ما بين زرادشت النتشوي وزرادشت الفارسي


عبد العزيز الراشيدي
2007 / 9 / 22 - 10:18     

لماذا زاردشت؟
إن أول إشكال يواجهنا ونحن ننوي قراءة كتاب هكذا تكلم زاردشت هو لماذا وقع اختيار نيتشه على هذا الاسم الذي ارتبط بالحضارة الفارسية في إيران .أي ما الذي جعل نيتشه الفيلسوف الألماني ابن القرن التاسع عشر يستعر هذا الاسم المنتمي لحقبة تاريخية بعيدة ألا وهي القرن السابع قبل الميلاد فما هويا ثرى الحبل المنصوب بين نيتشه الألماني و زاردشت الفارسي؟

إن هذا الإشكال الذي نطرحه الآن في مستهل قراءتنا لهذا الكتاب يعد في غاية الأهمية، بما كان لأنه سؤال دو طبيعة جوهرية.ولعل هذا ما أثر دهشة نيتشه نفسه لأن أحد لم يطرح عليه هذا السؤال على حد قوله في كتابه"هذا الإنسان"في المجلد الثامن الجزء الأول ص334ص335.
إننا إذ نطرح هذا الإشكال في مستهل هذه القراءة نكون قد فتحنا الطريق نحوى مركز أطروحات زاردشت بالذات ،لأننا نؤمن بأن هذا الاختيار ليس اعتباطيا أو من وحي الصدقة بل له مبررات ،وغايتنا هاهنا هي الكشف عن هذه الاعتبارات .إذن لنا الآن أن نتساءل بمعية نيتشه عن ما الذي جعله يختار هذا الاسم الفارسي؟
إن الإجابة على هذا السؤال تحتم علينا لامحال أن نعد إلى النبش في كتابات نيتشه وسنقف بالأخص على كتاب هذا الإنسان، حيث سنجد أن نيتشه يقول أنه اختار زاردشت بالضبط لكي يجعل زاردشت الننشوي يقول عكس ما قاله زاردشت النبي الفارسي وبالفعل هذا ما يمكن أن نستنتجه من خلال قراءتنا للكتاب إذ نجد أن هناك تعارض جدري بينهما ،فإذا كان زاردشت التاريخي قد ابتدع ثنائية الخير والشر باعتبارهما مبدأين متصارعين وهذا يعود في رأي نيتشه إلى كون زاردشت قد قام بهذا الابتداع عبر تعميم تجربتنا الأخلاقية البشرية للخير والشر.
وانطلاقا من هذا التناقض والصراع يتم تفسير كل ما يقع في الكون باعتباره صراع بين الخير والشر إذن زاردشت الفارسي قام بنقل الأخلاق إلى دائرة الميتافيزيقا أي إلى ما وراء الطبيعة وهذه الفكرة هي مربط الفرس بالنسبة لنا لأن هذا ما سيرفضه زاردشت الننشوي وهذا يشكل نقطة أساسية في فكر نيتشه،لكن سنعد للإشكال الأول لنرى أن نيتشه قد وضع زاردشت في وضعية جديدة يناقض رسالته الأولى وهذا ليس فقط على سبيل السخرية النتشوية التي لم تكن يوما مجانية بل لأن زاردشت الفارسي كان مثله مثل نيتشه واضح الرؤية وصادقا .كما أن نيتشه يرى بأن زاردشت هو أول من بشر بثنائية ونزعة أخلاقية من خلال اكتشف أساس الواقع في التعارض بين الخير والشر .هذا بالإضافة إلى كون زاردشت أول من اكتشف الأساس الأخلاقي لميتافيزيائه واجرى عمدا هذا النقل من الأخلاقي إلى الكوني وميز الأصل الأخلاقي لتصوره للعالم.
وهذا التمييز بلغة نيتشه هو في حد ذاته صدق إذ يقول في كتاب المسيح الدجال (ما أدعوه كذبا إنما هو رفض رؤية شيء مرئي)
بالإضافة إلى كون زاردشت صادقا فهو كذلك يتميز بالشجاعة في التعبير عن آراءه حيث كان زاردشت أكثر صدقا من أي مفكر أخر لهذا وقع اختيار نيتشه له .ما دام نيتشه نفسه في حاجة إلى الشجاعة والصدق لأنه سيطرق مناطق خطيرة في الثقافة الغربية.إذ سيعلن موت الله وقلب القيم ،وهذا النقاش يندرج ضمن
منضومات نبذ الخطاب باعتباره نقاش محضور تضيق أعيون المصفة .
إدن تأسيسا على كل هذا نخلص إلى أن إختيار نيتشه لزاردوشت لم يكن من وحي الصدفة ،بل خطورة المواضيع التي سيطرقها نييتشه ، وضرورة الوضوح والشجاعة هي التي حكمت هذا الإختيار الموضوعي لنيتشه.