الماكينة الصدئة


بشير الحامدي
2022 / 2 / 15 - 17:40     

كثير من اللغط هنا وهناك عن انقلاب البيروقراطية النقابية على قوانين الاتحاد وكثير من اللغط عن مؤتمر الاتحاد الذي ستنطلق اشغاله غدا 16 فيفري 2022 خصوصا من بعض النقابيين ولكن بالمقابل لا شيء يشير إلى تمايز عن هذه البيروقراطية عبر الدعوة لعمل ما أو مبادرة ما يمكن أن يعول عليها في إصلاح أوضاع هذه النقابة.
في عهد بورقيبة وفي عهد بن علي كانت مؤتمرات الاتحاد تقريبا مؤتمرات صورية فقد كانت قائمة أعضاء المكتب التنفيذي وتحديدا الأغلبية داخله يقع الترتيب لها بمعية قصر قرطاج ولا تكون إلا من الموالين للسياسات القائمة ولحكم الدكتاتوريين ليدفع بها فيما بعد لقاعة المؤتمر والمرور للانتخابات وكانت القائمة التي ستفوز عادة ما تكون معلومة حتى قبل الانتخابات. الأمر تغير قليلا بعد 2011 حيث أصبح أمر تحديد عناصر المكتب التنفيذي يقع الترتيب له مع بارونات البيروقراطية القدماء وكانت فكرة تسليم مقاليد تسيير الماكينة لـ"لأيادي الأمينة" هي التي تسود وتتحكم في من يكون في القيادة ومن لا يكون فلعب عبد السلام جراد الدور في مؤتمر طبرقة وسلم المقود لحسين العباسي ومجموعته وكذلك فعل حسين العباسي في المؤتمر الأخير وسلم بدوره المقود لنور الدين الطبوبي.
فكرة الانقلاب على الفصل 20 ليست فكرة نورالدين الطبوبي إنها فكرة حسين العباسي التي لم يكن بمستطاعه إنجازها حين كان في القيادة واليوم يمكن القول وهذا ليس تحليلا بل معلومات ومؤكدة أنه مهندس المؤتمر 25 وقد حرص نور الدين ومن معه على أن لا يكون في الصورة بل وراء الستار.
ولئن كان بورقيبة تعاطى مع الحركة النقابية "الاتحاد العام التونسي للشغل" كأحد أضلاع ما كان يسميه بالمنظمات القومية "اتحاد الصناعة والتجارة ـ اتحاد الفلاحين ـ الاتحاد النسائي" وحصر دورها في تطبيق سياساته والدعوة له بوصفه الزعيم الذي سيرسو بسفينة تونس على بر الأمان عبر تلك السياسات واعتبر دائما أنه في صراع مع هذه المنظمة وهو ما دفعه في عديد المرات إلى مواجهات معها وبقي ينظر إليها دائما بوصفها جسما يمكن أن يخرج في كل منعرج عن سيطرته وبالتالي لا يجب الاطمئنان إليه فإن بن علي سلك مع الاتحاد العام التونسي للشغل سياسة أخرى. لقد عمل على "أخذ القلعة من الداخل" وضمن بالتالي موالاة قيادتها وبلغ به الأمر حد أن لا قيادة تنتخب في مؤتمرات الاتحاد في عهده لا يكون له رأي في تركيبتها وفي الموافقة عليها.
أما في العشر سنوات الماضية من حكم النهضة وحلفائها فقد تغيرت سياسة التعاطي مع الاتحاد العام التونسي للشغل حيث شهدنا ومنذ بدايات 2011 سواء مع حكومة محمد الغنوشي الأولى أو الثانية أو فيما بعد حكومات الترويكا أو الحكومات التي جاءت عقب وفاق حركة النهضة مع حزب نداء تونس أو حتى بعد انتخابات 2019 مع حكومة إلياس الفخفاخ وحكومة هشام المشيشي تشريكا فعليا لبيروقراطية الاتحاد في الحكم مباشرة أو بصورة غير مباشرة تماشيا مع السياسة التي استثمرت فيها بيروقراطية الاتحاد: "دعم" الانتقال الديمقراطي واعتبار نفسها شريكا في الحكم يجب الاعتراف به وعدم تجاوزه.
قد يعتقد البعض على أن مجريات المؤتمر 25 ستجري بعيدا عما يريده قصر قرطاج والحلقة الدائرة بقيس سعيد ولكن هذا البعض يخطئ كثيرا فالضوء الأخضر أعطي للبيروقراطية النقابية لتستمر في الانقلاب على الفصل 20 ولإنجاز مؤتمرها وكلنا يعلم بالحكم القضائي الأخير الذي رفض إيقاف أشغال المؤتمر وبالتعليلات الواهية التي اعتمدها ولكن ما لم يقرأ له الطبوبي وجماعته وكذلك معارضتهم الشكلية العاجزة حسابا هو أن الأوضاع لم تحن بعد لقيس سعيد ليتوجه للجمعيات والنقابات ولكن الدور قادم عليها فلا نعتقد أن قيس سعيد والحلقة الدائرة به في حاجة إلى شوكة في الحلق نقابة كانت أو جمعية خصوصا إذا ما علمنا أن لبعض الجمعيات وللاتحاد العام التونسي للشغل ما يكفي من ملفات الفساد المالي والسياسي لذلك رأينا قيس سعيد والذين يحكم باسمهم ومذ اليوم الأول قد نسفوا كل الجسور القديمة التي كانت تربط الحاكم ببيروقراطية الاتحاد. فهم وهذا من طبيعة أمور كل حكم استبدادي معادون في الجوهر للحريات النقابية وليسوا حريصين كثيرا على أن يكون للحركة النقابية أي دور مستقل عنهم. والأمر متعلق بما هو أكثر من مجرد موقف من القيادة النقابية البيروقراطية الفاسدة المهيمنة اليوم إنه يتعداه لجوهر مشروعهم الاستبدادي المعادي لكل انتظام نقابي أو قطاعي أو سياسي مستقل عنهم.
أخيرا يمكن القول أن المؤتمر 25 للاتحاد سوف لن يأتي بالجديد فسيستمر اللهث من قبل قيادته الجديدة القديمة وراء الاعتراف بالاتحاد شريكا والاستعداد مقابل ذلك للاصطفاف وراء سياسات قيس سعيد ولئن كان ذلك واردا خصوصا في الأشهر القليلة القادمة نظر لثقل الأزمة المالية للدولة ولعمق المشاكل الاجتماعية والملفات المطروحة المتعلقة رأسا بالتفويت في ما بقي من مؤسسات القطاع العام للخواص وبالأسعار وبالديون وبالجباية وبكتلة الأجور فإن قيس سعيد قد يقلب الطاولة على البيروقراطية النقابية وعلى الأجراء المنتسبين لهذه النقابة ما أن يستتب له الأمر وقد لا نستبعد البدء في ضرب هذه المنظمة تمهيدا لحلها أو استبدالها تماشيا مع مشروع "التأسيس الجديد ونسف كل الوسائط السياسية و النقابية" ولن تعوزه وقتها الحجج خصوصا إن تمكن أنصاره من الحصول على أغلبية في الانتخابات القادمة.

15 فيفري 2022