عاش شريفا ومات عزيزا في أربعينية الراحل عالم التاريخ وخبير الآثار السوداني بروفيسر أسامة عبد الرحمن النور


عودت ناجي الحمداني
2007 / 7 / 13 - 11:20     

بحزن عميق وألم شديد نعت الأوساط السياسية والثقافية والوطنية , الشخصية الأجتماعية المعروفه والمناضل الشيوعي الباسل, عالم التاريخ و خبير الآثار والباحث الموهوب بروفيسر أسامه عبد الرحمن النور الذي اختطفته يد المنية في الثاني عشر من مايو بلندن في صراع مع المرض الخبيث. أن الحزن العميق والدموع الساخنه لن تخفف من هول الصدمة التي فاجئت أهل الراحل وأصدقائه ومحبيه من الأوساط الشعبيه والثقافية الواسعة التي تحترم الفقيد وتحبه لما يتمتع به من أخلاق نادرة وتقدر طيبة قلبه وكرمه وتواضعه المثالي ومبادرته لتقديم المساعدة قبل طلبها. لقد بكى وحزن وتألم ألما شديدا كل من سمع بنبأ وفاة الفقيد الكبيرأسامه النور. أن فقدان الراحل خسارة جسيمه وفاجعة مؤلمه لكل من عرفه فقد نعته اوسع شرائح المجتمع بمثقفيها وكادحيها التي تجد في الراحل أبنها البار الذي ينبض قلبه بحسها الطبقي ووجدانها الوطني . و قد نعته الصحافة الوطنيه ووصفته بالمناضل الوطني, ووصفه الحزب الشيوعي السوداني بالفارس والمناضل الجسورالذي ساهم بعلمه وعمله في تجميل حاضرالوطن.
لقد عشق الراحل وطنه وشعبه وناضل بأخلاص من اجل وحدة السودانيين أرضا وشعبا, وانطلاقا من قيمه الوطنية ومبادئه الأمميه شجب التعصب القومي والديني ووقف بجرأة لا نضير لها ضد نزعة التعصب الديني التي غذتها القوى الظلامية لأدامة طاحونة الحرب بين ابناء السودان الواحد في الجنوب.
لقد أعطى الراحل كل جهده لشعبه ووطنه السودان الذي اراده ان يكون سودانا ديمقراطيا حرا سعيدا خاليا من التعصب القومي والديني الذي نثرت بذوره حكومه الجهل والتخلف . التي وصفها الراحل بالقوم اللذين يريدو ان يمحو كل تاريخ السودان .
وبوفاته فقد السودان والوطن العربي مؤرخا حاذقا وباحثا كبيرا كرس جهوده لأبراز الوجه الناصع للحضارة الأنسانية وتشذيبها من شوائب الفكر الرجعي ومخلفاته التي شوهت أبداع الأنسانية وقيمها العظيمه . بدأ التأهيل السياسي للراحل في صفوف الحزب الشيوعي السوداني الذي أنتمى اليه
في مطلع شبابه وهو طالب في الثانوية وساهم بفعاليه في النضال السياسي والجماهيري الذي قاده الحزب ضد المشاريع الاستعماريه التي ارادت ان يكون السودان محمية أستعمارية لتأمين أمدادات صناعة النسيج في بريطانيا والأسواق الغربية بالمواد الخام من القطن السوداني.
لقد كان الراحل شعلة من النضال المتأجج من اجل الحقوق الوطنية والقومية والديمقراطية للشعب السوداني. وانطلاقا من مبادئه الأمميه التي تبغض التعصب القومي والديني وتناصر الحرية والسلم في العالم ناصر الحركه الشعبية التي تناضل من اجل حقوقها القومية في الجنوب وأنخرط في صفوفها, وأرتقى في سلم النضال حتى أصبح أحد قياديها ومن المقربين من زعيمها جون قرنق.
وبسبب مواقفه الوطنية والقوميه التي لا تعرف المساومة والمهادنة على حقوق شعبه تعرض للملاحقه والأعتقال والفصل التعسفي من دراسته في جامعة الخرطوم في الستينات ومن وظيفته كمديرعام للآثار والمتاحف القومية في السودان في اوائل التسعينات .لقد برز الراحل كمناضل ثوري في النضال البطولي الذي خاضه ببسالة ضد السياسات القمعية التي تنتهجها الحكومات الدكتاتورية في ملاحقة الوطنيين ومصادرة الحريات السياسية والديمقراطية للشعب ومن أجل مطالب الشعب الأقتصادية والمعيشية , وبذلك استحق بحق تكريم الحزب الشيوعي السوداني الذي أرسله لأكمال دراسته في الاتحاد السوفيتي, فأكمل الماجستير بمرتبة الشرف الأولى والدكتوراة في فلسفة علم الآثارالمصريه .
ينحدرالراحل من عائله عربية تمتد جذورها الى عرب السودان الأصليين, عمه الشيخ يوسف النورالذي تتلمذ في الأزهر واكمل تعليمه فيه , ووالده مولانا عبد الرحمن النور رجل الدين المعروف والسياسي البارز في حزب الأمه السوداني, شغل والده وزارة الأعلام في الحكومه التي شكلها حزب الأمه في الخمسينات.
أن المناخ الديني الذي تعيشه عائلة الراحل لم تحجب عنه الرؤى الفكريه ولم تصادر قناعاته في اختيار فكره السياسي وعقيدته الشيوعية كمنهج في التحليل وكنظريه ثوريه لبناء المجتمع السوداني وتحديثه على اسس ديمقراطية وأقامة النظام الديمقراطي الخالي من أستغلال الأنسان للأنسان.

مؤهلاته وبحوثه وكتبه خبراته
يتميز الراحل بذكاء حاد وعطاء غزير وحب واسع للعلم والمعرفة وحسب معرفتي به يقضي ثلثي ليله في المطالعة والتأليف وأعداد البحوث والترجمة, ورغم ما يبذله من جهود مضنية فهو منشرحا ومتفائلا ودمثا في أحاديثه ولقاءآته .
نال الراحل درجة الدكتوراه في فلسة الآثار المصرية عام 1976 من معهد الدراسات الشرقيه بأكاديمية العلوم السوفيتيه بموسكو. و ماجستير بمرتبة الشرف الأولى في علم الآثار من جامعة شدانوف للدوله بلينينغراد عام1969.

كتبه المنشوره :
ألف الفقيد عددا من الكتب القيمه التي ترفد المكتبه العربيه والاجنبية بالمصادر التاريخية المميزه والمنشورمنها ما يلي :
1- مجتمعات الاشتراكية الطبيعية, دراسه تحليليه لتطور الثقافة والتقنية والاقتصاد في مرحلة ما قبل التاريخ, اورنتال للنشر, مدريد, طبعة اولى,1983 ,طبعة ثانية1985 .
2- تاريخ الانسان حتى ظهور المدنيات, دراسة في الانثروبولوجيا الثقافية والفيزيقية( بالاشتراك مع ابو بكر شلابي),الجا للنشر , مالطا 1985 .
3- من التقنيات الى المنهج, محاضرات في منهج البحث التاريخي, الجا للنشر , مالطا ,2001.
4- الانتروبولوجيا العامه, فروعها واتجاهاتها وطرق بحثها( بالاشتراك مع ابو بكر شلابي) المركز القومي للبحوث والدراسات العلمية, طرابلس2001 .
5-علم الآثار الافريقي, ترجمه عن الانجليزية لمؤلفه ديفيد فيلبسون, الجا للنشر, مالطا 2001.
6- الحضارة العظيمه للصحراء القديمه, ترجمه الى العربية, تأليف فابريزيوموري, مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية, طرابلس,2006 .
7- دراسات في تاريخ السودان القديم, نحو تأسيس علم الدراسات السودانية, مركز عبد الكريم ميرغني,2006 .
8-علم آثار الصحراء الليبيه ( الجزء الاول), اكاديمية الدراسات العليا, طرابلس( تحت الطبع )
بالأضافة الى مجموعة من الكتب والبحوث التي بقت بأنتظار النشروبعضها تحت الطبع.

أبحاثه المنشوره

نشر الراحل أكثر من 97 بحثا بلغات مختلفه منها العربية والروسية والانجليزية حول الحضارة العربية والافريقية وتاريخ السودان القديم وحضارته وعلم آثار الصحراء.
منها احد عشر بحثا ميدانيا من واقع التنقيب الميداني الذي قام به الراحل في جزيرة صاي ( السودان) والمدينه الملكية في مروى و مدافن العصر المسيحي في دنقلا وغير ذلك من اماكن الآثار الأخرى.
و خمسة بحوث باللغه الروسية تتعلق بالتاريخ القديم لبعض مدن السودان ومصر.
وبحثين باللغة الانجليزية تتناول قضايا تاريخ المدافن لبعض المدن السودانية القديمه.
و44 بحثا ترجمه الراحل عن اللغة الانجليزيه الى اللغة العربية التي تركز على البحث الآثاري في السودان والنيل الأزرق وعلم التاريخ وعلم الآثارما قبل الرعاة في الصحراء الليبية. وغير ذلك من البحوث ذات القيمة الحضارية .
بالأضافة الى نشره ستة مقالات في قضايا سياسية وأجتماعيه معاصرة .

خبراته العلمية
وبسبب حملة التصفيات الجسدية والفكرية التي قامت بها سلطات الخرطوم منذ مجيء حكومة حزب المؤتمر الشعبي لتيار الترابي الذي استهدف أسلمة مؤسسات الدوله وأفراغها من العناصر غير الموالية للجبهة الأسلامية اضطر الراحل الى الأختفاء لتفادي الوقوع في فخ الأجهزه القمعية ومغادرة السودان سرا بحثا عن الأمان وتأمين مستلزمات العيش له ولأسرته فأشتغل في عدة جامعات عربية وأجنبية فعمل في الجماهيرية العظمى أستاذا للتاريخ القديم بجامعة سبها وأستاذا للأنترربولوجيا بجامعة الجبل الأخضر وأستاذ الحضارات المقارنه بقسم الدراسات العليا بجامعة الفاتح. وعمل في الجزائر فعين أستاذا للآثار والحضارات الشرقية بجامعة وهران وأستاذا لللآثار والتاريخ القديم بجامعة عدن في اليمن الجنوبي. وبين عام 1973 و1976 عمل باحثا بمعهد الدراسات الشرقية بأكاديمية العلوم السوفيتية بموسكو وخلال الفترة بين عام 1983 و1986 عين مديرا عاما لشركة أوينشال لنشر الكتاب المدرسي بمدريد بأسبانيا.
لقد كان الراحل بحق أنسانا عظيما بأنسانيته وبعلمه وبوطنيته وفي خبرته وعلمه يشكل كنزا لا ينضب من كنوز العلم والمعرفه والثقافه التقدميه وحليفا مخلصا للفقراء والكادحين ومناضلا صلبا من اجل حرية الانسان وسعادته .
وكاتب هذه السطور لا يجد الكلمات الشافيه التي يعبر بها عن عميق حزنه لرحيل أعز أصدقائه الأوفياء العالم الكبير بروفيسر أسامه النور الذي الذي كان بالنسبه له صديقا وفيا وأخا مخلصا لا يعوض ويبعث بأحر التعازي القلبيه والمواساة لعائله الفقيد وبالأخص زوجته الفاضله الدكتوره آمال النور وأبنائه الأعزاء نجومي وفاروق وتهارقه,
المجد والخلود والذكرى الطيبه للراحل العزيز الذي لا يغيب عن ذاكرتنا بروفيسر أسامه عبد الرحمن النور.

د. عودة الحمداني