الهرولة والتهافت الانتخابي 2/3


محمد الخباشي
2007 / 10 / 24 - 09:06     

عود على بدء.
بعد طول انتظار، كتمت أنفاسي كي لا تكلم، مخافة أن يتهمني احد بالتشويش عليه. وقررت ألا أتكلم وألا اكتب شيئا طول هده الفترة، واضطررت إلى تعليق حتى الرسائل التي كنت قد بدأت أوجهها إلى البعض. وبعد مرور الانتخابات وانكشاف المستور، ها أنا سأعود إلى هدا الموضوع بالذات، في ثلاث مقالات: أولها عن الانتخابات بصفة عامة والظروف التي مرت فيها، والثاني عن الحرب الديماغوجية التي صبرنا عليها على مضض والتي رافقت إعلان حزب الطليعة عن المشاركة، والثالث محاولة لتقييم أداء الحزب وتأثير هده الانتخابات عليه.

الجزء الثاني : حرب التصريحات تبعث لينين من جديد
ما ان صود على قرار متخد سلفا، في اعقاب انعقاد المجلس الوطني لحزب الطليعة، حتى بدأت حرب التصريحات الصحفية. ومن بعضها فاحت نشوة الاحساس بانتصار مفترض، بقرار ولد قسرا وبشكل عسير. وقد أذكى الاعلام بعض من هدا الاحساس بتوجهه الى رموز طالما انتظرت هدا الانتصار المشوه. والحقية هي انه انتصار مشوه ما دام البعض ينتظره الى أخر رمق من حياته لعله يكون آخر انتصار يعيشه بعد الخيبات المتتالية. فكانت النتيجو ان طلعت تصريحات تجاوزت كل حدزد اللياقة، حتى بدأ من لا يعرف خبايا الامور الحزبية ان للحزب رأسان. فتداركت الكتابة الوطنية دلك بايقاف التصريحات التي يقدمها اعضاءها بمبرر ما او تحت دريعة ما. والحقيقة أن هناك نرجسيتان تقابلتا : نرجسية اللدة والاحساس بالانتصار بنوع من التشفي، ونرجسية الخوف من انتزاع صفة الزعامة. فانتصرت الثانية باستعمال سلطة القرار الحزبي ملفوفا بتبريرات توحيد المبرر الحقيقي لقرار الحزب بالمشاركة في الانتخابات.

ركز الاعلام بشكل خاص على مبررات اتخاد الحزب لقرار المشاركة لانها سابقة بعد مقاطعة الانتخابات السابقة، وهدا امر طبيعي ان يسأل الحزب عن دواعي تغيير الموقف في الوقت الدي استفحلت فيه الشروط التي تجرى فيها الانتخابات، والتي اعتبرها الحزب سابقا غير كافية لتغيير موقف المقاطعة. والدي صبرنا عليه لم يكن مجرد تصريحات واستجوابات صحفية، بل كان حربا ديماغوجية خطيرة، استعمل فيها المسموح به حتى كشف الاسرار التنظيمية، واستعمل ايضا فيها نهر جارف من التضليل.
لا اريد هنا ان اناقش الموقف، موقف المشاركة في الانتخابات، في حد داته. انما ارى ان الوقت قد حان للرد على الحرب الديماغوجية التي تجند لها البعض، وقد نجح فعلا في استمالة اغلب المناضلين الدين استسلموا للوعود العرقوبية التي تم تسويقها بسخاء على المناضلين، وكأن جنة الخلد ستفتح امام الحزب بمجرد دخوله غمار الانتخابات. اخطر ما مورس على المناضلين هو التضليل الايديولوجي الدي رافق عملية التهييء النفسي للمناضلين، كي لا أقول عملية الترويض احتراما لهؤلاء المناضلين. وتجلى داك التضليل في العودة القوية الى لينين ومشاركة الحزب البلشفي في الدوما. صحيح ان البلاشفة شاركوا في اكثر البرلمانات تخلفا ورجعية، وهو مجلس الدوما، لكن اولئك الدين سوقوا هدا الاكتشاف المتأخر لم يسألوا انفسهم عن حجم حزب لينين الدي دخل مجلس الدوما. لم يسألوا انفسهم عن الشروط الثورية التي قرر فيها البلاشفة الدخول الى البرلمان الاكثر رجعية في العالم. وأنه لمن قبيل التكلس الفكري من يحاول حتى المقارنة بين الوضع الحالي لحزب الطليعة والبلاشفة. ولا يمكن ان يصنف دلك الا في خحانة الفقر السياسي والايديولوجي وحتى الاخلاقي، من حاول تضليل المناضلين بهدا المبرر الخطير. حزب لينين، حين قرر المشاركة والدخول لمجلس الدوما، كان قد انجز شروطا ثورية لا مثيل لها، بل خرج من تجربة ثورية كادت ان تكلل بالظفر السلطة السياسية. يعني دلك ان حجمه السياسي والتنظيمي قد بلغ درجة من انضج والتأثير السياسي في مجرى الحياة السياسية في روسيا القيصرية.
هدا المبرر استفزني انا شخصيا لاعتبار سادكره مرة اخرى لاغضب البعض. خطاب لينين ولغة لينين اغضبت البعض في فترة سابقة، نعتت باللغة الخشبية. وهنا سأدكر اصحاب هده العودة الميمونة للينين، بواقعة جرت على هامش اجتماع اللجنة التحضيرية للمؤتمر الخامس. داك الاجتماع صادف صدور عدد من جريدة الطريق الموؤودة، الدي تضمن مقالا لي حول كمونة باريس. تعمدت ان اكتب عن الموضوع لاستباق النقاش الدي كان من المفترض ان يدور وسط الحزب بخصوص الاختيارات الايديولوجية للحزب ووسط اللجنة التحضيرية نفسها وبصفة خاصة اللجنة التوجيهية والسياسية. وابتغيت التاثير على النقاش من خلال القضايا التي سبق ان سطرتها تلك اللجنة بهدا الخوص. وناقشت فيه معالجة ماركس ولينين وانجلس لدور الكمونة في مراجعة دور الدولة في فترة الانتقال الى الاشتراكية ومرحلة القطع مع الدولة البرجوازية الخ.... حين حضرت الى الاجتماع كنت قد جلبت معي عددا من نسخ الجريدة. وكان اول الغيث تعليق اولي بأن الكمونة تكتب باضافة واو بعد الكاف. وهو تعليق سخيف بالمناسبة. بعد الاجتماع جرى نقاش بين هؤلاء العائدين الى لينين، وخلص الى ان المقال كان من المفروض الا ينشر بدريعة انني تركت احداث مارس 1965 بالدار البيضاء وكتبت عن باريس 1871. ونعث المقال بأنه دعوة للرجوع للغة الخشبية... الخ . ادا كانت لغة لينين لغة خشبية، فما الداعي لاستجدائه حاليا كي يشفع لكم في تسويق الاوهام؟؟؟؟؟
التصريحات التي تم الادلاء بها كانت تحتوي على ركام من المزايدات الرخيصة التي تطفو الى السطح من حين لآخر. لكن المسألة الخطيرة التي تم اللجوء اليها هي افشاء بعض الاسرار التنظيمية التي لم يعهد العموم الاطلاع عليها بتفاصيلها. أخطر ما قيل في هدا الصدد هو الادعاء بان هناك اجماع داخلي على قرار المشاركة في الانتخابات، حيث قيل ان اقليمين هما الدان اعترضا على القرار، واحد مح احترام المسطرة والاخر مع عدم احترام المسطرة... هدا البهتان موجه الى الرأي العام قصد التويه وقصد صنع اجماع مغشوش، وموجه ايضا الى المناضلين قصد التهدئة وقطع الطريق على اية معارضة والتضخيم في سلطة المجلس الوطني الدي صادق على القرار، وليس الدي اتخد القرار، بل الدي سجل القرار.
صاحب هدا الادعاء يريد ان يقول ان الاقلية هي التي عارضت قرار المشاركة في الانتخابات ، وافشى سرا حزبيا مرتبط بالتنظيم وكيقية اتخاد القرار. بالمناسبة انا لا اعتبر هدا سرا حزبيا لانه معروف لدى الجميع، انما اعتبرته كدلك ردا على حماة الاسرار الحزبية. وأسأله وأسأل الجميع عما يقصد باحترام المسطرة. لمادا لم يتم الحديث عن تلك المسطرة في كل القرارات الحزبية الا الآن؟ هل بالفعل تم احترامها في صلاحيات تلك الهيئة الحزبية نفسها، وهل بالفعل تتخد قرارات حظبية زطرق اشتعالها الخ.... وهدا موضوع سبق ان تكلمت فيه. انه يقصد طبعا انعقاد المجالس الاقليمية قبل المجلس الوطني. وكان يعني ان اقليم بركان عقد المجلس الاقليمي فقرر مقاطعة الانتخابات، في حين قدم ممثلوا اقليم بني ملال الى المجلس الوطني دون عقد المجلس الاقليمي. وأسأله هو نفسه هل احترم نفسه اولا كي تحترم اية مسطرة مفترضة. هل احترمت باقي الاقاليم الحزبية الاخرى، تلك المسطرة ان كانت هناك مسطرة فعلا؟ وانا اعلم ان المجلس الوطنيلا يمثل الارادة الحقيقية للتنظيمات الحزبية بالرغم من انه يتشكل من ممثلين للاقاليم الحزبية، لاعتبار واحد هو ان ممثلوا الاقاليم لا يحضرون الى المجلس الوطني برأي المجلس الاقليمي، بل برأيهم الخاص. وتلك هي المسطرة الحقيقية التي كان من المفروض احترامها.
استفزاز المناضلين كان لازما لبعض التصريحات. حيث قال احد عظماء التنظير الانتخابي، مجيبا عن سؤال حول من ينادي داخل الحزب بالاستمرار في مقاطعة الانتخابات، حيث قال : ".... وبالتالي فإن هؤلاء المناضلين، لا يفهمون لمادا سيشارك الحزب في الانتخابات في ظل الشروط الدستورية وفي ظل استمرار التزوير....." هده جملة تحمل من الكزارث ما يستطيع ان يحطم الكرة الارضية. هناك بهتان سياسي تسوق له هده المقولة. قيل انعقاد المجلس الزطني للحزب كتبت مقالا استباقيا، حاولت ان استجدي من دعاة الهرولة الانتخابية، ان يجيبوا عم دواعي تلك المشاركة ان قدر ان قرر الحزب دلك. وفي نقاشات عديدة اكتشفت ان لكل حساباته الخاصة. وبعد قرار الحزب المشاركة، لم ينبن دلك القرار على حيثيات واضحة، ولي عودة للموضوع في الجزء الثالث من هدا المقال. وهاهي تلك الجملة اعلاه تفيد امرين: الاول ان الحزب قرر سلفا المشاركة في الانتخابات خارج دائرة القرار الحزبي، ولدلك قلت ان المجلس الوطني اكتفى بتسجيل قرار اتخد مسبقا. لاحظوا ان الصيغة التي جاءت في الجملة واضحة : "... سيشارك الحزب....." تلك صفة قطعية لقرار متخد و اكيد، بينما باقي القادة الحزبيين (واحد على الاقل) ظل يقول "ان شارك الحزب او "ادا قرر الحزب".. الخ..... الفضيحو الكبرى التي جاءت في الجملة اعلاه هي ان المناضلين لا يعرفون لمادا شارك الحزب، والحقيقة ان وحده شيخ القبيلة هو الدي يعرف كل شيء..... والحقيقة الثانية او نصفها الاخر، ظل مع سيبويه الدي دهب ومعه شيء من حتى. ولدلك تجد الاختلاف والتقديرات في التبريرات التي سوقت للمشاركة الحزبية.
لقيت مسألة مهمة ترتبط بالمركزية الديمقاطية التي يدعي الحزب تبنيها. وهي ان مهندسو المشاركة دعوا الى ضرورة احترام رأي الاغلبية داخل الحزب. وأتساءل عن اية اغلبية يتحدثون ما دام نصف الحقيقة مستورا. واين كانت تلك الاقلية التي اصبحت بقدرة قادر ان تتحول الى اغلبية، اين كانت ايام المقاطعة، التي دعا اليها الحزب سابقا؟ ولمادا احتفطت بصناديق مملوءة بمنشورات الحزب الداعية لمقاطعة الانتخابات؟ وسأعود الى دلك في تقييم المشاركة الحزبية لاحقا.
وكي لا اتهم بالجحود، اعترف ان الاستجواب كان صريحا حين اعتبر ان الانتخابات هي "سوق عكاظ" الله برحم والديك على هده الحقيقة.
ورجوعا الى حيثيات القرار المتخد باغلبية مغشوشة، فانني اسأل الان ومرة اخرى اي مناضل ان يدلني عنها، لانني من الدين لا يفهمون( لا الان ولا في اية فترة مستقبلية) لمادا شارك الحزب. ولان لكل استراتيجيته وقوته الخارقة تمتد بين الدين يملكون جنودا وجحافل تستطيع ان تنظم لهم الحملة الانتخابية واستغناءهم عن المناضلين، وبين من دراكيلا التي تستطيع ان تحارب الاتحاد الاشتراكي، ومن يبحث عن موارد مالية للحزب وفتح امكانية الانتعاش داخل البرلمان كمتنفس مقابل التراجع الجماهيري المروع.........الخ هدا نداء للمرة الالف، اكشفوا عن نصف الحقيقة التي دفنت مع سيبويه.
في انتظار الجزء الثالث من هدا المقال، وفي انتظار، استفاقة من دكتهم جرارات الموت القادم، كي يستجدوا من يغلق فمي، في لنتظار دلك، فانني اكتفي بترديد ما قاله يوليوس قيصر في مقولته الشهيرة والمأثورة، " ... حتى انت يا بروتوس..."