نشوء وتطور البرجوازية


فلاح أمين الرهيمي
2007 / 9 / 30 - 12:02     

التاريخ الانساني عباره عن سلسله من التنازع والصراع الطبقي المحتوم وقد ثبت ذلك من خلال البحث والاستدلال والتحليل عند استعراض ذلك التاريخ مستندا على كنز كبير من التفاصيل والامثله يشرح كيف تطور هذا النزاع في الماضي واصبح صراعا ونزاعا بين الطبقات في المجتمع وكيف تطور المجتمع من نظام المشاعيه البدائيه حيث كانت مجموعات بشريه كبيره تعيش في المغاور والكهوف في غابات الامزون وفي امريكا الجنوبيه وفي استراليا وروديسيا وفي افريقيا ثم انتقل ذلك النظام الى نظام الرق والعبوديه مع تطور الانسان والتاريخ حينما اصبح كل فرد من هذه المجموعه واعتمادا على قوته الجسميه ومهارته في الصيد يصطاد اكثر عدد من الحيوانات التي تفيض عن حاجه تلك المجموعه البشريه التي تعيش في المغاور والكهوف ونتيجه لتكاثرها شيد لها مكان مأمون للمحافظه عليها ثم اخذ يستخدم ضعيفي الاجسام والخاملين من البشر ويستخدمهم في حراسة تلك الحيوانات وتوفير الطعام لها ورعايتها وكلما توسعت اعداد الحيوانات كلما ازدادت الحاجه الى عدد اكثر من البشر لرعايتها والى مساحه كبيره من الارض لاستيعابها والمحافظه عليها فتكونت المقاطعات ثم الاقطاعيات ثم الزراعه حينما فرضت الحاجه لتوفير الطعام لهذه الحيوانات الكثيره والاستقرار مما ادى الى ولادة النظام الاقطاعي الذي كان فيه الفئه الاقطاعيه تكتفي بامتلاك الاراضي وتشغيل ابناء العامه في زراعتها وحراثتها واطعام الحيوانات ورعايتها مقابل اجور قليله او لقمة العيش او مقابل لاشئ ابدا (السخره) وكان الاقطاعي ياخذ كل الانتاج الزراعي والمحصولات ويقتسمها بينه وبين الخزينه الملكيه من قبيل الجزيه عما تخوله اياه السلطه الملكيه من حق التحكم بالجماعات القاطنه في اقطاعياته وكان الاقطاعي يسوق هذه الجماعات للحرب ضد غيره من الاقطاعيين او يضعها تحت تصرف الملك كما يجندها في حرب ما ضد دوله معاديه ولم يكن الاقطاعي يطمح باكثر من دوام رضى الملك يكفل دوام عبوديته للناس البسطاء له . في ذلك العهد لم يكن للتجاره ولا للصناعه شان ولم يكن هناك غير طبقتين هما طبقه الاقطاعيين اصحاب الاملاك الواسعه والافاء والعبيد وابناء الشعب العامة وهي الكثره الساحقه واصحاب الحرف البسيطه غير ان ماحصل من تطور تاريخي فتح المجال لنشوء طبقه جديده هي الطبقه البورجوازيه وهكذا اصبح الشعب مقسوما الى ثلاث طبقات الاولى مؤلفه من الاشراف والاقطاعيين واصحاب الاملاك الكبيره والطبقه الثانيه من التجار واصحاب الصناعات والطبقه الثالثه طبقه العمال وعامة الشعب . وهم الاكثر به
ان الطبقه الاولى أي طبقة الاشراف وكبار الملاكيين التي لها الحول والطول في الماضي جعلت تفقد سلطاتها شيئا فشيئاوذلك للاسباب التاليه :-
1- ان المال اخذ ينتقل من خزائن الاقطاعين الى خزائن الطبقه الجديده (البورجوازيه) طبقة التجار والصناعين وهي الطبقه الاكثر اجتهادا في العمل والاكثر مهاره في جمع الثروات فكان الاقطاعيون يستجيرون بهم ويستدينون منهم الاموال لكي يحافظوا على مراكزهم الممتازه من جهة ويقدموا للملك اثمان الوجاهة التي يحلها عليهم فلم يكن لهم مفر من التنازل عن بعض حقوقهم وصلاحياتهم لدائنيهم من البورجوازين .
2- هروب كثير من العبيد والاقنان من اقطاعيات الاقطاعين واللجوء الى المدن للعمل لدى التجار والمعامل او تجنيدهم في الجيوش التي انشأت للسيطره على مناطق اخرى من الدول واستعمارها .
3- كان التجار والصناعيون ينقلون بضاعتهم الى المدن والدول الاخرى فكانت هذه البضاعه تفرض عليها ضرائب ورسومات عندما تعبر او تمر في احد المقاطعات التي يملكها الاقطاعين مما يؤدي الى تحمل البضائع خسائر كبيره 0
كانت طبقه البورجوازيه اكثر وعيا ودهاء من الطبقه الاقطاعيون وكانت اكثر اجتهادا ونشاطا من طبقه العمال وعامة الشعب فبينما كانت طبقة الاقطاعين تلهو وتعبث وفيما كانت الطبقه العامله وعامة الشعب مستسلمه الى حكم القدر وقانعه من دنياها بما يؤملها به مستثمروها من سعاده في الاخره كانت الطبقه البورجوازيه تعمل جاهده لاستثمار خيرات الارض والاستفاده منها في تثبيت مكانتها وازدهار معيشتها ورفع مستواها المادي والفكري ، فما جاء القرن الثامن عشر حتى بدأت الطبقه البورجوازيه تزحزح الطبقه الاقطاعيه من مراكز نفوذها وتنتزعه منه كليا في القرنين التاسع عشر والعشرين .
كانت الطبقه البورجوازيه تمتاز عن طبقه الاقطاعين الارستقراطيه بمزايا عديده سهلت لها سبل السبق والتفوق فهي اكثر تقدميه منها اجتماعيا واكثر قابليه للاخذ بسنة التطور واكثر وعيا واستطلاعا وادراكا وتقديرا للقيم الانسانيه فلم يغرها التحصن في ابراج عاجيه بل خرجت من موقعها المحنطه بالاطياب الى ميدان الحياة والعمل تصارع وتكافح لاستخراج وخلق جو مناخ صالح للحياة تقوم على العمل والانتاج .
كانت التجاره في المرحله الاولى والصناعه في المرحله الثانيه العنصر الاهم في توطيد سلطة الطبقه البورجوازيه وكانت هذه الطبقه تنهج مختلف السبل في عمليه اقتصاديه لاستدرار الكسب والثراء والتراكم البدائي لراس المال وعملت على الاستحواذ والسيطره على الاسواق والاراضي الزراعية بعد ان ازاحت عنها اصحابها الحقيقين فالعمليه البدائيه لتراكم راس المال تعتبر عمليه تاريخيه استطاعت بها البورجوازيه ان تفصل صفار المنتجين عن وسائل الانتاج فصلا كراهيا شاملا وبجميع هذه الوسائل في ايدي الراسمالين وقد جرت هذه العمليه في بلدان اوربا الغربيه في القرون 16 و17 و18 من حيث الاساس وكانت عمليه التراكم البدائي لراس المال يقظة الانطلاق في نشوء انتاج الاسلوب الراس مالي وظهور مالكي وسائل الانتاج من جهة والعمال الماجورين البائعين لقوة عملهم والمحرومين من وسائل الانتاج والاحرار حقوقيا من جهة ثانيه . ان عملية فصل صغار المنتجين والفلاحين بشكل خاص عن وسائل انتاجهم فصلا كراهيا (كالارض وادوات الانتاج) هي بمثابة نهضه للراسماليه وتدل على ان الراسمالين لم يظهروا كنتيجه لتغير فئه من الناس كما يزعم البعض من الاقتصادين ، ان التاريخ الفعلي يبين ان ظهور الراسماليه كانت ثمرة عمليات اقتصاديه فعليه وكانت تحدث في احشاء المجتمع الاقطاعي ( كالمنافسة وخراب صغار منتجي السلع ) وقد تسارع هذا الظهور عن طريق استخدام اشرس الصور العنيفه والنهب ، لقد ظهرت اكثر صور تراكم راس المال البدائي كلاسيكيه في انكلترا حيث استولى اللوردات على اراضي الفلاحين المشاعيه وطردوهم منها وقد باع الاقطاعيون الاراضي المغتصبه من الفلاحين الى الراسمالين من مربي الاغنام كمراعي والاخرى استغلت في ممارسة الانتاج الزراعي المستخدم كمواد اوليه في معامل الراسمالين ولجات الطبقه البورجوازيه الوليده الى وسائل عديده لاغتصاب الاراضي الزراعيه من الفلاحين كالاستيلاء الاحتيالي على اراضي الدوله ونهب املاك الكنيسه وتحولت جماهير الشعب المحرومة من مصدر رزقهم ومعيشتهم الى متسولين ومشردين وقطاع طرق وسنت سلطة الدوله البورجوازيه قوانين ضد الذين صودرت اراضيهم سميت (بالتشريعات الدمويه) وعن طريق التعذيب والجلد بالسياط والختم بالحديد الساخن عززت الدوله نظام العمل الماجور ودفعت الفقراء والمشردين والجياع الى العمل في المؤسسات الرأسماليه بالقوه وعنوه وقلصت مبالغ الاجور واطالت يوم العمل الى اثنتي عشرة ساعه او اكثر وقد رافق خراب صغار المنتجين وتمويلهم الى عمال اجراء كما ازداد تراكم ثروه كبار الملاكين بعد ان تحولوا الى راسمالين .
بدا التزاحم والصراع بين الدول الاوربيه كل منها تبغي لنفسها اكبر قسط من الارباح فطمعت في خيرات القارات غير الاوربيه ودفعها طمعها هذا الى القيام بمغامرات توسعيه واستعماريه فبنيت الاساطيل التجاريه الحربيه كي تحتل تلك المناطق وتجلب منها المواد الاوليه للصناعه ثم ترسل الى اسواقها مصنوعات معاملها فبرزت في البدايه كل من اسبانيا والبرتغال ثم بريطانيا وفرنسا التي جعلت من تجارتها اساسا لسياستها الاستعماريه وانطلقت ثورة الانكليز على البحار واخضعوها لمراكبهم وامتدت تجارتهم الى اقاصي المعموره يقايضون ويتقايضون مع سكان تلك الاقطار احيانا بشرف واحيانا بالاغتصاب والقرصنه وقامت صراعات ونزاعات ومبارزه حامية في هذا المضمار بين انكلترا وفرنسا كل منها تسعى للتفوق على الثانيه في استثمار اسعباد شعوب تلك البلدان ووضعها تحت حمايتها .
كان طبيعيا ان يرافق العصر الراسمالي الاستعماري تقدم في العلم والصناعه والاختراعات لكي تزدهر الراسماليه ويصبح بامكانها ان تتوسع وتربح وتستعمر وتسود عليها وان تخلق وتبني الصناعات و تسهل المواصلات بين الاقطار البعيده والقريبه وتؤسس شركات وتكتلات استثماريه وتصنع لها قواعد تنسجم مع مصالحها الاستعماريه .
لقد ادى فتح واكتشاف اميريكا والدوران حول الرجاء الصالح الطريق لنهوض البورجوازيه والسيطره على اسواق الصين والهند والشرقيه واستعمار قارة اميريكا من قبل بريطانيا وفرنسا واسبانيا والبرتغال والتوسع في التجاره واستغلال البلدان المستعمره واستثمار مواردها الاوليه واسواقها التجاريه والزياده في وسائل التبادل اعطت للتجارة والملاحه البحريه وللتصنيع دفعه جديده لم تعرف من قبل بعد ان اصبحت الطبقه الوسطى التي تعتمد على الصناعه الحرفيه اليدويه البسيطه عاجزه عن سد حاجة الاسواق المستعمره اخذت البورجوازيه الحديثه ومليونيرات الصناعه وقادة الراسماليه الاستعماريه بكاملها تزيح الطبقه الوسطى عن طريقها واعتمدت على القوة التجاريه والالة الحديثه المتقدمه والعملاقه مكان الصناعه الحرفية اليدويه مما جعل الصناعه الحديثه ان تستطيع من تاسيس السوق العالمي لراس المال والصناعه المتقدمه وكان لاكتشاف القاره الاميريكيه الاهميه الكبرى الذي مهد لهذا السوق تطويرا ضخما للتجارة والملاحه والاتصال البري الواسع لخطوط السكك الحديديه مما ادى الى تطور الطبقه البورجوازيه وتقدمها وتطورها ونشاطها وراس مالها واصبحت هذه الطبقه سيده الموقف بعد ان ازاحت من امامها جميع الطبقات التي انحدرت من العصور الوسطى الى الساحه الخلفيه .
ان هذه المرحله حدثت نتيجة طريق طويل من التطور ومن سلسله من الثورات في هياكل الانتاج والتبادل التجاري لقد لعبت البورجوازيه اكثر الادوار ثوريه في التاريخ حيث وضعت نهايه لكل العلاقات الاقطاعيه والابويه والريفيه البسيطه ومزقت اربا اربا بلا رحمه الروابط الاقطاعيه المتناثره التي تربط الانسان (بسادته الطبيعين) ولم تبق اية رابطه بين الانسان واخيه الانسان سوى المصلحه الذاتيه المجرده من العلاقات الانسانيه والجزاء والتعامل النقدي الفظ وحولت الكفاءه الشخصيه الى سلعه تابعه للمقايضه والربح والخساره وقامت مكان الحريات الدستوريه العديده التي لايمكن تبريرها والدفاع عنها بتعبير واحد وحريه واحده بعدم الضمير حيث استبدلت التجاره بالاستغلال المجحف المتشنج والمتلبس بالاوهام العقائديه الذي يقوم على الاستغلال والطمع الوحشي الذي لايخجل ولا يستحي لقد جردت الطبقه البورجوازيه كل مهنه شريفة ومحترمه في ذلك الوقت من هالتها المقدسه وحولت الطبيب والمهندس والمحامي ورجل الدين والشاعر ورجل العلم الى عمال ماجورين وسلعه تباع وتشترى ونزعت الاخلاق البورجوازيه من العائله وشاحها العاطفي الانساني وقلصت العلاقه الاسريه الى مجرد علاقه تحكمها النفوذ والمصلحه الذاتيه والانانيه .
واستأثرت الطبقة البرجوازية لمصلحتها الخاصة بالسلطة السياسية في الحكومة النيابية الحديثة منذ تأسيس الصناعة الحديثة واقتصاد السوق العالمي واصبحت السلطة التنفيذية للدولة الحديثة ما هي الا لجنة الادارة للشؤون العامة للبرجوازية اتبعت البرجوازية سياسة اخضاع البلاد لحكم المدن فشيدت مدناً هائلة وزادت من كثافة عدد سكانها الحضريين بالمقارنة مع السكان الريفين وجعلتهم اكثر اعتماداً على المدن وجعلت شعوب الريف والفلاحين تابعة وخاضعة للمدن المتحضرة البرجوازية والشرق الفقير والجاهل والامي والمريض يعتمد على الغرب الفني .
استمرت البورجوازية في سعيها للتخلص من حالة تشتت السكان ووسائل الانتاج والثروة ، لقد كتلت السكان ومركزت وسائل الانتاج وتمركزت الثروة في أيدٍ قليلة وكانت نتيجة هذه السياسة من اجل ضرورة المركزية السياسية مما جعلت المقاطعات المستقلة او ضعيفة الروابط ذات المصالح والقوانين والحكومات والنظم الضريبية المنفصلة متكتلة معاً في دولة واحدة ومصلحة وظيفية واحدة وحدود واحدة وحكومة واحدة ودستور وقوانين واحدة ومصلحة وظيفية واحدة تعرفه جمركية واحدة .
لقد خلقت الرأسمالية خلال فترة حكمها التي بلغت مئة عام قوة انتاجية اكثر جبروتاً قياساً الى ما خلفته وانجزته كل الاجيال السابقة اما الولايات المتحدة الامريكية فكانت بعيدة عن اوربا ومشاكلها وصراعها حيث كانت محصورة في القارة الامريكية رافعة شعار (امريكا للاميريكين) الا ان دخولها الحرب العالمية الثانية بجانب الحلفاء ضد المانيا وحلفائها وخرجت من الحرب الدولة الوحيدة التي لم تتعرض اراضيها ومشاريعها وبنيتها التحتية وخدماتها ومؤسساتها وطرفها وجسورها ومصانعها ومنشآتها الى التدمير والعرقلة وذلك لبعدها عن ارض المعركة والامكانيات الواسعة والغزيرة التي تتمتع بها من مواد ومصانع وعمران وغيرها مما وفر لها كل الامكانيات والظروف لتصبح القوة المهيمنة والفعالة على الساحة الدولية فقدمت المساعدات الى الدول الاوربية لأعادة اعمارها وتشييد ما تهدم من مشاريعها ومنشآتها الحيوية والمهمة فوضعت خطة (مارشال) لمساعدة الدول الاوربية وجذبها الى جانبها بعد ان اصابها القلق والخوف مما تمخضت عنه الحرب وظهور المعسكر الاشتراكي الجبار ولكي لا تنجذب دول اوربا وتنحاز الى جانب المعسكر الاشتراكي فبادرت الولايات المتحدة الامريكية الى مساعدتهم اقتصادياً وجذبهم الى صفوفها .
بعد ان اصبح للولايات المتحدة الامريكية ثقلها ووزنها في الساحة الدولية اخذت تزيح عن طريقها الدول الاستعمارية القديمة وخاصة بريطانيا وفرنسا وتستحوذ على مستعمراتها ليس عن طريق الاحتلال العسكري وانما عن طريق الاستعمار الاقتصادي او ربط اقتصاد تلك الدول بعجلة الاقتصاد الامريكي عن طريق مؤسسات ( النقطة الرابعة ومبدأ ايزنها ور والمبشرين ومشاريع التنمية الزراعية ومكافحة الافات والامراض الزراعية والحيوانية وغيرها ) اضافة الى الاخطبوط الاكبر اتساعاً والاكثر شمولية في صياغة هذه الاديولوجية على وجه التحديد سنة 1944 بمناسبة اتفاقية (بريتون ووزر) من قبل المؤسسات الاقتصادية الكبرى (كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية والتعرفة الجمركية الموحدة وتتولى هذه المؤسسات والهيئات تجنيد العديد من مراكز الابحاث والجامعات معتمدة على تمويلات ضخمة دولية تهدف الى فبركة مفاهيم صالحة للدعاية والتعميم والتزوير عبراً حدث الوسائل التقنية خصوصاً بعد انهيار المعسكر الاشتراكي واصبحت الولايات المتحدة القوة الوحيدة في العالم (ذات القطب الاوحد) واصبح العالم (قرية صغيرة) بفضل الثروة المعلوماتية والاتصالات مما جعل العالم ان يصبح تحت قبضة الاعلام المرئي والمسموع والمقروء من خلال التقدم التكنلوجي الهائل الموظف لصالح الشركات المنتجة التي تملكها الدول الصناعية الكبرى (الولايات المتحدة الامريكية واليابان وانكلترا وفرنسا والمانيا وكندا وايطاليا) وهذا يعني ان الدول السبعة هي المهيمنة على اقتصاد العالم وهي التي تتحكم فيه عن طريق اصدار مشاريع وقوانين استثمار وفق شروطها .
ان طبيعة نمط الانتاج هو الذي يحدد البنية الطبقية في المجتمع ومن خلال النظام الاقتصادي السائد في الانتاج والتبادل والتنظيم الاجتماعي المنبثق عنه ينشأ ويتكون الطبيعة الساسية والاقتصادية والفكرية لكل بلد من البلدان .
تعتبر العولمة ظاهرة سياسية واقتصادية واجتماعية تمثل مرحلة متقدمة من مراحل الرأسمالية الاستعمارية العالمية، وتعتبر العولمة دكتاتورية شمولية تستمد قوتها من رأس المال والقوة العسكرية وانها تريد تعميم وفرض نمط واحد من الانماط الليبرالية واقتصاد السوق التي ترغب فرضة على الشعوب وصهرهم في بودقة واحدة وصبهم في قالب واحد من خلال طبيعة الانتاج الرأسمالي الذي هو ليس شيئاً مادياً بل هو علاقة اجتماعية والذي يعتبر الاسلوب الاقتصادي الاساسي في الأنتاج الرأسمالي الذي يأخذ طبيعة تراكمية عن طريق تمويل فائض القيمة (الربح) الى رأس مال حيث يعتبر مصدر التراكم الرأسمالي هو فائض القيمة الذي يخلقه عمل العمال المأجورين (المجاني) ويخصص قسم منه لتوسيع الانتاج وكلما زاد مقدار التراكم يزداد بأضطراد ومعدل فائض القيمة وكمياته ويتم تراكم رأس المال اثناء عملية تحديد الانتاج الرأسمالي الموسع كما ترتبط عملية التراكم الى تشكيل الجيش الاحتياطي للعمل والى البطالة والى خراب وافقار الكادحين من جهة والى ثراء الرأسماليين من جهة اخرى وفي ظروف الامبيريالية ، وبالاضافة الى فائض القيمة الذي يجنيه الرأسماليون بأستغلال العمال تستولي الاحتكارات على جزء من أجور العمال والمستخدمين ومداخيل الفلاحين التي تجنيها الدولة عن طريق جباية مختلف الضرائب والرسوم كما تستولي على بعض مداخيل واموال صغار الملاكين ومتوسطيهم وعلى بعض رساميل ارباب العمل الذين أنهاروا تحت ضغط المنافسة الشديدة وعلى بعض ارباح الاحتكارات الناجمة عن نهب الشعوب في البلدان النامية وتعتبر اشاعة العسكرة في الاقتصاد والتحضير للحروب من أهم وسائل تراكم رأس المال في الاحتكارات وفي عصر العولمة الذي ادى الى تطور وسائل التكنلوجيا الحديثة وتوسعها في وسائل الانتاج ادى الى سرعة عمليات الانتاج واختصار وتقليل عدد العمال الذي يحتاجهم المعمل او المصنع لانتاج نفس العدد من الوحدات او الكمية من السلع وفي حالة الضغط على الآلة والعمال من الممكن ان يتم انتاج وحدات وكميات مضاعفة من الوحدات والسلع مما يؤدي الى تكدس تلك السلع والبضائع واغراق الاسواق بها مما يدفع الرأسمالي الى توقف العمل في المعمل وتسريح العمال وكساد البضاعة مما يؤدي الى خسارتها لعدم توفر الاموال اللازمة لدى الشعب لاقتتائها ما يؤدي الى او تكدسها لعدم بيعها بخسارة مما يدفع الرأسمال الى المنافسة والبحث عن اسواق جديدة لتصريف بضاعته كما أدى التطور التكنلوجي المستخدم في الانتاج الى الاستغناء عن الكثير من الايدي العاملة اللازمة للأنتاج كما تجد المصانع المتطورة والمتخصصة في انتاج السلعة والحاجة الواحدة المتكاملة تقوم بجميع العمليات اللازمة في وقت واحد ولا يحتاج المعمل او المصنع الا الى عدد قليل من المهندسين والفنيين المشرفين على عمل وسائل الانتاج ، وحينما ننظر الى هذه العملية نجدها تتركز في زيادة رأس المال الثابت على حساب رأس المال المتغير في كامل الانتاج الرأسمالي وبما ان رأس المال المتغير هو المصدر الوحيد لفائض القيمة فأن ذلك يعني انخفاض مجموع فائض القيمة المنتج والمحفز والدافع للنظام الرأسمالي مما أدت هذه الحالة أيضاً الى التكالب على مردود وتوزيع فائض القيمة والتي أدى بالدول الرأسمالية أيضاً الى المنافسة والصراع فيما بينها للأستحواذ على أكبر حصة من فائض القيمة (الربح) من خلال البحث والسيطرة على أسواق جديدة ونتيجة لذلك ظهرت الحرب الباردة المخفية والمكشوفة بين الدول الرأسمالية بسبب الاستحواذ على الاسواق من أجل أكبر كمية من الارباح على حساب الشعوب وتعاستها وأضطهادها وحاجتها .
لقد قلبت الصناعة المتطورة الحديثة الورشة الصغيرة للسيد الاب الى مصنع عظيم للرأسمالي الصناعي ونظمت جماهير العمال الكادحين المتزاحمين في المصنع او المعمل مثل الجنود ووضعتهم تحت امرة تسلسل هرمي كامل من الضباط والرقباء مثل عساكر للجيش الصناعي ولم يكونوا عبيداً فقط للطبقة الرأسمالية وانما ايضاً للدولة الخاضعة الى سلطة رأس المال اضافة الى استعبادهم من قبل الالة يومياً وفي كل ساعة والمراقب المشرف على الالة وفوق كل ذلك الصناعي الرأسمالي نفسه ، وكلما أعلن هذا الاستبداد ان الربح هو هدفه النهائي كان العامل اكثر تفاهة ومرارة وكراهة وكلما كانت المهارة والجهد والقوة التي يبذلها العامل من أجل كسب رضا الصناعي الرأسمالي اصبحت لا شيء بالقياس الى الصناعة الحديثة المتطورة وجعل الصناعي الرأسمالي يبحث عن الايدي العاملة الرخيصة وازداد احلال الفتيان الصغار والنساء محل الرجال المهرة ولم تعد فروق السن والجنس أي تأثير او فعالية اجتماعية واضحة بالنسبة الى الطبقة العاملة فالجميع هم ادوات عمل اكثر او اقل سعراً في الاستخدام والانتاج وما ان ينتهي استغلال الرأسمالي للعامل وينقده اجوره حتى تهاجمه شرائح اخرى من الرأسمالين بعنف مثل مالك الدار وصاحب الدكان والمرابي .. الخ .
يقول علماء الاجتماع ان التناقضات التي تفرزها طبقة الرأسمالية سوف تتسبب بحلول نظام اجتماعي جديد من اعماله الاولى (العمل المغرب) ويرى ماركس ان احد الطرق التي يستغل بها الانتاج الرأسمالي للطبقة العاملة هي ان يجعلهم يشعرون بضربهم عن انتاج ايديهم وتتعدى تأثيرات الرأسمالية السليبة مكان العمل الى حد كبير فهي تخترق اسواق المال والسياسة حتى العلاقات الاسرية ، ويقول علماء الاجتماع عند تحكمنا نظم العلاقات الاجتماعية يخلقها نظام خارج عن سيطرتنا فأن ذلك ما يشار اليه بأنه ( الاغتراب) وتنصب انتقادات ماركس على العلاقات اللا انسانية التي تتحكم وتفرضها الرأسمالية بعدم السماح للناس بالوصول الى اماكنهم الكامنه والمبدعة او ممارسة ارادتهم الحرة التي يرى انها اجزاء اساسية من الطبيعة البشرية .
ويفسر قانون الاقتصاد السياسي وضع الطبقة العاملة في ظل الرأسمالية حيث يصبح العامل كلما ازداد انتاجاً قل ما يتاح له من وسائل الاستهلاك والمعيشة وكلما ازدادت القيمة التي ينتجها اصبح هو اقل قيمة وكلما ازداد انتاجه جوده اصبح هو اقل تهذيبا واكثر تشويشاً وكلما ازداد المنتج حضارة ازدادت همجية العامل بنظر الرأسمالي وكلما ازدادت قوة العمل اصبح العامل اكثر ضعفاً وكلما ظهر العامل ذكاءً انحدر العامل في الغباء اصبح عبدا للطبيعة والالة وان العلاقة بين رأس المال والعامل تظهر من خلال طبيعة العمل ما دام لا يختبر العلاقة المباشرة بين العامل و (العمل) والانتاج فالعمل ينتج الروائع للأغنياء لكنه ينتج الحرمان للعمال وينتج القصور للأثرياء وينتج الاكواخ للعمال وينتج الجمال والخير لكنه ينتج البشاعة والتشويه للعمال .
نتيجة للتطور التكنلوجي الصناعي الحديث والركائز التي اعتمدت عليها الرأسمالية الامبريالية في نشر أخطبوطها على العالم متخذة من عصر العولمة واعتماداً على ريبتها المخصخصة في نشر الفكر الليبرالي واعتمادها المؤسسات الكبيرة لمنح القروض للدول الفقيرة وربطها في عجلتها وتبعيتها لها وعن طريق الشركات العملاقة ومنتجات مصانعها التي غزت واحتكرت الاسواق العالمية تحت شعار اقتصاد السوق والعرض والطلب واستخدام الفكر الليبرالي بأسم الحرية في حملة شعواء من الغزو الفكري والثقافي الكارثي والمدمر لشخصية الانسان وقيمه وتراثه انحدرت الهيئات الدنيا من المجتمع من أبناء الطبقة الوسطى من التجار الصغار واصحاب الحرف والمحلات والمتقاعدين عموما واصحاب المهن والفلاحين يتدرجون بالتدريج ويصبحون طبقات مسحوقة تعاني من الجوع والفاقه والامية والجهل والمرض والحياة اللائقة بالانسان لان ما يملكونه من رأس مال صغير لا يفي بالمعدل الذي تقوم به الصناعة الحديثة المتطورة وما تنتجه من سلع ومعدات عالية الجودة والمتانه فلذلك فأنه يذوب وينتهي من خلال المنافسة مع رؤوس الاموال الضخمة والصناعة المتطورة الحديثة اضافة الى ان مهاراتهم التخصصية تصبح عديمة الفائدة امام طرق الانتاج الحديثة المتطورة اما المتقاعدون الموظفون فأن شحة رواتبهم لا تستطيع ان توفر لهم جميع مستلزمات الحياة الضرورية ولذلك يصبح هذا الجيش الجرار والطابور الطويل والعريض من أبناء الشعب في حالة من العوز والحاجة يعيش في وادٍ والرأسمالين والبرجوازية الطفيلية واتباعهم يعيشون في واد اخر من الرفاه والسعادة .