الطبقي في رؤية حوارية حول المشروع الوطني الديمقراطي (3)


رسميه محمد
2007 / 9 / 18 - 10:05     

الديمقراطية والفكر الاشتركي العلمي
بداية لابد من الاشارة إلى أن الحديث عن أهمية ودور الفكر الاشتراكي في عملية التغيير الاجتماعي الديمقراطي, لايعني الرجوع الى مفاهيم فترة سابقة بقدر ماهو وعي بتزايد أهمية ودور الفكر التقدمي في الظرف الراهن كنتيجة لتعقد العملية التاريخية ولحداثة وصعوبة المهام المطروحة امام قوى التحرر والتقدم الاجتماعي- لذلك أن أي تسطيح أو تغييب للفكر التقدمي عن الثقافة السياسية في المجتمع يصب في خدمة القوى الرجعية بكل اتجاهاتها الحالية- فنحن مطالبين بالبحث عن كل الوسائل التي تعيد الى حركة الاحتجاج ضد الظلم والاضطهاد والقهر والاستغلال بوصلتها وتحرر هذه الحركة من العناصر المدمرة فيها لصالح العناصر البناءة والواعية وبما يخدم البديل الديمقراطي المنشود- .لقد علمتنا الماركسية إن الشروط المادية هو الاطار لتطور الفكر والثقافة والمجتمع، وليس العكس. فمن المعروف أن الفكر الاشتراكي العلمي قد جاء تعبيرا عن التناقضات الموضوعية للمجتمع الرأسمالي . وقد أكد ماركس وانجلس في بيان الحزب الشيوعي على أن الاحكام النظرية المعبر عنها في الوثيقة ماهي الا تعبير عام عن العلاقات الإجتماعية السائدة والصراع الطبقي الفعلي. ففي المجتمع الذي تمزقه التناقضات الطبقية لا توجد ولا يمكن أن توجد أبدا ايديولوجية فوق الطبقات. وكان ماركس مدركا ايضا لقوة الايديولوجية البرجوازية ولذلك أكد ان الطبقة التي تتحكم في وسائل الانتاج المادية تسيطر في نفس الوقت على وسائل الانتاج الذهنية – ومن هذا المنطلق وبشكل عام , نجد أن أفكار هؤلاء الذين يفتقرون الى وسائل الانتاج الذهنية تخضع لهذه الطبقة. ومن هذا المنطلق اعطى مؤسسي الماركسية الاهمية لتسليح الطبقة العاملة بالفكر الاشتراكي العلمي، وخاضوا النضال ضد التيارات الفوضوية والاصلاحية والعفوية في الحركة العمالية، واعتبروا تسلح الطبقة العاملة بالماركسية شرط اساسي لخوضها النضال من اجل حقوقها. وقد واصل لينين جهوده بنفس الاتجاه. فقد اطلق جملته الشهيرة( لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية). واكد لينين في كتابه ما العمل, أن الإستسلام أمام العفوية هو استسلام أمام الايديولوجية البرجوازية التي تصوغ وترسخ نظريا الاشكال البرجوازية للوعي الاجتماعي، وتصبح بدورها أساسا لانتشار الوعي البرجوازي بين الجماهير. أن وحدة النظرية والممارسة تقوم على أليات منهجية وايديولوجية . فعلى المستوى المنهجي ثمة علاقات ضرورية بين النظرية والممارسة، والاساس الموضوعي لهذه العلاقات هي وحدة العمل الانساني – فالعمل الانساني هو خارج هذه الوحدة؟؟ , أما أن يكون نظرية غير واقعية أو أن يكون ممارسة غير واعية . وعلى هذا الاساس يكتشف الفكر بالممارسة وحدته ويرى الواقع بالنظرية ذاته في الفكر(1). وبهذا المعنى يكتب المفكر الشهيد مهدي عامل( الفكر ليس له أثر في الواقع الاجتماعي الا لان لهذا الواقع أثرا فيه)(2). وثمة شرطان اساسيان لامتلاك النظرية من قبل الجماهير، وبالتالي تحولها الى قوة مادية عليهم - الشرط الاول هو أن تعبر النظرية عن مصالحهم وطموحاتهم واحلامهم الذاتية- وبهذا المعنى يقول هيجل( واذا كان على الناس أن يهتموا بأي شيئ فلا بد لهم أن يجدوا جانبا من وجودهم متضمنا في هذا الشيئ وأن تجد فردياتهم اشباعا حين تبلغه)(3). أما الشرط الثاني فهو تثقيف الجماهير، أي ادخال الوعي الاشتراكي في صفوفها. وبهذا المعنى يقول ماركس ( وكما ان الفلسفة تجد في الطبقة العاملة سلاحها المادي كذلك تجد الطبقة العاملة في الفلسفة سلاحها الروحي)(4).
وأما الالية الاجرائية لتثقيف الجماهيرعلى نحو يخلق لديها ما يسميه رايت ميلز بالخيال السو سولوجي،( أي الوعي بأن المشكلات الخاصة هي تجليات للقضايا العامة وبتعبير، اوضح أن معاناة الفرد في أبسط الامور الحياتية اليومية لها ارتباط وثيق بالنظام الاجتماعي السياسي القائم)- فهي التنظيمات السياسية , كالاحزاب والنقابات والمجالس و الخ.
إن هذا التحليل النظري لابد أن يقودنا الى إستنتاج مفاده أن توعية وتثقيف الجماهير، صاحبة المصلحة الحقيقية بالتغيير الاجتماعي الديمقراطي, بالفكر الاشتراكي الانساني, الفكر الذي يعكس مصالح الكادحين وينتصر لقضاياها ويدلها على طريق خلاصها,وأن لايتعارض بأي شكل من الاشكال مع مشاعرها وعقائدها الدينية، يشكل عاملا بالغ التأثير في استقطاب الجماهير للانخراط في عملية التغيير الاجتماعي الديمقراطي وفي بلورة الاشكال التنظيمية االجماهيرية المناسبة للعمل. إن أي تقليل من شأن النضال الفكري يلحق خسائر سياسية جسيمة. فهناك صراع لايجوز الاستهانة بخطره, الا وهو الصراع من أجل كسب عقول الناس وافئدتهم وامزجتهم, أنه صراع مع ايديولوجيات كارهة للانسان وللتقدم الاجتماعي. إن الايديولوجية الجديدة للعولمة المتمثلة ببدعة صراع الحضارات, هي موضوعة اضافة الى كونها لا تستند الى أساس موضوعي لانه لا توجد في عصرنا الراهن وحتى في عصور سابقة الا حضارة انسانية واحدة تتشكل من ثقافات شتى متنوعة ومتعددة, تعبر عن نزعة الهيمنة لدى الرأسمال المعولم، وهي هيمنة لا تتحقق ولا تحقق اغراضها الا من خلال الاستفادة من المشاريع وانماط السلوك لابقاء البلدان المتخلفة على تخلفها، واغراقها في صراعات مدمرة فيما بينها, على أساس ديني وطائفي وقبلي وقومي واثني. كما تعمل النخب السياسية السائدة على ادارة هذه الصراعات بما يخدم مصالحها. أن مقولة الصراع بين الحضارات على الصعيد العالمي , والصراع بين القوميات والاديان والطوائف والمذاهب في البلدان المتخلفة, هوصلب هذه المأساة التي نعيش نموذجها الصارخ الان في بلدنا وفي بلدان أخرى. أن اثارة الصراعات الطائفية والاثنية أو كما يسميها سمير أمين خطاب الثقافوية أو اضفاء الاولوية للخصوصية ليست مطلبا ينبع تلقائيا من حركة الشعوب بل انها في معظم الحالات تنشأ في أوساط حاكمة مأزومة , أو في مجموعات تميل الى الاستيلاء على الحكم . وترى مفيدا الامتناع عن تعبئة الجماهير على أساس مصالح طبقية , كما انها لا تريد أن تصدم مع مقتضيات العولمة الاستعمارية – وبالتالي فبدلا أن تطرح برنامجا اجتماعيا واضح الملامح . تركز على اهداف أخرى كالطائفية والاثنية أو تطبيق ما تعلته هي جوهر مبادئ الدين وهي جميعا أهداف لاتهم الاستعمار ولاتمس مصالحه- وعلى الصعيد السياسي البحت، يؤدي خطاب الثقافوية, الى استحالة تحقيق اجماع وطني حول التغيير الضروري للدولة وتحديد طبيعتها ودورها في المجتمع، ويقوض المحاولات لتشكيل كتلة شعبية حول المشروع الوطني الديمقراطي. وتقوم هذه الاشكالية بأضعاف التوجهات المناهضة للعولمة الجديدة. وعلى مدى الجدية والعمق والمهارة التي يتم بها خوض الصراع ضد هذه الايديولوجيات, انما يتوقف الكثير مما يعتنق من افكار و مثل من قبل الجزء الاكبر من السكان . وخلاصة القول فإن تثقيف الجماهير وتوعيتها كي تأخذ قضيتها بيدها كفيل بأعادة بناء القوى الشعبية الديمقراطية الغائبة , التي بدونها لايمكن الحديث عن تصحيح العملية السياسية جذريا بما يخدم مصالح الجماهير. فلا يمكن تصحيح مسار العملية السياسية جذريا طالما تغيب عن الساحة قوة اجتماعية تستطيع أن تفرض نفسها على القوى الاخرى الداخلية والخارجية. فالمرحلة الراهنة هي مرحلة بناء هذه القواعد ولم يعد هناك وقت للانتظار، اذ انها تمثل السبيل الوحيد لتحقيق البديل الوطني الديمقراطي المنشود.
الهوامش
1- مجلة الطريق اللبنانية-عدد3-ص76
2-مهدي عامل –مقدمات نظريه ص 29
3- جورج هيجل-العقل في التاريخ-ص 86
4- ماركس وانجلس- منتخبات ص61