وداعا عبد الشافي


حافظ عليوي
2007 / 9 / 28 - 10:31     

كيف احمل حداد رجل كان في الثمانية والثمانين من عمره يواجه الموت بكل هذا العناد .
ويصّر على مواقفه الموقف بعد الآخر ، في زمن لم يبق فيه احد ليغامر بإعلان موقفه علانية.
معلنا انه باق هنا ، لا افهم كيف يمكن لوطن ان يغتال واحد من ابنائه ، على هذا القدر من الشجاعة ؟ ان في الاوطان عادة شيئا من الامومة التي تجعلها تخاصمك ، دوان ان تعاديك الا عندنا ، فبإمكان الوطن ان يغتالك ، دون ان يكون خاصمك ! حتى اصبحنا حسب قول عبد الشافي .. نمارس كل شيء في حياتنا اليومية .. وكأننا نمارسه كل مرة للمرة الاخيرة . فلا احد يدري متى وبأي تهمة سينزل عليه سخط هذا القدر . بذلك العنف وكأنه على اهبة افتراس جسدي متبادل ليست سوى حالة تطبيع مع الموت لا اكثر ، في زمن النهايات المباغة ، والموت الاستعجالي ، والحروب البشعة الصغيرة التي لا اسم لها ، والتي قد تموت فيها دون ان تكون معنيا بها ، هذا الذي مات ، الذي يوارونه تحت التراب ، يسلمونه للديدان ، كان يؤمن بجدوى الثقافة ، وبأن نشاطه الثقافي السياسي ضروري لتغيير المجتمع ، ولتحدي الواقع . الآن ، لم يعد بإمكانه ان يغير او يتحدى احداً ، سوى بفكره الذي خلده . لقد تحداه الموت .
هذا الذي يؤمن ان يغير العالم كل يوم بتلك الثقافة . هاهي الحياة تستمر بعده ، والناس الذين وهب حياته من اجلهم ووطنهم ، لن ينسوا مكانه في تراب هذا الوطن .
ذاك الكهل الذي هرِّم بتجديد شباب نضاله ، ولم يطلب من الوطن ان يكافئه ، على مواقفه وهو يتوقع من الموت كل شيء ، تقريبا كل شيء ، من نوع تلك المفاجآت الدنيئة ، التي وحده يتقنها . ولكن هذا الصباح ، كانت الجريدة التي لم اشترها ، تنقل لي موت الوحيد الذي لم اتوقعه . فالبارحة فتح ذلك الحوت فكيّه ، وابتلع لوجبته الصباحية من جملة من ابتلع - حيدر عبد الشافي ! اي قناص سادي هو القدر ؟ يتخذ من زاوية منسية في حياتنا ، ثم يأخذ بالانقضاض ، كيفما اتفق على من احببنا ، دون شعور بالالم . قطعا ، لم اتوقع ان تكون لي مع عبد الشافي ، مفاجأتان ، الاولى موته ، والثانية صورته . وكأنه كان لابد ان يموت ، ليبدأ رحلة اخرى برجولته الحقيقية ، باسم كامل ، ووجه ، وملامح ، وقصة حياة ... وقصة موت . ايكفي ان تضيف كلمة وداعا الى اي اسم .. ليثير بك كل هذا التحرش بالذاكرة ؟!
انه حيدر عبد الشافي اذن ...
الرجل الذي يعمل بحقل العمل وليس من خلف المكاتب .. هذا الرجل الذي لا اعرفه ، واعرف كل شيء عنه ، ماذا يمكن للجرائد ان تضيف الى معرفتي به سوى تفاصيل مواقفه ، التي نشرتها كل الصحافة الوطنية غبى صفحاتها الاولى ، بصورة كبيرة له ، تحتها الكلمات نفسها ، بلغة او بأخرى " وداعا ,, عبد الشافي ".