الطبقي في رؤية حوارية حول المشروع الوطني الديمقراطي ( 1)


رسميه محمد
2007 / 9 / 2 - 11:57     

الديمقراطية- اشكالية المفهوم والممارسة
أن المأزق التاريخي الذي يعيشه العراق في الوقت الراهن لايكمن من وجهة نظري في غياب المشروع الوطني الديمقراطي, بقدر ما يكمن في الاساس في غياب الممارسة الديمقراطية نتيجة غياب أدوات واليات تنفيذها - ان الديمقراطية كمفهوم قد نشأت منذ المجتمع العبودي تعبيرا عن واقع اجتماعي موضوعي كان يتحرك في المجتمع اليوناني القديم - فالصراع كان يدور بين الفئات الديمقراطية وبين الفئات الارستقراطية داخل طبقة الاحرار ويحتدم بحدة ويمهد بذلك لحدوث تغيرات اجتماعية , وأدى هذا الصراع الى نتائج على صعيد السلطة السياسية تمثلت بحلول الديمقراطية في بعض المدن اليونانية محل الارستقراطية- و لكن هذا التطور لم يؤدي ولم يحقق حكم الشعب على أرض الواقع أما الحريات وحرية الفكر على وجه الخصوص, فقد تلقت ضربة صاعقة مع محاكمة سقراط واعدامه من لدن حكم الديمقراطيين ذاته كرد فعل قمعي لما أثاره سقراط بسلوكه الفكري التنويري المعروف الذي يثير التشكيك العميق في وعي الناس لقيم المجتمع السائد- و هكذا وجد الاساس التاريخي للخلل القائم حتى الان بين مفهوم الديمقراطية وممارستها الفعلية- الا أن هذا الخلل لم يلغ الطموح البشري في مختلف العصور الى حياة ديمقراطية يتجسد فيها حكم الشعب على أرض الواقع المعاش- واذا ماحدد التاريخ منذ ذلك الوقت مساحة الطموح البشري الى الديمقراطية الا أنه لم يحدد مساحة التطابق الفعلي بين الطموح ومفهومه من جهة أولى وبين الممارسة على صعيد النشاط الاجتماعي العملي من جهة ثانية (1)- فالتاريخ يقر بوجود قوانين موضوعية عمياء تتحكم في سيرورة وواقع الانسان وتاريخه , الا ان ذلك لايلغي ارادة الانسان في التأثير على هذه القوانين بعد اكتشاف ومعرفة الية عملها وبالتالي امتلاك القدرة على تسخيرها لمصلحة الانسان- أن مسار التطور الاجتماعي يتحدد بتدخل القوى الاجتماعية ذات المصالح المتناقضة طبقيا وضمن قانون التناقض الاجتماعي وستلعب القوى الاجتماعية دورها أما فيدفع العملية التاريخية الى الاتجاه التقدمي الديمقراطي واما الى عرقلة العملية وجرها عن هذا الاتجاه واعادتها الى الوراء- وان ما يحدد نوع الاختيار هنا هو طبيعة الموقع الذي تحتله كل قوة اجتماعية في عملية النشاط الاجتماعي. والانتاجي- فليس من الطبيعي ان تختار طريق الديمقراطية قوى اجتماعية تدرك بحسها الطبقي - ان موقعها كطبقة . لايقوى على البقاءفي ساحة الصراع السلمي بدون اهتزاز(2), الا لاسباب تكتيكية مؤقتة فقط . في عام 1980 قدم انكلينس ودايموند دليلا اكثر وضوحا لوجود علاقة بين مستوى التطور الاقتصادي وانتشار القيم الديمقراطية في الدول. والى جانب دور العامل الاجتماعي الطبقي في تحديد مسارعملية التطور الاجتماعي تؤكد العديد من الدراسات الحديثة التأثير الحاسم للثقافة السياسية في مسار التطور الديمقراطي. وعرفت نهاية الستينات نظريتين تأسيسيتين حول هذا المتغير الفاعل لروبرت داهل ودانكورت راستو في مؤلفه ( الحكم المتعدد), يرى داهل أن الحكم المتعدد المستقر(الديمقراطية الليبرالية)يبدو مرجحا للظهور في سياق تاريخي سبق فيه توسع المنافسة السياسية توسع المشاركة السياسية( كما هو حاصل الان في انكلترا والسويد (3).لاشك ان القول بان فشل الحكم المعادي للديمقراطية يؤدي برد فعل عكسي الى تعزيز الاولويات الديمقراطية , قول تبسيطي . هناك عدة عوامل تتفاعل في طرق معقدة لترسم التغيرات في الثقافة السياسية. ربما يؤدي نزع الشرعية عن نظام قائم الىفتح سبل عديدة ممكنة للتغير الثقافي و المؤسساتي . واعتماد سبيل معين مسالة تحددها البنية الاجتماعية وتوازن القوى السياسية المحلية والتغيرات الاقتصادية وتأثير الثقافة العالمية, الى جانب عوامل أخرى. يشير لاري دايموند ان الثقافة نتاج قوى تاريخية واجتماعية عظيمة . لكن القيم والمعتقدات والتوجهات قد تتشكل ايضا بما يقوم به الزعماء السياسيون من اعمال مدروسة , وما يؤمنون به من معتقدات وتعاليم . الا ان تأثير الزعماء على الثقافة السياسية قد لا يكون من خلال تغيرات في الايديولوجية السياسية والقيم والاساليب , بل على نحو غير مباشر من خلال التجربة في المؤسسات التي يقيمها الزعماء . أن استراتيجيات وتكتيكات الزعماء السياسيين قد تجعل الاراء المعادية للديمقراطية , قد تبدو محترمة , ومع أن الزعماء أنفسهم لايتبنون هذه الاراء ولكنهم في الوقت نفسه لايشجبوها . وهناك ملاحظة هامة لفت النظر لها الكاتب الماركسي جون مولينو في كتابه الماركسية والحزب حيث ذكر ان الخطر الرئيسي لايكمن فيما تقوله القيادة السياسية ولكن فيما تفعله وفي ماهية التنظيم السياسي الذي تقوده اساسا. وهذه القضية كانت غائبة حتى عن ماركس حسب تعبيره. وقد برزت هذه المشكلة تاريخيا بوضوح في فترة ماسمي بالجدل التحريفي عندما طلب برنشتاين أن يتبنى الحزب الاشتراكي الالماني سياسة اصلاحية خالصة وفي رسالة مؤيدة كتب الاشتراكي البافاري اجناز أور لبرنشتاين - عزيزي ايدي - لايقرر المرء رسميا ان يفعل ماتطلبه ولا يقوله ولكن المرء يفعله , أن كل نشاطنا حتى في ظل القانون المخزي المعادي للاشتراكية كان نشاطا لحزب اصلاحي اشتراكي ديمقراطي).ان هذا يعني في مرحلة القرار السياسي على وجه الخصوص أن ليست هناك اهمية للقيم المجردة التي يتمسك بها القادة بل مايتخذ أهمية هي الخطوات الملموسة التي يودون اتخاذها. حيث أن الالتزامات الديمقراطية التي تتعهد بها النخبة قد تضعف أو تخفت أو تصبح فارغة بفعل اغراءات السلطة وتكاثر المطالب التي يصعب تحقيقها أو ايجاد تسوية بخصوصها من خلال التدابير المؤسساتية القائمة. وذلك عندما تتحول التزامات السياسيين بالديمقراطية لتتخذ شكلا ذرائعيا ويفقد الديمقراطيون القوة المحركة والنابعة من القناعة العميقة بالقيمة المـتأصلة في الديمقراطية بحد ذاتها(4) .تلخيصا يمكن الاستنتاج أن طريق الخلاص لشعبنا ووطننا لايمكن أن يتحقق بدون تبلور قيادات سياسية نزيهة مخلصة متجردة من اية هواجس ذاتية بما فيها هواجس السلطة والنفوذ ومؤمنة حقا بعملية التغيير الاجتماعي الديمقراطي وبدور الجماهير الفاعل فيها. ان قيادة بهذه المواصفات وحدها القادرة على استعادة ثقة الجماهير وانهاء عزلتها السياسية وزجها في عملية التغيير الاجتماعي الديمقراطي المنشود----.
الهوامش
1- حسين مروه-دراسات في الفكر والادب ص243
2-مصدر سابق ص251
3-مصادر الديمقراطية-لاري دايموند ص101987
4--مصدر سابق ص217