الإتحاد العالمي للحركة الشيوعية

عديد نصار
2007 / 8 / 8 - 06:43     


لقد حازت دعوتي في مقالتي / الدعوة التي نشرتها مؤخرا من أجل تأسيس الاتحاد العالمي للحركة الشيوعية كمدخل ضروري لوحدة هذه الحركة و إعادة إطلاق العمل الشيوعي على صعيد العالم بشكل يتلاءم و حجم المسؤولية التي على الشيوعيين تنكبها ، أقول لقد حازت بعض الاهتمام و أثارت بعض النقاش .
إنه ليبدو لي أن الشيوعيين اليوم أكثر انشغالا بِ"أعمالهم" السياسية و برامجهم الإصلاحية "الملحّة " و مبادراتهم التي قد تخلص "أوطانهم" الصغيرة من أزماتها المستعصية ! فلا وقت لديهم لأن يناقشوا موضوعا خارج حدود معطياتهم و برامجهم " الوطنية " الضاغطة!
إنهم يقومون ب" واجباتهم " على أكمل وجه و الدنيا بألف خير و الإنجازات يسابق بعضها بعضا في مختلف الميادين و في شتى " الأوطان "!
أما بالنسبة للإنقسامات و التشرذم و الإتهامات التي يلقيها بعضهم على البعض الآخر ، حيث يدعي كل فريق منهم امتلاكه حقيقة الفهم و التحليل و الاستنتاج و يرمي كافة الآخرين من رفاقه الشيوعيين بالتحجر أو الانحراف أو الإنجراف مع ليبرالية جديدة أو الإنجرار وراء مصالح معينة أو الأصول البرجوازية أو عدم فهم المنهج الماركسي أو التخلي عنه و غير ذلك من التهم الكثيرة و التي بعضها صحيح و بعضها واقعي ... لا يوقف ادعاء كل فئة منهم أنها " الناطق الحصري" باسم الشيوعية و الماركسية و ممثل أكيد للطبقة العاملة و للشعوب المضطهدة!
قلنا إن انغماس الشيوعيين، في الغالب الأعم، و انشغالهم لعقود من الزمن بالعمل السياسي جعلهم كغيرهم من الساسة يطوعون الفكر ليتلاءم مع مواقفهم السياسية بخلاف المنطق الذي يعطي الأولوية للمنهج على الموقف السياسي و على البرنامج السياسي، و إن أية قضية سياسية مهما كانت واضحة لا يمكن أن تصلح قاعدة راسخة لوحدة الشيوعيين.
لقد اتكأ العالم طوال عقود مديدة من القرن العشرين على معسكر الثورة الإشتراكية فحقق إنجازات بالغة الأهمية على صعيدي التحرر الوطني و صعود الطبقة العاملة إلى واجهة الأحداث، ثم جاء انهيار هذا المعسكر ليترك العالم مكشوفا أمام الغول الأمريكي الذي شد الأنظمة السياسية في معظمها و خاصة في ما كان يعرف بالعالم الثالث إلى وثاقه و اندفع يعمل في العالم تدميرا و تفتيتا.
كما أن غياب المركز الشيوعي الرئيس عن الساحة ترك الأحزاب الشيوعية التي ارتبطت به مشتتة متباعدة ما أدى بسرعة بالغة إلى تفككها و اندثار العديد منها أو تحوله عن الفكر الذي أوجده. قد تكون هذه الأحزاب قد فقدت فعلا شرعيتها التمثيلية إن من الناحية الطبقية أو من ناحية الموقع في عملية الصراع الدولي الذي ارتبطت به، غير أن هذا كان لا ينبغي له أن يفقد الشيوعيين موقعهم الفكري و قدرتهم على استخدام المنهج المادي الماركسي لإعادة قراءة و تقييم ما حصل و كذلك المرحلة السابقة برمتها، و لكن امتهان العمل السياسي و الابتعاد عن المنهج الفكري كان له الدور الفصل في انكفاء العمل الشيوعي بهذا القدر.
أما بالنسبة للأحزاب الشيوعية التي لا تزال تتكئ على تراث المرحلة المنصرمة الماركسي - اللينيني و الوطني و تعمل جاهدة من أجل إثبات دور لها في القضايا الوطنية المستعصية دون جدوى وخاصة في ظل هيمنة المشاريع الأمريكية و الصهيونية ، و في ظل ما ُينبش و يغذى من انقسامات مجتمعية و صراعات مذهبية و طائفية و إثنية و حروب أهلية كامنة و متفجرة، فدعوني أتوجه إليها ببعض من أسئلة كثيرة قد تطرح و ربما يكون ما أطرحه منها الأقل أهمية؛
لقد قامت الأحزاب اللينينية، بناء على رغبة لينين في معظم بلدان العالم، لتعمل على نشر الفكر و تقوم بمحاولة فصل بلدان العالم الثالث عن السيطرة الامبريالية ما أمكن في سياق الصراع العالمي المثلث الأضلاع: الثورة الإشتراكية مع النظام الرأسمالي العالمي و بروليتاريا الدول الرأسمالية مع رأسمالييها و شعوب العالم الثالث مع السيطرة الإمبريالية. و لقد ارتبطت هذه الأحزاب الشيوعية بالحزب الشيوعي السوفياتي و بالسلطة السوفياتية بعلاقات تتراوح بين الذيلية و التحالف الوثيق و كان السوفيات هم الرابط الوحيد بينها.
أ‌- أين صارت هذه الأحزاب بعد انهيار الاتحاد السوفياتي؟ هل التقت مرة واحدة لتقيّم المرحلة السابقة و لتتخذ موقفا نظريا موحدا منها استنادا إلى المنهج المادي، و لتعلنه لكافة الشيوعيين في العالم؟
ب‌- هل حاولت التأسيس لعلاقةٍ ما فيما بينها تستكمل بها توحيد نضالها الأممي بعد حل الكومنترن؟ بناء على المنهج المادي الماركسي؟
ت‌- أين رؤية هذه الأحزاب الشيوعية من إطلاق استراتيجيات إقتصادية رأسمالية ضخمة غيرت وجه العالم بعد أزمة النظام الرأسمالي القاتلة في عقد السبعينات الماضي؟ و ما جرى في مؤتمر رامبوييه للخمس الكبار و ما نتج عنه من أمور عظام؟
ث‌- هل التقت الأحزاب الشيوعية مرة لتحدد موقفا موحدا إزاء القضية الفلسطينية و إزاء الحملة الأمريكو صهيونية لتحرير العراق أو لاحتلاله و تدميره؟ و بناء على المنهج المادي الماركسي؟
ج‌- هل اجتمعت هذه الأحزاب لتتدارس و تبني وجهة نظر موحدة من ظاهرة استنبات الحروب " الدينية " الجديدة بين أمريكا و من خلقتهم من الظلاميين أو من سموا بالأصوليين؟ هذه الحروب التي تستعملها أمريكا مطية لتدمير المجتمعات و السيطرة على منابع الطاقة و المواقع الاستراتيجية و بالتالي فرض الهيمنة على العالم؟
ح‌- هل التقت الأحزاب الشيوعية لتقرر موقفا موحدا إزاء الخلاف الستاليني التروتسكي الذي صار يشبه الخلاف السني الشيعي على أحقية الخلافة الإسلامية في زمن لم تعد هناك لا خلافة و لا دولة إسلامية؟ و كذا بالنسبة للخلاف الصيني السوفياتي ؟؟ و غيرهما؟؟
خ‌- عندما نزعم أن الأحزاب الشيوعية تؤدي عملها على أكمل وجه فعلينا أن نجد اتساعا للساحة الشيوعية يوما بعد يوم و أن نرى إلى الأفكار الغيبية و الظلامية و التحريفية إلى انحسار . هل هذا فعلا ما نجده؟ ألا يوجد ما يقرب من ثلاثة أرباع الشيوعيين العرب ( فقط عدا عن العالم و قد تكون النسبة أكبر بكثير ) خارج أي تنظيم شيوعي : غير منضوين ؟ ألا يدل ذلك على عدم القناعة و ربما عدم الثقة بالأطر الشيوعية القائمة كافة لابتعادها عن متطلبات المرحلة و الطبقات التي ينبغي لها أن تمثل؟
د‌- في ظل الهيمنة الأمريكية على العالم اليوم، و استتباع غالبية القوى و الأنظمة الحاكمة، كيف يمكن لنا أن نتخيل أننا أو أن أيا من الشعوب يستطيع منفردا منعزلا أن يقاوم الهيمنة الأمريكية و يهزمها دون أن تكون قضيته قضية حركة شيوعية عالمية موحدة ملتزمة الفكر الماركسي و قضايا الطبقة العاملة و الشعوب المضطهدة إلتزاما ينعكس على بناها التنظيمية و برامجها الفكرية و السياسية؟؟؟
إن الاتحاد العالمي للحركة الشيوعية كإطار فكري يستند إلى المنهج الماركسي المادي له مهام محددة و واضحة هو وحده القادر على إعادة رسم الملامح التي تحدد الهوية الفكرية لحركة شيوعية عالمية موحدة قادرة على استعادة تمثيل الطبقة العاملة و النهوض بها و بحِلفها الطبقي في مسار تاريخي يحرر الإنسان من كل هيمنة و تسلط و استغلال.