نحو تيار ديمقراطي فلسطيني موحد ..


حافظ عليوي
2007 / 10 / 11 - 11:16     


خطوة حاسمة لمواصلة استنهاض اليسار الفلسطيني وتعزيز هويته..
لاشك ان اجواء تعصف هذه الايام تجاه تشكيل تيار ديمقراطي فلسطيني موحد يجمع في ظله فصائل اليسار الفلسطيني ، في اجواء تغييرات هامة على الصعيدين السياسي والداخلي ، فمع اقتراب انعقاد مؤتمر الخريف للسلام وما ستنتج عنه من اتفاقيات ، لابد من ان يسبقه اتفاق داخلي مع حركتي فتح وحماس .
فإن العملية السياسية والتفاوضية ، ستتحرك بالتوازي مع تزايد الاهتمام الدولي ، مما يعني انتقال الصراع الى ساحة جديدة , وبأساليب جديدة في التعاطي مع العملية التفاوضية , بوصفها جزءا من عملية الصراع , وليس ادارتها من موقع الركض خلف مبادرات الطرف الاخر , بل من خلال التركيز على القضايا الجوهرية , وفي مقدمتها وقف الجدار وازالته , والاستيطان , واطلاق سراح الاسرى , ووقف اجراءات عزل القدس وتهويدها , وفتح المؤسسات فيها , بالاضافة الى التمسك بالقضايا الجوهرية للمفاوضات والخاصة بإقامة الدولة المستقلة وحدودها , وبحقوق اللاجئين , والقدس , والمستوطنات والمياه وغيرها من قضايا الحل النهائي , لا من الصفر .
الاستراتيجية الفلسطينية – الاسرائيلية
ان الاستراتيجية الاسرائيلية تقوم على جعل خطة اولمرت هي الاساس , وفي مقابلها فإن على الاستراتيجية الفلسطينية ان تتمسك بتطبيق بقرارت الشرعية الدولية باعتبارها الاساس , كما ان الاستراتيجية الاسرائيلية تقوم على حصر العملية التفاوضية بين الطرفين برعاية الولايات المتحدة , ومنع التدخل الرباعي او الدولي , بينما على الاستراتيجية القفلسطينية ان تسعى لضمان هذا التدخل , وتقو مالاستراتيجية الاسرائيلية على استمرار الاستيطان والجدار , والممارسات الاحتلالية الاخرى تجاه القدس وغيرها , بينما ان على الاستراتيجية الفلسطينية ان تواصل الكفاح الشعبي والجماهيري ضد مختلف هذه المظاهر واستمرار الانتفاضة الشعبية وانشطتها الكفاحية الجماهيرية وحشد الدعم الدولي لتأييدها ضد الاحتلال وممارساته المختلفة .
اليات تشكيل التيار الموحد:
ان المهام المترتبة على بناء تيار ديمقراطي فلسطيني بهذا الصدد , هي مهام كبيرة , ويمكن أن تتحقق بالتعاون مع القوى اليسارية المستعدة لذلك , خاصة في هذه الظروف الناضجة لذلك , ليستطيع هذا التيار من تطوير دور اليسار في سياقها , حيث لا بد من امتلاكه رؤية وامكانيه لتحقيق ذلك على الصعيدين السياسي والكفاحي , والجماهيري , وفي المركز منه مقاومة الجدار والاستيطان ومقاطعة البضائع الاسرائيلية وغير ذلك من القضايا .
أما على الصعيد الداخلي الفلسطيني , فقد بدأت مرحلة جديدة , في حياة النظام السياسي الفلسطيني , فلا بد من تعزيز البنية الديمقراطية , وضمان احترام نتائج الديمقراطية والايمان بالتعدديه من خلال المشاركة الكاملة بغض النظر عن مستوى هذه المشاركة في أي حلقة من حلقات هذه العملية , وهو الامر الذي اختلفت به القوى الفلسطينية فأمسى كل ينحدر لجهة من احدى جهات الصراع , ان هذا الانحدار يفتح الافق امام اعادة بناء النظام السياسي على قاعدة ديمقراطية ذات مقياس مباشر.
حالة المخاض العسيرة هذه تسمح باعطاء معنى ملموس لمفهوم الائتلاف اليساري على اساس البرنامج واداء السياسي . ولا شك ان تشكيل هذا التيار الديمقراطي سيمتد ايضا الى كافة العمل النقابي والاجتماعي والجماهيري , الامر الذي سيسمح باضعاف البيروقراطيه والهيمنة , ومظاهر الفساد المختلفة , وبما يسمح بحراك ديمقراطي متجدد وبآليات عمل جديدة اقرب الى مصالح الجماهير وحقوقها وقدرتها على التغيير بالقياس الى الاداء والمسلك والاوليات التي تحرك الان القائمين على السلطة او اي من المؤسسات والاطر والنقابية والجماهيرية .
ان هذه العملية تؤذن بخلق ترابط افضل بين اليسار الفلسطيني بتياره الديمقراطي الجديد وبين نسيج المجتمع الذي انعزل عنه ، والاهم انها تؤذن باستعاده دور فئات المجتمع المختلفة واستنهاضها ، وبعد عملية تهميش طويلة لهذه الفئات ومصالحها ، وتخرجها من حالة الاحباط واللامبالاة ، وتساعد على بروز ممثلي قادة وهذه الفئات على خارطة المشهد السياسي والاجتماعي ، بعد ان انحصر ذلك بشكل رئيس عبر قيادات شاخ بها الزمن .
ان هذه العملية الداخلية ، وكي لا تبقى محصورة فقط في نطاق الولي الزائف " بانها بحاجة ال تكييف والعمل ومن اجل ادخال تغيرات جذرية على الاولويات الداخلية ، وفب مقدمتها الدفاع عن مصالح الفئات الشعبية الفقيرة والمحرومة ، ومعالجة قضايا الفقر ، والبطالة التي تمثل الهم الابرز لهذه الفئات ، كما قضايا بناء الاقتصاد الوطني على قاعدة تخفيف التبعية والاعتيادية ، وحماية المكونات الرئيسة لبنية هذا الاقتصاد وتطويرها ، وبعد ان تعرضت لعملية تدمير مبرمجة خلال السنوات الماضية.
ان ادراك جوهر هذه التغييرات ، وتحفيز عوامل استنهاض القوى الاجتماعية، ونشطائها ومؤسساتها ، ينطبق كذلك على القوى والاحزاب الديمقراطية ، ويفرض عليها استنهاضاً مماثلاً، واعادة بناءها على اساس التحديات الوطنية والديمقراطية والاجتماعية – الاقتصادية ، الملموسة ، وبالتالي حاجتها الى تعزيز وجودها ، وفرضه من خلال اليات هذه العملية الائتلافية الديمقراطية , وليس من خلال اي اليات اخرى تقوم على صيغ الماضي او حسابات وطرق عمل تلبك القوى القديمة . ان فكرة انشاء تيار ديمقراطي فلسطيني ، انما تمثل محاولة للتجاوب مع متطلبات هذه التغييرات ، ووضع قدم ظاهرة على طريق التغييرات في الخارطة السياسية والديمقراطية الجديدة لبنية الحركة السياسية الفلسطينية . هذا فضلا عن اسهام هذا التيار في عرض برنامج الحزب للجمهور ، وفي ابراز الفوارق مع القوى الاخرى وبضمنها بعض التيارات " الديمقراطية" وفي استعادة حضور اليسار في مشهد التغير السياسي اللاحق ، وفي استنهاض قسم كبير من هيئاته ومنظماته ، وكوادره والمحافظة على نشاطهم في التيار الديمقراطي وبرنامجه السياسي ، وكذلك في استعاده اهتمام اوساط اخرى من رفاق ومناصري القوى الديمقراطية وكوادرها وجمهورها الذين ابتعدو عنها خلال السنوات الماضية لاسباب مختلفة .
ان السؤال المركزي المطروح امامنا يتلخص بالتالي :
هل ان على هذا التيار الديمقراطي مواصلة عملية الاستنهاض الداخلي من خلال تعزيز هويته الاجتماعية والفكرية ، اليسارية ، من خلال تعزيز وحدته ، ومواقفه المستقلة ، واستعداده لتطوير دوره من خلال قبول التحديات وتحسين استعداداته كالنجاح فيها ، انطلاقا من تطوير واقعه الحقيقي ، ام ان عليه التسليم باستمرار هذا الواقع ، والانكفاء خشية مواجهة التحديات ، والاعتماد على المبالغة والرضا عن الذات ، والاداء البيروقراطي – الاعتباري ؟
ان مواجهة هذه التحديات بواقعية ، وبجرأة ، يتطلب خطة عمل حقيقة تستنهض اليسار الفلسطيني ، وتجعل من المعارك الوطنية الديمقراطية والاجتماعية والفكرية ، المحك الحقيقي لبنية التيار الديمقراطي ،وعضويته ، ومساهمته ، ودوره ، والاساس لتعزيز مكانته في الخارطة السياسية الفلسطينية ، ان صياغة خطة كهذه هي واحد من اول اولويات اليسار الفلسطيني وفي هذا الاطار فقط يمكن ان تندرج سياسة التحالفاتى التي على الائتلاف الديمقراطي ان يبرع فيها , ان الاعتماد على التحالفات دون خطة شاملة , لا يشكل مخرجا ولا هو قابل للنجاح , بل هو وسيلة يستغلها الاخرون لاصطياد بعض قيادي ونشاطاء هذا التيار او ذلك ، لصالح هذا التنظيم او ذاك , او لصالح هذه المؤسسة او تلك ويتحول ائتلاف التيار الديمقراطي بموجبها الى مجرد مصدر كفاءات او ديكور لهذا " التمثيل الانتقائي " او ذاك .
ان العناوين الرئيسة للخطة التي تسمح بمواصلة استنهاض اليسار ، وتعزز من دوره ، تتلخص في الحرص على وحدة اليسار وتعزيزها ، على قاعدة استقلالية مواقفه , وهويته اليسارية ، الاجتماعية والفكرية ، وتقوم بتعزيز صلاته بالجماهير وتبني قضاياها والدفاع عنها ، وتعزيز الجوهر الكفاحي للحزب على الصعيد الوطني ، والاجتماعي والفكري ، والجماهيري ، وان نجاح هذا الائتلاف الديمقراطي بتيار فلسطيني ديمقراطي موحد في اظهار ذلك ، سيزيد من قدرة التيار على استقطاب اوساط جديدة من الجماهير التي تتوق الى التغيير وتبحث عن عنوان ملائم لكي تعمل معه من اجل ذلك .