ليس النقاش بين الحزب الشيوعي والجبهة، إنه نقاش فكري داخل الحزب الشيوعي الإسرائيلي

تمار غوجانسكي
2007 / 7 / 9 - 11:36     

أقر المؤتمر الـ25 للحزب الشيوعي الإسرائيلي، رؤوس الأقلام التي قدمتها اللجنة المركزية للمؤتمر، وبيانات اللجنة المركزية، وتلخيص المؤتمر. وبذلك عاد الحزب الشيوعي الإسرائيلي وأكد على جوهره الفكري كحزب الطبقة العاملة، الذي يحلل ويتعامل مع مجمل القضايا الاجتماعية، والقومية، والجنسوية، والثقافية ، بأدوات التحليل الطبقية الماركسية اللينينية.
غير أن إقرار رؤوس الأقلام والبيانات والتلخيص في المؤتمر وبالإجماع، دون معارضة، لا يعني أن النقاش الداخلي قد أتى على نهايته، وهو نقاش، من المهم أن يجري مع مواقف تختلف في منطلقاتها، ولذلك تختلف في استنتاجاتها واستخلاصاتها السياسية المختلفة.
في صفوف رفاق في الحزب الشيوعي الإسرائيلي أيضا، يتغلغل وينعكس تأثير نظريات نقدية، تنتشر في الأكاديمية وفي مراكز الأبحاث، والكتب المخصصة لمعالجة القضايا الاجتماعية والقومية، وفي الإعلام، مما يجعل النقاش مع هذه النظريات، نقاشًا هامًّا، ذا صلة بالنقاش الفكري والسياسي الدائر في الحزب.



*التوجه للمسألة القومية!*خصص فلاديمير لينين، الذي عاش ونشط في روسيا القيصرية، (التي كانت سجنًا للشعوب)، جهدًا فكريًّا كبيرًا، لمسألة الاضطهاد القومي، والوسائل لحل القضايا القومية. وفي مقالاته العديدة التي تركّزت في المسألة القومية، أوضح لينين الفرق بين التوجّه الطبقي، وبين التوجّه البرجوازي، والبرجوازي الصغير، في هذه المسألة. وفي مقالته "المسألة القومية في برنامجنا"، من العام 1903، أكد لينين النقطة التي ينطلق منها حزب "الدمقراطية الاشتراكية"، (وهو الاسم الذي كان يطلق على الحزب الشيوعي حينها):
"إن الدمقراطية الاشتراكية، كحزب الطبقة العاملة، يطرح أن دوره الإيجابي الأساسي يتمثّل بالمساعدة على تقرير المصير، ليس للشعوب والأمم، وإنما للطبقة العاملة، داخل كل شعب وكل قومية".
ماذا عنى لينين بمصطلح "تقرير المصير للبروليتاريا أو الطبقة العاملة"؟ لم يقصد لينين بهذا إلغاء الحاجة إلى الانغماس وباهتمام فائق بمواجهة كل مظهر من مظاهر الاضطهاد القومي، وكل مظهر من مظاهر الاحتلال والاستعمار. إلا أنه أكد بذلك، على أن الشيوعيين يختلفون عن الآخرين، بفهمهم، أن لجميع أشكال الاستغلال والاضطهاد، قاعدة مشتركة- الاستغلال الطبقي الرأسمالي. وفقط نظرة كهذه، وفهم كهذا، يجعل من الممكن صقل وحدة العاملين في الحقيقة والواقع (وليس بالشعارات الانفعالية)، على الرغم من الفوارق القومية والاثنيّة الثقافيّة، وقيادة الطبقة العاملة إلى تقرير المصير، بمعنى: فهم دورها اليومي في كل مجال، إضافة إلى فهم دورها التاريخي، كصانعة للتغيير الاجتماعي العميق.
إن التوجه الطبقي، الذي يركّز على تقرير المصير للعاملين كطبقة، لا يستهين بالتأثير الكبير والبارز في الدولة البرجوازية، للاضطهاد والإقصاء القومي، وعلى أساس الجنس والدين وما إلى ذلك. ولكنّ التوجه الطبقي يؤكد على الترتيب المنطقي للأمور: من أجل تمكين العاملين من تقرير مصيرهم كطبقة، حتى يستطيعوا توحيد أبناء الشعوب المختلفة، في الكفاحات الاجتماعية، على الحزب الشيوعي أن يتعامل بحساسية وبمسؤوليّة، مع كل ما يعيق وحدة العاملين، مع كل مظهر من مظاهر الاضطهاد والاستغلال. إن النضال المثابر الذي يقوم به الحزب الشيوعي الإسرائيلي ضد كل مظهر من مظاهر التمييز والاضطهاد، يجد تعبيره في النضال العنيد ضد الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وضد التمييز اللاحق بالجماهير العربية في إسرائيل. لذلك، تمسّك الحزب الشيوعي الإسرائيلي، منذ تسعين عامًا، بمبدأ تقرير المصير للشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة إلى جانب إسرائيل.



*"سياسة الهويّة"*هناك من يسعى لتصوير النقاش مع المواقف الطبقية المبدئية للحزب الشيوعي الإسرائيلي، وكأنه نقاش بين الحزب الشيوعي الإسرائيلي والجبهة. إن أولئك عادة من الذين يعترضون على مواقف الحزب، إلا أن تصوير الأمور على هذا الشكل، يشكّل عمليّة تمويهيّة، فالنقاش الدائر هو نقاش فكري وهو يدور بين أعضاء الحزب الشيوعي الإسرائيلي أنفسهم.
هناك رفاق في الحزب الشيوعي، يقترحون على الحزب "حتلنة" فكره، وأن "يلائم نفسه للمرحلة"، بمعنى أن يتبنى نظريات وتوجهات عصرية "لا طبقية". وهم يقترحون، بديلاً للتوجه الفكري اللينيني الذي جرى توصيفه أعلاه، مواقف تعبّر بين ما تعبّر عنه، عن نظريّة يطلق عليها اسم "سياسة هويّات". وعلى نقيض "السياسة الطبقية"، السياسة التي يتبنّاها الحزب الشيوعي، فإنهم يطرحون أن العامل المقرر في السياسة، هو الهوية المتميّزة، لمجموعات قومية واجتماعية، تعاني الاضطهاد والعنصرية والتمييز: الفلسطينيون مواطنو إسرائيل، والشرقيون والنساء ومهاجرو العمل، وما إلى ذلك. إن هذه النظرية، لها تعبيرات سياسيّة قاطعة، على شكل ظهور أحزاب تدّعي تمثيل العرب (التجمع)، والمسلمين (القائمة العربية الموحّدة) والشرقيين (شاس) والمهاجرين (يسرائيل بعلياه).
في الظروف التي ينشط فيها الحزب الشيوعي الإسرائيلي، فإن تبنّي "سياسة هويّات" بديلاً للتوجه الطبقي، من شأنه أن يحوّل الحزب، إلى حزب عربي إضافيّ، يؤيّده يهود.
إنّ الحزب الشيوعي الإسرائيلي، عمل ويعمل على دفع وتطوير وترسيخ ثقافة وهويّة للمضطهدين، وذلك كمركّب أساسيّ في النضال الطبقي الاجتماعي، ضد جميع أشكال الاستغلال والتمييز. ولكنّه يرفض مبدئيًّا وعمليًّا "سياسات الهويّة" (كما فعل في مؤتمر الخامس والعشرين). إن النضال من أجل المساواة في الحقوق المدنيّة والقوميّة، للجماهير العربية في إسرائيل، هو النضال المشترك للشيوعيين اليهود والعرب، المنطلق من توجّههم الطبقي.
ويجب التأكيد أنه عندما ينهمك البعض في ترسيخ هويّة قوميّة عربية، (مثلاً بواسطة "طاولات مستديرة" محصورة فقط في قضايا الأقليّة القوميّة العربية، ومن دون إشراك أعضاء يهود في النقاش)، ومن خلال الإهمال المتعمّد للتوجه الطبقي في المسألة القومية- فإنهم يواصلون الدوران في دائرة التأثير الفكريّة البرجوازيّة، التي تولّد التمييز والاضطهاد والعنصرية.
إن الأكاديميا، وخارج الجامعات، يكثرون من التعامل مع الفرز بشكل أفقي، على أساس العرق والقوميّة والجنس، ولكنّهم يهملون بشكل منهجي مبرمج الفرز العمودي، الذي يشكّل الفرز الجوهري: الفرز بين أصحاب رؤوس الأموال المستغلّين (بكسر الغين) وبين العاملين (أبناء جميع الشعوب) المستغلّين (بفتح الغين).
ومن أجل تجسيد طبيعة هذا النقاش، أسوق للقرّاء المثل التالي: جرت في يافا مؤخرًّا، مظاهرة ضد مخطط هدم بيوت تابعة لعائلات عربيّة. وشارك في المظاهرة عدد كبير من المتظاهرين اليهود.
وفي كلمته قال خطيب يهودي في الاجتماع الاحتجاجي في نهاية المظاهرة، إنّ النضال ضد هدم البيوت في يافا، هو نضالكم أنتم العرب. ونحن اليهود، فقد جئنا للتضامن معكم فقط. إنّ مثل هذه الكلمات، التي تعبّر عن "سياسات هويّة" (أنتم العرب، نحن اليهود)- تتناقض بشكل جوهريّ مع توجّه الحزب الشيوعي الإسرائيلي. فرفاق الحزب الشيوعي الإسرائيلي، عربًا ويهود، هم في كل حالة، شركاء كاملين في المعركة ضد كل جريمة وضد كل اضطهاد، ضد الاحتلال والحروب، ومن أجل مستقبل الشعبين، وجميع العاملين.

* الكاتبة عضوة المكتب السياسيّ للحزب الشيوعي الإسرائيلي