في إساءة استخدام المنهج الماركسي

عديد نصار
2007 / 8 / 30 - 11:22     

عندما نستعمل ميزان الحرارة الاكلينكي لقياس درجة حرارة جسم مريض معين ، نضعه تحت لسانه، ننتظر مدة من الوقت، نأخذه و نقرأ درجة الحرارة. قد يقوم البعض ، بقصد التأكد، بإعادة ميزان الحرارة إلى فم المريض، سيقرأ درجة حرارة أعلا من الأولى. أما إذا أعاد الكرة لمزيد من التأكد فإنه سيزداد دهشة من شدة ارتفاع درجة الحرارة المسجلة!! إنها إساءة استخدام ميزان الحرارة الإكلينكي ! فهذ النوع من موازين الحرارة يجب أن ينفض بشدة قبل كل عملية استخدام كي يعود السائل إلى خزّانه أسفل الأنبوب. أما عند إساءة استخدامه فسيستمر ارتفاع السائل ما يؤدي إلى قراءة خاطئة لدرجة حرارة المريض.
لقد أوردت هذا المثال لأدلل على خطورة إساءة الاستخدام التي تؤدي إلى القراءة الخاطئة . فميزان الحرارة صحيح أما استخدامه فسيء. و هذا ينطبق تماما على المنهج الماركسي و الذي يمكن لإساءة استخدامه أن تؤدي بنا إلى قراءة خاطئة للواقع و بالتالي إلى إصدار الأحكام الخاطئة و الممارسات الخاطئة.
و إساءة استخدام المنهج إساءة إلى المنهج ذاته. فقد يرمي مستعمل ميزان الحرارة بالطريقة المذكورة أعلاه ، هذا الميزان في القمامة ظنا منه أنه لا يصلح.
قد يكون البعض مخطئا فعلا في استخدام المنهج الماركسي عن حسن نية ، و لكن مما لا شك فيه أن آخرين من " العباقرة " الذين يتقنون فن الخداع و التضليل ، يعمدون إلى ذلك بقصد نسف الأسس العلمية للمنهج الماركسي و تدميره و إفراغه من مضامينه و نزع الثقة عنه، من خلال استخدامه في خدمة أعداء الشعوب المجرّبين كمثل الاستنتاج بأن أمريكا لم تعد رأسمالية و بالتالي لم تعد إمبريالية و هي تقوم بحروب عادلة و تعمل على نشر الديمقراطية في البلدان المتخلفة و ترسل أبناءها إلى العراق لتزيل الديكتاتورية و تقيم الديموقراطية و هي الآن هناك من أجل حماية الشعب من أن يأكل بعضه بعضا!!!
إن إساءة استخدام المنهج الماركسي عند البعض أظهرت شعوب البلدان المضطهدة على مدى أجيال من قبل الامبرياليات الأوروبية و الأمريكية و التي حطمت بناها و نهبت ثرواتها و هجنت بل أجهضت مسار تطورها، إلى وحوش مفترسة في مرحلة ما بعد رامبوييه، في حين أظهرت أن أنظمة تلك الأمبرياليات ما بعد رامبوييه تحولت إلى رسل ديموقراطية و حماة للبشرية ينبغي مساندتها و الوقوف إلى جانبها و اعتبار كل من يواجه حملاتها إرهابيا يجب استئصاله و استئصال نسله و ذريته ... و هكذا تتحول المقاومة إلى عدوان و الحروب التدميرية و المجازر المتواصلة بالقنابل الذكية و ملايين القنابل العنقودية التي أكثر ما تصيب الأطفال، إلى دفاع عن النفس و نشدان السلام و الديموقراطية و الازدهار !
إن الماركسية هي رغم كل هذه الإساءة إليها على أيدي هؤلاء ، هي الملاذ الأخير و الوحيد لكافة الشعوب لكي تتخلص من عملية التدمير الذاتي التي تذكيها صهيونية أمريكا و إسرائيل و لكي تتوحد في المقاومة و النضال لإسقاطها و دحرها .
إن وحدة الحركة الشيوعية العالمية هي المقدمة الضرورية لتوحيد الطبقة العاملة و الشعوب المضطهدة من أجل قيادة الصراع الذي ينهي كل أشكال الهيمنة و الاستغلال.
و من أجل ذلك كان طرح تأسيس الاتحاد العالمي للحركة الشيوعية في مقال سابق، تكون مهمته استعادة المنهج المادي و حسم القضايا الخلافية السابقة في التحليل و الاستنتاج و التأسيس النظري للمرحلة الحالية و الصاعدة ما يؤمن مرجعية نظرية موحدة تستلهمها الحركة الشيوعية في نضالها السياسي و تنعكس على بناها التنظيمية و بالتالي على التزاماتها العالمية.
إن وحدة الحركة الشيوعية لا تقوم بالتهجم و التراشق بأقذع العبارات و لا نتوصل إليها بكيل الاتهامات و التجريح بالأشخاص و الجماعات ، بل بنقد علمي لمرحلة تاريخية و تظهير رؤية واضحة لسيرورة الصراع الطبقي محليا و أمميا خلال مرحلة تمتد طوال قرن من الزمن و تغطي القرن العشرين بكل محطاته. و هذا يلزمه ورش عمل فكرية و نشاط خلاق لعديد من المفكرين المتفرغين الذين قد يستغرقون زمنا في نقاشات و حوارات و خلافات . و لكنها الطريق الضرورية و التي سنظل نناضل من أجل رسمها و تحققها طالما نقدر على التفكير و التواصل.
و في غضون ذلك، لن نتوانى عن النضال ضد كل الدعوات إلى التفتيت و الشرذمة و الانقسام بين شعوبنا على أسس أقل ما يقال فيها أنها عنصرية ملؤها الجهل و الغباء القاتل و المدمر، و الدعوة إلى تبني الفكر الشيوعي الذي وحده يستطيع أن يتصدى لكل أنواع التفرقة و يوحد جميع المضطهدين في إطار مقاومة واحدة لكل احتلال و هيمنة و استغلال.