الثورة الصناعية أدت بالضرورة إلى نشوء الرأسمالية وفي الوقت نفسه إلى نشوء الطبقة العاملة


مصطفى محمد غريب
2003 / 7 / 22 - 23:37     

الحركة النقابية العمالية العالمية  والعربية
      الثورة الصناعية أدت بالضرورة إلى نشوء الرأسمالية وفي الوقت      نفسه إلى نشوء الطبقة العاملة

                        

                                       
 
 

مقدمة
 

ان نشوء الحركات العمالية والنقابية مرتبط بشكل وثيق بإنتصار النظام الرأسمالي وإزاحة النظام الإقطاعي وسيطرة الرأسمالية كنظام اقتصادي اجتماعي.

ومن الطبيعي أن تكون النقابات وظهورها نتيجة حتمية وموضوعية لتطور الرHسمالية لاسيما في ظل وجود ( العمل المأجور ) مضاعفاً الإستغلال الطبقي التي تتعرض له الطبقة العاملة، ولهذا نجد أن الطبقة العاملة ـــ الطبقة الجديدة ــ قد وُجدت وتكونت نتيجة هذا التطور ، وكان الخيار الوحيد أمامها للحفاظ على حقوقها هو تنظيم نفسها في جمعيات أ إتحادات لأجل الدفاع عن حقوقها ضد الاستغلال والقهر الاجتماعي والجشع الرأسمالي.

من خلال الإطلاع ودراسة تاريخ نشوء الطبقة العاملة نجد أن نضالاتها الأولى كانت عفوية، وبعضها توجه لتحطيم الآلة متصورة أنها سبب البلاء الذي حل ويحل بها، ولم تتوصل إلى جوهر الإستغلال للرأسمال وأصحابه القلة، ولقد امتازت نضالاتها العفوية بأشكال متنوعة ومختلفة.

** لقد أدى الاستياء من الإستغلال الرأسمالي إضافة إلى وجود البطالة وببدأ الحركات الإضرابية التي كانت الأخرى غير منظمة ، لكن من خلال تراكم التجربة النضالية ظهرت محاولات لتنظيم العمل في سبيل الدفاع عن حقوق العمال من جشع الرأسماليين وأثناء هذه النضالات والإضرابات تطورت الحركة العمالية مما أدى إلى تأسيس الجمعيات والنقابات حيث تم تعريفها ( ببوادر الحركة العمالية ) بإعتبارها أي النقابات منظمات صدامية هدفها الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة الاقتصادية والسياسية.

** ان نشوء الحركة النقابية وتطورها كان مختلفاً وحسب الظروف ( التاريخية الملموسة ) لكل بلد من البلدان، نشأت الحركة النقابية مع نشوء الحركة الاشتراكية ونشوء أحزابها، كا أنها سبقت هذه الظاهرة في بلدان أخرى.

** ان طبيعة الاتحادات النقابية والدور الملقى على عاتقها بإعتبارها منظمات طبقية صِدامية، هي التحرر الاقتصادي والسياسي للطبقة العاملة، وهذه تم إكتشافها بعد نشوء الطبقة العاملة من قبل منظرين وفلاسفة علمانيين حيث اثبتوا أن وجود الاتحادات النقابية من أجل تهيئة الطبقة العاملة لأخذ دورها الطبيعي في الحياة السياسية والمشاركة الفعلية في السلطة عبر ممثليها الحقيقين وتحقيق الحريات العامة والشخصية واقامة الديمقراطية لأن النضال الاقتصادي الذي يخوضه العمال ضد الرأسمالية والإستغلال إذا ما فصل

 عن النضال السياسي فسوف يخلق وعياً إصلاحياً غير كامل ـــ قد يتماشى مع  مصالح النظام الرأسمالي واستمرار الإستغلال، وقد أثبت أن هذه العلاقة الوثيقة لا يمكن الفصل فيها ما بين المهمات الاقتصادية والسياسية للطبقة العاملة.

** ان اتساع المؤسسات الصناعية يعني اتساع حجم الطبقة العاملة كماً ونوعاً وتركزها في هذه المؤسسات، وبتطور أدوات الإستغلال وتفاقم جبروت الرأسمال والشركات الإحتكارية الفوق قومية انخرطت فئات واسعة نحو الطبقة العاملة واصبحت تستغل أيضاً، ولهذا اضيفت للطبقة العاملة قدرات فكرية كبيرة وهي شغيلة الفكر التي تعاني مثلما تعاني شغيلة اليد الجزء الآخر من الطبقة العاملة أو ما يسمى ( الشغيلة ) ونجد في ادبيات المفكرين والمختصين تسميات مثل شغيلة اليد وشغيلة الفكر.

** نضال الطبقة العاملة ( الشغيلة ) لا يقف عند حدود المطاليب الاقتصادية فحسب  بل يندمج في عصرنا الراهن بالنضال السياسي.

** النبذة التاريخية التي نقدمها بخصوص الحركة النقابية العالمية والعربية تؤكد أن العمل النقابي سيظل يلعب دوراً كبيراً في عصرنا الراهن، وان النقابات كونها شكل من اشكال تنظيم الطبقة العاملة هي مؤسسات تخصها حيث يجري فيها تربية الشغيلة تربية ديمقراطية جوهرها الصراع من أجل الدفاع عن حقوق الشغيلة المشروعة، ولهذا تسعى الحكومات والدول إلى الهيمنة عليها لإبعاد ممثلي الشغيلة الحقيقين لكي يتسنى لها تحجيم دورها وحرف نضالها الطبقي وتمتعها بالحرية والديمقراطية كما هي الطبقات والفئات الاجتماعية الأخرى.

.

القسم الأول.

 

           نبذة عن تكوين النقابات وحتى حل الأممية

                    الأو لى 1876 والثانية

 

 لقد أعتبر " القرن السادس عشر البداية بشكل عام للنظام الرأسمالي " لا سيما في أوربا، ففي الحقبة التاريخية بين انهيار الامبراطورية الرومانية في القرن الخامس عشر وإلى التاريخ المذكور كانت التشكيلة الاقطاعية هي السائدة في اوربا وشملت أيضاً " مناطق اسيا كالصين والهند واليابان " لكن او أمعنا النظر في هذه المسألة لوجدنا أن جنين الرأسمالية نما في أحشاء  الاقطاعية قبل ذلك بقرون حيث تشعب في عمق النظام الروماني ، كما كانت الاقطاعية تستغل 95% من الفلاحين الذين يعملون في فلاحة الأرض، وكذلك اولئك الاقنان الذين هم أرقى قليلاً من العبيد حيث يعملون في أرض الاقطاعي ويعيشون في قطع صغيرة يزرعونها بانفسهم لبعبلوا اسرهم ولم يكونوا يتمتعون بأي حقوق ، وسجل التاريخ الكثير من انتفاضاتهم وتمرداتهم التي قاموا بها ضد الاقطاعية وجورها البشع.كما نلاحــــظ ان الجانب الآخر وفي المدن الاقطاعية المتباعدة " مراكز الانتاج اليدوي " التي لعبت دوراً بارزاً في تطـــــــور الرأسمالية التي كانت تضم الجمعيات الحرفية " والمشاغل اليدوية" مثل صانعي الأسلحة، والحدادين والصاغة وصانعي الأحذية والنساجين  وغيرهم.

ان هذه الجمعيات الحرفية يعود تاريخها إلى البدايات الاولى للاقطاعية وبجانب هذه المراكز كان شريحة التجار تنمو بشكل مضطرد وذلك من خلال تبادل البضائع بين المدن الاقطاعية، وقيام كبار التجار بتوسيع التجارة الرقيقية في افريقيا فحصلوا على مبالغ من المال هائلة جداً، واستعبدوا الزنوج بشراسة، ورحلوا قسماً منهم إلى أمريكا لبيعهم.

وكانت الرغبة الملحة تدفعهم إلى زيادة ارباحهم وتراكم ثرواتهم، فبنوا مدناً قريبة من الانهار الصالحة للملاحة، وكذلك سواحل البلطيق، والبحر الأبيض المتوسط، والادرياتيك، وأدى توسيع الأسواق الوطنية والعالمية إلى زيادة الانتاج وتوسعه ونشوء العديد من التجار الرأسماليين كما أدى المستوى الرفيع نسبياً للانتاج الصناعي إلى تراكم أموال هائلة بيد التجار والمرابين.. هذا التطور أسهم بوصفه عاملاً من بين عوامل أخرى في اضعاف التشكيلة الاجتماعية الاقطاعية، وظهرت إلى حيز الوجود عناصر رأسمالية، وبذلك فإن "الانتقال من نمط الانتاج الاقطاعي كان مزدوجاً: فصار المنتج التاجر الرأسمالي بعكس الاقتصاد الطبيعي الزراعي والعمل اليدوي المرتبط بصناعة القرون الوسطى، وكان ذلك هو الطريق الثوري فعلاً حيث قوي التاجر الانتاج بلا انقطاع .

ان هذه العملية مارسها "معلموا" الحرف الذين انتقلوا تدريجياً إلى صف الأغنياء فعملوا على توسيع الانتاج اليدوي " فطوروا الاتجاه الرأسمالي بذلك" كما عمل التجار الكبار على توظيف رؤوس أموالهم في سبيل زيادة أرباحهم.

وخلال القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر بدأ تفكك نمط الانتاج الاقطاعي وتطورت الثورة الصناعية في اواسط القرن الثامن عشر، وظهر هذا التطور جملة من الاختراعات "كمكائن النسيج، والمغازل ذاتية الحركة، والنول الذاتي الحركة، وماكنة حلاجة القطن وصهر الحديد والماكنة البخارية: وغيرها.

ان الثورات البرجوازية قد قامت ضد النظام الاقطاعي الذي كان يعرقل نومها وتطورها، فالرأسمالية لم ترض بأن تكون أسيرة القيود التي وضعتها الاقطاعية على أسواق دويلاتها، وكانت تتطلع ليس فقط إلى أسواق بلدانها إنما إلى أسواق بلدان أخرى. وتمت تصفية الاقطاعية عبر سلسلة من الثورات لأن الاقطاعية لم تترك سلطتها بسهولة، وتجدر الإشارة إلى مسألة في غاية الأهمية، بأنه لا توجد طبقة حاكمة تتنازل  عن سلطتها أو بشكل طوعي.

ان النظام الرأسمالي قام على أسس المِلْكية الخاصة لوسائل الإنتاج والأرض ، وأدى استغلال الطبقة العاملة بالضرورة إل زيادة أرباح الرأسماليين، وعلى هذا الأساس عملت الرأسمالية على انخراط أعداد كبيرة من الناس في العمل، مستعملة شتى السبل والاشكال: الخداع، أو الاحتيال أو الاجبار. وتوسعت الطبقة العالمة نتيجة توافد الافواج المتدفقة من الريف إلى المدينة من خلال عمليات التسريح الجماعي الذي قام بها كبار

 الإقطاعيين للفلاحين، ونزعت الملكية الخاصة بلا رحمة أو شفقة من المزارعين الذين يمتلكون قطعاً صغيرة من الأرض.

ان الرأسمالية أوجدت تلك العناصر الحية التي تزيد من تراكم أرباحها وفي الوقت نفسه جلبت على هذه القوى أشرس ما في التاريخ البشري من استغلال وبؤس وجوع. ومن ناحية أخرى فإن الرأسمالية نفسها أوجدت تلك القوى التي وقفت وستقف بالمرصاد لإنتزاع حقوقها الاقتصادية والسياسية مهما طال الزمن على استمرار الإستغلال.

 
جمعيات الحرفيين اليدويين
 

ان جمعيات الحرفيين اليدويين ظلت لعهود طويلة ذات وظائف مزدوجة، حيث كان الذين يعملون فيها منتجين مستقلين من جانب، وقاعدة للعمل المأجور من جانب آخر، فهم يشترون مواد الخام ويقومون بتصنيعها في أدوات عمل يملكونها، ثم يبيعونها كمنتاجات لهم، وهذا الوضع شكل عائقاً أمام تطور الرأسمالية، فابتكر الرأسماليون أساليب جديدة بتصفية المشاغل اليدوية، فحطموها بطرق عديدة وأقاموا " نظام التوزيع الحرفي أو الصناعة المحلية" ومارس التجار الكبار والأغنياء من " المعلمين" ضغوطاً شديدة على هذه الجمعيات وذلك من خلال سيطرتهم على مواد الخام، واشرفوا بهذا الشكل أو ذاك على مبيعات الكثير من الانتاج الحرفي، ولقد كان العامل الرئيسي لتطور الصناعة : تحويل الحرفيين إلى بروليتاريين، وبهذه العملية نما العهد المانيفاكتوري، وبمرور " عقود طويلة من السنين شكل مجموعات كبيرة " ليضعونهم تحت تصرف الرأسماليين لتشغيلهم، لقد كانت المانيفاكتورة عبارة عن تجميع العديد من العمال في مؤسسة كبيرة، ويقوم هؤلاء العمال بتصنيع البضاعة بأكملها " وفقاً لمبدأ تقسيم العمل" وهذا المبدأ يعني: أن كل عامل يقوم بتصنيع جزء من البضاعة أي لا تنجز البضاعة إلا بعد مرورها على التوالي في أدي العمال جميعهم.

ان مرحلة المانيفاكتورة بدأت اواسط القرن السادس عشر ، وانتهت بظهور الثورة الصناعية، وهي بالذات مهدت الطريق أما هذه الثورة في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، وعندما نتفحص عملية نشوء وتطور الرأسمالية نلاحظ الجانب الثاني من العملية، وهو نشوء وتطور الطبقة العاملة الملازم لها.

الحرفيون الذين تردت أحوالهم شيئاً فشيئاً أصبحوا لا يستطيعون الوقوف في وجه الأغنياء وكبار التجار، فانتقلوا يعملون وفق العمل المأجور في العهد الرأسمالي، إضافة إلى تحويل الفلاحين إلى عمال أجراء وفق القاعدة المذكورة، ولقد مورست ضدهم أنواع مختلفة من الضغوط والتهديد ، كطردهم من أراضيهم ومحاصرتهم فكان "أمامهم طريقان لا ثالث لهما، أما أن يتحولوا إلى عمال أجراء أو يموتوا جوعاً" كما أستخدمت الرأسمالية أيضاً وبفضاظة النساء والأطفال وجعلتهم أدوات لزيادة أرباحها، وهكذا ظهر أمامنا واضحاً: أن الرأسمالية ومنذ نشوئها كانت تحمل " تناقضاتها الخاصة، فهي لا

تستطيع البقاء أو التطور دون الطبقة العاملة"

كما أن الثورة الصناعية " لم تؤد إلى نشوء طبقة الرأسماليين الكبار فحسب بل ادت أيضاً إلى نشوء طبقة عمال أوفر عدداً بكثير وكانت هذه الطبقة تنمو عددياً بقدر ما كانت الثورة الصناعية تشمل فرعاً تلو الآخر من الانتاج، وكانت قوتها تزداد مع ازدياد عددها" وبالرغم من ثورية الرأسمالية بالنسبة للاقطاعية فان النظام الرأسمالي جائر ومستغل ولا يختلف مع الاقطاعية من حيث الجوهر أو الأنظمة الاجتماعية السابقة إلا من حيث الشكل والوسيلة ووسائل الانتاج التي تختص بها .