صياغات جدلية حول أطروحات التجديد في الفكر الماركسي

راشد مصطفي بخيت
2007 / 7 / 19 - 12:51     

قرأت في الأعداد السابقة لصحيفة الميدان الغراء أكثر من دعوة وأكثر من مقال يدعو للكتابة في قضايا التجديد المرتبطة بالفكر الماركسي وما يستتبع ذلك من انعكاسات حتمية في مختلف أوجه العمل الحزبي العام ابتداءً من ثقافة العضو المنتمي إليه وانتهاءً بكيفية ادارتة التنظيمية أو ما نصطلح علي تسميته مجازاً بالعمل القيادي – لاحظ الفرق بين التسمية الأولي والثانية وما تحيلان إليه من دلالات علمية الطابع – وكنت قد انخرطت إلي صفوف الداعين لمثل هذه التجديدات في وقتٍ مبكر من الزمان بشكل عفوي حَتمّتهُ علينا ظروف وجودنا التاريخي المختلف زمنياً وبالتالي معرفياً عن ظروف من سبقونا في وجودهم التاريخي . والذين فصلتنا عنهم فَجْوَات تاريخية شاسعة، تقاس بملايين السنوات الضوئية . بحكم اختلاف مصادر المعرفة لكلينا حسب التسلسل الزمني وما يستتبعه هو الآخر من اختلاف في الرؤية الفكرية والمناهج التي تحكم عملية الترائي هذه . وكذلك ظروف التطور العلمي الرهيب، الذي شهده القرن العشرين في مختلف مجالات المعرفة الإنسانية ، كانعكاس ضمني مترتب علي بعض نتائج تطورات العلوم الطبيعية نفسها . فمثلما كانت الفلسفة الماركسية ، نتيجة لما أحرزته ظروف التطور العلمي الكبير في القرن التاسع عشر من كشوفات مورغان في دراسته لمجتمعات الهنود الحمر ونظرية داروين في النشؤ والارتقاء وإضافة عناصر جديدة للجدول الدوري في الكيمياء وغيرها من اكتشافات أخري عديدة ، لم يقف سلم تطور العلوم الطبيعية – وبالتالي الإنسانية – عند هذا الحد منذ تلك الفترات إلي راهننا المعاصر ، بل علي العكس من ذلك تماماً قد شهدت هذه العلوم تطوراً رهيباً في مجالات الفيزياء – نظريات الكم – وعلوم الشفرة الو راثية وخلافها من اكتشافات لا يتسع المجال لذكرها هنا ، أسهمت هي الأخرى في تطوير العلوم الإنسانية وخصوصاً الفلسفة . لتضيف بذلك ، مفردات جديدة في دراسة مختلف ظواهر الحياة الاجتماعية المتعددة وتوسع زاوية تناول الماركسية لها بمناظير أكثر اتساعاً ودقة .
بحيث شهد هذا القرن تطوراً متسارع الوتيرة في مجالي الفلسفة والعلوم الإنسانية مصحوباً بكتابات ضخمة في هذه النواحي،يمكن أن توازي - إن اشتغلنا علي أمر المقارنة الدقيق – نصف معرفة القرون التي سبقت هذه التواريخ مجتمعةً أو تزيد قليلاً .
وهذا أمر طبيعي وفق ما تقتضيه متطلبات التطور التاريخي لحركة الإنسان والعالم في هذه البسيطة . وبالطبع هو أكثر من بداهة كذلك بالنسبة لإنسانٍ وَعَي حِكمة الدرس الماركسي العميقة – الثابت الوحيد هو المتغير - حول قوانين التطور التاريخي وما تخلقه من تحولات جذرية علي كافة الأصعدة المختلفة . فلا أظن أن "العم ماركس " وصحبه الميامين قد أضافو إلي مسيرة العلم والتقدم في هذا الكوكب أكثر من إضافتهم لمبدأ التاريخية والسياق الذي تنبني بداخله عناصر الحركة والسكون في أي مجتمعٍ ما، وتتخذ من بعد ذلك مهمة الإرشاد العام لمعرفة التناقضات المعتملة في هذا المجتمع من صلب صراعا ته الداخلية الماثلة للعيان ومن صميم حركته البحتة .
إذن من الطبيعي جداً أن ينشأ مثل هذا الصراع المثمر بين أكثر من جيل بحكم كل هذه التحولات التي شهدتها المعرفة العلمية بين الفترتين ، وقعود معظم هذه الأجيال عن مواكبتها بدأب لمثل هذه التحولات ، إلا من رحم ربي . لكن ما أعده غير طبيعياً بالمرة في هذا الخصوص، هو أن معظم ما قرأته من هذه الكتابات الداعمة لخط ومسيرة التجديد في قضايا النظرية الماركسية وما تتداخل معه من علوم ، يتسم بخاصية واحدة شملت معظم كتاب هذا الاتجاه، وهي خاصية التجاوز المطلق والقفز المتعمد علي خلفيات نظرية مهمة يجب أن يتأسس فعل التجديد بناءً عليها واستناداً علي ما أفرزته من رؤى واتجاهات جديدة خرجت بكاملها من رحم هذه المدرسة المتسعة النطاق، وعالجت كذلك الكثير من القضايا العالقة في طريق هذه المسيرة نفسها وأفادت بما هو مختلف ومخالف لأطروحات " الأصول " و " الصحاح " من مثل " صحيح ماركس " وصحيح أنجلز " و " مُوَّطأ " الإمام لينين .
وقد بدأت هذه الاتجاهات التي ربما شكلت في مستقبل أيامها مدرسةً أو تيار عام مثل " الفرانكفونية " أو " الماركسية البنيوية " أو ظلت محتفظة بطابعها الفردي من مثل مساهمات "غرامشي " و"جورج لوكا تش " و "تيري ابجلتون " وخلافهم من آخرون كُثُر، بدأو هذه المسيرة منذ فترات بعيدة سبقت حتي كارثة انهيار النموذج السوفيتي للاشتراكية بسنوات عدة الشئ الذي يفيد استشعارهم للخلل النظري في بناء النظرية قبل سابقيهم – وكذا هم دائماً من تربطهم صلاتٍ ما بحقول الأدب والفن – بفترات طوال .
بالإضافة لما أفرزته ظروف الصراع الفكري المحتدم ، مع تيارات وفلسفات أخري عملت علي إغناء أدوات المنهج الماركسي وتوليد اتجاهات أخري جديدة .
وربما يقودنا أمر هذا الغياب الواضح لمثل هذه الكتابات سابقة الذكر في المحاولات السودانية المتعددة الرامية للتجديد أيضاً لمعرفة حقائق ما ، هامة في هذا الخصوص وضرورة التنبه لها بكونها قد تفرز إشكالات أخري متعددة لا يقوي جسد الحزب المنهك علي تحملها، وحتي تصبح ذات فائدة أكبر للجميع وربما بداية لعمل قادم :-
• مراوحة هذه العملية التجديدية مكانها، حتي بعد أن أفرد لها الحزب الشيوعي مساحات واسعة من النقاش داخل أُطر ما يسمي بالمناقشة العامة وخارجها .
الشئ الذي ينبئ عن فقدان واحدة من أهم الحلقات المكملة لهذا العمل وهي بالطبع حلقة الخلفيات النظرية التي لا بد و لأي مشروع فكري جاد ينوي الاضطلاع بأعباء مهمة التجديد هذه ، من أن يتصدي لها بالأساس وقبل الشروع في أي أعمال أخري . وهذه المهمة من المهام التي تحتاج إلي مراعاة العديد من العوامل المساعدة لإنجاحها من مثل عوامل التخصصية أو الإلمام العام بأساسياتها المتمثلة في ضرورة تَوّفُر حد أدني من المعرفة الفكرية والفلسفية المؤهلة للقيام بذلك . فليس كل فرد شيوعي هو بالضرورة من هذا النوع بل علي العكس من ذلك ربما يكون هذا الفرد أكثر ضرراً في مثل هذه المهمات ويقع بمثابة العائق الفعلي لانسياب مراحلها المختلفة بانتظام .
وأيضاً تواجه هذه المهمة خطورات أخري بالغة التعقيد ، فمثلاً يحتم علينا الحديث عن التجديد في أي منهج فكري ما ، بعض التفسيرات الجديدة والحذف والإضافة ، وإلا لما صار تجديداً . وهذه المهمة أيضاً تحتم كذلك المعرفة المسبقة بما تجاوزه الفكر البشري من مقولات وأدوات فلسفية في هذا المنهج. وعادةً ما تواجه هذه المهمة بإشكالية البدائل التي من المفترض أن توفرها لِمَّا سيتم تطويره من مقولات أخري وبالتالي تجاوز ما هو شائخ منها والإقرار بموضوعية البدائل الجديدة ومعرفة مدي ملاءمتها للواقع الذي ستُعْمَّل بداخله، ليس من قبيل الجبر والتعسف في لي عنق الواقع ليتطابق مع هذه المقولات، علي شاكلة الطريقة " البروكريستية " في التعامل مع الأشياء وإنما ، لكي لا يصبح ما بدأناه تجديداُ بمثابة فقدان للمنهج المستقبلي أو نظريتنا الجديدة . بحيث أن التنازل عن منهجٍ ما ، لا يعني مطلقاً أن نصبح بلا منهج مرةً واحدة ، وإنما أن نصوغ من مجمل ملاحظاتنا تلك ودراساتنا التفصيلية لمكامن الخلل والقصور في نظريتنا الأم مدخلاً لتدشين منهجاً جديداً يستفيد من كل أخطاء الماضي ويعمل علي استشراف المستقبل ببطء.
فمثلاً لو أقرينا بعدم مطابقة مفهوم " الطبقة الاجتماعية " في الفكر الماركسي القديم للمجتمع السوداني والذي هو في حقيقة الأمر مجتمعات متعددة من حيث التصنيف الطبقي بفعل عوامل التطور اللا متكافئ بين العديد من بقاعه المتعددة ، يكون السؤال ما هو المفهوم البديل لهذا التوصيف علي المستوي النظري ؟ لتكون الإجابة علي هذا السؤال هي بداية التأسيس الفعلي لمفهوم مختلف يستطيع أن يصف حركة المجتمع السوداني بما هي عليه فعلياً ويستقر كمفهوم نظري مرحلي محدد لكيفيات البحث والدراسة كما فعل ذلك من قبل المفكر الماركسي " هر برت ماركوز " مسبقاً .
• إن فعل التجديد يجب أن يقوم بمراجعات عامة للعديد من الأفكار التي استقرت في الذهن الماركسي بحسبها مسلمات لا يأتيها الباطل من خلفها ولا من بين أيديها وعلي رأس هذه المراجعات يجب أن يكون النصيب الأكبر منها منصبا قبالة تلك التقسيمات التي تجاوزها العلم المعاصر والتي لا تزال تعمل عملها في عقل العديد من المراكسة ضمن ترسانة مصطلحات القرن التاسع عشر والتي تري في الماركسية منهج علمي شامل ومكتمل وسع كل المعارف البشرية من تاريخ وفلسفة واقتصاد وعلوم وطبيعة وخلافها من العلوم الاخري المختلفة .
وحتى يتضح القصد من هذه المراجعات التي ندعو إليها ، وجب علينا إيراد النموذج التالي لواحدة من أهم القضايا التي تستقر في مقدمة الديالكتيك الماركسي ،الذي يعتبر بمثابة إسهام ماركس العام في نظرية المعرفة والطبيعيات. والذي استحال إلي مجرد قفص حديدي حرم ما قدمه ماركس نفسه من نصيبه في التطور والارتقاء بفضل اكتشافات العلوم الحديثة التي تطورت نفسها استناداً إلي هذا الديالكتيك وبناء علي ما قدمه من استجلاء عام للوقائع الطبيعية في العالم .
فمثلاً تقوم الوحدة الأولي للمعرفة في هذا الديالكتيك علي ثنائية الذات والموضوع ، والتي استقرت في هذا الأقنوم الشكلي الثابت ردحاً طويلاً من الزمن استمر إلي يومنا هذا ، رغماً عن أن العلوم الحديثة ، وعبر مسيرة تطورها المستمر، خاصةً في حقل اللغويات أوضحت وبشكل منهجي ومنظم بأنها تحتوي علي أكثر من هذا الزوج التعميمي . ويمكن بناءً علي ذلك أن تكون رباعية العناصر والتركيب علي النحو التالي :- ذات عارفة / موضوع معرفة / بتوسط اللغة كنظام إشارات لخزن المعرفة ونقلها / وذات أُخري تنقل لهل هذه المعرفة بطريقةٍ ما .
وقد نتج هذا التوسع الحديث لثنائية الذات والموضوع من التطور الذي أحرزته علوم اللغويات الحديثة كما ذكرت قبل قليل واكتشافات أخري أوضحت طابع الخصوصية الذي تتمتع به اللغة نفسها كنظام إشاري له صلته المباشرة وتأثيره الواضح علي طرق تفكير الجماعات البشرية وتحديد نظرتهم الخاصة للعالم المحيط بهم .
فنحن لا ندخل أي ميدان اجتماعي بدون توسط اللغة هذه . والتي كانت الماركسية بشكلها التقليدي لا تعتبرها أكثر من وسيلة تواصل فقط بين البشر ولا تري فيها فائدة أكثر من ذلك . ومن هنا بالضبط ، نتجت بعض الممارسات القمعية في حق العديد من علماء اللغة الروس من أمثال " باختين " وجماعة الشكلانيون الروس الذين أطلق عليهم هذا الاسم نتيجةً لاحتدام صراع دامي الوطيس بينهم وبين ماركسيو تلك الفترات وكانو محل استهداف دائم منهم . ثم دارت دورة الأيام وأثبت التاريخ المعاصر أنهم قدموا فوائد جليلة للعلم بدأت بمساعدتهم في تطوير أنماط الفنون الشعبية – الفلكلور – وما جاوره من فنون أُخري وانتهت بمساعدة مناهجهم في عمليات كتابة أو إعادة كتابة التواريخ للعديد من المجتمعات القديمة في العالم عبر دراسة الأساطير وتحليل بنيتها الدفينة . فضلاً عن ما حققوه من نتائج مذهلة في حقل الأدب والفنون .
• كذلك لا بد من مراجعات دؤوبة ومكثفة في الجوانب المنهجية لدراسة التاريخ في الفكر الماركسي وتطوير تطبيقات المادية التاريخية من خلال الاعتراف بالعوامل الغير مادية كعنصر من عناصر حركة التاريخ والخروج من ذلك القفص الحديدي الذي بنيناه لأنفسنا عبر تلك الترسيمات الخماسية – وسادسها الكلب – الذي هو نمط الإنتاج الآسيوي الغارق في مغبة التعميمات الغير دقيقة وما نشب حوله من خلافات . ويكفي في ذلك إن نذكر المقولة السديدة للمفكر اللبناني " كريم مروة " في حوارنا الذي أجريناه معه إبان زيارته السابقة للسودان علي صفحات صحيفة الصحافة والذي أبدي فيه تحفظ كبير علي مسألة توصيف اقتصادي لنمط إنتاج ما علي أساس جهوي . وهذه إشارة جيدة لواحدة من مشكلات هذا التصنيف إضافةً لمشكلات أخري عديدة .
ويجب أيضا ، محاولة تفهم أن المادية التاريخية نفسها ، هي مجرد تطبيق لمنهج أكثر من كونها المنهج نفسه ، بحيث أن ماركس لم يحددها كأدوات لدراسة التاريخ بعمومية كما تصور ذلك طبعتها الستالينية ، أكثر من أنه أعمل منهجه هو فيها بعد أن عمل علي دارسة راهن الظاهرة الرأسمالية الماثلة أمام ناظريه واستخلص من بعد ذلك العديد من القوانين المهمة التي تحكم مسيرة التاريخ حسب تصوره، ومن ثم عمل بواستطها علي محاولة استخلاص نتائج عن ما سبقها من تواريخ .
والجدير بالذكر أيضاً أن الماركسيون بشكل عام ، عملو علي التعامل مع هذه النتائج وفق منهجية اجترار فقهي تعيد ذات المقولات وبنفس الكيفية دونما أي تطويرٍ ما أو إبدال أو إعادة إنتاج لحمولاتها المفاهيمية . بحيث يخرجون بها من سياق الدوغماتية المفرط ، ويستعينون بها علي دراسة راهن الرأسمالية المعاصرة وما حدث لبنيتها من تحولات شكلية ، لا ذالت تضعها في ذات الإطار اللا إنساني . من مثل مشكلات التبعية وظواهر الشركات متعددة الجنسية لخارج مجتمعاتها مع توفيرها أو استفادتها من بعض خصائص الاشتراكية في مسألة توفير الضمان الاجتماعي للعمال وخلافه من الإجتزاءات الأخرى . بحيث لم تعد هذه الرأسمالية كما كانت عليه في السابق ،" حاملةً عناصر فناءها بداخلها " وتنتظر حتميتنا التاريخية مزيلة إياها بفعل السحر أو القدر ! ويكفي القول أنه لا توجد مثل هذه الجهود المعاصرة بشكل متوفر إلا عند كل من الفيلسوف الألماني " هابر ماز " والأمير كي " نعوم تشومسكي " الذي لا ذال يفضح بدأب ، طابع العنصرية واللامبالاة الذي يتسم به هذا النظام ويكشف في نفس الوقت بعض الحقائق الدالة علي وجود أنماط من التفاوتات الطبقية والاجتماعية ، حتي في بنية هذا النظام نفسه .
• يحتاج الموقف من الديمقراطية في الفكر الماركسي إلي العديد من المراجعات المفاهيمية خاصةً في موقف لينين منها في كتابه " مرض اليسارية الطفولي "، الشئ الذي نعتقد بأن الحزب الشيوعي السوداني قد تجاوزه نوعاً ما – وهذا ما يوضحه كتاب كمال الجز ولي الموسوم ب الشيوعيون والديمقراطية – إلا انه لم يوفِق بين الإذدواج النظري لما تم نجاوزه وما أُسِّس علي أنقاضه من جديد . بحيث أصبح العقل الشيوعي السوداني متناقضاً إزاء استناده علي أكثر من مرجعية بهذا الخصوص، منها بالتأكيد، المرجعية الماركسية نفسها . المتخذة لهذا الموقف والتي تعد واحدة من أكبر مصادر المعرفة بالنسبة لهذا العقل .
كل هذه المقدمات سابقة الذكر، تقودنا في نهاية الأمر إلي النتيجة الأكثر أهمية في هذا الموضوع، والتي هي :- إذا كان الحزب الشيوعي السوداني مزمع العزم علي " استشراف الأفق الاشتراكي " في برامجه وأطروحاته السياسية. فما هو الطريق الذي سيسلكه لتحقيق هذه الغاية في مثل هذه الظروف المعاصرة وبعد كل هذه التحولات السابقة ؟ وما هي الأرضية النظرية التي سيعمل بموجبها علي إحداث هذا " الاستشراف " ؟ .
ونشير بشكل عام إلي أن أهمية الإجابة علي هذا السؤال تكمن بالأساس في إيضاح ضرورة الحاجة الدائمة إلي " المنهج والنظرية " اللتان تحكمان مسيرة العمل الحزبي الواعي وكيفية تعامله مع وقائع المتحرك اليومي من السياسة والقضايا الاجتماعية والظواهر المتحولة باستمرار في عالم الحياة اليومية .
ولندرك جميعنا فداحة الغلط ، والعسف الذي وقعنا فيه، بعدم انخراطنا الجاد في مسائل التجديد الفكري للماركسية منذ وقتٍ مبكر. ومحاولة تأسيسنا لبدائل نظرية أُخري تَسُّد حاجتنا من النقص النظري، بعيداً عن أي مبررات – وما أسهل إيجادها والركون إليها علي الدوام - وسأحاول في المقال القادم أن أًقدم دراسة تعريفية لأهم المناهج التجديدية التي خرجت من رحم المدرسة الماركسية الولود وما أحدثته من تحولات مرتبطة بهذه المفاهيم ، لتسد بعضاً من حاجة النقص النظري التي تعيشها أجيالنا الجديدة في مثل هذه الموضوعات . وأملاً في استرداد العديد من عضويتنا " المتصوفة " والتي أبعدها مثل هذا الضمور الفكري ، عن حماسة العمل وتفاؤل التغيير في وقتٍ كان المزاج الثوري الطلابي يصف مثل هذه المحاولات بأنها ضربٌ من ضروب " المثقفة " و" الزندقة " الفارغين ويطرد كل من يمارسهما بجرأة من تحت رحمته . حتي صار كل داعية لهكذا تفكير خارجاً عن نطاق الملة ولا يحق له البقاء ضمن فراديسها الوريفة وكفي