إطلاق النار على إضراب طاسلوجة، إنذار للطبقة العاملة


ريبوار احمد
2006 / 8 / 3 - 11:12     

القمع الدموي لإضراب عمال طاسلوجة وقتل العمال من قبل مسلحي الاتحاد الوطني الكردستاني، يضع المجتمع الكردستاني والأحزاب القومية الكردية وسلطتها في مستوى جديد من مواجهة بعضهما البعض ويكشف زاوية جديدة من الجوهر الواقعي لهذه السلطة والأحزاب أمام أنظار الجماهير. فهذه السلطة والاحزاب تمارس القتل لثلاثة عشر عاماً ضد النساء بذرائع الشرف وتذر الرماد من الجانب الآخر في عيون الجماهير بالأحاديث عن تغيير القوانين المتهرئة والضجيج حول (تساوي حقوق المرأة والرجل)، وهي أعلنت فتوى إغلاق المجالس ووجهت فوهات بنادقها لمقرات المجالس بحجة أن أيادي مغرضة تقف خلفها، وهي من قمع حركة العاطلين عن العمل واقتادت قاة العاطلين الى غياهب السجون بحجة أنهم شيوعيون ومثيرون للفوضى، كما أنها أبادت كوادر الحزب الشيوعي العمالي بحجة أنه لا يلتزم بالقانون...فجرائم هذه الأحزاب والسلطة حتى الآن لا يمكن عدها وإحصائها، غير أنها اختلقت ذريعة لكل واحدة من جرائمها تلك. فالحجة تجاه جماهير كلار أنها أحرقت مؤسسات الحكومة والحجة تجاه جماهير حلبجة أنها أحرقت الهيكل الرمزي. وكل واحدة من تلك هي حجج لإطلاق النار على تظاهرات الجماهير والسبب ببساطة هو أن "يداً تقف خلف ذلك".

وإذا كانت تلك الحجج حتى الآن باطلة ومفضوحة، فإن إطلاق النار على عمال طاسلوجة بسبب إضرابهم بوصفه من أبسط حقوقهم، وذلك من قبل مسلحي وحراس سلطة وحزب يدعي (الاشتراكية-الديمقراطية)، لا هو يمكن تبريره بأية حجة كانت ولا هو يبقي أي شك تجاه ماهية وجوهر هذا الحزب والسلطة. ولكن الأكثر من كل هذا هو أن هذا الأمر هو إنذار خطير جداً للطبقة العاملة في كردستان وجموع الجماهير المحرومة في هذا المجتمع. ففي العام 1992 حين أعلن جلال الطالباني فتواه ضد الحركة المجالسية، قام منصور حكمت في ذلك الحين بالتنبيه والقول "أن على الطبقة العاملة أن تأخذ هذا النوع من الأحاديث على محمل الجد، هذه الأحاديث تؤكد على ضرورة الانفصال السياسي التام والشامل للطبقة العاملة في كردجستان العراق عن الحركة القومية والجماعات القومية ودخولها المديان بمثابة قوة طبقية مستقلة ومقتدرة. الساحة السياسية العراقية والكردستانية تتجه صوب التغيير وغير ثابتة، وإذا حسمت الأوضاع بصالح الدولة المركزية أو بصالح التيارات القومية في كردستان، سيكون العامل والشيوعية أول ضحاياها في كردستان"... وتحقق ما توقعه منصور حكمت عن وجه صدق مبكراً جداً، حيث بدأت الحركة القومية الكردية وسلطتها بسرعة بالمرحلة التي توقعها منصور حكمت. والآن أصبح إدراك ماهية الحركة القومية الكردية وعياً عاماً لدى الجماهير وحل محل ذلك التوهم الواسع النطاق بها بين أوساط جماهير كردستان مقابل تلك الأحزاب في ذلك الحين الذي أطلق فيه منصور حكمت تحذيره.

ولكن إغراق إضراب عمال طاسلوجة بالدماء أزاح الستار الأخير عن حقيقة تلك الفتوى والنوايا والأغراض وسياسة تلك الأحزاب تجاه الطبقة العاملة. فحق الإضراب والتعبير عن الاحتجاج للعمال، هو أبسط الحقوق، وإذا سلب هذا الحق منهم، فلن يبقى لهم أي اختلاف مع أولئك العبيد الذي كان يتم البيع والشراء بهم في القرون الوسطى دون أن يكون لهم الحق في التدخل في عملية بيعهم وشرائهم. إذا لم يكن للعامل حق عرض شروطه في عملية بيع قوة عمله، إذا لم يكن له حق التوقف عن العمل واللجوء للإضراب في سبيل تحقيق مطالبه، فإن هذا يعني أن عليه قبول العبودية المطلقة. ومن الواضح أن هذه هي نية وهدف الحركة القومية الكردية وسلطتها تجاه الطبقة العاملة في كردستان.

غير أن حق الإضراب الآن في كافة أرجاء العالم تم فرضه على الدول البرجوازية بوصفه من أبسط حقوق العمال، وحتى السلطات المستبدة أيضاً، من قبيل البعث والجمهورية الإسلامية، كان ينتابها التردد في إطلاق النار على إضرابات العمال بهذا الشكل الصارخ والفاضح الذي مارسته سلطة الحركة القومية الكردية. ففي نفس معمل اسمنت طاسلوجة أضرب العمال في عهد البعث ولم تطلق عليهم النار من قبل البعث.

إن السلطة المفروضة الآن على مجتمع كردستان، سلطة رأسماليين عشائريين وجشعين، وحتى أنها لا تلتزم بأي معيار وقاعدة وقانون من معايير وقواعد وقوانين المجتمع البرجوازي. وما يحكم على كيفية التعامل مع العمال ليس سوى الرغبات الجائعة لأصحاب الرأسمال الحكام لإعلاء قلعة رساميلهم.

وبمعزل عن كيف جاءت السلطة المليشياتية لهذه الأحزاب منذ البداية وكيف فرضت وكيف تم الإبقاء عليها، فإن أحداث الأشهر الأخيرة والسنة الماضية وتعامل السلطة مع الجماهير هي لوحدها كافية لأن تنزع عنها أية شرعية. فخلال هذه الفترة أطلقت النار على مظاهرات جماهير كلار بسبب رفع بعض المطالب البسيطة المتعلقة بالحياة اليومية، بحجة أن أيادي مثيرة للفوضى تقف خلفها. وأطلقت النار على مظاهرات جماهير حلبجة واقتادت قادة المظاهرات الى سجون الأمن، بنفس الحجة. وفي ذكرى كارثة الأنفال كان قلبها يتوجس خيفة من انفجار بركان غضب الجماهير، فسلحت الشوارع والاحياء والمدن للتصدي لاحتجاجات الجماهير. وردت على تظاهرات واحتجاجات جماهير رانية وقلعة دزة وجوار قرنة بنفس الشكل. في خاتمة المطاف أغرقت إضراب عمال طاسلوجة بالدماء. وإذن من تبقى في هذه الفترة لم ترفع سلطة الحركة القومية الكردية السلاح بوجهه؟ وإذا أخذت مبرراتها السخيفة على محمل الجد إذن ما الذي تبقى من هذا المجتمع لم تصل له هذه "الأيدي المثيرة للشك والريبة"؟! الى متى يمكن الإجابة على مطالب الجماهير العادلة بهذه الحجج المفضوحة والتقاليد البعثية القذرة وبدلاً عن الإجابة مطالبها يتم إمطارها بالرصاص؟!

من الطالباني والبارزاني وصولاً الى أصغر مدير لديهم، جميعهم يعترفون بتلك السرقة والنهب والسلب واللصوصية والفساد الإداري الذي يغرقون فيه هم وأحزابهم وحكومتهم. وكل يوم يقدمون الوعود للجماهير بقصد خداعها بالتصدي له، ولكن يتنامى كل يوم فسادهم ولصوصيتهم من جانب ويتنامى من الجانب الآخر الوضع المزري والبائس للجماهير أيضاً، ومع ذلك فإن ردهم الوحيد على احتجاجات وإضرابات الجماهير هو السلاح الذي بيد قوات الأمن والشرطة والبيشمركة. فقد تحول قمع الجماهير وقمع مطالب وأماني جماهير كردستان الى مرحلة جديدة من نضال ونشاط قوة البيشمركة.

ترى هل مازال هناك مجال للطالباني والبارزاني وقادة الحركة القومية الكردية للتفاخر بأنفسهم وسلطتهم وحكومتهم؟! هل مازال هناك مجال لهم للحديث عن ترسيخ الحرية والديمقراطية في كردستان؟ وعودهم القديمة طواها النسيان مع قدمها، ولكن أين هي الوعود الجديدة للبارزاين والطالباني أثناء استلامهما لمناصبهما الجديدة، حول الحرية غير المحدودة والحرية السياسية؟ أين صار التشدق والتبجح والضجيج اليومي قبل مهزلة انتخابات أواسط شهر كانون الأول الماضي؟ أين صارت وعود مسعود البارزاني للشبيبة؟ أين صارت وعود الطالباني لمعالجة اللصوصية والفساد الإداري الشامل في كل حكومته وحزبه؟ من غير شك أن ممارساتهما اليومية أجابت بوضوح على كل هذه الأسئلة. وعلى الطبقة العاملة والجماهير التحررية في كردستان أن تدخل الميدان بشكل واسع لتصفية حسابها مع هذه السلطة المليشياتية المتناقضة مع إرادتة ومطالب الطبقة العاملة والجماهير التحررية.

ما جرى في معمل اسمنت طاسلوجة مأساة كبيرة وهو في نفس الوقت إنذار كبير للطبقة العاملة والجماهير المضطهدة والتحررية في كردستان. فالحركة القومية الكردية بوصفها الحركة الرئيسية للطبقة البرجوازية في كردستان، بنفسها وقادتها وأحزابها وبرلمانها وحكومتها وكافة أجهزتها ومؤسساتها، لها تناقض عميق وجذري مع مطالب وإرادة وأهداف الطبقة العاملة والجماهير الكادحة والمضطهدة في كردستان، لها تناقض عميق مع حرية وحقوق واماني النساء والشبيبة والحرية والعلمانية والتقدمية. إنهم يريدون بأي ثمن وشكل فرض مصالحهم، مصالح الطبقة البرجوازية والرأسمالية على المجتمع. وطالما كان من ممكناً لهم أظهروا مصالحهم الرجعية وكأنها المصالح العامة لجماهير كردستان وضحوا بمصالح الجماهير في سبيل مصالحهم، والآن حيث ضاق المجال تماماً أمام ممارستهم للخديعة وذر الرماد في العيون، ألقوا بثقلهم الأكبر على القمع وسلاح قوات البيشمركة.

على الطبقة العاملة والجماهير الكادحة التمسك رغم التأخر الكبير برسالة وتحذيرات منصور حكمت. عليها فصل نفسها بشكل تام وشامل عن الحركة القومية الكردية وأحزابها، عليها إدخال صفوفها الطبقية العظيمة والمستقلة الى الميدان حول بديل جديد وراديكالي. فالشيوعية العمالية والحزب الشيوعي العمالي بديل دخول الطبقة العاملة والجماهير المضطهدة المستقل الى الميدان. يجب أن يحظى قمع إضراب عمال طاسلوجة بالرد العاجل وأن يواجه على الصعيد الاجتماعي رد الفعل الواسع للعمال والجماهير. هذا الحدث إما أن يكون خطوة أخرى لفرض العبودية وانعدام الحقوق والخمول على العمال والجماهير، أو أن يكون نقطة فرض التراجع على على الحركة القومية الكردية مقابل العمال والجماهير. فليس هناك من احتمال ثالث. ولإزالة مخاطر الاحتمال الأول وضمان الاحتمال الثاني على الطبقة العاملة أن تتخذ بخطة واضحة دور طليعة المجتمع. فرض مطالب العمال المضربين في طاسلوجة، الحرية السياسية غير المقيدة وغير المشروطة وحرية الاضراب والتظاهر والتنظيم، التحقيق في جريمة إطلاق النار على إضراب العمال بمشاركة مباشرة من ممثلي العمال وبالتالي محاكمة ومعاقبة مطلقي النار وكافة الأشخاص الذين لهم يد في هذه الجريمة...هي المطالب العاجلة الأساسية التي يجب وضعها في مقدمة المسيرة لبلورة البديل والمسار لقلب الأوضاع السياسية الحالية في كردستان لصالح العمال وجموع الجماهير والحرية والمستقبل الزاهر...ويقف الحزب الشيوعي العمالي بكل طاقاته وقدراته في طليعة ومقدمة هذا المسار ويتخذ دوراً متقدماً وطليعياً في كل خطوة يتم اتخاذها.