نقابة غميميط ترفض جملة وتفصيلا مقتضيات مسودة النظام الأساسي الخاص بموظفي التعليم


أحمد رباص
2023 / 7 / 28 - 08:55     

وجه المجلس الوطني الاستثنائي للجامعة الوطنية للتعليم/التوجه الديمقراطي من الرباط يوم 24 يوليوز 2023 نداء إلى الشغيلة التعليمية يدعوها فيه إلى رفض مشروع النظام الأساسي الجديد، الذي عبره تعتزم الدولة المغربية شن هجوم منظم على شغيلة القطاع.
من أهم دواعي هذا الرفض انخراط هذه الدولة، تبعا لإملاءات البنك الدولي وحلفائه، في مسلسل تنزيل مخططات تفكيك وتسليع المدرسة العمومية، تحت مسميات "الإصلاح".
وإذ تعي الجامعة الوطنية للتعليم/التوجه الديمقراطي بأن مشروع النظام الأساسي، الخاص بموظفي التربية الوطنية والمثير للجدل، جاء بدعوى ملاءمة القوانين مع "الإصلاحات"، تدرك أنها عكفت على بلورته من خلال اجتماعات ماراطونية في إطار لجنة تقنية مارست السرية والتكتم على الرأي العام التعليمي وغيره، وقدمت مسودة تم "تسريبها" على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي.
وتبني نقابة غميميط رفضها لهذه الوثيقة على مواقفها الواضحة والمنحازة لقضايا نساء ورجال والتعليم وعدم توقيعها على محضر اتفاق 14 يناير 2023 المشؤوم؛ الشيء الذي جعل الوزارة تمارس التمييز ضدها.
كما يأتي هذا الموقف الرافض في إطار تفاعل النقابة مع مضامين هذه الوثيقة، الصادرة يوم 3 يوليوز 2023، التي ارتكز تبويبها القانوني على مجموعة من القوانين والمراسيم، على رأسها القانون الإطاري 51-17، الموجه الفعلي الحالي لكل برامج وسياسات الدولة بقطاع التعليم، والناظم الفعلي لكل التراجعات في علاقتها مع مرفق التعليم العمومي.
وتبعا لذلك، أصبحت النقابة على وعي بأن هذا النظام الأساسي، المزمع إخراجه في بداية شتنبر 2023، يسعى إلى الانتقال الى نظام مبني على فلسفة التدبير المقاولاتي المرتكزة على تقليص النفقات (كتلة الأجور) وتكثيف الاستغلال (الزيادة في المهام) وبالتالي ترسيم الهشاشة وضرب الوظيفة العمومية، والتضييق على العمل النقابي المستقل والمكافح عبر التعامل الانتقائي مع الملفات العالقة بهدف تفصيل الخارطة الانتخابية المهنية المقبلة على المقاس وفرض نمط معين لتمثيلية الشغيلة التعليمية.
ومن منطلق متابعتها لمستجدات القطاع والنقاش العمومي المرافق لها، عقدت النقابة التعليمية مجلسا وطنيا استثنائيا عن بعد مساء يوم الجمعة 21 يوليوز 2023، دامت أشغاله خمس ساعات تم خلالها التداول في مضامين ومقتضيات مسودة مشروع مرسوم النظام الأساسي، والوقوف بالنقاش والتحليل على خلفياتها وأبعادها، ليخلص من ذلك إلى ملاحظات أولية منها أن هذا المرسوم لا يستجيب لتطلعات وانتظارات نساء ورجال التعليم ولكل العاملين والعاملات بوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة.
كما لاحظت النقابة أنه يلتف على المطالب المشروعة لكل الفئات المتضررة ولا يستجيب للملفات المطلبية ولا يعالج الملفات العالقة بصفة قطعية ومنصفة.
ولم يغب عنها تكريسه منطق السوق والتسليع بقطاع التعليم عبر نقل فلسفة تدبير القطاع الخاص إلى الوظيفة العمومية وقطاع التربية.
كذلك، سجلت عليه النقابة كونه يهدف إلى التنزيل الحرفي لإملاءات البنك الدولي والمؤسسات المانحة تحت يافطة "الإصلاحات" وبمبرر ملاءمة القوانين مع "إصلاح التعليم" ومع متطلبات السوق. كما لاحظت أنه يكرس مهننة الوظيفة العمومية والتخلص من نظامها وضماناته وترسيم الهشاشة وإقرار التعاقد والتوظيف الجهوي مع الأكاديميات كمؤسسات عمومية، وما يترتب عن ذلك من هشاشة واستغلال مفرط وقهر وعدم استقرار مهني واجتماعي، فصلا عن تحديد سقف سن التوظيف في 30 سنة وأقل.
وعابت نقابة غميميط على محرري هذه الوثيقة تفييئهم لنساء ورجال التعليم الى ثلاث هيئات بناء على معايير غير واضحة، ودون مكتسبات جديدة مع تناقضات واضحة بين التصنيف والمهام، مع إيهامهم بكذبة إحداث الدرجة الممتازة (خارج السلم) لأساتذة الابتدائي والإعدادي والملحقين (كما تم تفصيلها بالنسبة للمحالين على التقاعد فقط ابتداء من فاتح يناير 2023) والتي لا يمكن اعتبارها سوى "مُنَيْحَة" آخر الخدمة وبالتالي الالتفاف على مطلب الأثر الرجعي المالي والإداري وكذلك الشأن بالنسبة لأساتذة الزنزانة 10.
ومما تسجله النقابة على الوثيقة وضعها لمهام هلامية دون تحديد واضح للأطر المعنية بها مع ترك الصلاحية للإدارة لتبث في كل التفاصيل عن طريق مقررات ومذكرات وفق تأويلاتها وحسب حاجياتها، كما تبقي (الوثيقة) على نفس التعويضات الهزيلة المنصوص عليها في نظام 2003 ونفس الأرقام الاستدلالية بمهام إضافية جديدة.
ومن العيوب التي سجلتها التقابة على مشروع النظام الأساسي الجديد هناك تكريس سياسة التقشف تجاه نساء ورجال التعليم وتجاه القطاع، وإدراج إطار باحث دون تدقيق في طبيعة المهام المسندة، مع فرض شروط عقابية (المباراة، التدريب، التمديد..)، وهناك تخصيص "تعويضات" هزيلة عن ساعات عمل إضافية تقوم بها هيئة التربية والتعليم.
وعابت النقابة على الوثيقة حرمانها لعدة فئات من حقها في الترقي بالشهادة وفي التباري على مناصب المسؤولية، وتنصيصها على منع كل من استفاد من الحركة الانتقالية من المشاركة فيها لمدة سنتين كعقوبة تأديبية جديدة من الدرجة الثانية. كما أنها تجهز على مكسب الترقية من خلال ربطها بمؤشرات مقاولاتية (المردودية) مع المعايير الجديدة المعتمدة في التقييم السنوي، وليس فقط سنة الترقية، ومنها نتائج التعلم للتلاميذ التي لا يتحمل فيها الأستاذ وحده المسؤولية، بالإضافة إلى ربط الترقيات بإنجاز المهام وتحمِّل مسؤولية التردي العام للتعليم لنساء ورجال التعليم.
ومن الهنات التي لاحظتها النقابة على الوثيقة تهميشها دور اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء والإبقاء على كل العقوبات القاسية، وإقرار عقوبة العزل ضد ممارسة حق الإضراب التي ذهبت إلى تجريمها، وبالتالي تكريس الخضوع وتضخيم سلطة التأديب، سعيا لترهيب نساء ورجال التعليم، وثنيهم عن النضال والدفاع عن حقوقهم ومكتسباتهم.
ومن دواعي رفض الوثيقة بالنسبة إلى الجامعة الوطنية للتعليم/التوجه الديمقراطي، اعتماد التكوين المستمر ليس كسيرورة لتطوير الكفاءة المهنية، بل كمؤشر من مؤشرات تقييم الأداء والترقية واجتياز المباريات وولوج مناصب المسؤولية، وإجبار مختلف الأطر على التخلي عن مكتسباتهم من خلال اعتماد عقوبات تأديبية مشددة لتأثيرها السلبي على ترقيتهم ومسارهم المهني كالحرمان من الحركة الانتقالية ومن اجتياز الامتحان والحذف من جدول الترقي. يضاف إلى ذلك ترسيمها مهام تدخل في خانة التطوع، واحتواؤها على تراجعات ملموسة بخصوص الرخص القصيرة والمتوسطة وطويلة الأمد.
وفطنت النقابة إلى التلاعب بالمصطلحات بدل التدقيق فيها بخلفيات مؤطرة بالمرجعيات المعتمدة، وتكريس الحيف والإجحاف وعدم تكافؤ الفرص وغياب الإنصاف، وخلق ضحايا جدد. كما سجلت التفاف الوثيقة على الالتزامات والاتفاقات السابقة، وتملصها من الالتزام بتفعيلها، والإمعان في التسقيف التعسفي للمسار المهني والوضعيات الإدارية والمالية المجمَّدة للفئات التعليمية وبدون أي أفق. أضف إلى ذلك تغييب بشكل كلي لمطالب الأطر المشتركة (مهندسون، تقنيون، متصرفون، محررون) وللعاملين بمراكز التكوين. ناهيك عن إقصاء فئات ووضعها خارج النظام الأساسي كمربيي ومربيات التعليم الأولي وعمال وعاملات الحراسة والنظافة والإطعام المدرسي
بناء على ما سبق، يشجب المجلس الوطني للجامعة الوطنية للتعليم/التوجه الديمقراطي محاولات السرية والتعتيم المنتهجين في نقاش النظام الأساسي وامتداداته، ويعتبر ذلك سابقة خطيرة في التعامل مع الشغيلة من طرف الوزارة والإدارة والنقابات، ويستنكر ضرب الحق في المعلومة وتغييب النقاش العمومي، الذي يكتسي أهمية بالغة في الحياة المهنية إلى الشغيلة التعليمية بجميع فئاتها وإلى قضية التعليم العمومي ببلادنا. كما يؤكد على سمو النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية على باقي القوانين، باعتباره المصدر التشريعي الأساسي الذي يجب أن يصدر عنه أي نظام أساسي خاص بموظفي وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، بدل القوانين الأخرى التي تم التركيز عليها في المشروع (القانون الإطاري/ القانون القاضي بإخضاع الأساتذة وأطر الدعم المفروض عليهم التعاقد للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين...)، وبدل ملاءمته مع التراجعات المتسارعة.
على نفس الأساس، يطالب المجلس الوطني للتقابة الحكومة والوزير الوصي بالتفاعل الإيجابي مع مطالب مختلف الفئات التعليمية بما ينصفها ويضع حدا لضررها تبعا لملفاتها المطلبية العادلة والمشروعة. ويؤكد على ضرورة إدماج الأساتذة وأطر الدعم المفروض عليهم التعاقد في الوظيفة العمومية، وأن تسري عليهم المقتضيات التشريعية والمالية والتنظيمية الجاري بها العمل فيها. كما يؤكد على ضرورة التدقيق في مهام كل إطار بما يتناسب مع كل هيئة، مطالبا بالقطع مع منطق التقشف المسلط على قطاع التعليم والتعاطي مع قضاياه بالمقاربة المالية الضيقة، وذلك بالزيادة في الأجر الأساسي ومختلف التعويضات النظامية والتكميلية بما يتناسب والمهام ويتوافق مع غلاء المعيشة وبما يتلاءم مع القيمة الاعتبارية لنساء ورجال التعليم.
إلى ذلك، يرفض شرعنة الساعات التضامنية وترسيم الأنشطة التطوعية ضمن المهام، ويرفض رهن الترقي بالمؤشرات المقاولاتية وضمن معيار المردودية، ومنطق التشدد في العقوبات التأديبية بخلفية الترهيب والانصياع التام للإدارة.
ويؤكد الاستمرار في الانحياز لقضايا التعليم العمومي ببلادنا وقضايا العاملات والعاملين به وفي المساهمة في تنوير الرأي العام الوطني والتعليمي بالخلفيات المؤسسة لمشروع النظام الأساسي ومضامينه التراجعية.
وفي الأخير، يعلن عن رفضه التام لمضامين هذه الوثيقة "المسربة"، ويعتبرها إجهازا حقيقيا على المكتسبات والحقوق، وانتصارا لسياسة التقشف والتحكم، وتماهيا للحكومة مع إملاءات وتوصيات المؤسسات المالية الدولية في اتجاه التفكيك الفعلي للوظيفة والتعليم العموميين وتصفيتهما وتغليب منطق المزيد من الخوصصة ومنطق السوق والتسليع، ويعلن استعداد الـنقابة لخوض كل الأشكال الاحتجاجية دفاعا عن التعليم العمومي المجاني والموحد من الأولي إلى العالي وعن مطالب وحقوق العاملات والعاملين به، ويدعو كل القوى الحية والديمقراطية إلى تحمل مسؤولياتها التاريخية في الدفاع عن الوظيفة والتعليم العموميين والتصدي لمسلسل التشريعات التراجعية والتصفوية والتكبيلية التي يتم تعبيد الطريق لتمريرها وعلى رأسها المخطط التخريبي الجديد لأنظمة التقاعد والنظام الأساسي الجديد لمهننة قطاع التعليم ومشروع النظام التكبيلي للإضراب.