العولمة تقرع نواقيس الخطر...قراءة في كتاب (وحدة وصراع النقيضين)


خليل المياح
2007 / 9 / 24 - 13:24     

كتاب الباحثة د. سعاد خيري* ،يقود الى إن المنظور الفلسفي الذي تشتغل عليه المؤلفة هو (الماركسية) ومنهاجـــها الديالكتيكية في التحليل و الرؤية ،واللافت في الأمر أن مو ضوعة العولمة تجد فئـات تعتبر يسارية كما تشـــير الـى ذالك الكاتبة نفسها ،باتت تفهم هذه الظاهرة وبالتالي يتعذر عليها الاتيان بتحليل مقنع لتجلي العولمة كـــــواقع لابد من فهمه من قبلها بهذا الشكل أو ذاك .
والكاتبة تغرينا بالعودة مجددا ً الى الأصول والمنابع الفكرية الماركسية خصوصا ًــ رأس المال ــ والى لينيـــــن وكتاب (الأستعمارأعلى مراحل الرأسمالية ) و الى تأصيل جديد للمقولات والمفاهيم كي يصار الى استنتاجـــــــــات جديدة تناسب التفوق العولمي الجديد والمتوحش الذي يقوده الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة بالذات التي تمــادت كثيرا ً ضد مصالح الشعوب كونها تمثل القطب الواحد الذي لا يجد من ينافسه في الساحة العالمية ،بعد التداعـي الذي حصل في كيان المعسكر الأشتراكي ومن ثم الخور والتهور الايديولوجي الذي أعقب ذلكم الزلزال .ومن المفيد الاشارة الى المثبطين لعزائم البشر والذين يسبحون في الضفة الاخرى أقصد (صامؤيل هنتنجون )وهو من رجالات الحرب الباردة الذين تبنوا اراقة الدماء كالأنهار،نراه يقررفي كتابه (صدام الحضارات وإعادة صنع النظام العالمي) إن لحظة الفرح الطاغي ونهاية الحرب الباردة فجرت وهم الأنسجام .هذا الأستاذ الخطير في (هارفارد) يتنبأ ، بقيــم عالم من الصراع العنصري والصدام الحضاري ويخطط لحرب عالمية قد تنشب بين الولايات المتحدة والصيـــــــن تؤدي الى دمار نووي ،وقيــادة اسبانية ـ برتغالية جديدة غير محسوب حسابها ، أما في الولايات المتحـدة فان نخــبة (الواسب wasp ) تتهم بالمسؤولية عن هذا الدمار والخيال العدائي لدى الكاتب يجعله يصور إندفاعة (حشود) مــــــن الأفارقة الى حطام السفينة الأوروبية الغارقة .. ثم يطلق صيحات التحذير من الخضوع للأمم الأسلامية والاســـيوية . إنه يقرع الأجراس ،كباحثتنا تماما ً ولكن باتجاه لا إنساني عدمي (نيهليستي )،مدمر وآلته الجديدة هي العولمة أمــا (فوكوياما ) في كتابه (نهاية التاريخ ) فيبشر بأن الليــبرالية ونتاجها الرأسمالية ونظامها الديمقراطي لابل المسيحية كديانة لها قد إنتصرت في التاريخ على الاشتراكية والشيوعية وكل المنظومات الفكرية الأخرى مثل الكونفوشيوسية أو الاسلام إلخ ..أم موقف ما يسمى بعالم الجنوب فيشار إليه كونه يؤشر نسقا ً من الثنائيات المتناحرة ،وهو إستـمرار لذلك التناقض الموضوعي السرمدي القائم بين الأضداد ،الخير والشر،الحق والباطــــــل ،النـور والظلام ،الابيــض والأسود ...إلخ تلك الثنائيات التي يعتبرها بعض الثقات إنها ثنائيات زائفة . وهناك نسق توفيقي ـ إنتقائي ـوهو النسق الذي يتنبأ به العديد من المفكرين بأرجحيته كلغة للمستقبل .وهناك من يرى أن العولمة الرأسمالية هي لحظة تحقـــق رأس المال ،بعد أن فشلت الأممية البروليتارية في تحقيــق ذاتها .وهذه برأيهم مفارقة تاريخية لمن يريــــد إن يفهم مفارقات التاريخ . وتأسيسا ً على ما جاء أعلاه يسمح البعض لنفسه بفـهم العولمة كظاهرة موضوعية حيادية ، وهي كالتقدم التكنولوجي ،كلاهما غير مرتبط عضويا ً بنظام إقتصادي ـ إجتماعي معين .
يقول الدكتور صادق جلال العظم :( إن العولمة هي وصول نمط الإنتاج الرأسمالي عند منتصف هذا القـــــرن تقريبا ً الى نقطة الإنتقال من عالمية دائرة التبادل والتوزيع والسوق والتجارة والتداول ، الى عالمية دائرة الأنتـــــاج وإعادة الإنتاج ذاتها ،أي إن ظاهرة العولمة التي نشهدها هي بداية عولمة الإنتاج الرأسمال الإنتاجي وقوى الإنتـــاج الرأسمالية . وبالتالي علاقات الإنتاج الرأسمالية أيضا ً ، ونشرها فـي كل مكان مناســب وملائم خارج مجتمعـــــات المركز الأصلي ودوله ) .وبيت القصيد أن العولمة ليست بالضرورة ظاهرة رأسمالية ،لأنها ليست تعبيرا ً عن نمـط معين في تطور علاقات الإنتاج ، بقدر ماهي مرحلة عليا من تطور قوى الإنتاج . فالعولمة هي النسيـج أو البنيــــــة الفوقية لقوى الإنتاج العاليــة ، التي خرجت توا ً من شرنقــاتها المحلية وشبكاتـها الوطنية ، وذهبت بعيـــدا ً لستنشق أوكسجين بيئتها العالمية الجديدة هذا هو مجمل السيناريو الأبستمولوجي الخاص بالعولمة كان لابد لنا من الإتيـــــان عليـه لتحصل للقارئ الرؤية المتكاملة (لموضوعة العولمة وأطاريحها المتعددة ) وإن كانت مفارقة لرؤية الباحثــــة العراقية ( سعاد خيري ). ولا نجد غضاضة في ذكر تصورات (فوكز ياما )التي يناقض نفسه بها :(ستكون نهاية التأريخ حدثا ًحزينا ً..لن يكون ثمة شعب ولا فلسفة ،فقط الوصاية الداعمة على متحف التأريخ الأنساني ..)!
وترح الباحثة (سعاد خيري)موضوعة الرأسمال منذ البدء بعيدا وبالضد من تصور الاقتصاديين البرجوازين حول النقد النقد ووسائل الانتاج ومفهوم (الرأسمال)بصيغته البرجوازية هذه التي لاترى أي تناقض في الانتاج الرأسمالي في حين إن-ماركس-دحض مثل هذا التصور الميتافيزيقي عن الرأسمال، أولا ليس شيئا بل هو تعبير عن علاقات
اجتماعية معينة،وثانيا إن الرأسمالي يجسد في نفسه علاقات اجتماعية متناقضة داخليا ،علاقات بين الرأسماليين
والعمال. المفهوم الماركسي عن الرأسمال اذا (ديالكتيكي)لانه يعكس المتناقضات الحياتية بشكل حقيقي.
بعد الزلزال الذي اصاب الاشتراكية جراء انهيار تجربتها النموذجية وغياب المثال العالمي لها وما تبعه من ارتكاسات فكرية شتى عكست فقدان الثقة بالماركسية حتى لدى بعض الشيوعيين وخاصة المثقفين منهم،فأن كتاب الباحة-سعاد خيري-يمثل محاولة استنهاض جديدة ضد البلبة الفكرية التي لحقت بالماركسية وبمفهومها حول الطبقة العاملة وكونها (بطل )عصرها الجديد الذي يخلصها من اضرار حضارة رأس المال،فالعولمة المتوحشة معادلها الموضوعي هو الاستبداد الرأسمالي،فأن استرشاد الباحة بالمنطق أو الديالكتيك حلا للاشكالية الراهنة وهو وتشوف للمستقبل الانسانيجاء متوافقا مع الهاجس التقدمي الذي يثوي في اعماق التواقين الى الخلاص من عالم السوق والانتاجى البضائعيوكل الكوارث المتوقعة،والاستعلرة التي نطق بها(موريس توريز)حينما شبه الرأسمالية(بأنها كالسحب التي تحمل الصواعق) تكون مناسبة هنا تماما
لذا جاء الكتاب محاولة مخلصة في عصر(المحاربة التكنولوجية)التي ينطوي عليها عالم اليوم.ويتراءى إن الباحثة
قد امسكت بحضوض من اليقين جراء الارتكان الى الديالكتيك الماركسي اسوة بالمفكر اللبناني(حسين مروة)،عندما تناول التراث العربي بجرأة،وبخصوص القضاء والقدر ومسألة الجبر والاختيار العويصيتين،لكن الباحثة كشاهدة في عصرنا تربط قضيتنا الوطنية بالعولمة وتهيب بالماركسين إن يفحصوا الماركسيةكرة أخرى كي يكتشفوا حلولا منطقية لقضايا العصر ولتكون الماركسية العمود الفقري للعولمة الانسانية،بعيدا عن العفوية وردود الفعل لتحرير البشرية مرة والى الابد من علاقات الانتاج الرأسمالية التي هي في واقع الحال استلاب وضياع للبشر والقيم الانسانية،ولايخفى إن للعولمة مدلولين الاول جمع الناس في وحدة حضارية-مدنية وهذا ما اشارة اليهالكاتبة،والثاني
هو تذويب العالم وصهر البشر لصبهم في قالب واحد وهنا ينطبق القول الذي جاء علىلسان (هاملت)(هناك شيء من الفساد في دولة الدنمارك)
واليوم لايماري احد بأن الاستعصاء التاريخي الذي ولده النظام الرأسمالي وبقيادة الولايات المتحدة الامريكية حاليا
بات يهدد الجميع الكوارث ولامندوحة للبشرية من ايجاد البديل الذي سيوفر للانسانية الحرية الحقيقية التي فلاسفة اليوتوبيا مرورا بهيجل وفيورباخ حتى ماركس الذي كان له الفضل بجعل الفلسفة تقبع في افئدة العمال وعقول الناس عبر التطبيق الحقيقي للحلم الإنساني بتوسط ما اطلق عليه لفظة(البراكسيس)التي هي النظرية وقد صيرت واقعا.
والنداء الذي اطلقته الباحثة(ايتها البشرية اتحدي)قمين بالدرس والتمحيص اذ هويحمل صوابهازاء عولمة شمولية متوحشة امريكية تهدف الى تذويب الشخصية الوطنية
..............................................................................................................................................
*د.سعاد خيري-دمشق-الطبعة الاولى