هل أصبح التنسيق النقابي الخماسي كاسر إضرابات شغيلة التعليم؟

شادية الشريف
2022 / 11 / 16 - 10:20     


أصدر التنسيق الخماسي لنقابات شغيلة التعليم العمومي بلاغا بتاريخ 14 نونبر 2022، مضمونه “إمهال الوزارة أسبوعا قبل خوض معارك النضال الوحدوي”.

صدر هذا البلاغ قبيل انطلاق إضرابات دعت إليها تنسيقيات المقصيين- ات، والزنزانة 10، ولجنة ضحايا النظامين أيام 15 و16 و17 نوفمبر 2022، والتحقت بها الجامعة الوطنية للتعليم- التوجه الديمقراطي بإعلان يومي إضراب 16 و17 نوفمبر 2022.

أثار هذا دينامية التحاق بالإضراب والاحتجاج من أسفل، إذ صدرت بيانات نقابية من فروع جهوية وإقليمية، والتحقت بالدينامية فروع تنسيقية أجراء التعاقد المفروض أصدرت دعوات للإضراب أو حمل الشارة.

تأتي هذه الدينامية قبيل مصادقة برلمان الواجهة على قانون مالية سنة 2023، الذي يبقي نفس التوجهات التقشفية في ما يخص مطالب الشغيلة ومفقَّري- ات البلد، بينما يفتح الصنبور بإسراف عندما يتعلق الأمر بالأجور السمينة لكبار الموظفين- ات ودعم مالي سخي للمقاولات الخاصة والحفاظ على خدمة الدين الداخلي والخارجي.

ساهمت القيادات النقابية في إثارة هذه الدينامية. فبعد إعلان أن “الحوار القطاعي وصل إلى الباب المسدود”، انبعثت موجة انتقاد من أسفل تتناول نهج التعويل على الحوار، الذي أفضى في نهاية المطاف إلى لا شيء. تفاعلت القيادات النقابية مع موجة الانتقادات هذه بموجة مضادة مفادها: “ماذا تنتظرون من حوار غير مسنود بنضال”، وأعلن يونس فيراشين أن “300 ألف موظف يجب ان يتحول إلى قوة العدد”.

لكن، القيادات النقابية المصرة على نهج الحوار، أصيبت بالذعر من هذه الدينامية المنطلقة من أسفل. لذلك صدر بيان الخماسي مانحا للوزارة مهلة أسبوع قبل خوض النضال الوحدوي.

أليس ما تخوضه شغيلة التعليم هذا الأسبوع بداية نضال وحدوي؟ ألم تعلن ثلاث تنسيقيات إضرابا واحتجاجات بالمركز، والتحقت بمبادرتها فروع نقابية وفروع تنسيقيات أخرى؟ لماذا إذن منح الوزارة مهلة أسبوع؟ ماذا سيتغير في هذا الأسبوع من المحاور الكبرى لهجوم الدولة، وعلى رأسها التقشف الحاكم بتقتير التنازلات التي كانت القيادات النقابية تتمنى تلقيها مقابل مشاركتها في أكبر تعدِّ في تاريخ شغيلة التعليم: النظام الأساسي الجديد؟ نظام أساسي يكرس التوظيف الجهوي ويغرس معايير المردودية مع فتات (ترقيات مع تضييق معاييرها) يسهل استرداده.

ألم يكن من الأولى أن تبادر قيادات الخماسي إلى مركزة الإضرابات المنطلقة من أسفل بالدعوة إلى إضراب عام يشمل كل شغيلة القطاع، عوض التفرج عليها بإعلان التضامن الكلامي في البيانات ومنح الوزارة مهلة أسبوع؟ إن منح مهلة أسبوع للوزارة في عز دينامية إضرابية من أسفل ما هو إلا طعنة في ظهر من أعلن ذلك الإضراب.

ينطوي البلاغ على أمنية راسخة لدى قيادات الخماسي، أمنية أن ترتعب الدولة بدورها من الإضرابات المنفلتة من الضبط البيروقراطي، وتقوم بمنح ما التزمت به من فتات (ترقيات وتسويات لوضعيات إدارية… إلخ). لذلك فإن قيادات الخماسي ببلاغها هذا، تقول للوزارة لديك أسبوع كي تتحملي مسؤوليتك في الإفراج عن الفتات كي تتمكني من إفراغ الشارع وإنهاء احتقان. بئس القيادة تلك.

إن تحميل بلاغ الخماسي الوزارةَ والحكومةَ “المسؤولية الكاملة في ارتفاع منسوبي الاحتقان”، دليل اعتبار هذا الخماسي الإضراب “احتقانا” يجب تخفيفه بتجاوب الوزارة لمطالب الشغيلة. لا تعتبر هذه القيادات النضال والإضراب وسيلة لتحقيق المطالب وردِّ التعديات بل شيئا مذموما يجب السعي للقضاء عليه داخل القطاع. ومن هنا توقيع هذه القيادات على اتفاق 18 يناير 2022، حيث التزمت بسلم اجتماعي لحدود الساعة، ولا تزال تصر على تمديد ذلك السلم، برفض الانخراط في إضرابات هذا الأسبوع، ومنح الوزارة مهلة.

تحافظ القيادات على نفس المنظور للإضراب كونه “أبغض الحلال”، وهي الصيغة الشهيرة لعبد الغني الراقي الكاتب الوطني السابق للنقابة الوطنية للتعليم- كدش. ورد في بلاغ الخماسي: “وكما آمنت النقابات التعليمية الخمس بالحوار، وحاورت من أجل بناء الحلول وأجرأة النتائج، فإنها تؤمن إيمانا راسخا بالنضال بديلا”. إنه تهديد أجوف لا تعيره الدولة أدنى انتباه، وهي المتأكدةُ من قوة الأواصر التي تشد هذه القيادات إلى جهاز الدولة (جيش المتفرغين، التمثيلية الانتخابية وما تتيحه من ولوج إلى مؤسسات الدولة.. إلخ)، وأيضا تأكد الدولة من أن هذه القيادات مرعوبة من أي دينامية نضالية قادمة من أسفل قد تُربك تكتيكها القائم على التماس الحوار ومأسسته.

كل هذا الضجيج الاستسلامي المغطى بعبارات نضالية لا يخفي غاية القيادات النقابية منه: الإسراع بإصدار النظام الأساسي الجديد [النقطة 3 من بلاغ الخماسي]. لم تخفِ الدولة يوما أن غاية هذا النظام الجديد هو نقل نمط علاقات الشغل القائمة في القطاع الخاص إلى الوظيفة العمومية. هكذا تطالب قيادات تنظيمات الشغيلة من الدولة الإسراع بذبح الشغيلة عبر زرع آليات تدبير الموارد البشرية المستقدَمة من القطاع الخاصة في تشريعات شغل قطاع التعليم العمومي.

انفردت الجامعة الوطنية للتعليم- التوجه الديمقراطي بإعلان إضراب يومي 16 و17 نوفمبر، ولكن توقيع قيادتها على بلاغ الخماسي، سيضع مناضلي- ات الجامعة في حيص بيص. فكيف يعبئون لإضراب وحدوي، في حين أن قيادتهم- هن تمنح الوزارة والحكومة مهلة أسبوع قبل خوض النضال الوحدوي. ليس هذا إلا تفضيلا من الجامعة الوطنية للتعليم للمناورات البيروقراطية على سُبُلِ النضال، وهو ما يتوافق مع تفضيل قيادة الجامعة للحوار والمطالبة بمأسسته وكونه سبيلا لتلبية مطالب الفئات التعليمية. بهكذا أسلوب تنتفي الفروق بين قيادة الجامعة وبقية القيادات النقابية، فروق تصر قيادتها دائما على إعلانها على رؤوس الأشهاد.

تقع مهمة عظيمة على عاتقنا، نحن المناضلون- ات داخل الفروع الإقليمية والجهوية وداخل التنسيقية، لقطع الطريق أمام هذا السلوك المتخاذل لمن يتربعون على عرش تنظيمات نضالنا. لا تؤمن هذه القيادات بالنضال الوحدوي، وحين تصرح به يظل شعارا فارغا، وتلهية لامتصاص ما يعتمل في صفوف الشغيلة من استعداد لذلك النضال.

علينا تمتين التنسيق من أسفل وتمتينه بزرع بنيات التنظيم الخاصة بالشغيلة داخل أماكن العمل: لجان مؤسسات، جموع عامة تجمع كل العاملين- ات داخلها بعيدا عن أسوار الفئوية. يمكن داخل كل قرية أو مركز حضري أن يقوم المناضلون بإنشاء مجالس مناضلي- ات المؤسسات المدرسية وطرح الملفات المطلبية وسبل النضال والتنسيق. هكذا سنُرغم القيادات النقابية المركزية إما على الالتحاق بركب النضال أو التخلي عن نفاق مناصرة مصالح ونضالات الشغيلة.

ما يهمنا حاليا هو الحفاظ على هذه الدينامية المنبعثة من أسفل وتعظيمها وتمتين أواصر التنسيق والوحدة، التي أصبحت في ذهن العديد من الشغيلة ترياق مشاكلها. سيؤدي إطفاء هذا الاستعداد إلى فقدان شعار “الوحدة النضالية” لبريقه ومصداقيته، وهو ما تسعى إليه القيادات النقابية، بردف “منح الوزارة مهلة” بـ”قبل خوض النضال الوحدوي”.

علينا أن نضع هدفا لهذه الدينامية: استغلالها للمزيد من التعبئة وإيقاظ أقسام أخرى من شغيلة القطاع (هيئات التدريس والإدارة والدعم الاجتماعي، التربية غير النظامية، عمال- ات الحراسة والنظافة والإطعام والإيواء…)، وضمان انخراطها في إضرابات ونضالات إعدادية لمحطة مركزية موازية ليوم طرح قانون المالية في البرلمان: إضراب عام موحد وإنزال مركزي أمام البرلمان.

طبعا ليس هذا مهمة محصورة في شغيلة قطاع التعليم وتنظيمات نضالها، بل عليها أن تشمل نقابات وتنسيقيات باقي قطاعات شغيلة الدولة والوظيفة العمومية، وعلى رأسها شغيلة الصحة والجماعات المحلية، وغيرها من القطاعات التي بلغ فيها تفكيك تشريعات الشغل مستوى متقدما.

علينا مد التنسيق النضالي ليشمل شغيلة هذه القطاعات ونقاباتها، ففقط هذا النضال الموحد والممركز هو القادر على إجبار الدولة على الاستجابة لمطالبنا ورد التعديات التي تُعدها.

يثير هذا إحدى أهم مهمات اليسار داخل النقابات والتنسيقيات. لحدود الساعة ليس هناك يسار نقابي منظم. ولكن هناك أفراد ونُوَى يسارية في هذه النقابة أو تلك. بعضها لا تكتيك مستقل له عن البيروقراطيات النقابية، ولكنه يُعلن انتسابه إلى المشروع التاريخي للطبقة العاملة: التحرر من الاستغلال الرأسمالي. إما أن يفي هذا اليسار بعلة وجوده داخل النقابات أو يكون مساهما في إحدى أكبر الهزائم التي ستلحق بشغيلة الوظيفة العمومية: تفكيك تشريعات الشغل الضامنة للاستقرار المهني وتعويضها لأنظمة جديد زارعة للمرونة وأشكال الاستغلال المفرطة.