تونس: إحياء نواتات المقاومة القطاعية المستقلة هو المهمة الأولى في معركة قطاع التعليم الابتدائي الحالية


بشير الحامدي
2023 / 7 / 8 - 16:12     

ـ 1 ـ
قبل أشهر لا بل قل منذ وقع تفعيل الفصل 80 من دستور 2014 في 25 جويلية 2021 قلنا أن ضرب الاتحاد العام التونسي للشغل لن يتأخر وها أن المعركة ضدّه قد بدأت بعد أن كانت مجرد مناوشات من بعيد. لكن أن يصل الخلاف بين نقابة الابتدائي والسلطة إلى هذا الحد وفي مثل هذه الظروف مع الإشارة إلى تصريحات محمد علي البوغديري فذلك ايذان بأن هذا الذي يعدّ له قيس سعيد والدائرة المغلقة المحيطة به لا يستهدف في الحقيقة كاتب عام نقابة الابتدائي أو الطبوبي في شخصيهما بقدر ما يستهدف الحركة النقابية ككل وكل إمكانية انتظام حرّ مستقلّ.
لئن كان بورقيبة تعاطى مع الحركة النقابية "الاتحاد العام التونسي للشغل" كأحد أضلاع ما كان يسميه بالمنظمات القومية "اتحاد الصناعة والتجارة ـ اتحاد الفلاحين ـ الاتحاد النسائي" وحصر دورها في بتطبيق سياساته والدعوة له بوصفه الزعيم الذي سيرسو بسفينة تونس على بر الأمان عبر تلك السياسات واعتبر دائما أنه في صراع مع هذه المنظمة وهو ما دفعه في عديد المرات إلى مواجهات معها وبقي ينظر إليها دائما بوصفها جسما يمكن أن يخرج عن سيطرته وبالتالي لا يجب الاطمئنان إليه فإن بن علي سلك مع الاتحاد العام التونسي للشغل سياسة أخرى. لقد عمل على "أخذ القلعة من الداخل" وضمن بالتالي موالاة قيادتها وبلغ به الأمر حد أن لا قيادة تنتخب في مؤتمرات الاتحاد في عهده لا يكون له رأي في تركيبتها وفي الموافقة عليها. في العشر سنوات الماضية من حكم النهضة وحلفائها تغيرت سياسة التعاطي مع الاتحاد العام التونسي للشغل حيث شهدنا ومنذ بدايات 2011 سواء مع حكومة محمد الغنوشي الأولى أو الثانية أو فيما بعد حكومات الترويكا أو الحكومات التي جاءت عقب وفاق حركة النهضة مع حزب نداء تونس أو حتى بعد انتخابات 2019 مع حكومة إلياس الفخفاخ وحكومة هشام المشيشي تشريكا فعليا لبيروقراطية الاتحاد في الحكم مباشرة أو بصورة غير مباشرة تماشيا مع السياسة التي استثمرت فيها بيروقراطية الاتحاد: "دعم" الانتقال الديمقراطي واعتبار نفسها شريكا في الحكم يجب الاعتراف به وعدم تجاوزه.
مع قيس سعيد وبعد 25 جويلية تغيرت العلاقة مع بيروقراطية الاتحاد. فسعيد والحلقة المغلقة التي أحاطها بنفسه يخططون وينفذون سياسة سينسفون بها كل الجسور القديمة التي كانت تربط الحاكم ببيروقراطية الاتحاد. فهم وهذا من طبيعة أمور حكم المنظومات المستبدة المغلقة البوليسية معادون في الجوهر للحريات النقابية وليسوا حريصين كثيرا على أن يكون للحركات النقابية أي دور مستقل عنهم. والأمر ارتباطا بمنظومة الحكم التي على رأسها قيس سعيد متعلق بما هو أكثر من مجرد موقف من القيادة النقابية البيروقراطية الفاسدة المهيمنة اليوم إنه يتعداه لجوهر مشروعهم السياسي الذي لا يكون إلا استبداديا مانعا لكل انتظام نقابي أو قطاعي أو سياسي مستقل.
ـ 2 ـ
قيس سعيد يعلم أن الاتحاد العام التونسي للشغل ليس إتحاد عام 1978 ويعلم أيضا أن قيادته قيادة قد تهرأت ولا مستقبل لها ويعرف أنه قد لا يتوفر له وقت آخر ليخوض ضدها معركة كسر عظام وينتصر فيها.
قطاع التعليم الابتدائي اليوم قطاع هش ولكن ذلك لا ينفي أن به نسبة من المنتسبين قادرة على الذهاب بعيدا وخوض معركة حقيقية مع السلطة ولا يكون ذلك أو لنقل لن يحصل ذلك إلا بوعي جملة من الشروط لعل أبرزها وعي التناقض مع بيروقراطية المكتب المركزي وعدم التسليم لها بقيادة هذه المعركة وتسييرها.
الصفة النقابية والانتماء للقطاع يكفيان لقيادة هذه المعركة ومن يعتقد أن التغطي بشرعية النقابة العامة و الاتحاد عموما سيجعلان الحاكم سيحجم أو سيتراجع فهو واهم لأن السلطة بالعكس سيكون من السهل عليها ضرب هذين المكونين لكن سيصعب عليها مواجهة نقابيين جذريين بصفتهم النقابية المتباينة مع هذين الهيكلين.
وعي بهذه الصورة لا يقود في الحقيقة سوي لخوض هذه المعركة برايات الاستقلالية ... ليعرف الجميع أن من يطالب الان ويقاوم هم لا الهواشي ولا الطبوبي بل نقابيون مستقلون عنهما وفي نفس الوقت ضدهما وضد السلطة. بوادر هذا الوعي وتشكله التنظيمي موجودة نواتاتها الأولى وقد خاضت هذه النواتات معارك عديدة سنوات 2015 و 2016 حتى لـ 2019 . إحياء هذه النواتات في رأيي هي المهمة اليوم التي يجب أن يلتفت إليها أنصار المقاومة في القطاع فبها وبها وحدها يمكن التقدم أشواطا في ربح مساحات المقاومة وعزل النقابة الهواشية والبيت الطبوبي.
النجاح في هذه المعركة في تقديري يتجاوز الوصول لإذعان السلطة وجرها للتفاوض من حديد وعلى قواعد جديدة النجاح الحقيقي هو فرض هذا التوجه وبالتالي نزع فكرة أن الهواشي والطبوبي والدائرين بهم هم من يقاومون لأننا نعرف جميعا أن طبيعة المعركة ستتغير لو أن قيس سعيد والدائرة المحيطة به يشيرون مجرد إشارة إلى هؤلاء فسنراهم يأتون زاحفين على بطونهم.
الهواشي والطبوبي يعيان جيدا أن المعركة هي معركة مناوشات ولا يجب أن تكون معركة كسر عظام وسيحاولان تتفادى الذهاب بعيدا لأنهما يعرفان أنهما يمكن أن يخسرا كل شيء لسبب واحد على الأقل وهو أن سعيد والحلقة الدائرة به اليوم " ماهمش في وضع يفرض عليهم شدان العصا من وسط"
فمن أغلق باب البرلمان بسلسة ودبابة ووضع كل السلطات بيده وحول الوضع الاستثنائي لوضع دائم لن يتأخر في غلق مقرات الاتحاد مثلا أو إحالة قيادته على القضاء.
أخيرا لا تلتفتو كثيرا لمحمد علي الغديري فهو ليس أكثر من " صباب ماء على اليدين وببغاء بلاريش"
08 جويلية 2023