|
غلق | | مركز دراسات وابحاث الماركسية واليسار | |
|
خيارات وادوات |
|
الماركسية والفن . جدل السلطة وإعادة البناء
راشد مصطفي بخيت
بداهة أولية تقفز إلي ذهن المتأمل لهذا العنوان ، مختلطةً بالكثير من الوقائع والحيثيات التي شهدها التاريخ الأدبي العالمي إبان مراحل سطوع نجم الماركسية في القرن المنصرم ،مفادها أن الماركسية أسهمت بشكل أو بآخر في تطوير إتجاهات الكتابة الواقعية في مختلف أجناس الفن من شعر ورواية ومسرح وقصة وخلافها من الفنون الأخري . وفي ذات الوقت يستدعي العنوان ، طيف مشكلات كثيرة برزت في خِضَّم الممارسة السياسية لأحزاب الماركسية في العالم ، تعاملت بصورة إستبدادية الطابع مع الثقافة بصفة عامة ، ومع الفنون بشكل أكثر تخصيصاً . لذا لا يستطيع المرء في هذا المقام أن يميز ولو إجرائياً بين الماركسية كمنهج فلسفي شمل العديد من الحقول والميادين المعرفية ، وبين تجارب الممارسة السياسية / السلطوية لأحزاب هذه النظرية في محاولتها الدؤوبة لتقفي مسار الدرس الماركسي كما تمثلته الفعالية الذهنية لمجموع ضخم من الأحزاب المتوزعة في معظم بقاع العالم ، بحسب مقولات الفكر الماركسي نفسه في خصوص مسائل النظرية والتطبيق . ويتسع المأزق أكثر إذا علمنا ، برغم هذه الإنجازات الضخمة للماركسية في مجال الفنون . أن الفكر الماركسي نفسه كما تمثل في أفكار ماركس وأنجلز الأساسية ، لم يضع منهجاً في التحليل الأدبي أو الفني من جملة مناهج النظرية الخاصة بحقل التاريخ والإقتصاد السياسي والمجتمع والطبيعة . بل حتي لا يستطيع الدارس لفكر ماركس نفسة من أن يجد له كلاماً دقيقاً في مسائل الأدب والفن إلا في إرتباطه بهدف آخر يود دراسته من خلال الفن ، من مثل دراسته لأنماط الإنتاج العبودية في اليونان من خلال إسترشاده ببعض الأعمال الفنية خصوصاً دراسته لثلاثية " أُوريستوس " المسرحية . ونعني بكل ما تقدم ذكره بأن ماركس رغماً عن كتابته الشعر في فترات شبابه الأولي لم يهتم بوضع منهج في دراسة وتحليل الفن كما يشاع ذلك في الكثير من الأدبيات التالية له . أي أن (علم الجمال الماركسي ) القابع بين أيدينا الآن ، لم يشارك ماركس في وضعه ولم يشر إليه حتي طوال فترة حياته ، إنما بدأه من تلو ماركس – بل وحتي لينين – حتي اكتمل بصورة ناجزة علي يد الكاتب الماركسي ( بليخانوف ) . وربما كانت هذه الإشارة أولي عثرات الفكر الماركسي في تعامله مع الفنون بصورة عامة وما نتج عن ذلك من أحداث جسام أثرت بشكل كلي علي صورة الماركسية في تعاملها الدائم مع الفن والثقافة . فقد إسترشد واضعو علم الجمال الماركسي بمجموعة القيم والأحكام التي وضعها ماركس ضمن دراسته للطبيعة والمجتمع ومن ثم هَجَّرو مصطلحات دراسة التاريخ والسياسة إلي حقل الأدب دون أن تجري عليها أي مواءمات تتسق وطبيعة الموضوع المراد دراسته . لذا فلم يكن من المستغرب أن تجد ضمن المبادئ الأساسية التي يقوم عليها علم الجمال الماركسي في نسخته البليخانوفية مبدأ ينص علي " وجوب معاملة الفن كآيدلوجيا وتشديد اللهجة علي الطابع الطبقي للقصيدة " .لاحظ الفرق بين دراسة الطابع الطبقي للقصيدة ، و( تشديد اللهجة ) علي الطابع الطبقي للقصيدة . رغم اشتراك كلاهما في ماهو ليس من صميم الأدب بشئ . لذلك ليس من المستغرب أن تجد بين ثنايا هذا السفر الجمالي الماركسي عبارات تنتقص حتي من رواد الأدب الروسي العظام تطال " تولستوي " أو حتي ( بوشكين ) الحائز علي لقب شاعر الثورة العظيم . والذي كان " نيقولا الأول " يراجع قصائده بنفسه خوفاً من أثرها علي وجدان الجماهير . وبناءً علي هذه اللهجة الشديدة الطابع ، دخلت الماركسية فيما ليس هو من باب إختصاصها بصورة شائهة بعض الشئ في الفترات التي تلت وفاة ( لينين ) ، وقد كانت النتائج المترتبة علي ذلك في أحسن الأحوال أن تخسر الماركسية العديد من حملة لوائها الثوري في مجالات ذات حساسية عالية وتدخل بذلك التعانف الداوي في صراعات كانت نتائجها في أغلب الأحيان لا تصب في صالح الفكر الماركسي وموقفه من مسائل الأدب والثقافة . إستمر الحال علي هذا النهج طويلاً ووصل منتهاه التعسفي مع مرحلة ( ستالين ) الذي قنن هذه الممارسات بشكل أكثر تنظيماً عندما جعلها بمثابة تدابير إجرائية تتعامل بها الدولة في تسيير دولاب العمل اليومي وهم بنفسه مشرفاً علي سيرها ومتدخلاً في الكثير من الأحيان بواستها في شؤون الأدب والثقافة إلي أن أصدر قراراً بحل جميع الروابط والتجمعات الأدبية بصفة إلزامية لصالح جهة أُحادية هي إتحاد الكتاب السوفيت عام 1932 . وربما سبقه في ذلك ( لينين ) لكن بشكل أكثر إعتدالاً حينما أعلن في صحيفة ( البرافدا ) أنه لا يجب التدخل في شؤون الكتاب الذين لا ينضوون تحت لواء تيار الواقعية الإشتراكية ، - ذلك المصطلح الذي صكه ( مكسيم غوركي ) بمعاونة مفوض الثقافة آنذاك ( أندرية جدانوف ) الشهير بالمتعسف - فقط عليهم أن يبحثو لأنفسهم عن منافذ نشر أخري غير صحيفة الحزب ( البرافدا ) . هذا مع العلم أن لينين هو الملهم الأول لما سمي في احق السياسات الثقافية بالواقعية الإشتراكية عبر مقاله الشهير " تنظيم الحزب وأدب الحزب " .
|
|