أيهما أهم في الموانئ الشهادة أم المهارة ؟


كاظم فنجان الحمامي
2022 / 2 / 9 - 22:26     

توجهت الموانئ العالمية منذ زمن بعيد لجذب الملاحين ذوي المهارات المشهودة على نحو أكبر من الحاصلين على درجات تعليمية عليا.
وكان الطلب في الموانئ العراقية على المهارات بصورة أكبر من الشهادات. .
فعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر ان مهنة (ربان المرفأ harbour pilot) تعتمد 100٪ على المهارة، وقوة الملاحظة، وسرعة الاستجابة في اتخاذ القرارات الحاسمة في التوقيت الصحيح، والكفاءة الذاتية في المناورة اللازمة لإتمام عمليات إرساء السفن العملاقة واقلاعها من وعلى الرصيف بمرونة وأمان، ومن دون التسبب بأية أضرار للسفينة أو الرصيف، وبالتالي فان المواهب المكتسبة في تحسين أداء ربان المرفأ تلعب دورها في الترجيح والمفاضلة، ولا دخل للشهادة في هذا المجال المهاري الضيق. .
وأذكر أيضا ان ربان المرفأ (عبد الله طعمة الجابري) كان في منتصف القرن الماضي مثار إعجاب كبار الملاحين الانجليز وموضع ثقتهم، رغم انه لم يكمل دراسته المتوسطة، لكنه كان يتمتع بمواهب نادرة في العمليات المينائية. وكان الكولونيل (G. C. Ward)، وهو أول مدير عام للموانئ، يضع صورة الربان (عبد الله حمزة) في واجهة مكتبه وهو يقرأ ويكتب فقط، تكريماً لعمله وتثميناً لقدراته الفائقة في الارساء والإقلاع. فالتقدير في هذه المهنة يعتمد بصورة أكبر على المهارات وليس على المؤهلات العلمية. .
أما اليوم فأن الموانئ العالمية تنصرف عن التركيز على الشهادات الجامعية كشرط للتوظيف، وتميل الى ترجيح كفة الاهتمام بالمهارات على حساب الشهادات، وهذا لا يعني إهمال المؤهلات الاكاديمية العليا بل يشجع لاعطاء الأولوية للمهارات خصوصا في العمليات المينائية المحفوفة بالمخاطر، فالاختيار هنا للأفضل. .
مربط الفرس الذي احتجنا فيه لهذه المقدمة الاستهلالية: ان الموانئ كانت ولا تزال منتجة للمهارات المينائية، ومصدرة لها، وكان الكابتن مثنى القرطاس، والكابتن فهمي السعدون من خيرة الذين نالوا أعلى الدرجات في الموانئ السعودية، وكان الكابتن عمر السعدون من كبار العاملين في الموانئ البحرينية، وكان الكابتن تحسين علوان من أكفأ ربابنة المرفأ في موانئ دبي بالامارات، والكابتن جميل زورا يوسف في طليعة الذين شهد لهم ميناء بريمن الألماني بالتقدير العالي، والكابتن عصام عمسو من الذين شهدت لهم الموانئ الامريكية، هؤلاء كلهم عملوا وتدربوا واكتسبوا المهارات في الموانئ العراقية، لكننا نجد اليوم نخبة كبيرة من خيرة ربابنة المرفأ العاملين الآن في الموانئ العراقية، توقفت اجراءات ترقيتهم، وحُجبت شهاداتهم الجدارية لأسباب نقابية بحتة، كونهم من خريجي مركز التدريب البحري المهني. واللافت للنظر ان الموانئ العراقية تضع ثقتها بهؤلاء، ولا تستطيع الاستغناء عنهم، وتكلفهم بالمهام الصعبة، لكن أصحاب الآفاق الضيقة حرموهم من أبسط استحقاقاتهم في الشهادة والترقية. .
وقديما قالوا: (الما يعرف الصگر يشويه). .