يفغيني الكساندروفيتش يفتوشينكو Yevgeni Yevtushenko- ... أكثر من شاعر

إبراهيم إستنبولي
2007 / 7 / 31 - 11:51     

ولد الشاعر و الكاتب و المخرج السينمائي السوفييتي - الروسي المعروف يفغيني يفتشوينكو في 18 تموز من عام 1933 في منطقة إركوتسك في عائلة جيولوجيين . لكن والدته عملت فيما بعد في حقل الغناء . ترعرع في موسكو ، حيث بدأ منذ عام 1949 بنشر أشعاره . و في الفترة 1951 – 1957 تلقى تعليمه في معهد غوركي للآداب ( تم طرده من المعهد بسبب تأييده لرواية ف. د . دودينتسيف " ليس بالخبز وحده " ) . و في عام 1952 أصبح أصغر عضو في اتحاد الكتاب لعموم الاتحاد السوفييتي .
و إذ بدأ مسيرته الإبداعية بتقليد مايكوفسكي في الشعر الحماسي ذي الصبغة السياسية ( كما في مؤلفاته : " مستكشفو المستقبل " ، 1952 ، " الثلج الثالث " ، 1955 ) ، فقد انتهج لنفسه فيما بعد أسلوباً شعرياً خاصاً و فريداً ، يجمع بشكل عضوي بين الأدب الاجتماعي الخطابي و بين ذخيرة لغوية حية ، بين الحماسة و الغنائية ، المرونة الإيقاعية مع الحِرفية العالية للمؤلف ، الذي يشعر بثقة عالية بالنفس في أي " حقل " شعري ، و كذلك عمق التفكير بما هو خالد و أبدي مع الراهنية الطارئة ، مع حماس الواجب الوطني ( و هذا ما انعكس في مجموعاته " درب المتحمسين " 1969 ، " الطريق رقم واحد " ، و " السد الصادح " – كلاهما عام 1972 ؛ " قصائد غنائية حميمية " ، 1973 ؛ " السَمَعُ الأبوي " ، 1975 ؛ " الشعب الصباحي ُّ " ، 1978 ؛ زوجا اسكي " ، 1982 ؛ " اصغوا إليَّ ، أيها المواطنون " ، 1989 ) .
إن يفتوشينكو ، الشاعر الروسي الأكثر حضوراً و الأكثر قراءة في القرن العشرين ، قد تحول - بفضل تضافر تقاليد الشعر الغنائي الروسي في القرنين " الذهبي " و " الفضي " مع إنجازات " الطليعة " الروسية في إبداعه - إلى أداة تنغيم شعرية فريدة للزمن ، فراح يعكس في أشعاره الأمزجة و التحولات الجارية في وعي أبناء جيله و المجتمع ككل . و باعتباره واحد من الرموز الأدبية " الستينيين " ( في مرحلة الستينيات من القرن العشرين )– فوزنيسينسكي و أخمادولينا و روجديستفينسكي و غيرهم – الذين كانت تتوارد الحشود للاستماع إليهم يقرؤون أشعارهم في متحف البوليتِكنيك ، فإن يفتوشينكو قد أظهر نفسه فوراً على أنه ابن مرحلة " ذوبان الجليد " ، المرحلة التي تم فيها فضح عبادة شخصية ستالين بلا هوادة ( قصائد 1956 ؛ ورثة ستالين 1962 ، الخ ) ، لكنه في معارضته لعبادة الشخصية لم يصل إلى حد نفي قيم الحركة الثورية الروسية ، و الوعي اليساري المتطرف و الحماس الكمسومولي لجيل " بناة الشيوعية " المعاصرين له ( ملحمته " محطة " الأخوة " لتوليد الكهرباء . 1965 ، جامعة قازان ، 1970 ) .
لقد استطاع يفتوشينكو في إبداعه المتنوع من حيث المواضيع و الأسلوب ، أن يمشي على الحد الفاصل بين الولاء للنظام و بين معارضته ، فإلى جانب الموضوعات شبه الرسمية المطلوبة و الدارجة ( خاصة المرفوعة بقوة التعبير الفني ) كالنضال من أجل السلم ( قصائد " ماما و القنبلة النيوترونية " ، 1982 ، جائزة الاتحاد السوفييتي ، 1984 ، " فوكو " ، 1985 ) و الحركة الشيوعية العالمية ( ملحمة نثرية " أنا – كوبا " ، 1963 التي تم تحويلها إلى فيلم سوفييتي – كوبي مشترك 1963 ، إخراج كالاتوزوف و سيناريو يفتوشينكو نفسه ، رواية شعرية " " حمامة في سانتياغو " ، 1978 ، غيرها ) ، نجد لديه مواضيع تعكس بقوة مختلف جوانب الحياة اليومية للمواطن العادي ، و كذلك مواضيع من الذاكرة الشعبية عن المعارك غير البعيدة ضد الفاشية ، بالإضافة لطفولته الخاصة أبان الحرب ، موضوع الحرص في التعامل مع الطبيعة و صفحات من الماضي العريق لروسيا ( " حائكو ناحية ايفانوف " ، 1976 ، " " أمر غير صحيح " ، 1980 ، قصائد " العرس " ، " جندي على الجبهة " ، 1955 ، " حكاية شعرية عن الصيد الممنوع " 1963 ) .
ثمة طبقة خاصة بالشعر الغنائي المتمرد و الاحتجاجي عند يفتوشينكو تتآلف مع مواقف مدنية شجاعة ، على وجه الخصوص بالنسبة لأديب ناجح وفق جميع المقاييس و في مختلف الحقب السوفييتية ( دفاعه عن " المنشقين " سينيافسكي و دانييل ، سولجنيتسين ، برودسكي و غيرهم ، رفض التدخل في هنغاريا ، تشيكوسلوفاكيا ، أفغانستان ... ، و الاحتجاج على ملاحقة أصحاب الرأي الآخر ( قصائد : " دبابات في شوارع براغ " ، 1968 ، " النملة الأفغانية " ، 1983 ، " أسطورة شعرية حول قصيدة ليرمنتوف " مقتل شاعر " و " عن رئيس الدرك " ، 1963 ) .
كما كانت ليفتوشينكو مواقف إنسانية تعتمد التفاهم بين الناس من مختلف القوميات و الأعراق أساساً ، و هذا ما انعكس في أشعاره : " أنا أفكر : أنا يهودي ... " ، قصيدة " البعث " ، 1971 ، " ثلج في طوكيو " ، 1974 .
تمتاز الجملة الشعرية عند يفتوشينكو بسهولة انتقالها من القص الملحمي إلى الحوار ، من السخرية إلى الرقة و الرهافة ، من جلد الذات إلى الوعظ . و هناك الكثير من العبارات التي تحولت إلى مقولات مأثورة ( " الشاعر في روسيا – أكثر من شاعر ... " ، " لا يمكن للتعاسة أن تكون أجنبية " ) . كما إن النعومة النفسية و الحكمة الحياتية تنعكس في الكثير من أشعار يفتوشينكو المكرسة للنساء الرائعات – العاشقات الخجولات ( ... و تكلمتْ همساً : - و ماذا بعد ؟ و ماذا بعد ؟ " ) ، و لنكران الذات عند الأمهات ( " يسقطْن الكثيرَ الكثير في لحظة الاضطراب - و لكنهن لا يرمين الأطفال .. " ) ...
و باعتباره واحد من دعاة و حاملي لواء " البريسترويكا " ، فقد كتب يفتوشينكو الكثير من المقالات الصحفية و القصائد في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي . ( " قمة العار " ، " رهاب العلنية " ، " لا يجوز العيش بنفس الطريقة لاحقاً " ... ) . لكن يفتوشينكو أحسّ بخيبة أمل كبيرة من نتائج البيريسترويكا التي بدت بعيدة تماماً عن أهداف المجتمع الديموقراطي المنشود . ( " الدموع المتأخرة " ، 1995 ... )
و قد كتب يفتوشينكو الرواية التاريخية و الوثائقية ، كما أبدى اهتماماً بالمحطات الخلافية في التاريخ المعاصر ، و هذا ما وجد تعبيراً له في قصة " بيرل هاربور " 1967 ، التي تناولت أحداث الحرب العالمية الثانية ، و بشكل خاص في روايته " أماكن الحبات " ( 1982 ) التي ناقشت عملية نزع ملكية الكولاك في سيبيريا في ثلاثينيات القرن العشرين ، و كذلك في روايته متعددة المواضيع " لا تمت قبل الأوان " ( سلسلة الحكاية الروسية " ) 1993 ، التي تضمنت سلسلة من القصائد من كتابه الأخير " جواز سفر ذئبي " 1998 .
و قد تحولت الكثير من أشعار يفتوشينكو إلى أغان نالت شهرة شعبية واسعة ، منها : هل يريد الروس الحرب ، فالس عن الفالس ، النهر يمضي مسرعاً ، يتلاشى في الغيوم ...
كما قام يفتوشينكو بترجمة الكثير من الأشعار من لغات مختلفة ، أهمها : قصائد عن جورجيا . ترجمات لشعراء من جورجيا . 1959 .
إن انشغال يفتوشينكو الدائم بقضايا الإبداع و اهتمامه المتواصل بتطوير الثقافة الشعرية الروسية قد دفعاه إلى إصدار انطولوجيا الشعر الروسي في القرن العشرين بعنوان : موشحات القرن ( صدرت الطبعة الأولى باللغة الإنكليزية في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1993 ، و باللغة الروسية عام 1995 ) ، و انعكس ذلك أيضاً في تقديمه للكثير من المجموعات الشعرية و مشاركته في برامج و حلقات تلفزيونية حول الشعر ، و في مقالاته " الموهبة – عجيبة ليست صدفة ( 1980 ) ، " مضيق بوشكين ( 1966 ) .
لقد نال يفتوشينكو شهرة عالمية واسعة ( ترجمت أعماله إلى أكثر من سبعين لغة ، و هو عضو شرف في أكاديمية الفنون الأمريكية ، و عضو فعلي في الأكاديمية الأوروبية للفنون و العلوم ) .
كما لاقى نجاحاً باهراً أسلوبه في قراءة سواء أشعاره أو أشعار الشعراء الآخرين ( بلوك ، غوميليف ، مايكوفسكي ... ) ؛ و قد عمل مخرجاً سينمائياً و كاتب سيناريو و قام بلعب أدوار في السينما ( الدور الرئيسي للعالم الروسي الشهير في مجال علوم الفضاء تسيولكوفسكي في فيلم المخرج كوليش : الإقلاع ، 1979 ، و في أفلام : روضة الأطفال ، 1983 ، " وداع ستالين " ، 1990 – و كلاهما سيناريو و إخراج يفتوشينكو ) .
كما كانت للشاعر مشاركة كبيرة و لافتة كناشط اجتماعي ( أحد الرؤساء الدوريين لأول حركة جماهيرية للديموقراطيين الروس – جمعية " Memorial " و ذلك إلى جانب كل من ساخاروف و أداموفيتش و أفاناسييف ) . كان عضواً في برلمان الاتحاد السوفييتي لآخر دورة .


1
إلى آنا أخماتوفا
I
أخماتوفا عاشت في زمنين .
و لم يكن لائقاً البكاءُ عليها .
لا يُصدّق ، أنها كانت تعيش ،
لا يُصدّق ، أنها غادرتنا .

لقد رحلتْ ، كما الأغنيةُ
ترحلُ إلى عمق ِ حديقةٍ راحتْ تُظْلِم .
لقد رحلت ، كما لو إلى الأبدِ عادتْ
من لينينغراد إلى بطرسبورغ .

لقد ربطت بين هذه الأزمنة
في مركز غائمٍ مُظَلَّلٍ .
فإذا كان بوشكين – الشمس ،
فإنها ستكون في الشعر – ليلةً بيضاء .

كانتْ مستلقيةً فوقَ الموتِ
و فوق الخلود ،
خارجَ كل شيء ، كما لو عَرَضاً
ليس في الواقع ، بل عليه ،
كانت مستلقية بين الحاضر و الماضي .

و الماضي سار بقرب التابوت بخشوع
لا على شكل رتلٍ من السيدات المؤمنات .
إذ راحت الكشش الشيب تتلألأ
من تحت القبعات القديمة الطراز
بكل الضياء و الفخر .

و مشى المُستَقبلُ ، ضعيفاً في الكتفين .
و مشى الأولاد . كانوا يحرقون أنفسهم
بلهيب مدرسيٍّ في العيون
و قد مسكوا الدفاتر في قبضاتهم بقوة .

و الفتيات الصغيرات حمِلن ،
على الأرجح ، في حقائبهن
دفاتر يوميات و لوائح .
إنهن ذاتهن – الطاهرات و السعيدات –
التلميذات الروسيات الساذجات .

و أنت – أيها الانحلال الكوني ،
لا تقض ِ على رابطة الزمن تلك –
فإنها سوف تساعد فيما بعد .
إذ ببساطة لا يمكن أن يكون هناك اثنتين
من روسيا ،
كما لا يمكن أن يكون هناك اثنتين
من أخماتوفا .

II

و لكن ، ليس بعيداً ، في تابوت ثان ٍ ،
كما لو أنها أغنيةٌ شعبيةٌ بجانبِ الإنجيل ،
كانت مستلقية في منديلٍ أبيض بسيط
عجوزٌ من عمْرِ أخماتوفا .

كانت مستلقية ، كما لو أنها تستعد للإكليل ،
و قد أرهَقَها الغسيل ، و الكَنْسُ و الهَرْشُ ،
و رَفْأُ الثياب ،
فلاحةٌ بحَسَبِ اليدين و بحسب الوجه ،
و ستُّ بيتٍ ، على العموم ، يُفْتَرض أن تكون .
....

أن تكونَ ميتةً – إنها حياةُ النعيم .
كمْ أحْسَنَ الناسُ الاهتمام بها ،
و كما لو أنها طفلٌ قبل العيد بالضبط ،
قاموا بغسلها و ألبسوها ثياباً نظيفة .

كانت واضحةً في وداعها
و قد ضمَّتْ إلى صدرها بإجلال
يدين جافتين ، كما لو أنها كانت
تُمْسِكُ بهما شمعةً خفية .
.....
و رحتُ أفكر ُ : لربما ، فجأة ،
قد يكون هناك مع ذلك " روسييَنْ " :
روسيا الروح و روسيا اليدين –
بلدَين مختلفين و غريبين تماماً ؟

لم يتفجع أحد على تلك العجوز .
لم يضعْها أحد على قائمة الخالدين .
و كان فوقها أبيضَ كما لو من بعيد
منظرٌ جانبي أخماتوفيٌّ نبيل .

أخماتوفا كانت تستلقي بجفاء و بازدراء
أعلى من جميع أصناف المديح ،
و هي تدرك مقامها الروحي
على الادعاء و الدهماء الروحييَنْ .

أرستقراطية ؟ كلها من هناك ، حيث
كانت الأرصفة تُضرَبُ تحت حوافر الجياد !
و لكن اليدين و هي ترتمي على الأزهار ،
كانتا تهتزان ، كما على الماء ،
و تمنحان شيئاً ما .

لقد أبدعتا الخير كما استطاعتا .
لكن القوى كانت أحياناً غير كافية ،
و الريشة ، الخفيفة بالنسبة لبوشكين ،
طالما كسرت الأصابع النسائية
مع ابتسامة ساخرة .
.....
مليكة بلا تاج أو صولجان
وسط المواهب الباهتة من حيث الاحترام ،
لقد كانت واضحة عند الوداع ،
كما تلك العجوز في ذلك البابوج الهدية !
.....
2
عندما قتلوا لوركا
عندما قتلوا لوركا ، -
و قد قتلوه بالفعل ! -
راح الدركيُّ يغيظ الرضيع ،
و هو يتباهى على الحصان .
عندما قتلوا لوركا ، -
و قد قتلوه بالفعل ! -
لم ينسَ الناس
لا معلقة ، و لا قصعة .

و هي تتكلّفُ قليلاً ، -
كارمن - في لباس عصري
راحت تعانق الأحياء –
إذ لن تنام مع مَن هو ميت .

بصارة معروفة
راحت تتسكع بين الأكواخ .
كانت تتأسف لمقتل لوركا ،
و لكن ، لا يبصّرون للجثث .

الحياة استمرت حياة –
و وجه السكران ،
و الخنازير في الميعة الصفراء
و وردة خلف الصديرية .

بقيت الفتوة ، و الشيخوخة ،
و الفقراء ، و اللوردات .
كل شيء في الكون بقي كما هو –
وحده لوركا لم يبقَ .

و فقط في حانوت مغبر
راحوا يقفون ، كما لو سرايا ،
غير مصدقين موت لوركا ،
ألاعيبٌ دون كيخوتية .

دع الأغبياء يسودون
و المنجّمات الكاذبات ،
و أما أنت ، غيدالغو الصغير ،
فلتحيا بالأمل !

وسط ركام من الهدايا ،
و هم يرفعون السيوف – الفتافيت
المُضحكة بمرارة ، راحوا
يصرخون : أين أنت ، يا لوركا ؟

فلا شجرة الدردار ، و لا حواء
لم يحذفوك من الحساب .
فأنت خالد – لأنك
مننا ، من سلالة دون كيخوت !

و راحت الأعشاب تغني بتكسر ،
و الغرانيق راحت تصوِّتُ ،
أنهم لم يقتلوا لوركا ،
بعد أن قتلوه .

3
إلهي ...


إلهي ، ليستعِد الأعمى بصرَه ،
وليستقم ظهرُ الأحدب
إلهي ، اجعلني و لو قليلاً ، إلهاً ،
لكن ، قليلاً ، لا يجوز أن اُصْلَب

إلهي ، لا تدعني أتورط في السلطة
و دون أن أموت من الحسد .
أن أكون غنياً ـ دون سرقة ،
طبعاً ، إذا كان ذلك يُوجد .

إلهي ، اجعل مني رجلاً محنكاً ،
دون أن تلتهمني عصابة ما ،
دون أن أكون ضحية أو سفاحاً ،
و لا سيداً ، و لا مستجدياً .

إلهي ، لتكن الجراح قليلة
عندما النزال يحتد ،
إلهي ، اعطني أوطاناً كثيرة ،
لكن ، وطني دون أن أفقد .

...
إلهي ، ليغلق الكاذبون أفواههم
وقد سمعوا صوت الرب في صراخ طفل .
إلهي ، ليبصر الأحياء المسيح
في هيئة امرأة ، إن في غير هيئة رجل .
...

إلهي ، امنح كل شيء ، كل شيء
بشرط ، للجميع ـ كي لا يحزن أحد .
إلهي ، مِن كل شيء اعطني فقط
ما لن استحي به فيما بعد !



4

كلمات في الريح


أرمي كلماتي في الريح ،
غير آسف ، دعها تضيع .
يداعبها الناس ، كأوراق الشجر ،
وبها ، كما بأوراق اللعب ، يقرؤون .


وُتكسبني الاهتمام ،
الذي ، ربما ، لا أستحقه ،
بقداسة ترفعني الكلمات ،
بكل بهائها العظيم .

لكن ، لو أن صبية تجمدت
وهي تهمس أشعاري ،
لكان حلَّ بي ، كما العدوى ،
ألم الأخت لا الكبرياء .

في الريح أرمي كلماتي ،
التي تحكي مآسي كثيرة .
صدفةً ـ أرميها لقرون ،
مُضمراً للأبد ـ و إذ لساعة .

لكن الريح تأخذ الكلمات ،
تحملها إلى البطش والمحاكمة .
والريح ترفع الكلمات ،
الموتَ أو المجدَ تمنحُها .

والريح ترميها ، وهي تطير ،
هناك ، حيث ينتظرها من يثق بها .

ويتملكني رعبُ لكل كلمةٍ
مع الريح رميتها .