إلى متى يتواصل تحميل الأزمة الى العمال وعموم الكادحين؟


علي المالكي
2022 / 11 / 1 - 21:47     

لم تحدث الثورة التونسية تحولات جذريّة في أوضاع الشعب التونسي سياسيّا واجتماعيّا واقتصاديّا وثقافيّا وحقوقيّا، بسبب ضعف التنظيم الثوري والعامل الذاتي اي القيادة المركزية التي تعبئ الشعب وطنيا وجهويا ومحليا، افقيا وعموديا حول برنامج ثوري يلبي الانتظارات الحقيقية للمجتمع التونسي مما أتاح للقوى المعادية للثورة بدعم من القوى الخارجية ان تلتف عليها وتواصل في تنفيذ نفس الخيارات القديمة بيافطات جديدة، وإن من يبحث عن مناخ اجتماعي سليم عليه أن يتخذ إجراءات عاجلة لتخفيف آلام الناس، لا أن يطالبهم بمزيد تحمّل المتاعب .
فهل سيعلن غلاء الأسعار هدنة؟ وهل ستعلن البطالة هدنة؟ وهل سيعلن التهرّب من دفع الضرائب هدنة؟ وهل ستعلن سياسة التسول والتداين هدنة؟ وهل سيعلن الاعتداء المستمرّ على حقوق الشغيلة هدنة؟
تكتسي الأزمة الاقتصادية للنظام الرأسمالي الإمبريالي طابعا عاما. فهي نتاج طبيعة هذا النظام ولا يمكن تاريخيا أن يوجد لها حلّ دون وضع حدّ للنظام الذي أفرزها ودون أن يحلّ محلّه مجتمع الشغالين أي المجتمع الاشتراكي.
وخلافا لما يذهب إليه المحلّلون الاقتصاديون البورجوازيون من أنّ الأزمة بلغت القاع وأنّ هناك بداية انتعاشة اقتصادية، فإنّ مختلف المؤشرات تبيّن أنّ الأزمة متواصلة وأنّها ما تزال فاعلة بقوّة في اقتصاديات البلدان الرأسمالية الأكثر تقدّما و في البلدان التابعة أيضا. ويمثـل العمال في جميع هذه البلدان ضحاياها الرئيسيين وتشترك الحلول التي تطبّقها البورجوازية في كل بلد من أجل تخطّي الأزمة في السعي إلى إلقاء تبعاتها على كاهل الشغالين والشعوب. وفي هذا السياق تطبّق سياسات تجمع بين إجراءات ذات طابع نيوليبرالي وأخرى تنتمي إلى صنف الإجراءات الحمائية وتخلق الاعتقاد بعودة الكاينيزية. غير أنّ كلّ هذه الإجراءات ليس لها من هدف إلاّ الدفاع عن الرأسمال الكبير وعن مالكيه أصحاب المجموعات المالية والصناعية الكبرى. وفي ظرفية الأزمة تسعى القوى الامبريالية إلى تصفية حساباتها فتشحذ من حدّة المواجهة بين الدول الامبريالية وتفاقم من خطر الحرب. وبالفعل فإنّ وجود قوّاتها العسكرية في مختلف أصقاع العالم يستجيب لهدف اكتساح أسواق جديدة واقتسام العالم من جديد.
ومن ناحية أخرى يضخم آلاف العمال صفوف العاطلين عن العمل كما هو الشأن بالنسبة للمزارعين الذين يجبرون على مغادرة أراضيهم بحثا عن الغذاء ولكنّهم لا يجدون في أحسن الأحوال سوى قلّةٍ الشغلَ والهجرة علاوة على الفقر واليأس. ليس للعمال مسؤولية في الأزمة وليس عليهم تحمّل تبعاتها. فليتحمّلها المسؤولون عنها: القوى الامبريالية وأصحاب البنوك ومالكو رأس المال. غير أنّ الطبقة العاملة والشعوب تأبى الاستسلام أمام هذه الوضعية. فهي تقاوم وترفرف أعلامها في كافة القارات كلّ يوم وبأكثر قوّة.
وبينما تتفشى المجاعة في أنحاء عديدة من العالم فإن القوى الامبريالية تعمل على تحطيم اقتصاديات البلدان التابعة وتنهب مواردها الطبيعية وكذلك تضارب في أسعار المواد الغذائية والمواد الأوليّة وتتسبّب في التأخّر والركود. كما أنّ البورجوازية العالمية بجشعها وبسعيها إلى الهيمنة على الأسواق وعلى العالم تسبّبت في تحطيم الوسط الطبيعي ومع ذلك نجدها تتظاهر بإقرار إجراءات لحماية البيئة…
إنّ الغضب يعمّ العمال والشعوب الذين يدعون إلى النضال المباشر لمواجهة الأزمة والمتسبّبين فيها وما ينتج عنها. ويجانب الصواب كلّ من يقول إنّه يمكن مواجهة الأزمة والمحافظة على حقوق الشغالين بتعديل العلاقات الاجتماعية على نحو أفضل أو بدمقرطة العلاقات الدولية فهم يسعون إلى صيانة مصالح المجموعات الصناعية والمالية.
فالرأسمالية تمرّ بأزمة كبيرة وهي الأزمة الأكثر خطورة والأكثر حدّة التي عرفتها البشرية خلال القرن الاخير. وفي المقابل فإنّ الرأسمالية ليست على أبواب الانهيار فهي قادرة على التعافي. غير أنّ قوّة العمال والشعوب أكثر بأسا إذا نحن وحّدنا صفوفنا للقضاء عليها …
وفي تونس مما لا شك فيه أن الاختيارات الاقتصادية المتبعة هي اختيارات رأسمالية تخدم مصالح أقلية طبقية جشعة متعفنة لا هم لها إلا تكديس الأرباح وهذه الأقلية هي التي رسمت وفقا لمصالحها الخاصة توجهات الدولة منذ انتصابها سنة 1956. وعلى اعتبار أن هذه الاختيارات هي اختيارات رأسمالية فإنها لا تلبي مشاغل كل المجتمع، بل مشاغل جزء ضئيل منه. أما الأغلبية فلا نصيب لها سوى بيع قوة عملها وتسخير كل جهدها لتنمية اقتصاد ليس في خدمتها بل في خدمة البورجوازية الكبيرة العميلة. إن نصيب عموم الشعب من الثروة هو نصيب خفي حنين و”الداخل في الخسارة والخارج من الربح”.
فالشعب مطالب دائما بتحمل تبعات برامج لم يعط رأيه فيها ولم يقررها وعندما يتعلق الأمر برسم التوجهات والسياسات العامة والخصوصية للدولة فإن الشعب بفعالياته المختلفة، أحزاب وجمعيات ونقابات وكفاءات، مغيب دائما. والبرلمان القادم لن يكون إلا صوريا كالبرلمانات السابقة ومهامه تزكية وبالإجماع دائما “ما يأتي من فوق”. والوزراء والمجالس والهيئات وكل الهياكل المعنية لا دور لها سوى التطبيق الحرفي لما يصدر لها من تعليمات وأوامر. وهنا لا بد من ملاحظة أن الأوامر والتعليمات في الحقيقة لا تصدر عن الدولة ذاتها بل عن راسمي توجهات الدولة وهم “سادة العالم” في البنوك والصناديق المالية العالمية وكبريات الاحتكارات التي تحدد توجهات الدول التابعة وتملي عليهم حرفيا برامجها وعليهم الامتثال أو يشالون من كراسيهم. فالبرنامج العام للدولة في تونس والمسمى زيفا “برنامج الإصلاح الهيكلي” والمطبق في بلادنا منذ سنة 1986 والتي تواصل الحكومات المتعاقبة التمسك به والسير على منواله هو في خدمة الاستعمار الجديد ووكلائه في الداخل. فعدد الأثرياء في تونس ارتفع بنسبة 16.2% مقارنة بسنة 2012، ليبلغ عدد الذين يملكون ثروات تفوق المليارات 70 شخصا ويتصدّر قائمة الأثرياء 25 مهرّبا وتقدر ثروتهم معا بـتسعة مليارات دولار (أي أكثر من 25مليار دينار تونسي). وقد كشفت وثيقة رسمية نشرتها وزارة المالية بتاريخ 25 ديسمبر 2021 أنّ ديون تونس بلغت 102,1 مليار دينار (35 مليار دولار) حتى نهاية أكتوبر 2021، وهو رقم قياسي لم تسجله البلاد من قبل، حيث وصلت الديون إلى نحو 81,47% من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن كانت في حدود 67,9% عام 2019. فيما بلغت خدمة الدين 11.3 مليار دينار نهاية أكتوبر 2021 ومن المتوقع ارتفاع الدين التونسي إلى ما يزيد على 100% من الناتج المحلي الإجمالي العام في نهاية 2022. بعد أن كشفت وثيقة مشروع قانون المالية أنّ حكومة نجلاء بودن تنوي اقتراض 23 مليار دينار سنة 2022. كما كشفت وثيقة رسمية للبرنامج الاقتصادي لحكومة نجلاء بودن، عن اتجاه لخفض الإنفاق العام وزيادة النمو عبر حزمة إجراءات ضريبية، وزيادة في أسعار الطاقة والتخلي النهائي عن الدعم، وتثبيت كتلة الأجور، بحيث تُطبَّق مع بداية العام الجديد .
وزد على ذلك أن تونس على حافة الافلاس مع ارتفاع الأسعار عند الاستهلاك خلال شهر سبتمبر 2022 بنسبة 1,1% مقارنة بشهر اوت الفارط وارتفاع نسبة التضخم الى مستوى 9,1% مع ارتفاع الصادرات خلال الأشهر الثمانية الأولى من سنة 2022 بنسبة 24,4% وارتفاع الواردات لنفس الفترة بنسبة 34% فيما بلغ العجز التجاري 16.9 مليار دينار أي حوالى 5.32 مليار دولار.
وفي المقابل شباب وعائلات تغادر البلاد عبر قوارب الموت ، ومآتم في كل حي، والأوساخ والنفايات بكل المدن والولايات والحاكم بأمره ينفق المليارات من أجل استكمال ركائز حكمه الفردي وليذهب العمال والفلاحون والعاطلون والمعطلون عن العمل والفقراء والمهمشين والمحتاجين إلى الجحيم، فلا أفق في التشغيل غير التشغيل الهش ولا أفق في حماية المقدرة الشرائية غير الترفيع في أسعار المواد الاستهلاكية في انتظار الرفع النهائي للدعم تنفيذا لتوصيات بنوك النهب الدولية من أجل المزيد من الامتيازات للرأسمال المحلي والأجنبي المتعفن … مليارات أنفقت على استشارة فاشلة ولا أحد يعلم تكلفتها الحقيقية إلى حد هذه اللحظة، وأكثر من 50 مليارا انفقت من أجل تنظيم استفتاء على دستور بجلباب عبد الرحمان بن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ويوسف القرضاوي وتقريبا 70 مليارا ستنفق من أجل انتخاب برلمان المعتمديات بنكهة الكناطرية والعروشية والمال الفاسد وغواصات النهضة والتجمع.
إن سياسة الشعبوي قيس سعيد وحكومته لم تحقق لشعب تونس سوى مزيد من الفقر ومزيد من الحرمان. أضف إلى ذلك فإن “تطهير” المؤسسات وطرد العمال بصدد التضاعف. والمقدرة الشرائية للمواطن لم تشهد تدهورا كالذي عرفته في عهد الشعبوية وعشرية حكم الاخوان وهي نتيجة منطقية لتحرير الأسعار وتجميد الأجور. إن المواطن العادي أصبح يعي أن سبب فقره وبؤسه هو توجهات الدولة بعد أن أدرك أن لا شيء يجعل بعض المواد الفلاحية مثل الأعلاف الزيت والسكر والدواجن والحليب والغلال والخضر تطير أسعارها وتختفي أحيانا من السوق.
إن حكومة لا تحترم مواطنيها ليست جديرة بالاحترام ونحن في #حزب_العمال نرفض تحميل الشعب تبعات اختيارات تولد البطالة والفقر والتهميش، وتخلق مناخا مواتيا لتفاقم الجريمة والمخدرات والتهريب.

#فليتحمل_الأزمة_المتسببون_فيها
#تسقط_الشعبوية
#الجمهورية_الديمقراطية_الشعبية_هي_الحل