تحدي العولمة: نحو مشروع نقابي

حزب العمل الوطني الديمقراطي
2007 / 8 / 28 - 10:28     

التحكم في العولمة: دور المنظمة العالمية للشغل – Robert Kyloh

تقديم:

إن العلاقة بين النمو الاقتصادي وتحسن مستوى العيش – الذي كثيرا ما تبنته النقابات – تأثرت على ما يبدو بالعولمة.

في الوقت الذي يشهد فيه هذا العصر تطورات هامة في مختلف الميادين الأخرى، فخلال العشرية الأخيرة تطور الوضع العالمي نحو مزيد من الثراء والسلم وتعميم الديمقراطية البرلمانية غير أن ذلك مع الأسف لم يؤدي إلى توزيع أكثر عدلا للثروات أو إلى توخي العمل للجميع أو حتى إلى شعور عام بالثقة في الحكومات أو كل أولئك الّذين يؤثرون في مختلف القرارات المتعلقة بالمصلحة العامة. وعلى العكس من ذلك فإن العمال حاليا يشعرون بمزيد من النقمة وبأن العالم أصبح مقسما بين أغنياء وفقراء وغالبية منهم يعتبرون ذلك فشلا لعولمة الأسواق.

هذا المصطلح "عولمة" كثيرا ما يستعمل من طرف الاقتصاديين والنخبة السياسية وأصحاب القرار لوصف التبعية (L’interdépendance) المتزايدة لمختلف البلدان. وهذا التمشي يحتوي أوجها مختلفة بما فيها الجانب الثقافي. ومع ذلك فإن الاقتصاديين يعرفون غالبا العولمة بمثابة التوسع (L’expansion) الكمي والنوعي لمبادلات السلع والخدمات، والارتفاع المهول للآفاق الاستثمارية والتطور الكبير للتكنولوجيا العالمية، ويرتبط ذلك بعدة عوامل مثل:

- تراجع العراقيل أمام المبادلات من خلال الاتفاقيات المختلفة الإقليمية والدولية.

- تنامي الاستثمارات المباشرة من الخارج من طرف المؤسسات متعددة الجنسيات.

- تراجع العوائق أمام اﻵفاق المالية الأمر الذي أدى إلى تعميمها وتجاوزها الحدود الوطنية (وبعضها حتى في إطار Spéculatif).

- تطور وسائل الاتصال الحديثة الذي ساعد على التطور الكبير للمبادلات.

ويبدوا أن هذا التوجه في نظر العمال قد أدى إلى أن أسواق المال أصبحت المتحكم الرئيسي في المجال السياسي وأصبحت الحكومات عاجزة عن اتخاذ القرارات السياسية في الميدان الاقتصادي، فعليها دوما مراعاة رد فعل "الذئاب الشابة" (Jeunes loups) في الأسواق المالية على العملات الوطنية وموازين الدفوعات.

هناك وجهة نظر أخرى تحظى بأغلبية آراء الاقتصاديين والنخبة السياسية تعتبر أن التطور الحالي نحو التبادل الحر وتنامي الاستثمارات المالية يمثل أهم ظاهرة واعدة لأواخر القرن العشرين، لأن ذلك يؤدي إلى رفع الإنتاجية وتعميم الرخاء واستفادة المتملكين من خلال توفر مجالات الخيار الأوسع للسلع والخدمات،إضافة إلى انعكاس ذلك على مستوى الاستقرار حيث تعتبر وجهة النظر هذه أن اندماج الأسواق الوطنية مرتبط بتوفر الأمن.

أما وجهة النظر الرسمية للمنظمة العالمية للشغل فهي تتوسط هذين الرأيين، فهي إجمالا متماثلة فيما يتعلق بانعكاسات التبادل الحر والاستثمارات الدولية على النحو الاقتصادي ومستوى التشغيل، غير أنها تعترف أن المنافسة العالمية تجعل الأعراف والحكومات تعمد إلى التخفيض في تكلفة اليد العاملة وتعتبر المنظمة أن العولمة ظاهرة يجب أن تخضع للرقابة أو أن يتم التحكم فيها بدرجة أولى من طرف الحكومات الوطنية حتى يقع ضمان التوزيع المتكافئ للفوائد الاقتصادية المتأتية من تطور المبادلات والاستثمارات ويجب أن تتم مساعدة تلك المكونات على إيجاد توازن بين الجدوى الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. والحقيقة أن هذا الأمر لا يهدف إلى إعاقة تحرير الاقتصاد بل إلى تفادي بعض الممارسات في سوق العمل التي أحدثت رد فعل عكسي على تحرير الاقتصاد في بعض البلدان نظرا لتسريح آلاف العمال خاصة مع اعتماد المؤسسات سياسة إعادة التوطين الصناعي في بلدان آسيا.

1) التحكم في العولمة: أفق تاريخي (Perspective):

يسود الاعتقاد على أن ظاهرة العولمة وما أدت إليه من إزالة الحدود والحواجز بين البلدان ظاهرة منفردة في التاريخ. إلا أننا يمكن أن نجد في السابق أوضاعا مشابهة مثلما حدث خلال الثورة الصناعية من تطور كبير للمبادلات العالمية ومن وعود للعمال بفوائد تحرير التبادل. فالقرن التاسع عشر كان قرن التطور الاقتصادي المتسارع ولكن استفادة العمال كانت محدودة، إذ لم يؤدي ذلك التطور إلا إلى ارتفاع مردودية رأس المال مقابل تراجع مستوى عيش العمال النازحين من الأرياف وهو ما دفع ببعض المسؤولين إلى وضع اقتراحات لتقنين ظروف العمل في كل البلدان لتخضع لحدأدنى من الضمانات (حسب ما اقترحه الصناعي Robert Owen). إلا أن مختلف هذه التحذيرات والمقترحات للتحكم في الموجة الأولى للعولمة لم يقع الانتباه إليها مما أدى إلى أزمات وتوتر اجتماعي وسياسي، حيث أن الكاتب Karl Polanyi اعتبر أن تفكك القوانين المنظمة للاقتصاد ولسوق العمل خلال القرن التاسع عشر أدى إلى الأزمات الخطيرة التي عاشها العالم في النصف الأول من القرن العشرين من انهيار الاقتصاد العالمي والحربين العالميتين. كما أن مؤتمر الصلح بباريس إثر الحرب العالمية الأولى (1919) اقترح إيجاد لجنة لوضع التشريعات حول العمل وتحديد القانون الأساسي للمنظمة العالمية للشغل ليكون من مهامها السعي لتحقيق السلم الدائمة بواسطة العدالة الاجتماعية (محاربة البطالة وتوفير أجر أدنى يحقق ظروف عيش لائقة...).

و إثرالحرب العالمية الثانية وسعيا إلى إيجاد توازن بين النمو الاقتصادي والمتطلبات الجديدة لسوق العمل والسياسة الاجتماعية أصبح للمنظمة العالمية للشغل صلاحيات جديدة تدعم التكامل بين السياسات الاقتصادية والسياسات الاجتماعية. وعموما فإن المنظمة كانت مراقبا متنبها ومحللا للأحداث الاقتصادية العالمية أكثر منها عنصرا فاعلا في وضع السياسات الاقتصادية (مبتعدة عن حزازات الاقتصاد المالية – البنوك المركزية - ).

وتمر مرحلة () الاقتصاد وتحسن الأوضاع المعيشية للعمال فيما بين نهاية الأربعينات ومنتصف السبعينات وجدت في كل البلدان تقريبا نقابات قوية ومستقلة ساعدت على تحقيق التوازن ثم تقييم الوضع خلال الثمانينات من خلال التأكيد على المنافسة العالمية وحركية رؤوس الأموال وانفتاح الأسواق الوطنية ودعم منظمات الأعراف على حساب النقابات لتنقيص تكاليف الإنتاج اعتمادا على اليد العاملة أساسا وتحرير وخوصصة القطاع العمومي أفرز ظاهرة العولمة التي لا يمكن اعتبارها ناتجة عن نسق وتطور تلقائي عفوي بل هي ناتجة عن سلسلة من القرارات للحكومات التي هي الإيجابيات التي قد يؤدي إليها تحرير الاقتصاد وفي نفس الوقت هي المشاكل الاجتماعية التي تترتب عن ذلك.

2) الاتجاهات العديدة للمبادلات والاستثمارات: عولمة أم قطبية Polarisation :

إن العولمة تعتبر ظاهرة عالمية تمس كل البلدان والأفراد، إلا أن هذا المصطلح يخفي حقيقة مغايرة ذلك أن أكبر المشاكل المترتبة عن النمو الكبير للاقتصاد والمبادلات والاستثمارات مرتبطة بالإقصاء L’exclusion والانفرادية أكثر منها بالاندماج (L’intégration) بمعنى آخر ﻔﺈن بعض البلدان تساهم في العولمة بصفة مدهشة وبلدان أخرى مبعدة وبالتالي فإن العولمة تطرح أسئلة هامة حول المساوات بين البلدان إضافة إلى المسائل الأخرى المتعلقة بالعمل وتوزيع المداخيل...

فعديد المؤشرات تبرز أن تنامي التجارة وتوسعها وتنامي الاستثمارات أدى إلى ظاهرة التركز في بعض البلدان والجهات. فإفريقيا مثلا تراجعت مساهمتها في التجارة العالمية من 3 % في منتصف الخمسينات إلى 1 % سنة 1995 (حسب F. M. I) مقابل تنامي دور كوريا الجنوبية – هونغ كونغ – تايوان – سنغفورة (مجموع صادرات يمثل 6 مرات صادرات افريقيا ككل) إضافة إلى بلدان آسيوية أخرى مثل الصين – الهند – اندونيسيا. أما في أمريكا اللاتينية فإن التطور كان محدودا، وهو ما يعبر على أن نسق التحولات كان غير متكافئ.

من ناحية اخرى بلغ حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة أكثر من 2500 مليار دولار، إلا أن 100 مؤسسة متعددة الجنسيات تحتكر لوحدها ثلث هذه الاستثمارات كما تبرز القوة الاقتصادية لهذه المؤسسات من خلال أرقام معاملاتها الذي تجاوز 5000 مليار دولار متجاوزا القيمة الجملية للصادرات العالمية رغم أنها لا تشغل إلا بين 2 إلى 3 % من اليد العاملة الجملية. وخلال الثمانينات كانت المؤسسات التي تتركز مقراتها في البلدان المصنعة تمثل 95 % من الاستثمارات ثم تراجعت تلك النسبة إلى 65 % خلال التسعينات نظرا لقدم الاستثمارات في شرقي وجنوب شرقي آسيا وخاصة في الصين وفي المقابل فإن 47 بلدا الأكثر فقرا لم تستقطب إلا 0,7 % من مجموع استثمارات المؤسسات متعددة الجنسيات. والحقيقة أن هذا الواقع الجديد يمكننا من القول أن آسيا أصبحت منافسا جديا لأوروبا وأمريكا الشمالية كمركز للسوق العالمية وفي المقابل فإن أوروبا الوسطى والشرقية وأمريكا الجنوبية لا تستقطب إلا نسبة ضئيلة من الاستثمارات في حين بقيت إفريقيا على هامش هذا التطور وتعمقت الفجوة بينها وبين الأقطاب الكبرى والخشية من أن تلتجأ هذه البلدان إلى مزيد الضغط على اليد العاملة وظروف العمل لجلب الاستثمارات الأجنبية.

3) تأثير العولمة على العمال والنقابات:

يصعب تحديد تأثير العولمة على الحركة النقابية في البلدان المصنعة والبلدان الصناعية الجديدة نظرا لتزامن العولمة فيها مع ظواهر أخرى مثل التطور التكنولوجي السريع، التحولات الديمغرافية والمشاكل التي أفرزتها الأنظمة الحماية الاجتماعية، التطور الكبير لقطاع الخدمات.

ظهور أشكال جديدة للعمل مثل العمل الجزئي والموسمي والمناولة وفي المنزل، تنامي هجرة اليد العاملة... وبالتأكيد فإن المحيط الذي تنشط فيه النقابات تغير كثيرا عما كان عليه منذ 30 عاما، وفي الكثير من الحالات فإن العولمة دفعت الأعراف والحكومات إلى التصرف بعداوة تجاه النقابات لمنع الاتفاقيات العامة المشتركة وإضعاف القوانين الاجتماعية مقابل تدعيم عقود العمل الفردية بتشجيع من صندوق النقد الدولي، وبلغ الأمر وضعا أصبحت فيه النقابات مهددة في تمويلها وفي أسهمها وتنظيمها. كما أن سياسة إعادة التوطين Décolonisation التي اعتمدتها المؤسسات الكبرى دعمت مكانة أرباب العمل في المفاوضات مع النقابات التي كثيرا ما أصبحت تواجه تهديدات بغلق المؤسسات وتحويلها إلى بلدان أخرى إذا لم يقع التخفيض من كلفة اليد العاملة و يحد التأثير السلبي للعولمة على العمال خاصة في قطاع الصناعات ذات التكنولوجيا المتوسطة(الفولاذ – النسيج – الملابس...) التي مثلت أساس الحركة النقابية. والحقيقة أن أكثر من يفهم وطأة العولمة هم عمال النسيج والملابس فحاليا يوجد 160 بلد منتج ومصدر للنسيج نحو 30 بلدا فقط وهو ما يؤدي إلى منافسة محمومة، لذلك فإن أغلب 30 مليون موطن شغل في هذا القطاع تتميز بأجور ضعيفة وظروف عمل متردية وتشغيل الأطفال وفي هذا القطاع يمكن بوضوح استنتاج أن العلاقة التقليدية بين النمو الاقتصادي وتحسن ظروف العمل قد اختفت، و قد تراجعت صناعة النسيج إلى وضعية كنا نعتقد أنها اندثرت منذ أمد طويل.

4) التحكم في العولمة خلال القرن XXI:

إن الحركة النقابية تعي التحديات التي تواجهها والمرتبطة بتأثيرات العولمة وتسعى إلى التخفيف منها مقابل محاولة الاستفادة من ايجابيات هذا الواقع الجديد، لذلك يجب عليها اعتماد سياسات متعددة الأوجه:

أ- دعم النقابات وأولوية المفاوضات المشتركة La négociation collective :

بالنسبة للنقابات فإن الأولوية تتمثل في قاعدتها لتفادي تراجع منخرطيها وتأثيرها في العلاقات المهنية، فمن واجبها إعادة بناء قاعدتها وإحداث التوازن بين الإدارة والعمال وربط التنمية الاقتصادية بالتنمية الاجتماعية ويجب على المنظمة العالمية للشغل أن تدعم هذا التوجه وعلى النقابات و الاتحادات المركزية أن تعطي صورة جديدة للنقابات والتركيز على استقطاب المرأة والشبان وتدعيم مواقفهم القيادية وتوفير المزيد من الخدمات في الميادين التشريعية والتجارية وإدماج عمال القطاع غير المهيكل و التنسيق مع المنظمات الأخرى في المسائل الاجتماعية. إن هذه الإصلاحات الداخلية ضرورية ويجب عدم الانشغال بالمنافسة و الصراعات الداخلية.

ب- اتفاقيات متعددة الجنسيات:

إن على الحركة النقابية أن تتأقلم مع الواقع الجديد والمطالبة بأي ظروف تسمح بمفاوضات مشتركة مع المؤسسات متعددة الجنسيات من خلال خلق شبكة معلومات حول أشكال التفاوض والاتفاقيات المبرمة مع تلك المؤسسات.

وبصفة عامة يجب على النقابات أن تستفيد من التطور الذي حدث من خلال التجارب" codes de conduite " الناجحة في قطاع النسيج و (طبقا لهذا الـ Code فإن بعض المؤسسات الكبرى تلتزم بأن شركات المناولة في العالم النامي سوف تعتمد ممارسات مقبولة ومطابقة للتشريعات الوطنية) وتوعية المستهلكين في خصوص منتوجات متأتية من مؤسسات ذات ممارسات غير مقبولة مثل تشغيل الأطفال ... ويجب على النقابات أن تعرف أن هذه الطرق ذات جدوى وتساهم في بث الوعي وهو ما تعترف به المنظمة العالمية للشغل التي ستساعد على انتشار هذه الطرق.

ج- التأثير على السياسة الماكرو اقتصادية و التوظيف الكامل للشغل:

في السنوات الأخيرة عاد التركيز على ضرورة خلق آليات مؤسساتية عالمية " mécanismes institutionnels internationaux" لتوفير مناخ دولي ملائم ويمكن في هذا المجال الاعتماد على المنظمة العالمية للشغل التي كان لها دور هام خلال الإعداد للقمة العالمية للتنمية الاجتماعية في "كوبنهاقن" سنة 1995 إلا أن الالتزامات التي تعهدت بها الحكومات خلال القمة و نادرا ما تقيدت بها. وقد أكدت L’O. I. T على ضرورة التصدي للفقر وعلى أولوية العمل كامل الوقت، الأمرﺍﻠﺫي التزمت به الحكومات إضافة خلق مواطن الشغل وتحسين ظروف العمل وضمان حقوق العمال.كما دعت اﻠ" OIT" الدول المصنعة أن تلتزم بسياسة macroéconomique تهدف إلى دعم النمو الاقتصادي وأن تقبل هذه البلدان على المدى المتوسط نسبة عجز في الميزانية أكثر ارتفاعا.

د- التعاون و التنسيق الدولي في السياسات الاقتصادية والاجتماعية:

ليس هناك حلول سهلة و كاملة للمشاكل المرتبطة بالتفاوت الكبير بين المناطق من حيث النمو الاقتصادي والآفاق التجارية والمالية. ولكن البلدان الضعيفة والفقيرة مدعوة لإدخال إصلاحات هيكلية على أسواقها وفي حاجة لمزيد من الشفافية لأنظمتها السياسية ومقاومة الفساد، وهي إصلاحات تدعمها المنظمة العالمية للشغل إلا أنها تعتبر أن تلك الإصلاحات يجب أن تتزامن مع تحسن البنية الأساسية لدعم الفلاحة والصناعة وتدعيم الحماية الاجتماعية لمساعدة المتضررين من تلك الإصلاحات مع الملاحظة أن البلدان النامية التي اعتمدت إصلاحات اقتصادية عميقة نجحت في إيجاد توازن بين الجدوى والفاعلية الاقتصادية من ناحية والمحافظة على القيم الاجتماعية من ناحية أخرى وهو ما دعا L’O. I. T إلى المطالبة بتوفير وسائل ومؤسسات الاقتصادي العالمي (مثلما هو الحال للاقتصاديات الوطنية) لمراقبة قوى السوق وتوجيهها حسب الأهداف المحددة من طرف القمة الاجتماعية فلا بد من مزيد التنسيق بين المنظمات العالمية سواء منها المهتمة بالمسائل المالية مثل صندوق النقد الدولي F. M. I أو التنمية مثل البنك العالمي أو المبادلات مثل المنظمة العالمية للتجارة و l’O. I. T والنقابات دافعت عن فكرة رئيسية تعتبر أنه من الممكن التقليص من احتمالات فشل الإصلاحات الهيكلية إذ حظيت هذه الأخيرة بدعم شعبي. ولكن ما نراه في كل البلدان أن المفاوضات حول تلك الإصلاحات تتم عادة بين ممثلي المؤسسات المالية العالمية وبعض موظفي الدول مثل رئيس الدولة أو الحكومة ووزير المالية وبعض التكنوقراط وغالبا ما يقبل هؤلاء شروط المؤسسات المالية العالمية بما تتضمنه من انعكاسات سلبية على المستوى الاجتماعي. فلو كانت هذه المفاوضات تضم أطرافا أخرى من الحكومات مثل وزراء الصحة والتربية والشؤون الاجتماعية لإبراز الانعكاسات السلبية لتلك الإصلاحات لأصبح من الممكن الصمود أكثر أمام ضغوطات المؤسسات المالية الصالحة. ولتدعيم موقف مفاوضي الحكومات يجب أن تخضع برامج الإصلاحات الهيكلية لدراسات واستشارة واسعة لتحضى بأكثر دعم سياسي ممكن والأفضل أن يتم تشريك ممثلي النقابات الوطنية ومنظمات أرباب العمل، وهو ما تعتبره هذه المؤسسات F. M.I. و B. M أنه قد يسبب تعطيلا وتأخيرا للمفاوضات، ونجدها تدعم التمشي الذي يجعل من الإصلاحات الهيكلية مسألة تهم فقط حكومة البلد المعني بالأمر. في حين أنه في الكثير من البلدان النامية فإن الحركة النقابية تمثل القوة الفعلية الوحيدة المعارضة وهو ما يجعل الحكومات تتجنب اشتراكها في تلك المفاوضات لكي لا تسبب مزيدا من الإشهار والمصداقية.

هـ- المقاييس الدولية للشغل و العولمة:

من وجهة نظر النقابات فإن هذه المسألة هامة جدا للتحكم في ظاهرة العولمة لذلك لا بد من إجراءات حازمة لضمان الشروط الأساسية للعمل واتخاذ موقف صارم تجاه البلدان التي بحجة تدعيم قدراتها التنافسية تضحي بالجانب الاجتماعي خاصة وأنه يوجد حاليا 180 اتفاقية Conventions عالمية حول العمل وأهمها ما يتعلق بإلغاء العمل الإجباري وعمل الأطفال، وعدم المساواة بين الرجل والمرأة في المكافآت لنفس العمل وحرية العمل النقابي والحق في مفاوضات مشتركة (الاتفاقيات رقم 87 و 98...). إلا أن تطبيق هذه الشروط التي تمثل الحقوق الأساسية للعمال غير مضمون لذلك لا بد للمنظمة العالمية للشغل أن تراجع آليات المراقبة خصوصا وأن l’O. I. T ورغم تنامي دورها لم تنجح في تفادي ما يتعرض له آلاف النقابيين من مضايقات وسجن وحتى قتل.

خاتمة:

إن الحركة النقابية مستعدة لتقبل ودعم عولمة تساهم فيها ويستفيد منها كل البلدان وكل الشعوب إلا أن الوسائل المتوفرة حاليا للتحكم في العولمة بمظاهرها الحالية غير كافية، لذلك لا بد من إجراءات أخرى للتقليص من حدة الفوارق بين البلدان والمناطق والفئات المتضررة من العولمة.

إعداد : م. س.

تونس في : ماي 2007