علي شريعتي والانسان ذو البعدين


خليل المياح
2007 / 8 / 3 - 10:22     

بدءاً كنت ابحث عن علي شريعتي كرجل فكر متميز سمعت به كثيرا لكني لم احظ بشرف قراءة افكاره ..وخلتني سالقى رجلا متميزا كما لقينا ابان الخمسينيات من القرن المنصرم الكاتب المتميز خالد محمد خالد من علماء الازهر الذي سبق وحذر رجال الدين من ان يحرثوا في البحر وأشر لهم طريق البداية .وكلا الرجلين قد خرج من معطف اللاهوت الى رحاب علم الانسنة والانفتاح على روح العصر ذي الرؤى المتعددة.لكن الملاحظ ان خالداً لم تغرب عن فطنته بان الحركان الدينية السياسية تمثل مصالح فئات وطبقات اجتماعية وكونها تعبر عن اهداف سياسية واقتصادية واجتماعية مصاغة بلغة دينية او سياسية-دينية .
وغير خاف على رجل من شريحة الانتلجينسيا ، والتي يفضل علي شريعتي ان يعبر عنها بمفردة (الانتلكچوال) ان الرجال من اصحاب النظرة والايديولوجية الدينية مثل الافغاني ومحمد عبده والكواكبي كانوا مناضلين وطنيين وان بأطار ديني !
لكن اللافت ان معاينة اؤلئك الرجال لمشكلات عصرهم كانت راديكالية التوجه وبانطلاقة اسلامية مجردة من الطروحات الدينية المحضة في صراعهم مع الغرب وجدلهم كان منصبا على فضح النهب والاستعباد الاستعماري !
وقد نعثر على تعليلات اسلامية عند الكواكبي عندما يتحدث عن "انحطاط المسلمين"يرجعه الى تمثلهم لعقيدة الجبر وحرمان الامة من حرية القول والعمل!
ولامندوحة لنا من التطرق الى تقدمية الفكر الاسلامي وكون هذا الفكر قد لعب دورا ثوريا واضح المعالم في بداية مرحلة التصدي للكولونيالية مع اقترانه بتحليل جدلي فاحص يرى ان الشكل الخارجي الديني المعارض يجد تفسيره في غياب او ضعف التكوين البورجوازي الوطني !
وكم كان جميلا لو حصل للدكتور شريعتي اطلاع على اطروحة الدكتور حسين مروه (المادية في الفلسفة العربية) قبل ان يكتب مقالاته التي وحدها تحت عنوان (الانسان والاسلام).
ومنذ البدء يجبهنا الدكتور شريعتي بان موضوع الانسان قضية مهمة جدا ، فهو يقر بان المدنية الحديثة قد اقامت بناءها الفكري على نظرية اصالة الانسان "اومانيسم" أي نظرية تقديس الانسان . وان بداية الانشقاق على النظرة اللاهوتية وهيمنتها وسيطرتها في الحقبة الاقطاعية كان بسبب عصر النهضة بالضد من الاديان التي وفقا لمنظور الكنيسة انذاك والتي استندت الى ماوراء الطبيعة بغية اعطاء الاصالة وتكريسها لدى الانسان (ص10).
اننا نجده شارحا ومفسرا لمذهب "الاسكولاستيكية" والدين المسيحي في القرون الوسطى وهو يمحضها كل تايده لكن باحثنا وحيث تمتلكه رؤية ميتافيزيقية بامتياز متفرد ، راح يعض النظر عن دافيد هيوم الذي قتل تلك الرؤية وعن كانط الذي اعلن وفاتها بكل وقار !!
وباحثنا يبذل قصارى جهده ليغطي على ظهور قوى علمانية في المدن الاسلامية الكبرى بين القرنين الثالث والرابع الهجري ، وكان ظهورها اكثر وضوحا في منطقتي ايران والعراق بين القرن الرابع والخامس للهجرة حسب مايرى الباحث الكبير محمد اركون، اما في اوربا فقد انتصر فلاسفة التنوير على رجال الدين المتزمتين ولذلك حصل التضاد بين الحداشة والتراث او بين الفلسفة واللاهوت او بين العلمنة والدين . وكاتبنا الفاضل من المسلمين الذين يرفضون التجربة الخصبة والغنية ، تجربة الحداثة الاوربية!!
ومن جانبنا نؤيد الباحث الاسلامي المتنور بخصوص رايه من ان معظم الاثار الادبية قد بقيت خالدة لانها تملك لغة متعددة الجوانب ومتعددة الابعاد والزوايا لكنه نسي ان المذهب الاشعري قد ساد في عالمنا الاسلامي كله وكان هذا المذهب يؤكد معنى الاستواء الذي ورد في القران الكريم بمعنى احادي فقط هو الجلوس كما تفهمه العامة من الناس!!
اذا اين ذهب الرمز المتعدد الذي نادى به كاتبنا الفاضل . ونحن من جانبنا نؤيد مايذهب اليه الباحث كون الاديان النازلة يجب ان تكون لغتها رمزية لكننا نختلف معه بخصوص تفسير رمزية قصة قابيل وهابيل مثلا، وكذلك بخصوص مفردتي الطين والوحل اذ يراها رمزا لاحط واخس الاشياء واشدها عفونة ودناءة ، ولسنا ندري من اين متح هذا المعنى اللغوي او الفقهى الفليلوجي؟(ص17).
والدكتور يثبّت لنا مقولة يمتحها من القران الكريم مفادها : ان الانسان موجود ذو اتجاهين .. ومعنى المعنى الرفض لاية فرضية اخرى فهو قد اعتمد مقدمة فكرية كان عليه ان يبرهن عليها بصفته باحثا الا انه آثر ان يصادر على بقية الافتراضات المتاحة ومقالته هذه تذكرنا بالمجادلات القديمة التي تدور حول ان أ لاتنتج الا نفسها وان التركيب ممتنع والثالث يبقى مرفوعا دوما !!
ولايستطيع احد ان يجاري الباحث الاسلامي في افتراضاته وتحديداته التعسفية فهو ،مثلا، يقول ان الاسماء التي علمها الله لادم في رأيه هي الحقائق العلمية المختلفة(ص25).
ومن حقائق عصرنا وزمننا الوجودي هو وجود نظامين احدهما شرير بالتجربة المعاشة لدى البشر وآخر خير قدر مااستطاع لرفع اشكال واساليب الهيمنة والاستعباد، والذي لاننكره انه يدين تجربة اوربا والاستعمار لكنه يساوي بينها وبين تجربة الطرف الاخر فهل ياترى ان السبب يكمن في انتماء التجربتين الى الطين الموسوم بداء التعفن الابدي ؟!
ومن مفارقات الباحث الطريفة اشارته الى قضية ان التاريخ-وياللاسف-يشهد ماساة كبرى وهي ان الانسان لم يُعرف حتى الان بالصورة التي هو عليها ذات البعدين .(ص26)
اذا تبقى قراءة الباحث الاسقاطية بخصوص الاسماء التي حكى لنا عنها القران الكريم وكانها لم تعرف من قبل اية جهة بشرية والا كيف فات على جميع المسلمين ، وبينهم فلاسفة كبار ان تعشى ابصارهم عن المعنيين الطين والاخر اللاهوتي المفارق (البارادوكسيكال)!
ولقد اغرقنا الباحث بمفردة الرمز المتعدد واذا به يتحفنا بان الخطاب المجازي والرمزي يمكن اختزاله بمفردتي الطين والروح فقط !
وهذه قراءة اسقاطية للقران لاقراءة تزامنية بمعنى انها تسقط على القران ماليس فيه (قضايا في نقد العقل الديني محمد اركون ص284) 0
ويبدو لي ان الباحث الكبير قد انطلت عليه فرضية من فرضيات علم الاجتماع البورجوازي التي تقول بوجود ازدواجية سوسيولوجية فثمة قطب شرقي جامد واخر مجتمع غربي ديناميكي!
ومما يثير الدهشة ان يبدو الكاتب غير دار بان القوى الغربية هي التي حافظت على الطابع الاقطاعي او شبه الاقطاعي لبلدان الشرق الاوسط وهذا قد شكل بدوره الاساس المادي لبقاء وديمومة التربة الفكرية الخصبة للغيبية ومن ثم لبقاء التيارات الدينية المحافظة واستنسالها !
ويعلم الباحث ان مفردة البقرة التي وردت في سورة البقرة كان لها تأويلات مختلفة حسب الطائفة التي تتصدى لعملية التاويل وهذا بخلاف ظنون الدكتور شريعتي التي تنصب على غنى عملية الرمز والرمزية مع ان المسالة التاويلية تتناقض برمتها مع فهم اللوح المحفوظ الذي يشير الى سرمدية وابدية المفاهيم والدلالات الالهية والتي هي معماة وغير مفهومة من لدن البشر الذين دهشوا بالناسخ والمنسوخ من الايات !(ص15)
وبحسب تداعيات الباحث ان الماورائيات هي التي دفعت الروم من اللهو واللذة والنزعة الدنيوية الى مراكز الصوامع والاعتزال في حين ان الكل اصبح على دراية ان روما التاريخ وعظمتها كانت مبنية على الانتاج العبودي بدليل ثورة اسبارتاكوس وهذا الفعل الثوري هو الذي قوض اركان الدولة وسمح للفكر المسيحي الذي جاء بعده بسنوات قليلة ان ينتشر بسهولة وهناك رأي تحليلي-لغوي يرى ان سبب سقوط روما هو تكتمها فالعبيد قد احاطوا بها كالسوار والمعصم وشعبها غير دار بذلك!
وفي (الصفحة27) يفاجئنا الكاتب بتحليل غريب وبروحية اطلاقية الى ان المجتمعات بصورة شاملة تتجه الى التمسك بالزهد وبالاخرة او تنشد الى التراب والتمسك بالدنيا!
في محاولة مبتسرة لنفي جدل التناقض في التاريخ البشري!
وتبقى الامور ملغزة ومحيرة بيننا وبينه عندما يصف التكنلوجيا بانها حماقة الفلسفة البشرية المعاصرة وانها باتت تخلو من الهدف!
وتاسيسا على هذا الهُراء الفلسفي راح باحثنا يستنجد بمسيح مخلص اخر آت لعله يخلصنا من محنة الانتاج والاسواق والعولمة عابرة القارات.
وتاتي الوقائع التاريخية التي تناولها الباحث شريعتي في سياق المفاهيم الجوفاء او الحدوس العمياء في احسن الظنون ، والا كيف لم يتسن له التعرف الى رمزية قابيل وهابيل كقصة لانتصار مرحلة الزراعة على مرحلة الصيد والرعي؟!
واخيرا يتحدث الباحث بخفة ،لايحسد عليها، فيقول : (ولكن بعد عصر النهضة وفي اوج القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، خدعت النهضة المثقفين باسم –العلم-) والفاعل الذي مارس الخديعة واضح هو الفلسفة الاقتصادية ومن ورائها طبعا البورجوازية الحديثة وهنا ينبري الكاتب للدفاع الحار عن النظام الاقطاعي لكونه الحاضنة لفكرة اللاهوت وهو مايبرر للنظام الاقطاعي كل خطاياه بحق الارقاء وعبيد الارض !
ولنا ان نشير اللى مساءلةالكاتب فالح عبد الجبار في كتابه المادية والفكر الديني المعاصر-نظرة نقدية – ص24 : (هل هي مصادفة ان اية الله شريعة مداري دافع عن بقاء الشاه، تحت ستار تمسكه بالدستور الديمقراطي لعام1906 الذي ينص على اقامة ملكية دستورية.. ان خلخالي يدرك بصفاء ذهن ان مرجعية شريعة مداري تمثل خير تمثيل مصالح البورجوازية الليبرالية...)
واخيرا كم تمنيت ان اعثر على اراء تعكس توجهات راديكالية في كتاب الدكتور شريعتي لكن قد تكون ثمة حكمة وراء هذا الـ ( آغاي مختلف) !!