون هناك إسقاطات شخصية، لم نتوقعها)))
الصديقان هنا يطرحان المهمات الديمقراطية (أو بعض هذه المهمات). لكنهما يعتبران أنها أهداف المشروع الاشتراكي (((اين قلنا انها اهداف المشروع الإشتراكي؟ هل يمكن لإشتراكي ان يعتبر المهام الديمقرطية اهداف المشروع الإشتراكي وحدها. ألم نؤكد في المقالة على وجوب تأميم الأرض والصناعات والجيش والقمم الإقتصادية. يعني نأمل على الإقل أن تحدث للناس بما هو في النص لأنهم يقرؤون أيضاً كي لا تسقط فيما تفعله الأنظمة العربية حيث تراهن أن الناس لا تقارن اقوالها بأفعالها وما فعله كثير من مثقفي الماركسية الذين يرون العلوم في طاسة رؤوسهم وحسب)))، لأن تحقيق هذه المهمات هو في تضاد مع الرأسمالية. فـ "بما أن رأس المال الكمبرادوري يخون، بشقيه السياسي والثقافي، فلا مناص من حل غير رأسمالي هذه المرة هو الحل الاشتراكي". بمعنى أنه مادام لم يعد حلاً رأسمالياً فهو إذن حل إشتراكي. ولاشك في أن هذا الاستنتاج متسرع وشكلي، لأن صيرورة الواقع أعقد من أن تحسم بهذه الطريقة "اللفظية". هل أن معنى غير رأسمالي تساوي الاشتراكي؟ (((بإمكانك الحديث عن مئة حل ما بينهما. مثلا يصف كثيرون المرحلة الحالية عالميا ب ما بعد الراسمالية. ولكن علينا التأكيد، أنه حتى لو تحول الكمبرادور إلى راسمالية قومية إنتاجية بالسيطرة على الفائض واستثماره محلياً وأقامت الصناعة، فالحل بالنسبة لنا سيبقى الإشتراكية... ويكون السؤال الفعلي متى وكيف وبأية قوى؟ وليس استنكار القول إن الحل هو الإشتراكية.

وماذا بشأن الطبقات الشعبية؟ والتي تحاول مرات عدة تقويلنا بشأنها ما لم نقلهُ. وكي لا نترك الامر للتفسيرات والتأويلات، فان الطبقات الشعبية براينا ليست سوى من لا يملكون، من ليسوا مرشحين ليملكوا ويستغلوا، هي العمال والفلاحون وصغار الموظفين الذين لا يملكون قرارات إدارية. كل من يملك درجة يصبح ضد الإشتراكية درجة ومع الملكية الخاصة درجة، وهكذا تصاعدياً كالضريبة التصاعدية لدى الراسمالية اللبرالية وليس التراجعية التنازلية كما تفعل اللبرالية الجديدة بوش ومن لف لفه. هناك ممن يملكون لكنهم يتحولون إلى إشتراكيين وهذا استشناء. لن نناقشك هنا في ما تسميها "الفئات" الوسطى والصغيرة وغيرها التي تدرجها مع الطبقات الشعبية، لان المجال لا يتسع لكل هذا، وإن كنت تتبنى تعريف غرامشي لها، إذا صح نقلك عنه، فهذه مشكلة غرامشي نفسه.))). على الصعيد التجريدي نعم، لكن في الصيرورة الواقعية لا. لأن طبيعة الحل تتحدد بطبيعة المهمات أكثر من تحددها بطبيعة الطبقة القائدة. وبالتالي فإن خيانة الرأسمالية لا تلغي أن هناك مهمات ديمقراطية يجب تحقيقها. (((خيانة الراسمالية؟ هل هذا معناه ثقة بها وعتب عليها؟ كل طبقة تخون غيرها وتخلص لنفسها. هذه هي المصالح المادية، على الأقل نعتقد أن ماركس لو كان سيكتبها لكتبها كما نطرح، والله أعلم!))) وإن كانت باتت تتحقق بقيادة طبقية أخرى، هي قيادة الطبقة العاملة التي هي وحدها منْ يتبنى تحقيق الاشتراكية "العلمية"، أي تلك القائمة على إلغاء الملكية الخاصة. لكنها معنية أولاً بتحقيق المهمات الديمقراطية في إطار تحالف طبقي سياسي واسع، وبالتالي لا يمكنها طرح إلغاء الملكية الخاصة كهدف، إضافة إلى أن ممكنات الواقع لا تحتمله ما دامت لم تتأسس قوى منتجة تستطيع حمل المشروع الاشتراكي (((هل بنت كوبا هذا التحالف الواسع قبل الإشتراكية؟ أم أن الجذور التروتسكية تتهرب من ذكر كوبا، هذا مع وجوب التحذير بأن الحركة التروتسكية وهي الآن بصدد سرقة كل التراث الشيوعي تحاول ان تدهن حتى جيفارا بلونها! أما عن تأسيس قوى منتجة تستطيع حمل المشروع الإشتراكي، فهذا من جهة خلل متكرر في طرحك حيث لا ترى علاقات الإنتاج، هذا مع العلم أن علاقات الإنتاج هي التي تحدد طبيعة التشكيلة ونمط الإنتاج. لعل مثل هذا الطرح لا يريد قراءة مساهمات ماو وألثوسير وباليبار وبالطبع الشيخ الجليل استاذنا سمير أمين، وهو طرح لا يزال مأخوذاً بحصرية البروليتاري كما يفعل تروتسكيو بريطانيا وفرنسا المكررين لمقولة: "الثورة تندلع من ابواب المصانع"...فالماكينة ماكينة، أما المهم فهم الناس!!!)))
أولاً هل أن المهمات التي يطرحها الصديقين هي مهمات إشتراكية؟ بالتأكيد لا، حيث أنها المهمات التي أنجزتها البرجوازية إبان صعودها في أوروبا. وهي مهمات الانتقال من "مجتمع القرون الوسطى" إلى "المجتمع المدني الحديث". مهمات الانتقال من الإقطاع، تجاوز الإقطاع على صعيد البنى القائمة، أي تجاوز المجتمع الزراعي والأيديولوجيا المطابقة التي تشكل الوعي العام، نحو مجتمع مدني حديث يقوم على الصناعة. ولاشك في أن نقلة قوى الإنتاج هذه مهمة وحاسمة كذلك، لأنها الأساس في تشكيل "المجتمع المدني الحديث"، أي على صعيد البنى المؤسسية والوعي والعلاقات، وتشكل الطبقات (الطبقة العاملة خصوصاً).
((( لم نتحدث قط عن الإنتقال من الإقطاع إلى الراسمالية. وبالمناسبة، في الحقبة الحالية التي نتحدث عنها، لا يوجد هنا إقطاع ولم يكن، وما كان هو غير الإقطاع الأوروبي بالتأكيد. هنا نراك تسقط في النقل عن المركزانية الأوروبية وتلبيس التجارب الأخرى نفس الجاكيت دون إدراك أن التشكيلات الإجتماعية المحيطية، ومنها، العربية أصبحت رأسمالية اليوم. فما لزوم مناقشة الإنتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية إذا كان الرد علينا، ونحن لم نثير هذا الأمر. هناك جدل موسع عالمياً في مسألة التشكيلات ما قبل الرأسمالية وآليات الإنتقال، وخصوصيات التجارب. لا بد للمرء أن يقرأ طبيعة التشكيلات الرأسمالية المحيطية وفي هذا الصدد ساهم الرباعي المعروف سمير أمين، وإيمانويل وولرشتين، وجيوفاني أريجي وجوندر فرانك في هذا الأمر.

ثم لو سمحت لنا: نحن تحدثنا عن فلسطين اساساً وركزنا على الحل الإشتراكي وتأميم الأرض والصناعة والجيش...الخ وكل هذه ليست إشتراكية، فما هي الاشتراكية إذن؟ لم نتوسع في الوطن العربي، بل لم نتعامل معه إلا في حدود كون الحل الإشتراكي الذي نبغي ان يكون هو عربياً. أما الدولة الديمقراطية العلمانية، ولأن رافعي "بُنديرتها" تروتسكيون وصهاينة فهي تريد حلاً في فلسطين فقط. ترفض البعد العربي لأنها ترى في القومية العربية كارثة على الكيان الصهيوني الإشكنازي. ولكن كيف يتسنى لها أن تموه ذلك وتخبفه؟ بزعمها أن القومية أية قومية وفي أي زمان شوفينية، وبالتالي تتساوى عندهم القومية النازية والفاشية مع القومية العربية أو الأرمنية...الخ)))
ومهمات الانتقال في الوطن العربي هي: الاستقلال (لعديد من المناطق فيه)، والوحدة القومية وحل مسألة الأقليات القومية، الدمقرطة والعلمنة والحداثة، وبناء الصناعة وتطوير القوى المنتجة والبنى التحتية. وهي المهمات التي طرحها رواد النهضة العربية لكن البرجوازية العربية الناشئة منذ نهاية القرن التاسع عشر لم تكن معنية بتحقيقها، لأنها تشكلت بالإنجدال مع الرأسمال الإمبريالي، وتوافقت مع سياساته –النابعة من مصالحه – في تكريس البنى التقليدية والزوغان (((الخيانة...الزوغان!!! كأن المسألة "لَفتَّك ما لَفتّك. المسألة مصالح وصراع طبقي مكشوف. حينما لا تقوم البرجوازية بالتصنيع فهي تشن حربا طبقية على العمال وفقراء الفلاحين، تش حرب ربح لها وتخلف للطبقات الأخرى. كيف لماركسيٍ أن يتحدث عن الزوغان ولا يذكر الصراع الطبقي، محرك التاريخ؟))) عن بناء الصناعة وتحديث المؤسسات والوعي. وبالتالي هل لأن الرأسمالية لم تفعل ذلك سيكون الحل الاشتراكي هو البديل؟ إذن ما معنى الحل الاشتراكي؟ هل نقصد هنا أن الاشتراكيين (وأنا أقول الماركسيين) هم من يجب أن يحقق هذه المهمات؟ في هذا المعنى الجواب نعم، وبالتالي يجب أن نشير إلى كيف (وهذا ما فرض أن يكون حل الاشتراكيين هو تحقيق المهمات الديمقراطية. بمعنى أنه يجب التمييز بين الحل الاشتراكي، أي ذاك الذي يقوم على تحقيق الاشتراكية، وحل الاشتراكيين الذي ليس هو بالضرورة الحل الاشتراكي. أي الفصل بين الذات –الحزب- والموضوع –المهمات- من أجل إعادة ترتيب العلاقة بينهما جدلياً). أم أنها تعني تحقيق الاشتراكية التي تقوم على إلغاء الملكية الخاصة، ولن تتحقق دون ذلك؟ هنا تبرز الإشكالية، حيث أن الطابع الاشتراكي للحل (وللثورة أو التغيير) يقوم على بناء اقتصاد إشتراكي، أي قائم على إلغاء الملكية الخاصة. وهنا لن يكون ممكناً تأسيس تحالف طبقي سياسي يضمن تحقيق المهمات الأخرى، التي هي مهمات جوهرية لتحقيق التطور، والانتقال إلى الاشتراكية.
وبالتالي ليس لأن البرجوازية قد فقدت دورها التاريخي يصبح الحل هو الاشتراكية، وتتحول المهمات ذاتها إلى مهمات إشتراكية. إنها هي ذاتها المهمات الديمقراطية التي يجب على الماركسيين تحقيقها.
(((مرة أخرى ليس الأمر دورها التاريخي، وأن تفقده أو تلتقطه. المسألة أنها وجدت مصالحها في عدم المقاومة وبالتالي في الكمبردرة. رُفعت الأقلام وجفت الصحف. ألا تلاحظ أن برجوازية الأرض المحتلة وهم الأشقاء لطارحي الدولة الديمقراطية العلمانية، فضلوا الحكم الذاتي على الإستقلال لأنه اقل كلفة ويحقق لهم مصالح اكثر وأسهل . تمهل قليلاً، لقد كرر السيد أحمد قريع تهديداته للكيان بقوله، إذا لم تنفذ إسرائيل اتفاق أوسلو فسنعود إلى طرح شعار الدولة الديمقراطية الواحدة. قريع علماني بالطبع.. إن شاء الله.
ثم هل دور الماركسيين هو تكميل ما تعجز عنه البرجوازية؟ أين فهم الصراع الطبقي؟ اين كون الثورات قاطرات التاريخ، اين المصالح الطبقية؟ إن دور الشيوعيين هو استنفاذ ما يمكن أن تقوم به البرجوازية دون التشكر لها، وتبيان للطبقات الشعبية (العمال والفلاحين المعدمين وكل من لا يملك) أن البرجوازية سوف تقطع طريق التطور الديمقراطي حينما يقترب من الإقتصاد، فما أخطر الديمقراطية الإقتصادية عليهم، لن يسمحوا بها. وحتى لو أكمل الماركسيون المهام الديمقراطية التي من المفترض أن تقوم بها البرجوازية، فهم لن يكملوها ومن ثم يعيدوا البرجوازية للسلطة كما هو جوهر مشروع الدولة الديمقراطية العلمانية هذا، بل على الماركسيين أن يستمروا في تجاوز البرجوازية معطين الصراع الطبقي مداه. لا يمكن لماركسيين ان يعظوا بالتصالح مع البرجوازية التي لا تتصالح بدورها. أما في الوطن العربي وفي الأرض المحتلة، فالبرجوازية لا تقوم حتى بواجبها القومي/ الوطني السياسي!)))
وإذا كانت هذه المهمات لا تتحقق إلا على الضد من النمط الرأسمالي وذيوله المحلية، فإن ذلك لا يحوّلها إلى مهمات إشتراكية بل يقدّم الأساس لأن تلعب الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، وبالتالي الحزب الذي يعبّر عنهم، الدور الفاعل والقيادي لكي يحققها. هنا تتغير الطبقة القائدة التي يلقى عليها تحقيق المهمات الديمقراطية. (((الحزب! اي حزب؟ لم يعد للحزب البيروقراطي الفوقي اي دور. الحزب الثوري هو الذي ترفعه الطبقة ليقوم بالمهام والواجبات والمصالح والأهداف التي تريدها ، الطبقة تراقبه من خلال مؤسساتها الشعبية، برلمانها الشعبي، كي لا تتحول قيادة الحزب إلى إله جديد. لقد إنتهى عصر الحزب التروتسكي المبقرط الفوقي المتعالي، فهذا لا يصلح اليوم. لذا، لا معنى لقولك حزب "يقودها" "يعبر عنها"، هذه فوقية ثقافوية ))) إن عدم تحقّق المهمات الديمقراطية إلا بالضد من الرأسمالية هو مدخل التأكيد على أن لا إمكانية لتحقيق تلك المهمات إلا بقيادة الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، مع ملاحظة أن ذلك يتحقق في إطار تحالف طبقي سياسي كما أشرنا للتو. بمعنى أن ذلك لا يحولها إلى مهمات إشتراكية بل يحوّل في دور الطبقات، ويعطي الطبقة العاملة الأفضلية.
إن وسم هذه المهمات بأنها إشتراكية هو تحميل لها بأكثر مما تحتمل، وتضييع لمعنى الاشتراكية، التي تفترض مستوى معيناً من التطور بنشوء قوى إنتاج حديثة قائمة على الصناعة، ومتجاوزة للمهمات الديمقراطية، وتقوم على إلغاء الملكية الخاصة. لهذا سنلمس بأن "الحل الاشتراكي" المطروح يُبهت معنى الاشتراكية، ويتميع، ويتحوّل إلى شعار يتضمن طموح فئات وسطى تسعى لتحقيق المهمات الديمقراطية ذاتها، لكن في ظرف ليس مؤاتياً، هو بالضبط ظرف سيطرة الرأسمالية الإمبريالية، وبالتالي احتجازها التطور "الطبيعي" (العفوي، التقليدي).
((( لا لزوم لكل هذا التكرار. نحن طرحنا الحل الإشتراكي، ولم نطرح في حرف واحد وجوب قيامه الآن، مع أننا نؤمن بمحاولة ذلك، كما يفعلون في أميركا اللاتينية مثلا. وإذا كان مجرد التفكير بالحل الإشتراكي مرفوضاً لأن قوى الإنتاج الحديثة ما تزال غائبة، كما تؤكد أنت متجاهلا علاقات الإنتاج، والعرب الفلسطينيين وراء السكة والفدان، فالإقتصاد الصهيوني وصل ما بعد الذرة وأصبح الإلكترون والبروتون عندهم قيد التداول كما نتداول نحن الفلافل!؟ أليس المطلوب دولة واحدة؟ وإذا كانت الإشتراكية بعيدة والأكثرية لا تؤمن بها، فالأكثرية لا تؤمن كذلك بالدولة الواحدة حتى لو كانت دولة عزمي بشارة "دولة كل مواطنيها"، التي لا يتساوى الناس فيها إلا في السجون، وحتى في هذه ستكون طبقية على اساس عرقي... أم أنه يجوز لك ما لا يجوز لغيرك؟
إذا كان لا بد من تلقُّط الإختلاط الفكري فهل الفيصل نشوء قوى أم علاقات إنتاج؟ قوى انتاج أم علاقات انتاج ؟ ليس شرطا ان نعيد سرد كل شيء لنبين أن المهام الإشتراكية تتجاوز المهام الديمقراطية. جوهر موقفنا هو أن الإشتراكيين لا يتوقفون عند المهام الديمقراطية.

نقطة نظام، نحن لم نذكر الإشتراكية العلمية كما ذكرتها أنت. لا بأس، نحن معها، ولكن هل هي اشتراكية علمية حينما تقول: "لكن في ظرف ليس مؤاتياً، هو بالضبط ظرف سيطرة الرأسمالية الإمبريالية، وبالتالي احتجازها التطور "الطبيعي" (العفوي، التقليدي)". ما معنى تطور طبيعي وعفوي؟ اين الإنسان؟ لا يوجد في التشكيلات الإجتماعية الإقتصادية متأخرة أو متقدمة تطور صناعي طبيعي وعفوي، فما بالك بتقليدي، شو يعني تقليدي! إذا كان هناك تطور طبيعي وعفوي، فأين العمل؟ الم يقل إنجلز أن العمل هو الذي حول القرد إلى إنسان! لم يبق إذا كان التطور طبيعي وعفوي، لم يبق سوى القول بان لا داع للصراع الطبقي. ولا غرابة، طالما يجري تفصيل حل الدولة الديمقراطية العلمانية على مقاس صهيوني كي لا تتم حرب قومية واشتراكية تحريرية ضدها، وطالما أن المقاومة غير ضرورية! وبعد كل هذا فلسنا نحن الإشتراكيين!))) فتموّه تلك الفئات مشروعها، تغطيه بالألفاظ، تعطيه طابعاً لفظياً، عبر تسميته: الاشتراكية. هذا ما وسم البعث والناصرية، اللذين أعطيا للاشتراكية معنى مساواتياً (الإصلاح الزراعي)، وحداثياً (دور الدولة الاستثماري الاجتماعي، والتخطيط المركزي)، مع تأكيدهم على تقديس الملكية الخاصة. وكان كل ذلك يعيد إنتاج الفائض لمصلحة فئة من الفئات التي شكلت السلطة الجديدة كما لاحظنا في النصف الثاني من القرن العشرين، وما يتبدى واضحاً أمامنا الآن. إن تعقيد الوضع نتيجة السيطرة الإمبريالية، والضرورة التي تفرض الحاجة إلى التغيير في وضع وظروف الفلاحين والفئات الوسطى الريفية آنئذ، والذي كان يفترض مواجهة الرأسمالية، فرض تبني نقيضها، لكن بعد إفراغه من معناه الحقيقي. لقد أصبحت الاشتراكية مدخلاً أيديولوجياً لفرض سيطرة الفئات الوسطى تلك، ولتحقيق مصالحها هي بالذات.
الاشتراكية هنا هي النقيض الشكلي للرأسمالية، لكنها في الواقع الغطاء الذي تتحقق في ظله مصالح رأسمالية. وهو نقيض شكلي لهذا السبب بالذات. لهذا كانت إشتراكية تنطلق من الملكية الخاصة (وهي هنا ليست إشتراكية، بل إشتراكية طوباوية). وكانت إشتراكية "الجماهير الشعبية"، هذا التعبير الهلامي الذي يغطي على الطبقات من أجل فرض سيادة الفئات الوسطى. وهو يتجاوز التحديد الدقيق للطبقات، من تسميتها، ومن تحديد مصالح كل منها سوى ذلك المتعلق بالعام المشترك.
هل يكرر الصديقات ذلك؟ أخشى أن يكونا كذلك. وإذا كانا يعتبران أن تحقيق المهمات الديمقراطية هو تحقيق للحل الاشتراكي، فلسوف نلمس أنهما يؤسسان لضبابية أخرى حينما يعتبران أن هذا الحل تحققه الطبقات الشعبية، ويساويان بينه وبين التنمية. وكل ذلك يفرض طرح السؤال: ما هي طبيعة الاشتراكية التي يطرحانها؟
إن تعبير الطبقات الشعبية يستخدم عادة، لكنه يتحدد في أنها: العمال والفلاحون والفئات الوسطى المدينية . (((ماشي لقد حددناها أعلاه، ونعم كان يجب ان نضع ثبتاً للمفردات أي Glossary ، ولأننا حددناها، نقول ان تعبير الفئات الوسطى ضبابي، فمنها من يملك ومنها من لا يملك، أما بشأن التنمية التي نفهمها، فهي الإشتراكية بلا مواربة، وقد كتب عادل سمارة عدة كتب ومقالات في التنمية بالحماية الشعبية !))) لكن حينما تستخدم دون تحديد يجب أن تثير التساؤل. هل لأن التكوين الطبقي القائم مميع، أو غير محدد؟ أو أنهما يريا أنه غير محدد؟ في هذا الوضع يجب أن يتحدد أولاً، لأنه دون تحدده ليس من الممكن الانتقال إلى الاشتراكية. حيث أن "الكتل الهلامية" لا تطرح على ذاتها مهمات إشتراكية. أم أن الرؤية التي يُنظر منها إلى الواقع هي "الهلامية" لهذا لا ترى الطبقات؟ طبعاً ليس من تكوين طبقي واضح بالمطلق، حيث هناك تداخلات عادة، لكن أساس التحديد مهم هنا، هل هو البدء من الاقتصادي، أي من العمل والملكية؟ أم من السياسي، أي من المهمات السياسية بالذات؟ في المستوى الأول يمكن تمييز الطبقات بوضوح، أما في المستوى الثاني فلا يمكن ذلك لأن المهمات المطروحة هي القاسم المشترك بين "الطبقات الشعبية". لكن هنا تضيع الخيارات المختلفة للطبقات الشعبية. وهذا ما يبرزه التحديد الاقتصادي للطبقات.
إن هذا التعبير سيبدو غامضاً ومموهاً دون تحديد طبقي واضح. وربما كان هذا الغموض هو الذي يشي بإشكالية معنى الاشتراكية المشار إليه للتو. الطبقات الشعبية معنية بتحقيق الوحدة والتنمية والاستقلال (أو التحرير كما يرد في النص)، وأيضاً معنية بالحداثة والدمقرطة والعلمنة، لكن هل هي كلها معنية بتحقيق الاشتراكية القائمة على إلغاء الملكية الخاصة؟ وهل هي كلها، بالتالي، تقبل بأن لا تراكم الرأسمال لكي تصعد، وبالتالي تتحول إلى رأسمالية؟ هنا نلمس حلم الفئات الوسطى الريفية والمدينية التي هي جزء من الطبقات الشعبية. فأمام مسألة الملكية الخاصة تفترق أحلام المساواة التي تنتشر عادة بين الفلاحين، وتؤسس لنشوء "الاشتراكية الفلاحية"، وأحلام البرجوازية الصغيرة المتمحورة حول دور الدولة، والتي تؤسس لنشوء "إشتراكية البرجوازية الصغيرة"، عن إشتراكية الطبقة العاملة. حيث تسعى الفئات الوسطى الريفية والمدينية لأن تترسمل، وتكون أطروحاتها حول المساواة ودور الدولة القائمين على "تقديس الملكية الخاصة" مدخلاً لإنتاج اللامساواة والتمايز الطبقي. وإذا كان ماركس وإنجلز قد ناقشا ذلك في الفصل الأخير من "البيان الشيوعي" لأنه كان منتشراً في أوروبا آنئذ، فقد لمسناه نحن في الوطن العربي مع نشوء تيارات كحزب البعث والناصرية، ولمسنا نتائجه في الواقع، وبالتالي يمكننا توصيف عملية التحول تلك، وإنقلاب المساواة (المتحققة في الإصلاح الزراعي) إلى لا مساواة، وتحول الدولة إلى مركز إعادة توزيع التراكم، وبالتالي نشوء طبقة رأسمالية جديدة في ظل شعارات تحقيق الاشتراكية.
((( نؤكد أن الطبقات الشعبية هي صاحبة المصلحة في الإشتراكية، ونشتثني منها من يملكون. ولكن، لماذا تعيد ماركس حرفياً؟ صحيح ان صغار الفلاحين يحلمون بامتلاك الدونمات والفئات الوسطى المدينية؟ ولكن من قال أن العمال كلهم عباقرة ثورة اشتراكية ولا يحلمون بالملكية الخاصة؟ أليست ملكية السيارة والشعور المستقل الفردي داخلها من عوامل او الشواهد على عشق كثرة من عمال المركز للرأسمالية؟ العالم اليوم غير عالم ماركس، لا بد من التحليل بناء على الواقع وليس التمسك بالنص الماركسي لماركس، وإلاّ لكان الامر كدارس الأدب العربي الذي يتوقف عند المعلقات السبع. لو كان العمال منزهين هكذا لكنا وصلنا الشيوعية. المسألة الحاسمة هي حسم الوعي والموقف النظري الطبقي بوضوح، والمقدرة على التقاط القدرة الأميبية للراسمالية على التحول، قدرتها على "الإنطعاج" كي لا تنكسر... رحمة بماركس الذي لو قرأ وشاهد هذا"ال لت والعجن" للطم خده)))
إذن، يجب الخروج من الضبابية التي تلف معنى الطبقات الشعبية وتحديد الطبقات بشكل واضح، وبالتالي التحديد الدقيق لمصالح كل منها كطبقات، ولمس "طموحاتها" وإستراتيجياتها. أي تحديد الاختلاف فيما بينها، قبل تحديد توافقاتها ومصالحها المشتركة، وبالتالي نضالها المشترك. وإذا كانت الاشتراكية تقوم على مفصل إلغاء الملكية الخاصة، فإن تمايزاً واضحاً سوف ينشأ بين الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء من جهة، وبين الفلاحين المتوسطين، والفئات الوسطى المدينية (المسماة كلها بالبرجوازية الصغيرة) من جهة أخرى. (((حسناً، لقد كتبنا عن وجوب إلغاء الملكية الخاصة وتأميم الآرض والمصانع والجيش ...الخ. فالقارئ سوف يقرأ النص.))) حيث سيبدو طرح البرجوازية الصغيرة للاشتراكية كأوهام أيديولوجية لأنها تقيمها على أساس الملكية الخاصة، وهو ما ليس ممكناً، ويفضي في الممارسة إلى الترسمل وليس إلى الاشتراكية. وسنلمس أن تناقضاً واسعاً يخترق "الطبقات الشعبية"، بين من يعمل على إلغاء الملكية الخاصة ومن يعمل على تكريسها وإنْ كان قبل بدور الدولة الاقتصادي.
وبالتالي، فإذا طرحت الاشتراكية بمعناها الواضح القائم على إلغاء الملكية الخاصة، فلسوف ينفرط عقد التحالف بين الطبقات الشعبية، ولم يعد من الممكن توحيدها لتحقيق المهمات الديمقراطية (الوحدة والاستقلال والدمقرطة والعلمنة والتنمية)، ما دمنا نعتبر أن مهمتنا الراهنة هي تحقيق الاشتراكية أيضاً ((( حتى لو كان تعريفنا للطبقات الشعبية لا يعجبك، ماشي. ولكن أحد أعمدة ورقتنا هو إلغاء الملكية الخاصة، في حين أن هذا غير موجود في الدولة الديمقراطية، ألا يكفي هذا لتوضيح من هي الطبقات التي تؤمن بإلغاء الملكية الخاصة حتى لو لم نفصل في شرحها! حسناً، إذا كانت مهمتك الراهنة هي تحقيق الإشتراكية، فلماذا تتهمنا بأننا نتجاوز المهام الديمقراطية ؟ بل أنت الذي يتجاوزها.)))، وأن طابع المرحلة (أو الثورة أو التحول) هو إشتراكي بهذا المعنى. أما إذا تحددت الاشتراكية بالمعنى الفلاحي أو البرجوازي الصغير فهذا يعني تجاوز المعنى العلمي لها، والغرق في تهويمات البرجوازية الصغيرة التي لا توصل سوى إلى تطور هامشي، وعودة لإنتاج رأسمالية تابعة (كمبرادورية) جديدة، دون تحقيق أيٍّ من الأهداف الأساسية. وهنا يكون الحديث عن طبقات شعبية أو عن الجماهير الشعبية ملازما لهذا المنطقً، لأن الاشتراكية هنا لا تطرح كاشتراكية لا تحققها سوى الطبقة العاملة، بل يكون "التعميم الطبقي" (أو التعويم الطبقي) ضرورياً. إن عدم تحديد معنى الاشتراكية هنا هو أمر يشي بأن الاشتراكية هي إشتراكية الفئات الوسطى التي هي بالتالي ليست إشتراكية.
بمعنى أنه إذا تحددت كاشتراكية تقوم على أساس إلغاء الملكية الخاصة فإن الحديث المعمم عن "الطبقات الشعبية" سوف لن يكون له معنى سوى خلق إرباك لا يفيد العمل السياسي، ولا يؤدي إلى تأسيس تحالف بين هذه الطبقات. أما إذا لم تتحدد وظلت عامة فسوف تؤسس لأوهام أيديولوجية كذلك لن تسهم في تحقيق المهمات المطروحة. فتحالف الطبقات الشعبية يجب أن يبنى على سياسة اقتصادية لا تلغي الملكية الخاصة، لكنها تعزز من دور الدولة في مجالات الاستثمار والحماية والضمان الاجتماعي والصحي والتعليم. لكن هذا لا يعتبر إشتراكية، بل هو جزء من المهمات الديمقراطية المطروحة والمطلوب تحقيقها.
هل يساوي الصديقان بين إشتراكية الطبقة العاملة واشتراكية الفلاحين والبرجوازية الصغيرة؟ وإذا كانا يساويان، فهل تقوم هذه الاشتراكية على إلغاء الملكية الخاصة، أم على أساس الملكية الخاصة؟ إذا قالا بأنها تقوم على إلغاء الملكية الخاصة فهذا يعني أن تحالف الطبقات الشعبية سوف لن يقوم، ولن تتحالف من أجل تحقيق مهمات التحرير والوحدة والتنمية. وإذا قالا بأنها لا تقوم على إلغاء الملكية الخاصة فهما هنا يطرحا "إشتراكية البرجوازية الصغيرة"، ويكررا تجربة البعث والناصرية وكل تجارب "حركات التحرر في العالم الثالث"، التي كانت تنطلق من بناء إشتراكية "عربية" أو "عالمثالثية" تقوم على التمسك بالملكية الخاصة وليس على نفيها كما تفعل الاشتراكية الماركسية. (((هنا نراك تسأل وتجيب...حين يكون أمامك نص مكتوب فلمَ التساؤل وكأنه ليس مكتوباً. أكدنا في النص إلغاء الملكية الخاصة، فلماذا هذه الأسئلة المفترضة؟)))
في كل النص يربط الصديقان الاشتراكية بالتنمية ولا يشيران إلى مسألة الملكية سوى في مكان محدد هو فلسطين، ((( وما العيب في ذلك؟ فهل المسألة في "تكرار الحكي"!!! نعم تحدثنا عن فلسطين لأن الموضوع اساساً عن فلسطين. لأننا نتحدث فقط عن فلسطين وليس عن جوهر المشروع الإشتراكي العربي. وذكر الملكية الخاصة مرة أو مئة ليس مشكلة))) في سياق التأكيد على أحقية الحل الاشتراكي، وانطلاقاً من "ضرورات" الواقع، استناداً إلى التنازع الممكن على الأرض والموارد. حيث لأن الفلسطينيين لن يقبلوا الشراكة مع المستوطنين في ظل النظام الرأسمالي، ولأنه يستحيل تحقيق الشراكة في الأرض،والمساواة في ملكيتها في ظل النظام الرأسمالي، فإن الحل الاشتراكي هو البديل. الذي يقوم على "إلغاء الملكية الخاصة"، ووضع الأرض والموارد ووسائل الإنتاج في ملكية المجتمع. "وبهذا تخلع الاشتراكية مبرر وجود الصهيونية بما هي حركة طبقية رأسمالية بالأساس. وتمنع الصهاينة من اغتصاب الأرض واحتكارها، وتحرم نهب حقوق وملكية الآخرين. وأيضاً تمنح الفلسطينيين تبريراً للقبول بالشراكة مع اليهود في نظام إشتراكي عادل". بمعنى أنه حل لمسألة التنازع على الأرض بين أصحابها الأصليين (الفلسطينيين) والمستوطنين الجدد الذين باتوا يعتبرون أنها ملكيتهم. طبعاً هنا الحل "براغماتي"، أي غير ناتج عن قناعة بضرورة إلغاء الملكية الخاصة، أو على الأقل يبدو هكذا، بل نتج كحل لمشكلة محددة ((( يبدو ان المسعى هنا هو إثبات أننا لسنا إشتراكيين..أليس كذلك يا أخ سلامة؟ فالشعب الفلسطيني غير مقتنع بمشاركة المستوطنين في أرضه، حاول أنت إقناعه، إن شئت. نحن نسجل ما نرى، وأكثرية الفلسطينيين غير إشتراكيين إن صحت معرفتنا. وهذا من حقهم إلى أن يتحولوا. لكن لا داعٍ للتشاطر واتهامنا اننا لسنا اشتراكيين!!! القناعات والنضال ليست مسألة توزيع شهادات. أما القول بأننا نلجأ براغماتياً للحل الإشتراكي، وهذا غير صحيح، فما الحل الذي تريده؟ طرد اليهود إلى المهاجر؟ أم الحل الديمقراطي العلماني الذي يُبقي الأرض بيدهم، أي استمرار طرد اصحاب الأرض. نعم اصحاب الأرض بالمعنى الحقيقي للواقع. "ويخلف" على الفلسطينيين إن قبلوا التأميم. هذا واقع الحال))). وهذا يطرح السؤال: هل ينطبق ذلك على الدولة العربية الفيدرالية الاشتراكية الموحدة؟ أي هل سيقوم النظام الاقتصادي الاجتماعي على إلغاء الملكية الخاصة؟
إذا كانت الاشتراكية التي يدعوان إليها تقوم على إلغاء الملكية الخاصة فإنها هنا تتناقض مع دعوتهما لأن تتحقق من خلال الطبقات الشعبية. لأن هذه الطبقات كما أوضحنا ليست متوافقة على هذه المسألة (((هذا متعلق "بطبقاتك" الشعبية ـ أي بتعريفك لها...لماذا لم تسألنا ما هو تعريفنا؟ ولماذا تجيب نيابة عن الآخرين؟ أليس هذا تقويلنا لما لم نقل؟ بالله عليك أليس هذا اسلوب أستذة؟)))، وبعضها يحمل مشروع تطور هو في جوهره رأسمالي. الطبقات الشعبية تتوافق على تحقيق المهمات الديمقراطية وتختلف في الموقف من الملكية، وبالتالي من مشروع التطور الاقتصادي الاجتماعي. لهذا ينفرض في مرحلة تحقيق المهمات الديمقراطية تأسيس شكل للتطور الاقتصادي يقوم على دور الدولة (التي تخضع لقيادة القوى الاشتراكية)، وفي إطار السماح للملكية الخاصة. وبالتالي فإن الدعوة إلى الاشتراكية هنا تتناقض مع كل المشروع المطروح، لأنها لا تؤسس لوحدة الطبقات الشعبية، وتحصرها في الطبقة العاملة فقط. لهذا فإن وضع الاشتراكية كهدف هنا يلغي ممكنات تحقيق أي تطور. (((غير واضح. هل تعني في هذه الفقرة ما كتبنا نحن أم ما يدور في راسك؟ ولكن إذا تأسس شكل للتطور الإقتصادي كما تزعم، يقوم على دور الدولة (التي تخضع لقيادة القوى الإشتراكية) فمن هي هذه القوى؟ وما الفرق بينها وبين الحزب الذي أسميته ممثل العمال والفلاحين؟ وهل هناك عدة ممثلين لهم؟ وهل كلهم اشتراكيون؟ إذا كان في ما كتبناه اختلاطاً، ولا نعتقد ذلك، فإنك تزيد الخلط خلطاً. إذا خضع جهاز الدولة للقوة الإشتراكية، فلماذا يسمح (بشكل مفتوح كما تطرح) للملكية الخاصة؟ لماذا لا يتم ذلك برقابة ومحدودية باتجاه تصفيتها؟ والأهم: هو أنك تدور في فلك اللغة القديمة للماركسية. فالمحدد هنا ليس "السماح بالملكية الخاصة أو الشخصية Private or personal) المحدد هو قدرة الطبقات الشعبية (الطبقتين الشعبيتين اساساً، منعاً للالتباس) وقيامهما بفرض قناعاتهما ومصالحهما على الحزب الذي يرجع لهما في السساسات اقدرتهما على تصفية قانون القيمة، واعتماد قانون قيمة اشتراكي منفصل عن قانون القيمة الراسمالي . إن الفيصل هنا هو التخلص من قانون القيمة، هو التخلص الذي يكنس حقا الملكية الخاصة. بكلمة أخرى، ما يُمكِّن خلق الملكية الخاصة وما يخلدها هو قانون القيمة، هذا هو العدو الرئيسي الذي التقطه ماركس وطور الفهم منه والموقف الشيوعيون العصريون. فلا يكفي مثلا أن نكتفي بترداد معلقات الشعر الجاهلي، على جماليته، وتجاهل شعر مظفر التواب مثلا؟))).
لكن التركيز على الطبقات الشعبية يعطي مؤشراً على أن التباساً يطال هذه المسألة. يكمله أن الصديقين يساويان الاشتراكية بالتنمية، يقزّمان الاشتراكية إلى تنمية، رغم أهمية التنمية وضرورتها في مجتمع يفتقد قوى الإنتاج الأساسية. لكن التنمية ليست الاشتراكية. الاشتراكية تحقق تنمية، لكنها تحققها في مجتمع إلتغت فيه الملكية الخاصة. الاشتراكية بالتالي لا تساوي الدور الاقتصادي (الحمائي والاستثماري الإنتاجي) للدولة. وبالتالي فإن الاشتراكية المطروحة هنا، والتي تتحدد في تحقيق التنمية، والتي تحققها الطبقات الشعبية، هي إشتراكية مشوشة، وفي الغالب تعبّر عن نزوع فئات وسطى، لكن في تصادم مع المشروع الرأسمالي الإمبريالي، وتطمح لتحقيق التقدم. لهذا تتراكب مع المهمات الديمقراطية (بما فيها تحقيق التنمية)، وتصبغها بصبغة إشتراكية شكلية هي إشتراكية الفئات الوسطى. أي أنها تهدف إلى تحقيق التطور الرأسمالي، لكن في ظرف عالمي لا يسمح بذلك، لهذا تستعير التعبيرات النقيضة للرأسمالية (الاشتراكية)، وتقزّمها إلى تنمية فقط. وتربطها بـ "الطبقات الشعبية" التي تتبدى وكأنها الفئات الوسطى فقط.
)))لم يكن صعباً أن تسألنا هل نساوي الإشتراكية بالتنمية؟ ولكن هل فعلنا ذلك؟ والحقيقة ان التنمية اقرب للإنسجام مع مشروع الديمقرطية الذي هو في جوهره راسمالياً. ومع ذلك، فالتنمية ليست النمو، ونعم هناك تنمية اشتراكية، لكن الإشتراكية ليست فقط التنمية، أما التنمية التي نقصد فهي التنمية بالحماية الشعبية، ويمكنك قراءة مقالة عادل حول التنمية بالحماية الشعبية في كنعان الفصلية العدد 130 نيسان 2007 وفي موقع "كنعان" الالكتروني على ستة حلقات بداءاً من العدد 1141 على الرابط التالي:
http://www.kanaanonline.org/articles/01141.pdf
(((

إذن، إن التأكيد على الاشتراكية مرتبطاً بدور الطبقات الشعبية وبتحقيق التنمية فقط يؤشر إلى إشكالية لا يبددها النص حول الملكية الخاصة الوارد في إطار الحل الفلسطيني. ((( كي نتفادى كيل التهم نؤكد أن التنمية وحتى بمضمونها الإشتراكي أضيق من الإشتراكية. فهل يكفي هذا لنفي التهمة؟ حينما نؤكد، ولو مرة واحدة، على شطب الملكية الخاصة، فهذا موقفنا ولا داع لحلف غلاظ الأيمان لتأكيد ذلك))) . وإذا ما جرى تعميم هذه الفكرة سنشهد تشوشاً آخر يتعلق بتناقض مصالح جزء من الطبقات الشعبية مع الحل المطروح، وبالتالي عدم إمكانية تأسيس هذا التحالف أصلاً.
ما أشرت إليه يوضح بأنه لا يجب الخلط بين تحقيق المهمات الديمقراطية وتحقيق الاشتراكية، حيث أن لكلٍّ القوى الطبقية التي تحققه. وستكون المهمات الديمقراطية هي مجال إجماع هذه الطبقات، لكن الاشتراكية تفرّق بينها ((( اي إجماع؟ ولو افترضنا أن الإجماع صعب أو لن يحصل، ما العمل؟ لماذا توضع الأمور بهذه التقييدات؟ لماذا القول إن لكلٍّ القوى الطبقية التي تحققه! ماذا لو لم تحقق البرجوازية ما قد يُفترض أن تقوم به؟ إذن لكلًّ القوى الطبقية، المفترض، ولكن ليس شرطاً مطلقاً أن تحققه. هذا الخلط النظري يقدم خليطاً ولكنه يؤدي إلى "وعكة صحية". المسألة هي صراع طبقي، بين قوى التقدم والإنسانية وبين قوى طبقية لها مصالحها المادية أولا وأخيراً، ومن هنا فالعداء بينهما قائم. قد تحصل تحالفات وقد لا تحصل، قد تضطر البرجوازية لمرونة ما ... لا داعٍ لتكرار لبديهيات ماركس التي لم يعد يجهلها الشيخ الوهابي المرحوم مؤخراً بن باز. مرة أخرى، الأمور ليست كمن يرتب الصحون والمناديل والكؤوس والفوط على طاولة البرجوازية ... وفوق كل هذا، نحيلك إلى ما قام به لينين ))). ولما كان تطوير الواقع يفترض تحقيق مهمات سابقة للاشتراكية، ولأن المهمات الديمقراطية تفترض تحالف الطبقات الشعبية، أصبح على الطبقة العاملة (التي هي المعنية بتحقيق الاشتراكية) الإسهام في
تحقيق تلك المهمات
((( 1) لاحظ هذه الجملة، والجملة التي قبلها البادئة ب : ما اشرت إليه بوضوح، والجملة التالية من مقالتك في صفحة سابقة: " وبالتالي ليس لأن البرجوازية قد فقدت دورها التاريخي يصبح الحل هو الاشتراكية، وتتحول المهمات ذاتها إلى مهمات إشتراكية. إنها هي ذاتها المهمات الديمقراطية التي يجب على الماركسيين تحقيقها.
هذه الجمل الثلاثة تتنافى وتتعانق وتحتاج إلى فصل قوات! فهي أحياناً ترفض خلط المهام، وأحياناً تطالب طبقة بالقيام بما لم تقم به أخرى...الخ.
2) ثم ماذا عن الفلاحين الفقراء، بروليتاريا الزراعة؟ اليسوا معنيين بالإشتراكية؟ هل عدنا لمزاعم التروتسكيين "الثورة تنطلق فقط من بوابات المصانع" لقد أمضوا قرنا يقفون على ابواب مصانع بريطانيا))). بمعنى أنه مادام التطور يفرض تحقيق المهمات الديمقراطية لأنها مهمات مؤسِّسة لتكوين اقتصادي اجتماعي وسياسي جديد، فعلى الطبقة العاملة أن تتشارك مع الطبقات الأخرى في تحقيقها، وان لا تطرح ما يجعل التحالف مهدد بالانفراط، أو بعدم التحقق أصلاً. وهنا التطرق إلى إلغاء الملكية الخاصة من أجل تحقيق الاشتراكية هو الذي يفضي إلى عدم التحقق أو الانفراط.
لكن المسألة الضائعة هنا هي أنه إذا كانت البرجوازية عاجزة عن تحقيق تلك المهمات فقد تبيّن بالملموس أن الفئات الوسطى عجزت كذلك (تجارب البعث والناصرية وحركات التحرر)، وبالتالي فإن قيادة هذه الفئات للثورة (أو للتغيير) لن يقود سوى إلى تكرار الفشل. هذا ما يجعل (كما كان الوضع منذ لينين) الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء هي التي تقود عملية تحقيق المهمات الديمقراطية، في إطار تحالف الطبقات الشعبية. هنا الطبقة العاملة التي هي الأكثر تناقضاً مع الرأسمالية، وحاملة مشروع تحقيق الاشتراكية، هي التي تحقق المهمات الديمقراطية بالاستناد إلى ذاك التحالف. وهي بالتالي لا تحقق الاشتراكية الآن، بل سيكون تحقيق المهمات الديمقراطية مقدمة تحقيق الاشتراكية ((( قد تكون هذه المرة الأولى التي تتقرب فيها من موقفنا. أي السير بالمهمات الديمقراطية إلى تحقيق الإشتراكية. من هنا كان إصرارنا على التمسك بالحل الإشتراكي، مواصلة العمل والنضال من أجله وليس الإنقطاع في متاهة المهام الديمقراطية التي هي في الأساس راسمالية أو ما تسمح له السيدة الراسمالية. وهذا يفترض سؤالاً آخر، إذا كانت الطبقات الشعبية (بمفهومك) متأخرة عن الإستعداد لتحقيق المهام الديمقراطية كدرجة أو نقلة نحو المهام الإشنراكية، ماذا على الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء القيام به؟ هل يؤجلوا التحول إلى أن ينضج حلفاؤهما؟))). وهذه الصيغة هي التي أنجزت المهمات الديمقراطية في التجارب الاشتراكية، وإن كانت تحققت في ظل "وهم" تحقيق الاشتراكية. فقد أنجزت المهمات الديمقراطية في الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية، بغض النظر عن "فشل" الاشتراكية. (((حول المقصود بهذا الإنجاز وذاك الفشل، هناك نقاش طويل !!!!)))
إذن، يجب الفصل بين المرحلة الديمقراطية والمرحلة الاشتراكية، لكن في إطار دور الطبقة العاملة الفاعل والقيادي في المرحلة الأولى لكي ينجح الانتقال إلى المرحلة الثانية.
(((إذا كان هناك فصل، فهذا يعني إعطاء الفرصة لقوى كثيرة بالتوقف عند الديمقراطية. ومن هنا أهمية أن يكون مشروع الطبقتين الشعبيتين واضحا وتثقيفهما لعناصرهما معمقاً لضمان إكمال المسيرة. أما أن يقوم الشيوعيون بالتثقيف بما يسمح لهم به راس المال، فهؤلاء ليسوا اشتراكيين او شيوعيين. هذا يذكرنا بالماركسيات الفلسطينية، حين كانت تثقف عناصرها بالمسألة الوطنية وتؤجل التثقيف الإشتراكي. وماذا حصل، تنازلت هذه التنظيمات عن الإشتراكية، ولم تنجز التحرر الوطني، أما أعضاؤها فلم ينشق منهم أحد، لأنهم لم يُثقفوا ولم يُسمح لهم بالتثقف الإشتراكي، ولذا، يقف أكثرهم على ابواب المسجد الأقصى ايام الجمعة ومختلف مساجد الضفة والقطاع يسابقون الإخوة في حماس. وابعد من هذا، عضو مكتب سياسي وفي اللجنة الفكرية في منظمة ماركسية في الشام، متزوج من إمراتين!)))
إن توضيح الطبقات هنا، وعدم الاكتفاء بالإشارة إلى الطبقات الشعبية هي مسألة منهجية وأكثر من ضرورية، نتيجة التناقضات والتصورات المختلفة لهذه الطبقات، التي تتوافق على تحقيق المهمات الديمقراطية. ولهذا سيبدو النمط الاقتصادي الذي سيمارس في فترة سيطرة الطبقات الشعبية، ونتيجة الإشكاليات الاقتصادية الواقعية، نمطاً مركباً، لا يلغي الملكية الخاصة، لكنه يعزز من الدور الاقتصادي للدولة، ويؤسس الاقتصاد على أساس مخطط، وفي إطار ملكية الدولة، إلى أن يتشكل اقتصاد متطور يحتمل الانتقال إلى الاشتراكية. ودور الطبقة العاملة الفاعل والقيادي هو الذي يحدد ممكنات نجاح هذا الانتقال. (((هذه عبارة مختلطة وغامضة وتنم عن تلقائية شاعرية في الكتابة. أية دولة التي تتحدث عنها؟ فتحقيق المهام الديمقراطية يفترض دون مواربة أن السلطة ليست بيد العمال والفلاحين، وإن كان لهم دور متواضع في دفع سلطة البرجوازية لمواقع "تقدمية" نسبياً. هذه الدولة لن تسمح "باحتمال" الإنتقال إلى الإشتراكية. لا يتم الإنتقال لا احتمالا ولا تاكيدا بدون قيادة الشيوعيين!
حتى هنا، نناقشك في إطار الإشتراكية المحققة ومآسيها المحققة حقا وفعلاً. إلا ان ما هو غائب في طرحك، هو: إن الدولة لا تبني الإشتراكية. لهذا بالضبط فشلت الإشتراكية المحققة وانتهوا جميعا بالنمنكلاتورا. وهنا يتساوى ستالين وتروتسكي. ما اعجب الزمان حين يضعهما في قبر واحد لا شك أنهما سيعيدا قتل نفسيهما. مع فارق ان بروقراطية ستالين انتجت شيئا ما، اما بيروقراطية الحركة التروتسكية، فأنتجت "علج حكي". ما يمكن أن يحقق الإشتراكية هو سلطة مجالس العمال والفلاحين الذين يديرون حركة الحزب الذي يشكل السلطة والذي هو والسلطة ـ تسمى أحياناً الدولة ـ يرجعون في كل شيء لبرلمان هاتين الطبقتين لأنهما صاحبتي المصلحة في إلغاء الملكية الخاصة وفي الشيوعية. فالبيروقراطية لا تبني إشتراكية، ولم تبنٍ. ومن هنا ضعف النقد التروتسكاوي لستالين، فهو نقد البيروقراطية من موقع الحزب النخبوي الذي يقف فوق الطبقة العاملة والفلاحين لينقد حزباً على الأقل حقق تجربة ما! ولكن، دعنا نقدم شاهداً من أهله هذه المرة. يقول جاي بن بورات :
"أُستخدمت المحافظية الجديدة للإشارة إلى مجموعة من المثقفين (البعض منهم ماركسون أو تروتسكيون سابقون) الذين انتقلوا في الستينات من السياسات النيوـ لبرالية إلى ما وُصف كنمط جديد من المحافظية الذي عقيدته الأساسية لبرالية إقتصادية معتدلة، ورؤى صقورية للسياسة الخارجية، ومعارضة الثقافة المضادة في الستينات، ودعم إسرائيل... إن (الجمهورية الجديدة ـ يبدو انها جريدة) تحذر ببعض الجدية من أن "أيتام تروتسكي" يسيطرون على حكومتنا" لا تعليق لنا هنا!!! )))

ما يطرحه الصديقان تحت عنوان "الحل الاشتراكي" هو حل مموه، يخفي مصالح الفئات الوسطى، وهو عن قصد يهمل الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، ويعمم استخدام تعبير: الطبقات الشعبية بدل تعبير: الجماهير الشعبية الذي كان يستخدم في الماضي من قبل الفئات الوسطى. وبالتالي فإن أي حل "إشتراكي" يجب أن تحمله الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، لأنها تقبل بإلغاء الملكية الخاصة، فهي لا تملك بالأساس، عكس الطبقات الأخرى. (((أيها الأخ الكريم، هل يمكن أن يحمل الحل، لاحظ الحل وليس المشروع أو الزعم، الحل الإشتراكي غير اشتراكيين؟ فطالما هو حل فهو تنفيذ. قد يكون حل اشتراكي برجوازي صغير كما قال ماركس، ولكن، لكي لا تقول بالنيابة عنا، دعنا نقول إن العمال والفلاحين ليسا هما اللذين حققا الحل الإشتراكي وتلافياً لفرص الإصطياد، كن على ثقة أنه حتى هؤلاء لا يحققوا الحل الإشتراكي. هم قد يوافقوا عليه، ولكن من يحققه هم العمال والفلاحون الشيوعيون حقاً. فما اكثر العمال الذين يحلمون بالفيلات والفلاحين الذين يحلمون بالدونمات والنساء الجميلات المسكينات...من الذي جعل من تاتشر وريجان وساركوزي رؤساءاً؟ اليست اصوات العمال حتى في البلدان الرأسمالية العريقة!))) ولقد لمسنا ذلك في تجارب النظم القومية، وكيف أن الفئات الوسطى الفلاحية والمدينية التي كانت تنادي بتحقيق الاشتراكية القائمة على "تقديس الملكية الخاصة"، كيف نهبت الرأسمال المتراكم بيد الدولة، فخرج منها رأسماليين كبار، وهي لا تزال تلهج بالاشتراكية. ((( لا، لقد بقي الراسماليون الكبار في مصر، واضيف عليهم من راس المال البيروقراطي الذي ترسمل عبر السلطة، ولأنهم بقوا في مصر وظلوا يحكمون هزمت مصر وانهار النظام واعترف بالكيان الصهيوني الإشكنازي.
تذكرنا هنا بنكتة صلاح عيسى، حينما كان شيوعياً. ذهب محسن إبراهيم لزيارة مصر ايام الرئيس عبد الناصر وطلب لقاء صلاح عيسى الذي كان في المعتقل. فقال ناصر: هذا متآمر على أمن الدولة...الخ. فقال محسن إبراهيم يا عمي ستحضروه مخفوراً، في النهاية جيء بصلاح عيسى. وخلال النقاش قال ناصر: إن الطبقة الحاكمة في مصر البرجوازية الصغيرة، فقال صلاح عيسى: "كبرت يا ريِّس". ان البرجوازية الصغيرة لا تحكم، ولم تحكم في اي بلد. قد تكون في السلطة، كخادمة للطبقة الراسمالية المالكة، وهذه مرحلة انتقالية مع التأكيد على "كخادمة، وليس كحاكمة". هناك علاقة جدلية ضرورية وحتمية بين نمط الإنتاج وبين الطبقة التي تحكم حقاً. نمط الإنتاج الرئيسي والطبقة الرئيسية في ظل الرأسمالية. إذن فإما راسمالية يحملها نمط الإنتاج الراسمالي بقانون القيمة الراسمالي وهو معولم اليوم، وحتى من قبل، أو اشتراكية تحملها الطبقة العاملة اساساً (وليس من باب المصانع تروتسكاوياً) وفقراء الفلاحين يحملها نمط الإنتاج الإشتراكي حتى في مراحل تلوثه بالتمفصل مع أنماط الإنتاج الأخرى، والتي تنحكم له وتقاومه إلى أن يصفيها!)))
الاشتراكية إذن تحققها الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، وهي تحققها حين تصبح الظروف الاقتصادية الاجتماعية والفكرية السياسية مهيأة لذلك.
(((الظروف لا تتهيأ! الظروف تُخلق بفعل الطبقات، بفعل الإنسان، إذا كان لا بد من الإستشهاد بماركس، فهو القائل، وعلى ذمته: "إذا كانت الظروف هي التي تصنع الإنسان، فإن علينا خلق ظروف إنسانية".!)))
ما قلته في الصفحات السابقة هو أن الصديقين يطرحان المهمات الديمقراطية لكن تحت غطاء إشتراكي، أو تحت تسمية: الحل الاشتراكي. لكن كيف يفهما المهمات الديمقراطية؟
الحل الديمقراطي العلماني:
أشرت إلى أن الأهداف التي يطرحها الصديقين هي: الوحدة العربية، التنمية، وتحرير الأرض المحتلة. معتبرين أنها الحل الاشتراكي.(((هنا نرى نموذجاً لاسلوب الأستذة الممجوج. ولكن مجرد قولنا بتأميم الأرض والصناعة وتفكيك الجيش هو اشتراكية))) والصديقان يرفضان حل الدولة الديمقراطية العلمانية المطروح لفلسطين، ليس لأنه لفلسطين فقط، بل أنهما يرفضان الطابع الديمقراطي والعلماني، أو على الأقل يتجاهلانه، وإن كانا يقرران حق الأقليات. وهما يواجهان حل الدولة الديمقراطية العلمانية بالحل الاشتراكي كما أشرنا، دون ملاحظة أنه حتى الحل الاشتراكي يجب أن يتضمن أهداف الديمقراطية والعلمنة. ((( نحن لم نطرح اشتراكية دينية على طريقة أم كلثوم وهي تغني شوقي:
الإشتراكيون انت إمامهم.....لولا دعاوى القوم والغلواءُ
لا توجد إشتراكية غير ديمقراطية، على الأقل براينا، لأن ديمقرطية الإشتراكية هي الحقيقية لأنها ليست في السياسة (كما هي الدولة الديمقراطية العلمانية) وإنما في المستوى المادي والإقتصاد)))) أي أن المشروع النهضوي العربي يجب أن يتضمن ليس فقط الوحدة والتنمية والتحرير، بل كذلك الديمقراطية والعلمنة والحداثة (وهو ما أكد عليه رواد النهضة العربية منذ البدء). وبالتالي يجب أن تكون الدولة العربية الفيدرالية الموحدة التي يدعوان إليها أيضاً ديمقراطية وعلمانية وتقرّ حقوق الأقليات القومية. (((بفهمنا للإشتراكية: يجب، من قال أنه لا يجب!!!)))
لهذا فإن الدولة الديمقراطية العلمانية هي هدف مطروح في كل الوطن العربي، وفي كل دولة فيه، لأن المسألة هنا تتعلق بتأسيس نظام سياسي ديمقراطي يقوم على أسس حداثية تبدأ من إقرار المواطنة (أي المساواة بين المواطنين دون تمييز على أساس الدين أو الطائفة أو الإثنية)، وفصل السلطات واستقلال القضاء وحداثة المؤسسات. كما على الحريات والانتخابات. ولكن أيضاً على فصل الدين عن الدولة، ورفض التمييز بين المواطنين على أساس ديني أو طائفي أو إثني، مع الحق في ممارسة المعتقدات الدينية. ودون كل ذلك ليس من الممكن تأسيس النظام الاشتراكي، حيث أنها يجب أن تكون متضمنة في كل وعي إشتراكي، وبالتالي في كل مشروع إشتراكي. وهي مرتبطة بتحقيق القطع مع البنى السياسية التي كانت سائدة في القرون الوسطى، والبناء على أسس جديدة تقوم على مبدأ المواطنة بدل الرعية، والانتماء إلى الأمة بدل الملة، وتكريس إرادة الشعب بدل الإرادة الإلهية. وبالتالي تشكيل النظام السياسي القائم على كل ذلك. وهي العملية ذاتها التي تفرض القطع مع الأيديولوجيا القروسطية، مع يقينيتها لمصلحة الشك، ولنصيتها لمصلحة العقلانية، ولمنطقها الصوري لمصلحة الجدل المادي. وهي العملية التي تفرض إعادة صياغة البنى السياسية على الأسس سالفة الذكر. (((هذه الفقرة نموذج آخر على أسلوب الأستذة الإستطرادي في قول ما هو مألوف كما هي "الفاتحة" للمسسلم، و"يا رب إرحم" للمسيحي، والأخطر: "شُلت يميني إن نسيتك يا ورشليم- اورشليم شل زهاف" عند اليهودي وخاصة الصهيوني!)))
هذه المسألة نابعة من ضرورة داخلية، ولم تكن نتيجة وجود الكيان الصهيوني الذي قام على أساس ديني (اليهودية) رغم أنه مشروع إمبريالي بالأساس وفي الجوهر. لهذا تناولها رواد النهضة في الوطن العربي قرن قبل نشوء هذا الكيان. فهي مشروع الانتقال من القرون الوسطى إلى الحداثة. ومن هذا الأساس هي في مواجهة المشروع الإمبريالي الصهيوني لأنها تكشف "أصوليته"، ورجعيته، كما كل الحركات الأصولية. وبالتالي فهي الحل الذي يتجاوز المنطق الديني ويؤسس لرؤية تقوم على أساس ديمقراطي، يمكن شمل اليهود المضللين أيديولوجياً بها. حيث يجري "تحييد" الدين. وبهذا يسقط المنطق الديني المؤسس للدولة الصهيونية. (((نؤكد أن المنطق الديني ليس هو المؤسس للدولة الصهيونية، هو جزء من التاسيس. الدين مستخدَم، الدين اليهودي ممتطى من الراسمالية، لقد ترسملت المؤسسة الدينية في الغرب الراسمالي وفي الكيان الصهيوني الإشكنازي، الكيان قام اساساً على ومن أجل وسيموت من أجل راس المال. هذا هو التحليل الماركسي. أما اليهود المضللون إيديولوجيا بالصهيونية، فهذه مسألة لا تعالج بكلمات ثلاث. بالمناسبة هؤلاء هم الأكثر فاشية ضدنا. وحتى نحررهم من التضليل هذا، نعتقد انهم قبل ذلك سوف "يُخلِّصوا علينا"! لكن مع تفهمنا لبؤسهم، هل تعتقد أنهم مع الدولة الديمقراطية؟))) كما يجري تحديد البديل القائم على أساس المساواة القانونية في إطار المواطنة. الأمر الذي ينزع عن الصراع طابعه الديني، ويعيده إلى أساسه الحقيقي الذي هو صراع من أجل السيطرة والنهب. (((تسيطر لغة الرطانة هنا على النص. السيطرة والنهب هما مقولتان عمليتان تعبران عن مراحل وأنماط انتاج وتشكيلات ما قبل الراسمالية وفي الرأسمالية. صراعنا ("طوشتنا") مع الكيان هي "طوشة" راس المال، التراكم، الربح الأقصى. نحن نتحدث عن نهب راسمالي في درجاته العليا، بل في مرحلة العولمة. كان النهب موجودا بين قبائل الجاهلية، والسيطرة منذ الإسكندر وداريوس وتحتمس، وحتى كانت النساء المسكينات جزءاً من النهب. أما اليوم فنحن بصدد وضع اليد على الفائض، التراكم، ووراء كل هذا المبنى الإجتماعي للتراكم. ان راس المال الذي رآه ماركس علاقة اجتماعية، مصلحة مادية اساس كل الأمر وجود طبقات وراء كل ذلك)))
والتأكيد على العلمنة في هذا الوقت ضروري، نتيجة "التدخل الديني" في الصراع السياسي، من إعطاء الصراع السياسي غلاف ديني، وبالتالي تحويله من كونه صراع طبقي (أو قومي) إلى كونه صراع ديني. من وجود أيديولوجيا سادت في عصور قديمة تتخذ من الدين عقيدة سياسية وتشريعية، تحاول أن تستمر في السيطرة، أو أن تعيد سيطرتها، رغم أن التطور يفترض تجاوزها كأيديولوجيا وكعقيدة سياسية وتشريعية وكنظام اقتصادي اجتماعي، وبالتالي تحويل الدين شأناً شخصياً مصاناً في القانون. إن الانتقال إلى مجتمع مدني حديث يفرض هذه النقلة، أو يفرض هذه القطيعة ( القطيعة مع الدور السياسي الأيديولوجي للدين وليس مع الدين). وليس من الممكن الانتقال إلى الاشتراكية دون تحقيق هذه القطيعة، وبالتالي تأسيس دولة ديمقراطية علمانية. (((طالما ترى الدين هكذا، فلماذا اعتبرت الكيان قام على الدين؟ أم أن شعب الله المختار مختلف عن شعب الله المحْتار! التعبير هنا لناجي العلي الذي اغتالته البرجوازية الفلسطينية التي كانت أول من طرح الدولة الديمقراطية العلمانية ثم طرحتها أرضاً حينما لوحوا لها بأوسلو!)))
وسنلمس أن البرجوازية لم تكن معنية بهذه الخطوة، وكانت الرأسمالية الإمبريالية معنية بتكريس البنى التقليدية ذاتها. لهذا أصبح تحقيق ذلك مناطاً بالطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، وبالقوى الماركسية. وهو في أساس الحل الذي يطرحه الماركسيون.
أخشى أن يكون الصديقين يقابلان الديمقراطية والعلمانية بالاشتراكية، يرفضان الديمقراطية والعلمانية تحت مسمى تحقيق الاشتراكية (((أنت تعرف مما قرأته لنا... هل تريدنا ان نقسم لك باننا ديمقراطيون وعلمانيون، وكذلك اشتراكيون وشيوعيون!))) أخشى ذلك حقيقة، لأن الصيغة التي يطرحانها قد توحي بذلك. وربما كان لا زال هناك خشية من تناول العلمانية نتيجة فاعلية الأصولية والميل العام للتدين. وبالتالي هنا يكرران إشكالية الفكر القومي العربي الذي تجاهل ضرورة العلمانية فإتخذ موقفاً ملتبساً منها، سمح –مع أسباب أخرى – إلى إعادة إنتاج الأصولية. أو أن هذه الخشية نبعت من دور بعض الحركات الأصولية المقاوم (حزب الله مثلاً)، وبالتالي خوفاً من عدم المقدرة على التنسيق، والتصادم معها في وضع يفرض التحالف مادام الصراع مع المشروع "الرأسمالي- الإمبريالي- الصهيوني" هو الصراع الرئيسي. بمعنى أن السياسي هنا يشل كل إمكانية لتجاوز الأيديولوجيا التقليدية، وتجاوز مشروعها الأصولي. وهو ما يفضي إلى تكريس البنى التقليدية والوعي التقليدي الذي هو بيئة الأصولية، ويمنع تحقيق التطور الضروري، لأننا نكون قد همشنا جزءاً مهماً من مشروعنا، وهو المتعلق بزحزحة الأيديولوجيا التقليدية وتعميم مشروع سياسي واقتصادي اجتماعي بديل. هنا التوافق على مسألة (هي المقاومة مثلاً) يفضي إلى التنازل عن كل المسائل الأخرى، ويقود إلى تكييف وعي الاشتراكيين مع الوعي التقليدي. إن "التحالف" مع قوى "أصولية" نتوافق معها على المقاومة (إذا ما كانت ضرورة)
(((ومتى كانت المقاومة غير ضرورية! إن من لا يعتبر المقاومة ضرورة هي الأنظمة العربية التي تلهج بالهجوم عليها. هذا ما يردده الشيخ الناعم سعد الحريري وفؤاد السنيورة، وهذا هو موقف الأساتذة اليساريين الغربيين وخاصة كثرة من التروتسكاويين الذين من أجل حماية الكيان، وحيث أن كثرة من عناصرة صهاينة ويؤمنون بالديانة اليهودية، دائماً يهاجمون المقاومة الإسلامية. فهم لا يرون المقاومة ضرورية، لأنهم يريدون حصرها في مزارع شبعا، ومزارع شبعا "صغيرة" لا تستحق كل هذه التضحيات. ولكن هذا ليس سوى جزء من قمة جبل الجليد. فالشيخ بن الشيخ سعد الحريري إبن المياردير المقاول القتيل وفؤاد السنيورة، وكمال جنبلاط واليسار الديمقراطي الجديد في لبنان، واضرابهم، يعرفون أن حزب الله يهدف تحرير فلسطين. أما هم، فلا تعنيهم فلسطين، فهم ليسوا عروبيين، وبالتالي ليست المقاومة ضرورية.

دعنا نقول بكل الجدية الممكنة:

1) يجب الفصل بين حق الأمة العربية في مقاومة الغزوات الصهيونية والراسمالية الغربية كعرب، وحق الأقليات غير العربية في ذلك ايضاً. وكل هجوم على تبني القومية العربية بحجة أن القومية "رجعية وشوفينية وبرجوازية وسلاح في يد البرجوازية...و...," هو فاشل وتافه حينما تكون الأمة تحت الإستعمار والإحتلال.
وهنا نريد التذكير بان مقولة ماركس حول قيام المركز بتطوير المحيط على شاكلته هي استشراقية ومركزانية بيضاء، وهي لا تأخذ بالاعتبار سوى موجة القومية الأولى، اي "عصر القوميات في أوروبا" وتسحبه على كل العالم، وهذه مركزانية بغيضة .
إن الهجوم على القومية حينما تكون الأمة مُداسة تحت أقدام العدو الرأسمالي هو في جوهره "خوف" على الكيان الصهيوني من صراع عربي ـ صهيوني حقيقي، وليس صراعاً كما يسمونه اليوم فلسطينياً ـ إسرائيلياً. إن اليسار الغربي وخاصة التروتسكاوي، ومنه الصهاينة اليساريون، "يمرضون" بل يموتون حين تذكر كلمة القومية العربية ويغلفون ذلك بموقف ماركسي من القومية وهم في الحقيقة صهاينة، ويلعبون على سذاجات أو دونيات كثير من اليساريين او الماركسيين العرب.

2) نحن لسنا نظام حكم أو حزب سياسي حتى نتزلف إلى حزب الله أو اية مقاومة إسلامية، نحن جزء من المقاومة، جزء متواضع ولكننا منها. إن الهجوم على الدين من مدخل التقاطع مع الراسمالية الغربية والكيان الصيهوني أو على أرضية اليسار التروتسكاوي وهنتجتون، هو في الحقيقة واساساً هجوم على المقاومة. لماذا لم يهاجموا الوهابية منذ عقود بل قرون؟ لكنا نحمل نضال حزب الله تاجاً على رؤوسنا وإذا انحرف أو تأصلن سنقف ضده. ولكن، أن نغمطه حقه، فهذا ليس إلا تذيل لليسار واليمين الغربيين بحجة مواجهة الأصولية و"الإرهاب" وهم الإرهاب بعينه )))

لا يفرض تغييب مشروعنا، ((( ما هو مشروعكم؟ هل الدولة الديمقراطية العلمانية مشروع غير راسمالي؟ وبالمناسبة، الراسمالية في أعلى مراحلها، لا تتناقض مع الدين. لا بل نرى الرأسماليين يرتدون بجنون إلى الدين. ونخشى ان تذهب معركة "مجدو ـ طبعة بوش، بهم وبنا! ))) أو حتى بعض نقاطه، بل يفرض توضيح الاختلاف كذلك، وإلا تحول التحالف إلى إلتحاق، وقاد إلى التماهي ولم يعد تحالفاً يقوم على توافق في موقف محدد وممارسة معينة، مع رؤية الاختلاف والتناقض في كل المسائل الأخرى، وهو ما يجب أن يكون واضحاً، ليس لنا فقط، بل لدى الطبقات كلها.


أخشى ذلك لأنني أرى بأن العلمنة ضرورة، وهي –في ظل انتشار الموجة الأصولية- باتت أكثر من ضرورة، وأن تحديدها بوضوح، وتحويلها إلى هدف، هي مهمة الماركسيين (أو الاشتراكيين والشيوعيين) بالأساس، أو قبل غيرهم. لأن عودة الأصولية تؤشر إلى أن الفكر العربي لم يقطع مع الأيديولوجيا التقليدية القائمة على أساس ديني. لهذا فعلى هؤلاء تحقيق ذلك: أولاً في الوعي (تجاوز المنطق الصوري/الأرسطي/ الديني)، وثانياً في السياسة (التمسك بهدف العلمنة). وفي ثنايا ذلك تحل المسألة اليهودية كما كل المسألة الدينية.
((( هل هناك مسألة يهودية؟ بعد كل الذي أخذوه، هل بقيت مسألة يهودية؟ أليس هذا كمن يتحدث عن حق تقرير المصير "للشعبين"؟ هم قرروا مصيرهم ودمروا مصيرنا، وما زلتم تبحثون لهم عن ذلك الحق؟ هذا هو جوهر أدبيات من يتحدثون عن الدولة الديمقراطية العلمانية، وبصراحة هؤلاء لا يزعجون الصهيونية بل إنها بهم لسعيدة)))
إذن، نحن نختلف حول خيار الماركسيين (أو الاشتراكيين أو الشيوعيين)، هل هو تحقيق الاشتراكية أم انه تحقيق المهمات الديمقراطية؟ إننا نتحدث عن خيار الماركسيين، أو خيار الاشتراكيين، وليس عن الخيار الاشتراكي، هل هو خيار تحقيق المهمات الديمقراطية (أو كما تسمى: الثورة القومية الديمقراطية)، أم خيار تحقيق الاشتراكية الذي يشمل بعض المهمات الديمقراطية، هذا الخيار الذي يقول به الصديقان؟ ((((من أين أتيت ب"بعض" المهمات؟ ثم، طالما تتحدث عن الديمقراطية بكل هذا العشق العذري، لماذا لم تقدم تعريفاً لها؟ كثير من اليسار الفلسطيني حول اسمه إلى "القوى الديمقراطية" وذات يوم في نقاش لنا معهم قلنا أن هذه التسمية تعني:
1) التخلي عن المضمون الطبقي
2) والمضمون السياسي
3) والمضمون الفكري
4) والمضمون القتالي.

ففي ذات لحظة كان اسحق رابين "ديمقراطياً". نعم هذا الفاشي. وفي ذات لحظة يكون الفلاح الذي لا يضرب زوجته في ليلة ما ديمقراطياً. وحين يزور بوش مسجداً في ديترويت يكون لحظتها ديمقراطياً أيضاً!))

وهنا التحديد لا ينبع من "الأيديولوجيا" (من الفكر) بل من الواقع. وسنلمس بأن خيار الماركسيين الراهن هو تحقيق المهمات الديمقراطية. لأن الواقع لم يتجاوز بعد مشكلاته القروسطية رغم سيطرة العلاقات الرأسمالية، (((لاحظ هنا التناقض النظري، الذي لم تخفيه السردية المطولة. فالقروسطية لا يجمعها مع الرأسمالية سوى وجود السوق والعملة. لا يمكن الحديث عن قروسطية في ظل سيطرة علاقات راسمالية. هذا مع العلم أن كلمتي علاقات راسمالية غلط نظري والصحيح علاقات إنتاج راسمالي، وعلاقات سوق.... وهذا يفتح على نقاش نظري هائل هو مدى كون علاقات الزراعة راسمالية، وهل انتاج الفلاحين الصغار للسوق ام للإستهلاك، وهل هم بروليتاريا زراعية أم لا ....؟ والمهم أن سيطرة علاقات إنتاج راسمالية هي سيطرة، وانتهى الأمر. هذا هو قولك: انه "سيطر"، فطالما "سيطرة" علاقات الإنتاج الرأسمالية، لا يعود هناك مكاناً للقروسطية، قد تبقى هناك ترسبات ثقافية ما قبل راسمالية، وهي على اي حال ليست قروسطية. وقد تكون هناك ثقافة ما قبل راسمالية، مثل حديث الغزالي مثلا عن "إمتطاء المرأة ـ الله يخرب بيته" ولكن الذي يتفوه بهذه التفاهات هو نفسه قد يكون مالك مصنع كبير!!! وعليه، فالحاسم حين تسيطر علاقات الإنتاج والتسويق الرأسمالية هو راس المال وليس اللبيدو الكامن في الغزالي))) وهي العلاقات التي أفضت إلى التبعية والالتحاق لأنها لم تأتِ نتيجة نشوء قوى الإنتاج الحديثة، أي لم تأتِ نتيجة نشوء الصناعة وبالتالي تبلور طبقة رأسمالية صناعية. ولأنها نتجت عن التشابك مع الرأسمال الإمبريالي لم تحقق المهمات الديمقراطية في مجالات الفكر والسياسة. لهذا ورثت الطبقة العاملة (وفي إطار تحالف طبقي) هدف تحقيق هذه المهمات قبل أن يتهيأ المجتمع لتحقيق الاشتراكية. وهي تتحقق بالتناقض مع الرأسمالية التابعة تلك، ومع الرأسمالية الإمبريالية بالأساس. وهو الأمر الذي يعطي الطبقة العاملة مركز القوة الذي يؤهلها لأن تلعب دوراً ريادياً (((اية طبقة وأية ريادة وأنت نفسك تقول "لم تأت نتيجة نشوء الصناعة وبالتالي تبلور طبقة راسمالية صناعية؟" هل يمكن وجود طبقة عاملة ريادية لها مركز قوة وتلعب دوراً ريادياً إذا لم تكن هناك صناعة وطبقة راسمالية. لا بد من مراجعة نمط الإنتاج الرأسمالي الذي لا يتحقق إلا بوجود وتبلور الطبقتين البرجوازية والبروليتاريا))) ويربط تحقيق تلك المهمات بدورها ذاك.
سنشير هنا إلى أن لدى الصديقين خلطاً بين الوصول إلى نتيجة هي: أن البرجوازية باتت عاجزة عن تحقيق الاستقلال والوحدة والتنمية، والقطيعة الفكرية، أي التطور الذي حققته مثيلتها في أوروبا، وحيث بات تحقيق هذه المهمات يقوم على التناقض مع البرجوازية وتجاوز الرأسمالية. وبين القول بضرورة تحقيق الاشتراكية كشكل وحيد لتجاوز الرأسمالية. وهو الخلط الذي يجب أن نتجاوز كماركسيين لكي يصبح ممكناً لنا أن نحقق المهمات التي يطرحها الواقع، والتي هي مهمات ديمقراطية. إن تحقيق المهمات الديمقراطية ضرورة لا يمكن القفز عنها، وأيضاً لا يمكن خلطها بمهمات إشتراكية، وكذلك لا يمكن أن تتحقق إلا بقيادة إشتراكية.
إن التأكيد على أن التطور يقوم على الضد من الرأسمالية هو أمر صحيح وضروري، لكنه لا يساوي القول بأن المهمات تتمثل في تحقيق الاشتراكية، وبالتالي خلط المهمات الديمقراطية بالمهمات الاشتراكية (((تؤكد قراءة ألف باء الفكر الإشتراكي أن مهام والعمل والسيرورة الإشتراكية لا تأتي قبل حل المهام الديمقراطية، هذا إذا كان حلها ممكناً في ظل طبقات الكمبرادور التابع...؟))). وهنا يبرز تعقيد الواقع وطابعه المركب الذي لا يمكن أن يختزل في "ترسيمة"، أو في شكل تخطيطي مبسط. الواقع الذي يفرض أن يتحقق القطع مع القروسطية في التكوين الاقتصادي الاجتماعي، كما في الفكر والسياسة. (((حسناً، وكي نتجنب رصف الكلمات دون تدقيق علمي، كيف يتحقق القطع مع القروسطية (في التكوين الإجتماعي الإقتصادي)؟ ما معنى هذه الكلمات؟ التكوين الإجتماعي الإقتصادي؟ بصراحة، غامضة وبلا معنى. والصحيح هو مشروع تجاوز التشكيلة الإجتماعية الإقتصادية ما قبل الراسمالية والرأسمالية إلى الإشتراكية. ثم لا تنسى أننا لا نتحدث عن الوضع العربي معزولاً عن الكيان الذي هو في المابعديات ـ ما بعد رأسمالي؟))). لكن في وضع طبقي يجعل هذه المهمة هي مهمة الطبقة التي تعمل من أجل إلغاء كل ملكية وتأسيس النظام الاشتراكي، دون أن يكون الواقع ذاته مهيأ لتحقيق ذلك. وبالتالي يفرض عليها أن تنجز مهمات كان يجب أن تتحقق قبل وجودها، وكانت هي نتاج هذا التحقق.
إن الخيار المطروح في الوطن العربي هو خيار تحقيق المهمات الديمقراطية (التحرر/الاستقلال، الوحدة وحل مسألة الأقليات، الدمقرطة والعلمنة، تحقيق التطور الاقتصادي الاجتماعي بما هو بناء الصناعة أولاً، والحداثة في الفكر والسياسة ووضع المرأة والتعليم والمؤسسات). وهو خيار يجب أن تحققه الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء (وبالتالي فهو خيار الحزب الماركسي المعبر عن هؤلاء). أي أن نحقق ثورة ديمقراطية بقيادة إشتراكية (ماركسية)، وبتحالف مع الطبقات الشعبية الأخرى (وكذلك مع الأحزاب المعبرة عن تلك الطبقات). مع ملاحظة أن القيادة هنا لا تُفرض فرضاً بل تُكتسب عبر الممارسة والفاعلية ودقة الرؤية والتكتيك. حيث أن تحديد الهدف العام يسمح بتحديد التحالفات بشكل دقيق، وكذلك بتحديد المهمات بشكل واضح.
(((ولماذا نرى الخيار الإشتراكي قائمأ وبكل الشرف الإنساني في كوبا وفنزويلا وبوليفيا ....الخ؟ لماذا لا نرى اشتراكية القرن الواحد والعشرين التي تتجاوز بيروقراطية الحزب العبقري الذي يمثل ويقود ويفهم بالنيابة عن العمال والفلاحين؟ لم يعد الحزب النخبوي اللينيني وخاصة التروتسكاوي هو الخيار الأفضل في العصر الحديث. كان هذا الحزب سابقا ممكناً، كونه مكوناً من مجموعة من المتعلمين والذين لديهم وسائل الوصول إلى المعرفة مقارنة بالعمال الفقراء...الخ. أما اليوم، فلم تعد المعلومة محتجزة عن الناس. ولذا، لا تقبل الطبقات الشعبية بالإنقياد للحزبي العبقري، بل عليه أن يمتثل لمصالحها وقناعاتها وبرامجها. هذه الطبقات الشعبية، وتحديداً الثوريون منها، يشكلون البرلمان الشعبي الذي يبلور مواقف وقناعات هذه الطبقات ويكلف الحزب كأداة ثورية تنفيذية مناضلة بالقيامم بها ويحاسب الحزب عليها. طبقات شعبية لا تقبل ب "نفذ ثم ناقش"، بل هي تطلب من الحزب أن يناقش وينفذ. الم يعد واضحاً أن "نفذ ثم ناقش" استخدمت، لا سيما في الوسط الفلسطيني على النحو التالي: "نفذ ثم ناقش، لأنني، وأنت تنفذ، امارس معاصي لن تستطيع اللحاق بي (أنا كقيادة) لمناقشتها، أو إن وسعك الوقت ناقش حتى تتعب!!! لذا، نفذ أعضاء المنظمات الفلسطينية أوسلو والإنتخابات الأولى والثانية وسلسلة الإتفاقات، وسواء ناقشوا ام لم يناقشوا، فهم تحت المزراب.)))