نهاية الطبقة العاملة؟


دلير زنكنة
2022 / 10 / 10 - 08:34     

بيتر ميرتنز ، رئيس حزب العمال البلجيكي (PTB)

نسمع المزيد والمزيد عن نفس الحكاية : لقد غيرت تكنولوجيا المعلومات وعلوم الاتصالات الإنتاج تمامًا. معظم البلدان المتقدمة تتجه نحو اقتصاد الخدمات أو مجتمع ما بعد الصناعة. في أوروبا ، يعمل 66٪ من السكان العاملين في الخدمات. في الولايات المتحدة يصل هذا الرقم إلى 79٪. [1]
بسبب هذا التغيير في تكوين الطبقة العاملة ، لم يعد بإمكاننا الاستمرار كما فعلنا من قبل ، كما يقول الفيلسوف الإيطالي أنطونيو نيغري Antonio Negri: "أنا أكره الأشخاص الذين يقولون: إن الطبقة العاملة ماتت ولكن الصراع مستمر. لا. إذا ماتت الطبقة العاملة - وهذا صحيح - فإن النظام بأكمله المرتبط ببعضه البعض من خلال ميزان القوى هذا يدخل في أزمة ". [2]

التناقض بين العمل ورأس المال

ولدت الطبقة العاملة مع الرأسمالية. في القرنين السادس عشر والسابع عشر ، في مرحلة التراكم الاولي ، تم ربط شرطين مهمين بتطوره. كان لابد من تراكم ثروة كافية لإنشاء شركات رأسمالية: رأس المال. كان لابد أيضًا من توفر عدد كافٍ من القوى العاملة: الأشخاص الذين ليس لديهم أي ممتلكات أو دخل آخر ، يضطرون إلى بيع قوتهم البشرية. بسبب التصنيع في نهاية القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر ، تشكلت الطبقة العاملة وبدأت في النمو: كان هناك تدفق مستمر من طبقة المزارعين المفلسة ومن العمال اليدويين. إلى جانب تطور الرأسمالية ، كان هناك أيضًا نمو في جيش الاحتياطي الصناعي للعاطلين عن العمل.

في بداية القرن العشرين ، بدأت الاحتكارات الرأسمالية الكبيرة في السيطرة على مختلف القطاعات في كل بلد. اليوم ، بعد قرن من الزمان ، لم تعد هذه الاحتكارات تحكم هذه القطاعات على نطاق وطني فقط، ولكنها تفعل ذلك حتى على نطاق عالمي. أدى الاندماج و الاستحواذ على الشركات المملوكة للدولة إلى تركيز هائل خلال العقود الماضية. تتحكم بعض الشركات عبر الوطنية (TNC) في قطاعات الاقتصاد العالمي. لم يسبق في التاريخ أن كان هناك الكثير من الناس يعملون على منتج واحد ، سواء كانت هذه سيارة أو طائرة أو مشتقات بنزين. هناك ما بين ربع مليون ونصف مليون شخص يعملون في كل من أكبر عشرين شركة عبر وطنية.

لم يسبق في التاريخ أن كان هناك هذا العدد القليل جدًا من الشركات المتحكمة في السوق: هناك ثلاثة في قطاع البترول ، وستة في صناعة السيارات ، واثنتان في سوق الذُرة ، وأربعة في سوق فول الصويا ، وستة في الكيمياء الزراعية ، واثنتان في مجال الطيران المدني.
لكن هل التناقض بين العمل ورأس المال "وصل إلى أزمة" ، بمعنى أنه اختفي ، كما يلمح أنطونيو نيغري؟ لا ، على عتبة القرن الحادي والعشرين أصبح التناقض بين العمل ورأس المال عالميًا.

وهذا يجعل العالم جاهزًا لطريقة إنتاج أخرى ، وهي الاجتماعية . "عندما يصبح مشروع كبير هائلا و ينظم، بصورة منهاجية على اساس مراعاة دقيقة للمعلومات العديدة ، تقديم ثلثي أو ثلاثة أرباع كامل المواد الخام الضرورية لعشرات الملايين من السكان؛ عندما يتم نقل المواد الخام بطريقة منهجية ومنظمة إلى أنسب أماكن الإنتاج ، والتي تقع أحيانًا على بعد مئات أو آلاف الأميال من بعضها البعض ؛ عندما يوجه مركز واحد جميع المراحل المتتالية لمعالجة المواد حتى تصنيع العديد من الأصناف الجاهزة ؛ عندما يتم توزيع هذه المنتجات وفقًا لخطة واحدة بين عشرات ومئات الملايين من المستهلكين (تسويق النفط في أمريكا وألمانيا من قبل صندوق النفط الأمريكي) - يصبح من الواضح أننا ازاء اكتساب الانتاج للصفة الاجتماعية ، وليس مجرد "تشابك".
" فإن علاقات الاقتصاد الخاص و الملكية الخاصة تشكل قوقعة لا تتلائم مع المحتوى ، و من شأنها أن تتعفن حتما إذا تأخر إزالتها بشكل مصطنع ، و يمكنها ان تبقى في حالة التعفن زمنا طويلا نسبيا ( في أسوأ الأحوال ، اذا ما طال زمن الاستشفاء من البثور الانتهازية) ، ولكنها مع ذلك ستزول لا محالة ". هذا ما كتبه لينين عندما حلل الإمبريالية.[3]

القوقعة اليوم هي علاقات الإنتاج الرأسمالية: تمتلك بضعة آلاف من العائلات أكبر ألف شركة عبر وطنية كملكية خاصة لها ، وتتحكم تقريبًا في كل الإنتاج العالمي. وبهذه الطريقة ، يسيطرون أيضًا بشكل مباشر أو غير مباشر على عمل حوالي مليار شخص يبيعون قوتهم البشرية ، مع اعتماد جميع أسرهم على ذلك. كما أنهم يتحكمون في التكنولوجيا والاتصالات والنقل والتنظيم باعتبارها ملكية خاصة لهم. إنهم يتحكمون في كل هذا ، ليس من أجل التنمية الاجتماعية أو التقدم الاجتماعي ، ولكن من أجل تعظيم أرباحهم الخاصة. وهذا يعني أن الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج (الشركات والأراضي الزراعية ووسائل الاتصال والنقل) أصبحت أكبر عائق أمام التقدم الاجتماعي للبشرية.

هل حفارو القبور ماتوا؟

أي قوة في المجتمع ستكون قادرة على كسر هذه القبضة الخانقة على الإنتاج وعلى الحياة نفسها؟ كان احد العناصر الأساسية الذي أدخله كارل ماركس وفريدريك إنجلز في نقابات العمال الوليدة فكرة أن الثورة الاجتماعية يمكن أن تكون فقط من عمل الطبقة العاملة نفسها. إن "حفاري القبور" في نظام الاستغلال هذا هم العمال أنفسهم ، بحسب ماركس وإنجلز في بيانهم الشيوعي. هل مات حفارو القبور اليوم؟

الجدول 1. النسبة المئوية للعمالة في الزراعة والصناعة والخدمات في العالم
—————————————————————
سنة ——— زراعة ——— صناعة ——— خدمات
—————————————————————
1950 ——— 67 ——— 15 ——————18
—————————————————————
1970 ——— 56 ——— 19 —————— 25
—————————————————————
1980 ——— 53 ——— 20 —————— 27
—————————————————————
1990 ——— 49 ——— 20 —————— 31
—————————————————————
2000 ——— 46 ——— 20 —————— 34
—————————————————————
2006 ——— 38.7 ——— 21.3 ————– 40

المصدر: منظمة العمل الدولية ، تقرير العمالة العالمية 2007 ، والمفوضية الأوروبية ، العمالة في أوروبا 2004.

يشير تقرير اتجاهات العمالة العالمية الصادر عن منظمة العمل الدولية إلى أن الخدمات قد تجاوزت الزراعة لأول مرة في تاريخ البشرية: "في عام 2006 ، تفوقت حصة قطاع الخدمات من العمالة العالمية على الزراعة للمرة الأولى ، حيث ارتفعت من 39.5 في المائة إلى 40 في المائة. انخفضت الزراعة من 39.7 في المائة إلى 38.7 في المائة. وشكل قطاع الصناعة 21.3 في المائة من إجمالي العمالة ".
تسلط البيانات الواردة في الجدول 1 الضوء على ثلاث حقائق. أولاً: تقلصت العمالة في الزراعة خلال النصف الأخير من القرن من 67 في المائة إلى 38.7 في المائة. يتم تدمير الطبقات الزراعية. في أوروبا ، استمرت هذه العملية منذ ثلاثة قرون. اليوم ، هذه العملية تتطور في جميع أنحاء العالم.

ثانياً ، هناك زيادة في التوظيف في "الخدمات". سنعود إلى هذا لاحقًا.

ثالثًا ، نشهد ركودًا وحتى زيادة طفيفة في العمالة في القطاع الصناعي على المستوى العالمي. وذلك نتيجة انخفاض العمالة الصناعية في الدول المتقدمة وازديادها في أماكن أخرى. [4]

من الأفضل التمييز بين القطاع الاولي والثانوي والثالث. يرمز القطاع الأولي ، الى الزراعة ، إلى الاستخراج من الطبيعة. القطاع الثانوي ، الصناعة ، و يرمز إلى تحويل الطبيعة. والقطاع الثالث للبقية. في الوقت الحاضر ، يتم تصنيف الكثير من القطاعات التابعة للقطاع الثانوي على أنها "خدمات". ينتج عن هذا خلق صورة مشوهة.

علاوة على ذلك ، فإن هذه الإحصائيات لا تأخذ في الاعتبار علاقات الملكية. يُصنف أصحاب الاراضي الكبيرة ، وكذلك صغار المزارعين المستقلين والعمال الزراعيين على أنهم جميعًا مزارعون. بنفس الطريقة ، يتم تصنيف رواد الأعمال والمديرين التنفيذيين والعاملين لحسابهم الخاص والعاملين بأجر معًا في القطاع الصناعي. تخفي هذه الإحصائيات المجتمع الطبقي الذي هو في الواقع مجتمعنا الفعلي.

تعرف الرأسمالية إجمالا ثلاث طبقات ، كل منها مقسم إلى عدة شرائح . الطبقة المالكة ، مالكة الشركات ، للممتلكات العقارية الكبيرة ، للآلات والتكنولوجيا (براءات الاختراع) ، مالكة وسائل الإنتاج (الكبيرة) ،و البضائع المنتجة منها. الطبقة المتوسطة هي فئة المالكين الصغار والمنتجين المستقلين. الطبقة العاملة هي الطبقة التي لا تملك وسائل إنتاج. لديها فقط قوة العمل و قدرة بيع العمل.

الطبقة العاملة هي القلب النابض للنظام. إن العمل المنتج هو الذي يخلق ثروة المجتمع. لا يمكن لرأس المال أن ينمو إلا بفائض القيمة الناتج عن الإنتاج. يمكن أن توجد الطبقة العاملة بدون رؤساء رأسماليين ، لكن لا يوجد ارباب عمل من دون عمال. هذا هو بالضبط الموقع الذي يتم فيه تحديد دور الطبقة العاملة كعنصر فاعل للتغيير التاريخي. العمال المنتجون هم في قلب الإنتاج ويعانون كل يوم من التناقض بين العمل ورأس المال. هم أيضًا في أفضل وضع لفهم طبيعة هذا النظام. إلى جانب الجزء الأساسي الناشط في الإنتاج ، تتكون الطبقة العاملة أيضًا من طبقات عديدة من العمال المأجورين الذين يواجهون بشكل متزايد تناقضات هذا النظام بسبب الأزمة المستمرة ، وضغط العمل المتزايد ، و مرونة العمل المتزايدة و عدم الاستقرار الدائم.

العاطلون عن العمل هم أيضا جزء من الطبقة العاملة. من المهم لنضال النقابة العمالية وحزب العمال التأكيد على ذلك مرة أخرى. ومع ذلك ، فإن العاطلين عن العمل يشكلون شريحة مميزة ، لأنهم ، بحكم التعريف ، غير قادرين على ايقاف أو ضرب الشريان الاقتصادي للرأسمالية ، لأنهم - نتيجة لوضعهم - أكثر تشتتًا وانعدامًا للتنظيم ، ولأنهم لا يخضعون لوظيفة انضباط و تنظيم العمل ، فكلما طالت مدة خروجهم من عملية الإنتاج ، كلما كان هذا صحيحًا أكثر . هذا لا يعني أن الجزء العاطل من الطبقة العاملة يجب أن يخرج من المعركة ، بل على العكس.

حفارو القبور بعيدون عن الموت ، فهم أحياء و فاعلون. وفقًا للتعريف الواسع ، بلغ عدد العمال الأوروبيين 137.5 مليون عامل في عام 2002 ، منهم 2 مليون عامل زراعي. وعلى الصعيد العالمي ، منذ حوالي 15 عامًا ، كان هناك 884 مليون شخص يعملون بأجر ، منهم 85 مليون عامل زراعي. [5]

من ينتج الثروة؟

وفقًا لبعض اصحاب الرأي ، كانت الازمان التي خلق فيها العمل المنتج الثروة الاجتماعية وراءنا. يقال إن نظرية القيمة الزائدة ، وهي أهم ركائز نظرية ماركس الاقتصادية ، قد عفا عليها الزمن. أنطونيو نيغري ومايكل هاردت: "الدور المركزي في إنتاج فائض القيمة ، الذي تم إنجازه في وقت سابق من قبل القوى العاملة لجماهير عمال المصانع ، يتم تحقيقه في الوقت الحاضر أكثر فأكثر من خلال القوى العاملة الفكرية وغير المادية و المواصلاتية" ، كما كتبوا. "ومن هنا تأتي أهمية تطوير نظرية قيمة سياسية جديدة." [6]

ومع ذلك ، هذا بعيد كل البعد عن الحقيقة. حتى يعيشوا، يحتاج الناس إلى الطعام والملابس والسلع المادية الأخرى. عليهم أن يعملوا لكي "ينتجوا" هذه المنتجات. إن الناس هم من يصنعون ثروة المجتمع من خلال الإنتاج المادي. يمكن بشكل عام اعتبار كل العمل الذي يتم تفسيره بهذا المعنى المادي عملاً منتجًا. الإنتاج منظم اجتماعيا في مجموعات . نظرًا لوجود إنتاج أكثر مما يمكننا استهلاكه على الفور ، فقد قامت مجموعات معينة من الناس بالاستيلاء بشكل منهجي على هذا الفائض. و المجتمع يقسم نفسه إلى طبقات. طبقة مالكة و طبقة لا تملك. في كل مجتمع طبقي ، تستحوذ الطبقة الحاكمة على الفائض أو العمل الإضافي.

العامل يبيع قوة عمله. يتقاضى أجرًا عن هذا. هذا الأجر هو ما نسميه "قيمة" قوة العمل. إنها الأموال التي يحتاجها العامل للبقاء والتدريب والصحة والسكن وما إلى ذلك.

العامل يصنع المنتج من خلال عمله. لكن القيمة التي تم خلقها في تلك المنتجات أعلى من أجره. الفرق هو "فائض القيمة" ، وتلك القيمة تذهب بالكامل إلى الرأسمالي. إذا كان العامل يعمل 8 ساعات ، على سبيل المثال ، في 3 ساعات يكون قد حصل على أجره (أو قيمة قوته العاملة). ساعات العمل الخمس المتبقية هي فائض القيمة بالنسبة للرأسمالي. يقول ماركس: "إنتاج فائض القيمة هو القانون المطلق لنمط الإنتاج هذا." [7]

أولئك الذين لا يعملون في الإنتاج ، إنتاج السلع ، لا يصنعون عملاً منتجاً. يقول ماركس: "بما أن الغرض المباشر والمنتج الفعلي للإنتاج الرأسمالي هو فائض القيمة ، فإن مثل هذا العمل وحده هو المنتج ، ومثل هذا العامل فقط هو العامل المنتج ، لأنه ينتج مباشرة فائض القيمة". [8] صانع البيانو منتج بينما عازف البيانو ليس كذلك. يعيد المنتج إنتاج رأس المال ، لكن عازف البيانو يتبادل عمله مقابل أجر فقط. عمله ينتج شيئًا ما ، لكنه ليس منتجًا من وجهة نظر اقتصادية .. "

بسبب الثورة التكنولوجية الحديثة، من المؤكد أن هناك حاجة ماسة إلى المعرفة و العلم في عمليات الإنتاج الحديثة. ومع ذلك ، فإن الذكاء و الاتصالات خارج الإنتاج لا يخلقان قيمة زائدة لرأس المال. وينطبق الشيء نفسه على العمل الذي ينتج منتجا لا يتم طرحه في السوق ، مثلًا عمل فني مصنوع يدويًا من الطين.

لذلك ، فإن العمل المنتج هو تحديد للعمل لا علاقة له بمحتواه أو بقيمة الاستخدام الفعلية التي يتم عرضها فيه ، ولكن بالأحرى بالشكل الاجتماعي الذي يتحقق فيه. لهذا السبب ، يمكن أن يكون عمل بنفس المحتوى منتجًا وغير منتج في نفس الوقت.

كما أن العمل مقابل اجر ، و لكن ليس من رأس المال ، مثل خدم المنازل والطهاة والبستانيين والسائقين والحراس الشخصيين ليس منتجًا ، لأنهم لا يخلقون قيمة زائدة لرأس المال.
نظرًا لأن فائض القيمة لا يتم إنشاؤه إلا من خلال الإنتاج (عملية صنع المنتجات) ، فإن العمالة في القطاع المالي (البنوك والتأمينات والاستثمارات ...) لا تعتبر أيضًا منتجة. كما أن تداول المنتجات (البيع ، اسواق البيع ...) لا ينتج عنه فائض في القيمة وبالتالي فهو غير منتج. ومع ذلك ، يعتبر النقل والتخزين جزءًا أساسيًا من الإنتاج ، وهما منتجان ، حتى لو تم اعتبارهما "خدمات" في الإحصائيات الكلاسيكية.

الثورة التكنولوجية الحديثة (تكنولوجيا المعلومات ، الاتصالات ، الرقمنة ، ...) تعني تقدمًا هائلاً لقوى الإنتاج ، وتثبت بشكل أفضل من أي شيء آخر أن العالم جاهز للانتقال إلى نظام إنتاج يضع احتياجات السكان في المقام الأول. ولكن ليس فقط أجهزة الكمبيوتر والإنترنت والحوسبة والروبوتات و غيرها هي التي تنتج الثروة كما يقترح نيغري وهاردت. إن الأشخاص الذين يعملون على الآلات هم مصدر فائض القيمة. في الطبقة العاملة ، في المجموعة الكبيرة من كل أولئك الذين يبيعون قوتهم البشرية مقابل أجر ، هناك نواة إنتاجية. نحن نتحدث الآن عن مجموعة كاملة من العمال المأجورين ، الناشطين في إنتاج ونقل وتخزين السلع والخدمات. المجموعة التي يمكن تسميتها بالعمال الصناعيين.

عمال الصناعة والخدمات والتكنولوجيا

لقد تغير تكوين البروليتاريا ، وبالتالي فإن مفهومنا عنها أيضًا يجب أن يتغير "، وفقًا لنيغري وهاردت. "غالبًا ما تم تحديد دور قيادي لهذه الطبقة العاملة الصناعية(...) في التحليلات الاقتصادية وكذلك في الحركات السياسية. في الوقت الحاضر ، أصبحت هذه الطبقة العاملة خارج نطاق الرؤية بشكل كلي تقريبًا. إنها لا تزول من الوجود ، لكنها تُطرد من مكانتها المتميزة في الاقتصاد الرأسمالي ومن موقعها المهيمن في التكوين الطبقي للبروليتاريا ". [9] وكما يقول كلا المؤلفين: "يمكننا أن نطلق على الانتقال من هيمنة الصناعة إلى هيمنة الخدمات والمعلومات ، العملية الاقتصادية لما بعد الحداثة، أو الأفضل ، الحوسبة Computerization ة ." [10]

حقيقة أن البروليتاريا الصناعية تشكل "الجزء الحاسم من الطبقة العاملة" لا علاقة لها بعددها. ما يهم هو موقعها في عملية الإنتاج. إنها تعاني من الاستغلال بشكل مباشر. إنها تخلق فائض القيمة الذي يتم تقسيمه على مختلف القطاعات غير المنتجة. و تتحكم في الروابط الحيوية للاقتصاد.
ومع ذلك ، هناك أسطورة يجب الكشف عنها حول عدد عمال الإنتاج. إن العمال الصناعيين ، النواة الإنتاجية للطبقة العاملة ، هم أكبر مما تعتبره الإحصائيات التقليدية "صناعة". جزء كبير من "الخدمات" المدفوعة ، في النقل أو التخزين تنتمي أيضًا إلى النواة الإنتاجية ، أي الجزء النشط في عملية الإنتاج. يمكننا أن نقول بشكل إجمالي أن أوروبا لديها بروليتاريا صناعية تضم حوالي 60 مليون عامل بأجر في الصناعة أو في الخدمات المرتبطة بالصناعة. [11]

في أوروبا ، ينشط حوالي 14 مليون عامل بأجر في "تقديم الخدمات للشركات". هذه هي قطاعات تكنولوجيا المعلومات المرتبطة بالصناعة ، والصيانة التكنولوجية ، وشركات التنظيف الصناعي ، والتأمين والصيانة الفنية ، و أيضًا أبحاث السوق والإعلان والموارد البشرية. [12]
نمو هذه القطاعات يتضاعف. من ناحية أخرى ، تؤدي الحوسبة المتطورة إلى زيادة التوظيف في تكنولوجيا المعلومات. من ناحية أخرى ، فإن الكثير من الوظائف "الخارجية" (الاستعانة بمصادر خارجية) ، والتي كانت مصنفة سابقًا على أنها صناعة ، تدخل في هذه القطاعات. النقطة الأساسية هي أن هذه الخدمات مرتبطة بعملية الإنتاج. قد يكون التقدير المنخفض هو أن نصف ال 9 ملايين عامل بأجر في قطاع النقل (النقل البري ، او البحري و الجوي) ينشطون في عملية الإنتاج التي تنقل البضائع. بالإضافة إلى ذلك ، هناك خدمات أخرى مرتبطة بالإنتاج ، على سبيل المثال خدمات البريد السريع مثل DHL (Deutsche Post) التي يتم احتسابها الآن مع البريد والاتصالات.

نتيجة لذلك ، ليس من المبالغة القول أن 20 مليون عامل بأجر من قطاع "الخدمات" في أوروبا يعملون في الإنتاج الصناعي. يمكننا فقط إعطاء تخمين الى العدد في هذا النص. يجب أن تشير الدراسات التفصيلية الإضافية إلى العدد الدقيق.
ومع ذلك ، وفقًا لنيغري وهاردت ، "فقد العمل في المصنع هيمنته في العقد الأخير من القرن العشرين ، وظهر بدلاً من ذلك " العمل غير المادي ": العمل المنتج للمنتجات غير المادية مثل المعرفة ، و المعلومات ،والتواصل ،والعلاقات وردود الفعل العاطفية emotional reactions". "تشير نظريتنا إلى أنه من وجهة نظر نوعية فقد حصل العمل غير المادي على الهيمنة." [13]

كانت الثورات في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في العقود الماضية قفزة إلى الأمام في تطوير قوى الإنتاج. ومع ذلك ، فإن هذه الثورات التكنولوجية ليست حالات قائمة بذاتها ، كما يدعي نيغري وهاردت. إنها جزء لا يتجزأ من نظام الإنتاج الرأسمالي. وفقا لأنطونيو نيغري ، فإن هذه الثورة التكنولوجية قد غيرت العمل كليًا، بل وحتى "حررتها ". "لدرجة أن الإنتاج سيطر على أدمغة الكادحين." هذا " لأن الذكاء - قوة الخيال ، والقدرة على الابتكار والإبداع - جاهز حقًا للعمل". وكان استنتاجه كما يلي: "اليوم ، أصبح الناس مالكي أشكال، و أجهزة، وأدوات تسمح لهم بإنتاج الثروة". وهذا يعني أن "الاستيلاء على أدوات الإنتاج عن طريق رأس المال أصبح مستحيلاً".[14]

ينسى نيغري علاقات الملكية. في الوقت الحاضر ، غالبية قطاعات الأبحاث وتكنولوجيا المعلومات والتنمية وعلم الوراثة مملوكة للقطاع الخاص. في "مجتمع المعرفة" ، لا يهم "ذكاء وقوة الخيال" على هذا النحو ، ولكن الاستيلاء الخاص على المعرفة من خلال براءات الاختراع والشهادات وحقوق التأليف والنشر. يكتب ماركس: "إن إنتاج رأس المال يصطاد التقدم التاريخي ويستخدمه لإنتاج الثروة". [15]في كل مرة يحصل فيها شركة ادوية عملاقة على براءة اختراع لدواء ما ، فإنها تستحوذ أيضًا على المعرفة العلمية التي طورتها أجيال مختلفة من الباحثين في مختبرات الجامعة. "الاستيلاء من قبل رأس المال أمر مستحيل" ، هذا ما يعتقده نيغري. لكن العكس هو ما نراه يحدث أمام أعيننا. تمتلك رأس المال المعرفة التاريخية والاجتماعية للمجتمع في جميع المجالات. من خلال حصر المعرفة في براءات الاختراع والشهادات ، وحبسها على هذا النحو ، تُحرم المجتمع من إمكانياته الداخلية للتقدم الاجتماعي.

من وجهة النظر التكنولوجية ، تعتبر الثورة الرقمية خطوة نوعية إلى الأمام ، ولكن من وجهة نظر علاقات الملكية ، لا يوجد فرق نوعي مع مرحلة ظهور الآلات. يقول ماركس: "إنها حقيقة لا شك فيها أن الآلة ، في حد ذاتها ، ليست مسؤولة عن" تحرير "العامل من وسائل العيش. (...) التناقضات والتضادات التي لا تنفصل عن الاستخدام الرأسمالي للآلة ... لا تنشأ عن الآلات ، في حد ذاتها ، بل من عملها الرأسمالي! بما أن الآلة ، إذا نظرنا إليها وحدها ، تقصر ساعات العمل ، لكنها عندما تكون في خدمة رأس المال تطيلها ؛ لأنها في حد ذاتها تخفف العمل ، ولكن عندما تستخدم بواسطة رأس المال ، فإنها تزيد من شدة العمل ؛ انها في حد ذاتها انتصار للإنسان على قوى الطبيعة ، ولكن في يد رأس المال تجعل الإنسان عبدًا لتلك القوى. لأنها في حد ذاتها تزيد ثروة المنتجين ، ولكن في أيدي رأس المال ، تجعلهم فقراء ... "[16]

كتب أنطونيو نيغري أن "التواصل والعلاقات والتبادل والرغبات أصبحت منتجة". [17] على العكس من ذلك ، فإن جميع "الاتصالات والعلاقات والتبادلات" التي دخلت الإنتاج تعمل على زيادة الأرباح. المرونة ضرورية لإنقاذ اللحظات الميتة ورأس المال الميت. العمل في المنزل والعمل عن بعد ، وإعادة إدخال الأجور بالقطعة كما في عهد المانيفاكتورة ، و دفع المكافآت وفقًا لأداء العمل ،تعمل على توفير المال المدفوع الى القوى العاملة. من خلال الادخار في رأس المال الميت و رأس المال الحي ، يُرفع معدل الربح. بالنسبة للعمال ، فإن هذا يزيد من الإجهاد والمرض والعمل الإضافي.

التصنيع و إزالة التصنيع

كلفت الحكومة الفرنسية لجنة بحثية للتحقق عن حقيقة أن الصناعة آخذة في الاختفاء. بعد شهور من البحث ، خلصت اللجنة إلى أن "القيمة المضافة للإنتاج كانت تنمو بشكل أسرع في الحجم من القيمة المضافة للاقتصاد ككل منذ بداية التسعينيات. هذا يعني أنه لا يمكننا التحدث على الإطلاق عن تراجع التصنيع ، بل على العكس: الصناعة تنمو. تظهر هذه الظاهرة في جميع البلدان الصناعية. في الوقت نفسه ، يتناقص جزء العمل الصناعي: من 24٪ في عام 1980 إلى 15.9٪ من السكان النشطين في عام 2002. ويعزى هذا الانخفاض إلى زيادة إنتاجية الأشخاص الذين يتقاضون أجورًا في الصناعة الفرنسية ، والتي هي ، 4.1٪ سنويًا منذ عام 1990 ، مما يجعلها الأعلى في العالم ... ما نسميه تراجع التصنيع هو في الواقع وهم ناتج عن [18] الحراكية الصناعية industrial dynamism "

كما أجرت المفوضية الأوروبية تحقيقا أيضًا . وكان الاستنتاج هو: "من تحليل أجرته الهيئة ، من الواضح أن عملية إزالة التصنيع العامة غير واردة على الإطلاق. من ناحية أخرى ، تشهد الصناعة الأوروبية عملية تغيير هيكلية ... " [19]

يتزايد الإنتاج ولكن بعدد أقل من الناس. الإنتاجية آخذة في الازدياد. حتى هيكل الشركات قد تغير كثيرًا خلال السنوات الماضية من خلال مهام الاستعانة بمصادر خارجية. أخيرًا ، هناك أيضًا اللامحلية delocalization : في أوروبا ، هذا مسؤول عن 7٪ من فقدان الوظائف في الصناعة. فيما يتعلق بانخفاض العمالة في الإنتاج ، فيما يلي العوامل الثلاثة النموذجية لهذا النظام الذي يسعى لتحقيق أقصى ربح: زيادة الإنتاجية ، وزيادة التعهيد Outsourcing للإنتاج ، و اللامحلية.

السبب الأول لاختفاء الوظائف في الصناعة هو زيادة الإنتاجية. هذا ليس "إزالة التصنيع". على العكس من ذلك ، هناك إنتاج أعلى ، لكن ينتج عن طريق عدد أقل وأقل من الناس. أو ، كما كتب ماركس: "إدانة جزء من الطبقة العاملة بالاجبار على البطالة من خلال إرهاق الجزء الآخر". [20] تسيطر أكبر 300 شركة عبر وطنية على ربع الإنتاج العالمي على الأقل ، في حين أنها تمثل أقل من واحد في المائة من العمالة. [21]
في المجتمع الاشتراكي ، يعمل التقدم التكنولوجي على تخفيف عبء حياة الناس وتلبية احتياجاتهم. ومع ذلك ، تهدف الإنتاجية العالية اليوم إلى استخراج أكبر قدر من فائض القيمة من اجل الفوز على المنافسين ، مما يؤدي إلى ظروف عمل لا يطاق.

ثانيًا ، يجبر "التعهيد"{الاستعانة بعمالة خارج المؤسسة} العمال على تقديم قوتهم العاملة مقابل أجر أقل للمقاولين الثانويين والمكاتب المؤقتة وشركات تكنولوجيا المعلومات وما إلى ذلك. في الوقت نفسه ، يختفي جزء من الحماية الاجتماعية. حقوق النقابات غير موجودة تقريبًا في معظم الشركات المتعاقدة الثانوية والمكاتب المؤقتة. التعهيد هو هجوم على القوة الجماعية للعمال كطبقة.

ولكن حتى هنا ، فإن هناك عملية تطور داخلي للتصنيع ، وليس ازالة التصنيع. كما يقول اتحاد أرباب العمل الهندسيين في بريطانيا العظمى: "تخلق الصناعة جزءًا أكبر من الخدمات من خلال الاستعانة بتعهيد خارجي لاقسام مثل الصيانة والتموين والإدارة القانونية ... إذا طبقنا تعريفات الإحصائيات المعدلة ،يمكن أن يشكل الإنتاج الصناعي ما يصل إلى 35 ٪ من الاقتصاد ، بدلاً من ال 20 ٪ المذكورة عادةً {في الاحصاءات التقليدية }". [22]
السبب ليس "إزالة التصنيع" ، ولكن تقسيم الطبقة العاملة المنتجة إلى شركات أصغر ومكاتب مؤقتة.

العامل الثالث الذي يتسبب في اختفاء الوظائف من "الصناعة" ، وفي المرتبة الثالثة فقط ، هو اللامحلية . من الواضح جدًا أن إلغاء المحلية حول العالم لا يعني ازالة التصنيع ، بل يعني نقل الصناعة من قارة إلى أخرى.

الطبقة التي بيدها مستقبلها

منذ مائة وخمسين عامًا ، كتب كارل ماركس وفريدريك إنجلز أن الطبقة العاملة تستحق الدور القيادي في الثورة الاجتماعية ، بسبب موقعها في الرأسمالية.
ما يجعل العمال طليعةً هو التاريخ نفسه ، جنبًا إلى جنب مع القوانين الاقتصادية والسياسية والتنظيمية للنظام الرأسمالي. طالما أن رأس المال موجود ، فإن القوة الاجتماعية التي تخلق زيادة رأس المال لن تختفي. بدون العمل المنتج لا يوجد فائض في القيمة ولا ربح لأصحاب العمل. هناك حوالي مليار أسرة عاملة على هذا الكوكب ، هم حفاري القبور المعاصرين لنظام الشركات عبر الوطنية وأقصى الأرباح. إنهم يشكلون ، كما يشهد ماركس وإنجلز في بيانهم الشيوعي ، حركة الأغلبية: "كانت جميع الحركات التاريخية السابقة حركات أقليات ، أو لمصلحة الأقليات. الحركة البروليتارية هي الحركة المستقلة الواعية بذاتها للأغلبية الساحقة ، لصالح الأغلبية الساحقة. البروليتاريا ، الطبقة الدنيا في مجتمعنا الحالي ، لا تستطيع ان تنهض، او تنتصب الا بنسف كل البنية الفوقية لفئات المجتمع الحالي الرسمي.[23]

النزوح والهجران

حاولت الأمينة العامة السابقة لحزب العمال البلجيكى PTB ، نادين روزا روسو ، كسب الحزب الى الموقف القائل بأن ظروف العمل اليوم هي جهنمية لدرجة أنه لم يعد من الممكن تنظيم العمال في المعمل.
و لكن كيف استطاعت الحركة العمالية الوليدة القيام بذلك في منتصف القرن التاسع عشر؟ الم تكن الصناعات المبتدئة في ذلك الوقت مواقع جهنمية أيضًا؟
ومع ذلك ، نظم العمال آنذاك أنفسهم "في ظروف أكثر جهنمية" مما هي عليه اليوم. في تلك الأيام ، كان لديك كل شيء لتخسره: أجر ، طعام ، صحة ، وحتى حياتك. ومع ذلك ، كانت هناك مقاومة جماعية. لو أن ماركس وإنجلز كانا يتنهدان فقط في وجه كل هذا البؤس ، لما كانت الأممية الأولى ولا الوعي التدريجي لضرورة النقابات حقيقة واقعة.

لن ينكر أحد أن ظروف العمل في العقود الماضية قد ساءت. منذ أن أدت الثورة المضادة المخملية إلى سقوط الاشتراكية ، عاد رأس المال مرة أخرى للعمل بشكل متهور. تحولت المصانع إلى ثكنات. بدلاً من الرئتين السوداء {في الماضي }، يعاني العمال الآن من الإجهاد. يتم استبدال الوظائف الثابتة بوظائف مؤقتة ووظائف بدوام جزئي ، والوظائف جيدة الأجر بوظائف الهامبورغر . إن حصة الأجور في الثروة العالمية آخذة في التناقص ، ويتم إعادة أو اقرار قوانين وعقوبات سابقة أو جديدة لمكافحة الإضراب.

ومع ذلك ، لن ينكر أحد أن البروليتاريا تعارض موجة اللبرلة والتفكك الاجتماعي. وهذه المعارضة لها درجات متعددة. يتزايد عدد الفعاليات العمالية في المعامل منذ التسعينيات. فعاليات في داخل المعمل ، نظمتها عشرات آلاف من عمال في نقابات ، أناس من لحم ودم. لم يهجروا الشركات.

كما يرى نيغري وهاردت إمكانية حدوث معارضة خاصة خارج المصانع والنقابات:
"قوة الطبقة العاملة ليست في المؤسسات التمثيلية ، ولكن في تضاد و استقلالية العمال أنفسهم." هذا ما كتبوه عن الطبقة العاملة الأمريكية في عامي 1960 و 1970. "علاوة على ذلك ، كانت إبداعية ونضالية البروليتاريا أيضًا ، وربما أكثر ، موجودًا في مجموعات سكانية عاملة خارج المصانع. حتى (وخاصةً) أولئك الذين رفضوا العمل الفعلي يشكلون تهديدًا خطيرًا وبديلاً إبداعيا". [24]

خلال الفترة ما بين 1960 و 1970 ، وفقًا لكلا المؤلفين، كانت هناك قوة إبداعية في "نظام الانضباط ". "احتمال حصولك على وظيفة تضمن لك عملًا مستقرًا وثابتًا لثماني ساعات في اليوم ، وخمسين أسبوعًا في السنة لبقية حياتك ، واحتمال دخولك النظام الطبيعي للمصنع الاجتماعي ، والذي كان حلمًا للعديد من آباءهم، بدا الآن وكأنه مثل الموت. لم يكن الرفض الكبير لنظام الانضباط ، الذي اتخذ أشكالًا مختلفة ، تعبيرًا سلبيًا فقط ، بل كان أيضًا لحظة إبداع... " [25]

خلال هذه الفترة ، ادعى نيغري وهاردت أنهما استوحيا إلهامهما لاقتراح "أشكال جديدة من الصراع الطبقي" و لايامنا الحالية أيضا: "الهجر و الرحيل هما شكلان قويان من أشكال الصراع الطبقي ، داخل وضد ما بعد الحداثة الإمبريالية". [26] يشرحون: "بينما كان التخريب في عصر الانضباط هي الفكرة الأساسية للمقاومة ، فقد يكون هذا هجرًا في عصر السيطرة الإمبريالية ... يمكن كسب المعارك ضد الإمبراطورية من خلال الانسحاب و الرحيل". [27]

بالنسبة لبعض المثقفين ، المصنع هو آلة جهنمية، لكنه بالنسبة للعمال هو المكان الذي يكسبون فيه عيشهم، وأيضًا المكان الذي يمارسون فيه مهنتهم بفخر والمكان المثالي للنضال . ينظم المصنع العمال ويجمعهم معًا في مواجهة مباشرة وجهاً لوجه مع أرباب العمل. المصنع ، الذي يحقق أرباحًا و يخلق ثروة للرأسماليين، هو أيضًا نقطة ضعفهم. في معارضة الهجران ، هناك الخلاص ، "التخلص من النظام التأديبي" وهذه رؤية للينين لا تزال معاصرة للغاية: "بالنسبة للمصنع ، الذي يبدو مجرد شبح للبعض ، يمثل أعلى أشكال التعاون الرأسمالي" - و التي وحدت و ضبطت البروليتاريا ، وعلمتها أن تنظم نفسها ، ووضعتها على رأس كل الفئات الأخرى من الكادحين والمستغلين. والماركسية ، إيديولوجية البروليتاريا التي دربتها الرأسمالية ، كانت ولا تزال تعلم المثقفين غير المستقرين التمييز بين المصنع كوسيلة للاستغلال (الانضباط القائم على الخوف من الجوع) والمصنع كوسيلة للتنظيم (الانضباط على أساس جماعي توحدها ظروف شكل متطور تقنيًا للإنتاج). إن الانضباط والتنظيم الصعب على المثقف البرجوازي ، يكتسبها البروليتاريا بسهولة شديدة فقط بسبب "تعليم" المصنع. إن الخوف المميت من هذه المدرسة والفشل التام في فهم أهميتها كعامل تنظيمي هما سمة من سمات طرق التفكير التي تعكس نمط الحياة البرجوازية الصغيرة والتي تؤدي إلى ظهور أنواع الاناركية التي يسميها الاشتراكيون الديمقراطيون الألمان Edelanarchismus ، أي أناركية السيد "النبيل" أو كما أسميها الأناركية الأرستقراطية.[28]

لقد جادل منقحو الماركسية حتى الآن و منذ قرن ونصف لترك المعمل. {حسب زعمهم}تجسد المجموعات الاجتماعية الأخرى القوة الإبداعية وإبداع التغيير ، وتجلب الهواء النقي أو تقود الثورة الاجتماعية. وفي كل مرة يقال إن "الزمن تغير". مثلا ، أدى نشأة الديمقراطية البرجوازية في البلدان الوطنية إلى "تغيير كل شيء" ، ثم صعود الاحتكارات "جعل كل شيء مختلفًا" ، وبعد ذلك أدت الحقوق المفروضة للضمان الاجتماعي في مجتمع الرفاه إلى تغيير الوضع تمامًا ، واليوم التغييرات الأخيرة في الإنتاج لم تترك شيئًا كما كان من قبل. في كل مرة ، قيل أن "النضال موجود خارج أسوار المصنع" ، "الأكسجين يجب أن يُستنشق في مكان آخر" ، "أصبح العمال أنانيون" ، "الطبقة العاملة الأوروبية فاتت موعدها مع التاريخ" ، و "المجموعات الأخرى الآن عليها أن تلعب الدور القيادي ". الفقراء ، المنبوذون ، الأشخاص الذين يرفضون العمل ، المهاجرون ، علماء البيئة ، الحركة الخضراء ، نشطاء السلام ، النساء ، العلماء ، المتخصصون في تكنولوجيا المعلومات ... تم إعلانهم جميعًا في القرن الماضي واحدًا تلو الآخر على أنهم مجموعات اجتماعية ستقود الثورة الاجتماعية. ما تشترك فيه هذه النظريات هو أنها جميعًا تقفز على القوانين الاجتماعية والاقتصادية للتاريخ ، وأنها تتجنب مشكلة الإنتاج والسيطرة على الإنتاج.

المعركة بين العمل ورأس المال هي جوهر كل تغيير فعلي. بالنسبة لهذا ، فإن تحليل لينين صحيح تمامًا: "إن قوة البروليتاريا في أي بلد رأسمالي أكبر بكثير من النسبة التي تمثلها من مجموع السكان. وذلك لأن البروليتاريا تهيمن اقتصاديًا على مركز و عصب النظام الاقتصادي للرأسمالية بأسره ، وأيضًا لأن البروليتاريا تعبر اقتصاديًا وسياسيًا عن المصالح الحقيقية للأغلبية الساحقة من الشعب العامل في ظل الرأسمالية. لذلك ، فإن البروليتاريا ، حتى عندما تشكل أقلية من السكان (أو عندما تشكل طليعة البروليتاريا الواعية والثورية أقلية فعلية من السكان) ، قادرة على الإطاحة بالبرجوازية ، وبعد ذلك ، قادرة على كسب العديد من الحلفاء من الجماهير شبه البروليتارية والبرجوازية الصغيرة الذين لم يعلنوا مسبقًا تأييدهم لصالح حكم البروليتاريا ، والذين لا يفهمون شروط وأهداف ذلك الحكم ، وفقط من خلال تجربتهم اللاحقة يصبحون مقتنعين بأن دكتاتورية البروليتاريا أمر حتمي وصحيح وشرعي[29]

حقيقة أن العمال المنتجين في ساحة العمل يخوضون المعركة الحقيقية بين العمل ورأس المال ، لا تعني على الإطلاق أنهم هم الوحيدون الذين يناضلون ؛ هذا لا يعني أنه لا توجد حاجة لتحالف كبير بين عمال الإنتاج ، و الفئات الأخرى من الطبقة العاملة ، والمزارعين ، و الشرائح البروليتارية من المثقفين ، والتقدميين والشباب الذين يختارون جانب المستغَلين. العكس هو الصحيح. على وجه التحديد ، لأن العمال المنتجين يتم تعليمهم وتنظيمهم وانضباطهم في النضال، وعلى وجه التحديد لأن العمال الصناعيين يشكلون جوهر نظام الإنتاج هذا ، فإن لديهم مهمة دفع الطبقات الأخرى المستغلة والمضطهدة إلى الأمام.

إنهم لا يقتربون من الطبقات الاجتماعية الأخرى "ليتنفسوا مرة أخرى" ، أو "للعثور على الأكسجين" ، أو لاكتساب "القوة الإبداعية" ، ولكن لسحب كامل عربة النضال الاجتماعي. هذا هو السبب في أن عمال الصلب في Forges De Clabecq انضموا إلى الحركة الكبيرة للمعلمين والتلاميذ والطلاب في 1994-1996."في هذه اللحظة بالذات ، نرى كيف أن الأشكال التقليدية للمعارضة ، مثل المنظمات العمالية المؤسسية التي تطورت في القرنين التاسع عشر والعشرين ، بدأت تفقد قوتها". وفقًا لنيغري وهاردت ، "يجب اختراع شكل جديد من أشكال المعارضة ". [30]

لا شك أن هناك تحديات كبيرة جديدة تنتظر الحركة العمالية ونقاباتها: تنظيم القوى العاملة بدوام جزئي ، والمرنة وغير المستقرة ، و تنظيم العمال المؤقتين ، والعاملين في الشركات المتعاقد عليها من المقاولين الثانويين، وإشراك العاطلين عن العمل من الطبقة العاملة ، إلخ. . عندما يقوم بعض قيادات النقابات، كما هو الحال في إدارة النقابات العمالية الأوروبية ، بتعريف أنفسهم عن عمد مع مؤسسات الاحتكارات الأوروبية الكبرى واتحادهم الأوروبي (وهذا يعني "إضفاء الطابع المؤسسي"عليهم) ، فإن الاتحاد العمالي يخسر قوته بالفعل. لكن هل المشكلة موجودة داخل التنظيمات العمالية نفسها ، او في مفهوم الحركة العمالية كمنظمة للطبقة العاملة؟ أم أن المشكلة موجودة في مجموعة صغيرة من قيادات المنظمات العمالية؟

الأمر متروك للحزب ، للشيوعيين ، لتنظيم اتحاد الطبقة كلها ، ومساعدتها على الوصول إلى مطالبها السياسية. يؤكد لينين على مهمة الشيوعيين في النقابات العمالية. إن الخوف من "الرجعية" هذه ، ومحاولة تجنبها ، والقفز فوقها ، سيكون أعظم حماقة ، لأنه سيكون الخوف من واجب الطليعة البروليتارية التي تتمثل في التدريب والتعليم والتنوير و الجذب الى الحياة الجديدة، الطبقات والجماهير الأكثر تخلفا من الطبقة العاملة والفلاحين ... " [31]

لكننا نخوض الصراع ضد "الطبقة الأرستقراطية العمالية" باسم جماهير العمال ومن أجل كسبهم إلى جانبنا ؛ نحن نخوض النضال ضد القادة الانتهازيين والاشتراكيين الشوفينيين من أجل كسب الطبقة العاملة إلى جانبنا. سيكون من الغباء نسيان هذه الحقيقة الأكثر بدائية والأكثر بديهية. وهذا الغباء هو بالتحديد ما يعاني منه شيوعيو "اليسار" الألمان عندما يقفزون ، بسبب الطابع الرجعي والمضاد للثورة للقيادة العليا للنقابات العمالية ، إلى استنتاج مفاده أنه ... يجب أن نترك النقابات العمالية !! يجب أن نرفض العمل فيها !! يجب علينا إنشاء أشكال جديدة ومبدعة للتنظيم العمالي !! هذا خطأ فادح لا يغتفر ، أنه أعظم خدمة يمكن أن يقدمها الشيوعيون للبرجوازية.[32]

اليوم ، في نهاية القرن العشرين ، وبداية القرن الحادي والعشرين ، استحوذت التحريفية على عدد من الأحزاب الثورية ، وهناك مهمة تنتظر الانجاز من شأنها أن تعيد الحركة الشيوعية إلى رأس هذه الحركة الكفاحية . لا يزال هذان التحديان قائمين اليوم: بناء مركز ثوري ذو خبرة في هذا النضال وفي الماركسية ، و التي تملك القدرة على بناء وحدة الطبقة العاملة ، والتحالف الاجتماعي للطبقة العاملة مع الفئات المضطهدة الأخرى.

المصدر

‏International Communist Review، Issue 3, 2012
ترجمة دلير زنكنة

‎ملاحظات

[1] Source: ILO, World Employment Report 2004-2005 and the European Commission, Employment in Europe 2004.
[2] Antonio Negri, Return. Biopolitics ABC. Discussions with Anne Dufourmantelle. Amsterdam, Van Gennep, 2003 [2002], p. 43.
[3] V.I. Lenin, Imperialism, the Highest Stage of Capitalism, [1916]. http://www.marxists.org/archive/lenin/works/1916/imp-hsc/ch10.htm.
[4] Source: UNCTAD, Trade and Development Report, 2010. Note: in this statistics, employment in the production (‘manufacturing’) is only a part of the employment in the industry.
[5] Source: European Commission, European social statistics, Labour force survey results 2002, 2003 Edition. For figures on world scale: Deon Filmer, Estimating the world at Work, World Bank 1995.
[6] Michael Hardt, Antonio Negri, Empire, The New World Order, Amsterdam, Van Gennep Publishing, 2002, blz. 45. Hardt and Negri claim to take over this theory from ‘a group of contemporary Italian marxistic writers’, without specifying whom they are.
[7] Karl Marx, Capital, A Critique of Political Economy, [1867]. Volume I, Book One: The Process of Production of Capital, Progress Publishers, Moscow, USSR, p. 306.
[8] Karl Marx, Capitalist Production as the Production of Surplus Value, Productive and Unproductive Labour. Economic Manu-script- of 1861-63, in Theories of Surplus Value. http://www.marxists.org/archive/marx/works/1864/economic/ch02b.htm.
[9] Michael Hardt, Antonio Negri, Empire, The New World Order, Amsterdam, Van Gennep Publishing, 2002, p. 68. Italics added, pm.
[10] idem, p. 283. Italics added by Negri and Hardt.
[11] L’Europe en chiffres — L’annuaire d’Eurostat 2010http://epp.eurostat.ec.europa.eu/cache/ITY_OFFPUB/KS-CD-10-220/FR/KS-CD-10-220-FR.PDF
[12] In the international statistics of Eurostat, services are subdivided into (g) repairs for wholesale and retail trade, (h) hotels and restaurants, (i) transport and communication, (j) financial intermediation, (k) business activities and real estate, (l) administration and (m-q) other services. In (k) is also included ‘services to companies’ (sections 72 and 74). The data in the quoted study are totals, without distinction between wage labour and independent work for the ‘business sector’. We ourselves kept a proportion of 86 %, because in whole of the European ‘services’ there are 86 % of people rendering paid services.
[13] Michael Hardt, Antonio Negri, Mass of people, War and Democracy in the New World Order, Amsterdam, De Bezige Bij, 2004, p. 120-121.
[14] Antonio Negri, Return. Biopolitics ABC. Discussions with Anne Dufourmantelle. Amsterdam, Van Gennep, 2003 [2002], p. 83.
[15] Karl Marx. Grundrisse. 3. Chapitre du Capital (suite) [1858]. Paris, Editions Anthropos, 1968, p. 143.
[16] Karl Marx, Capital, A Critique of Political Economy, [1867]. Volume I, Book One: The Process of Production of Capital, Progress Publishers, Moscow, USSR, p. 216.
[17] Antonio Negri, Return. Biopolitics ABC. Discussions with Anne Dufourmantelle. Amsterdam, Van Gennep, 2003, p. 60.
[18] Max Roustan, Député. Assemblée Nationale. Rapport d’Information fait au nom de la délégation à l’aménagement et au développement durable du territoire, sur la désindustrialisation du territoire. Présidence de l’Assemblée Nationale, May 27th, 2004, p. 46-47 http://www.assemblee-nationale.fr/12/pdf/rap-info/i1625.pdf. Italics added, pm.
[19] Commission des Communautés Européennes, Communication de la Commission. Accompagner les mutations structurelles : Une politique industrielle pour l’Europe élargie. Bruxelles, COM (2004) 274 final, April 20th, 2004, p. 2. http://europa.eu.int/eur-lex/fr/com/cnc/2004/com2004_0274fr01.pdf.
[20] Karl Marx, Capital, A Critique of Political Economy, [1867]. Volume I, Book One: The Process of Production of Capital, Progress Publishers, Moscow, USSR, p. 315.
[21] Jed Greer, Kavaljit Singh, A Brief History of Transnational Corporations, Corpwatch, 2000. http://www.globalpolicy.org/socecon/tncs/historytncs.htm#bk2_ft35. p. 18-19 http://www.assemblee-nationale.fr/12/pdf/rap-info/i1625.pdf.
[22] Swasti Mitter, Common Fate, Common Bond. Woman in the Global Economy. Londen, Pluto Press, 1986, p. 98.
[23] Karl Marx & Friedrich Engels, Manifesto of the Communist party [February 1848]. Foreign Language Press, Peking, 1970, Third --print--, p. 45. See: http://www.marx2mao.com/M&E/CM47.html.
[24] Michael Hardt, Antonio Negri, Empire, The New World Order, Amsterdam, Van Gennep Publishing, 2002, p. 272. Italics added, pm.
[25] idem p. 277.
[26] p. 219.
[27] idem p. 217.
[28] V. I. Lenin, One Step forward, two Steps back, [1904]. See: Collected Works, 4th English Edition, Progress Publishers, Moscow, 1965, p. 391-392. http://www.marx2mao.com/Lenin/OSF04.html.
[29] V. I. Lenin, The Constituent Assembly Elections and the Dictatorship of the Proletariat [December 1919]. In: Collected Works, 4th English Edition, Progress Publishers, Moscow, 1965, p. 271.
[30] Michael Hardt, Antonio Negri, Empire, The new World Order, Amsterdam, Van Gennep Publishing, 2002, p. 309. Italics added, pm.
[31] V. I. Lenin, "Left-Wing" Communism, an Infantile Disorder [December 1919]. In: Selected Works, English edition, Foreign Languages Publishing House, Moscow, 1952, Vol. II, Part 2. Re--print-- by Foreign Language Press, Peking, 1970, p. 42. http://www.marx2mao.com/Lenin/LWC20.html.
[32] Idem, p. 43-44.