تجربتي في العمل النقابي بالأندلس


عذري مازغ
2021 / 2 / 7 - 21:13     

لم أكتب ولو نصا واحدا على تجربتي في العمل النقابي بإسبانيا او تحديدا بالأندلس، نعم كتبت بعض التقارير حول عاملات جني "الفريزا" (ثمار التوت) بإقليم ويلبا القادمات من دول تصدير الهجرة، كتبت الكثير من البيانات والمراسلات حول اوضاع خاصة مرهونة بزمن حدوثها ومكانها، لكن كتابة التقارير والبيانات لا تعكس إلا وجها ضئيلا من تجربتي، وأصلا هي كتابات ليست ذاتية بل تمثل الإتجاه العام المصادق عليه في التجمعات النقابية، لقد تركت الأمر حول تجربتي النقابية هاته إلى حين توفر الوقت الكافي لأجل ذلك، وقت تنضج فيه الأعمال في ذاكرتي بشكل مستقل عن التأثير النقابي، وقت تأملي يبعدني كثيراعن الكتابة التقريرية المرهونة باليومي أو الزمكاني، وقت تأملي تجريدي إلى حد ما يسمح حتى بالنقد الذاتي حيث الأخطاء في التجربة اكثر من الأمور الإجابية، لست ممن يريد الإستمتاع بمجد خاص بقدر الكتابة عن تجربة اعتقد أن سلبياتها اكثر من إيجابياتها، وأعتقد جازما أن أي عامل في الحقل النقابي يعرف هذا تماما لان حجم الإكراهات التي تركعه أكبر بكثير من حجم الإجابيات التي يتعهدها اي شخص في ذاته..!
أول فاكهة جنيتها من العمل النقابي هي أني اكرهه أكثر مما أكره نفسي، سيبدو للكثير أنه عمل وظيفي مريح أن تكون متفرغا في العمل النقابي، لكن في الحقيقة ليس كذلك، هو عمل شاق في التكييف بين حاجات العمال وحاجات النقابة وحاجاتك الذاتية وإكراهات الواقع. وهذا بالتحديد ما ستتناوله تجربتي في العمل النقابي المتفرغ بإقليم الأندلس وفي إقليم ألميريا بالتحديد.
أول عمل جمعوي وقعت عليه كان مع جمعية نسوية، قبله كنت منخرطا في نقابة صوك (نقابة محلية أندلسية هي عربيا: نقابة العمال المزارعين بالأندلس) كانت نقابة قومية بالمعنى الضيق لمفهوم القومية: نقابة قوم معين محصور في جغرافية معينة. كان عملي بالجمعية النسوية وهي تسمى "جمعية النساء التقدميات بالأندلس" تنحصر في عمل سوسيولوجي هو رصد أرقام المهاجرين والمهاجرات في وضع غير قانوني ومساعدتهم قدر الإمكان في التحصيل القانوني في تسوية وضع المهاجرين الذي نظمته الحكومة الإسبانية سنة 2005، كان عملي في هذه الجمعية شاقا جدا لأن هذه الجمعية التي كانت تترأسها سيدة كانت من المرشحين لنيل جائزة نوبل في سنة 2003 أو 2004 ، (لا أتذكر الآن جيدا)، كان مقرها مغلقا لأكثر من سنتين بحيث لم يعد يلجه العمال والعاملات في وضع غير قانوني لأسباب من بينها أن السيدة مرسيديس المناهضة لأعمال العنصرية بمنطقة إلخيدا سنة 2000 تعرضت للتهديد بالقتل إضافة إلى تحريم أبنائها من الوظائف التي يستحقونها برغم إسبانيتهم، تعرضت للمساومة بين أن تقف بجانب المهاجر أو أن تكون ضد مصلحة ابنائها فاختارت أن تجمد نشاطها باسم الجمعية النسوية التقدمية عوض أن تتنازل عن قناعاتها. لم تتنازل هذه السيدة، حوصرت اقتصاديا وإعلاميا في بلدتها إلخيدو فهاجرت إلى قرية جبلية نائية بالأندلس شمال الميريا حيث استثمرت رصيدها الإقتصادي في مشروع سياحي بدوي بعيدا عن السياسية، في 2005 أهلتني أن اتعاقد مع الجمعية النسوية التقدمية في إنجاز عمل إحصائي حول المهاجرين في وضعية غير قانونية، كان المهمة صعبة بالنسبة لي، أقتح مقر الجمعية في الوقت المعهود في عقدة الشغل، لكن المشكلة كانت أني لا أستقبل أحد، وفي حوار هاتفي ذات يوم دار بيني وبين مسؤولة في اللجنة المركزية لنقابة عمال المزارعين، هذه السيدة نصحتني بالعمل معهم لوجود فراغ في نقابتهم، كانوا محتاجين إلى شخص يتكلم الأمازيغية والعربية والفرنسية للتفاعل مع مهاجرين من المغرب ومالي والسينغال وكوني منخرط بالنقابة كان لي الحق في منصب تفرغي بالنقابة وحصل لي ذلك في جمع عام وبشكل ديموقراطي في التصويت..
وحصل أن أقوم بالتوفيق في العملين، مع الجمعية النسوية التقدمية ومع النقابة في نفس الآن: في النقابة حصل لي التوافق في إنجاز الإحصاء، نعم هذا غش مني: أدمجت احصاءات النقابة في إحصائيات الجمعية النسوية التي لم يكن المهاجرون بلجون باب هذه الجمعية بسبب من إغلاق مقرها اكثر من سنتين، كانت حاجتي للشغل تفترض أن يكون لي تواصل مع العمال المهاجرين، وكنت احققه مع النقابة اكثر مما احققه مع الجمعية النسوية وللتغفير لي في الجمعية كنت أخبر العمال باني انجز عملين في نفس الوقت وأطالبهم بالمعلومات التي تريدها النقابة والتي تريدها الجمعية.
عندما حصلت تسوية وضعية المهاجرين سنة 2005 أنتهى ايضا موجب عقدة الشغل مع الجمعية النسوية وبدأت أعمل متفرغا في العمل النقابي ومن الآن فصاعدا ساكلمكم عن تجربتي النقابية بأخطائها وإيجابياتها..
عندما تفرغت بالعمل النقابي كان اول إنجاز لي مع رفاق آخرين هو سحب البساط من تحت اقدام الذين يستغلون العمل النقابي في أغراض شخصية، كان شخص اسمه على وزن بوفرتاس يبيع المواعيد لاجل التبصيم في مكتب الهجرة بعشرين يورو رغم أن حكومة الميريا تمنح تلك المواعيد بشكل مجاني وكان يأخذ تلك المواعيد المجانية عن طريق النقابة وكان من السهل ضبطه: شراء الموعد عن طريق أي مهاجر اتفقنا معه أن يشتري الموعد ويدلنا على بائعه مقابل أن نتدبر نحن صرف ثمن قيمة وصل البيع، وحصل لنا الامر وأقصينا نحن بوفرتاس الذي كان له نفوذ كبير في النقابة بمجرد ان واجهناه في جمع عام بوصول بيعه لأعمال النقابة، كانت النتيجة قاسية عليه، هاجر إلى منطقة أخرى بإسبانيا دون ان نعرفها، لا نعرف حتى كيف تخلص من ممتلكاته بإلخيدو: كان له سكن خاص ومقهى خاص، لا نعرف كيف تخلص من كل مايربطه بإلخيدو برمشة عين..
في العمل النقابي هذا بدات أستوعب أمورا كثيرة، لقد مر عام، ونسيت الكثير من الامور التي كانت تشغلني عندما دخلت هذا المجال، كبرت مشاكلي بحجم القضايا المعروضة علينا بالعمل النقابي، كانت للنقابة ارتباطات قوية بنقابات اخرى في أوربا وكان أحد زعماء نقابتنا شخصية عالمية هو غردييو، ماركسي بمواقف قومية غريبة عني: في نقاش لنا بمريرت حاضر أساتاذ جامعي هو الآن كما أعتقد بالمعهد الملكي حول الامازيغية هو بوضريس بلعيد (ربما هذكا أتذكره) قال متوجها لأحد القوميين اليساريين ممن انتقده حول القومية العربية، رد عليه بالقول: نحن قوم، بين خنيفرة ومريرت قوم، ماذا تقصد بالقومية؟ نبهني أن القوم لا تعني أننا متوحدون في كل شيء، بل أن ستييد قومية هو نفي لخصاوصيات أقوام أخرى، كان غورديوا مرحا بشكل جنوني، من اقوله: "لكي تجابه الرأسمالية الكونية، واجهها بموروثك المحلي، في المحلي نحن الاجدر بفهم كينونتنا الحضارية"، ويقصد أن نغلب خصوصياتنا القومية المحلية في الإنتاج والثقافة والتلريخ على خصوصيات العولمة، كان القومي عندي في فهمي الخاص هو العنصري لكن غورديوا ليس عنصريا، كانت له دولة كوبا في الاندلس: ماريناليدا: المدينة الوحيدة في إسبانيا والوحيدة في الاندلس التي لها نظام خاص ورئيس بلديتها هو غورديو الماركسي الشيوعي القومي اللئيم (غورديو بالأمازيغية قد نسميه بوثشعبوط، بالإسبانية هو الغليظ أو السمين، لكن شكل غورديو ليس بالغليظ أو السمين بل فقط كرشه لتكوينه الفيزيولوجي الخاص الذي يشبه تكوين الأقزام)، في أول لقاء لي مع غورديو اختلفنا كثيرا في فهم النضال الماركسي، كنت متسلحا بنظريات مهدي عامل حول مفهوم القومية باعتبارها شكل عنصري لكن عند غورديو كان لها فهم خاص أكثر تمدنا: القومية ليست أن تكون من جنس آخر، هي أن تومن بأنك تنتمي إلى الأرض باعتبارك مواطن يدفع الضرائب فيها وليس بعرقك او جنسك، كان غورديو يكبرني سنيا واعتقد أنه كان أيضا يكبرني تجربة في كل شيء، على الأقل في مسألة المحلي: "الإرتباط بالارض هو أكبر تحدي للرأسمالية الكونية"، "ناهض الراسمالية حيث أنت". ليست لديه مواقف خاصة تجاه المهاجرين: " أي مهاجر يعمل ببلاد الأندلس هو اندلسي بالضرورة".
سأواصل حديثي عن تجربتي بالعمل النقابي بالأندلس، أحب ان أحكيها كما نضجت عندي، ولا أحب أن أحكيها وفق تجارب سردية معينة.. سيتبع