لا طريق أمام الطبقة العاملة سوى طريق النّضال


حزب العمال التونسي
2006 / 7 / 19 - 13:32     

اعتصام فنطازيا:
لا طريق أمام الطبقة العاملة سوى طريق النّضال
علمنا بعد كتابة هذا المقال أنّ عاملات وعمال فنطازيا حققوا انتصارا رائعا وتمكنوا من استخلاص التعويضات التي حكمت بها المحكمة لفائدتهم، وقد رفعوا إثر ذلك اعتصامهم في بداية هذا الأسبوع (10-16 جويلية الجاري). هنيئا لهم بهذا الإنتصار وتحية إليهم على صمودهم البطولي.
بعد أربع سنوات من الإعتصامات المتكرّرة (سبعة إعتصامات) وإضرابات الجوع الجماعيّة وغيرها من التحرّكات، تحوّلت نضالات عاملات وعمّال فنطازيا إلى رمز لصمود الطبقة العاملة التونسيّة وتشبثها بالدفاع عن حقوقها المغتصبة أمام جشع الأعراف وتواطؤ السلطة وتكالب أجهزتها القمعيّة وخيانة البيروقراطيّة المتربّعة على اتحاد الشغل. وبعد أربع سنوات من الزخم النضالي الذي غاب عن حركتنا العمّاليّة لسنوات جاءت نضالات عاملات وعمال فنطازيا لتدل رفيقاتهم ورفاقهم بنات وأبناء الطبقة العاملة على الطريق الذي لا طريق غيره أمامهم: طريق النضال والتضحية والصمود.

منذ أربع سنوات تاريخ طردهم وحرمانهم من لقمة العيش ورميهم وعائلاتهم إلى الجوع والحرمان والمرض بعد أن أفنوا أعمارهم منكبّين على آلات الخياطة دون أن يجنوا شيئا سوى الأمراض المزمنة وبعض "الملاليم" التي حكمت لهم بها المحكمة كتعويض والتي تهرّب العرف عن تسديدها بعد أن كدّس من عرقهم ثروات طائلة، وعاملات وعمّال فنطازيا يخوضون الاعتصام تلو الآخر مفترشين الأرض ليلا نهارا طيلة أسابيع وأشهر محاصرين من طرف البوليس الذي منع من الوصول إليهم حتى الأطبّاء وسيّارات الإسعاف.

إن الطبقة العاملة تجد نفسها بعد عقود من التضحية والحرمان ومنذ غدر حزب الدستور بالنضال الوطني الذي شكلت الطبقة العاملة جسمه الأكبر وركز دولة الاستعمار الجديد في 1955-1956، مسلوبة الحقوق أمام جشع أصحاب رؤوس الأموال المحليّين والأجانب الذين يتمتعون بجميع التسهيلات والحوافز وتُطلق أيديهم لمصّ دماء العاملات والعمّال ثمّ رميهم إلى البطالة والفقر دون أنّ تحرّك الحكومة ساكنا، وكيف تفعل وهي ليست سوى جهاز في يد الطبقات المستغِلـَّة يسهر على رعاية مصالحها وحماية ثرواتها وتوطيد سلطتها على الشعب الكادح! ففي حين يكابد أبناء وبنــات الطبقة العاملة الأمرّين نتيجة تدهور مقدرتهم الشرائيّة والارتفاع الجنونيّ لأسعار الموادّ الأساسيّة وتكاليف السكنى والخدمات الاجتماعيّة بأنواعها وتدنّي جودتها (صحّة، تعليم، نقل...) ويعانون تردّي ظروف العمل وتفاقم عدد وخطورة حوادث الشغل والأمراض المهنيّة لغياب أبسط آليّات الحماية و التأطير الطبّي في مواقع العمل (على عكس ما تردّده الدعاية الكاذبة للنظام) ويواجهون شبح الطرد الجماعي والبطالة ويُقمَعُونَ بلا رحمة لمنعهم من المطالبة بأدنى الحقوق ومن التنظم نقابيّا وسياسيّا من أجل النضال لتحقيقها. وفي حين يشقى أبناء وبنات الطبقة العاملة ويزدادون فقرا، يزداد المستكرشون من الأعراف المحليّين والأجانب ثروة ويتمتعون يوما بعد آخر بالمزيد من الامتيازات والتسهيلات "لأكل عرق" الشغالين و"شرب دمائهم" فبعد تجميد الأجور وربط الإنتاج بالإنتاجيّة في السبعينات وأوّل الثمانينات بتعلـّة "بناء الاقتصاد الوطنيّ" الزائفة وبعد "برنامج الإصلاح الهيكلي" منذ أواخر الثمانينات وما رافقه من هجمة على لقمة الشغالين وحقوقهم بتعلـّة مواكبة المواصفات الاقتصاديّة العالميّة وتأهيل الاقتصاد التونسي للعالميّة، اشتدّت في السنوات الأخيرة الهجمة على قوت العمّال ومواطن رزقهم بتعلـّة أن "مرونة الشغل" ضروريّة لاستقطاب الاستثمارات المحليّة والأجنبيّة" و"دعم تنافسيّة الاقتصاد التونسي" و"كسب رهان الامتياز" و"دخول العولمة من بابها الكبير"! فحلّ العمل بالمناولة محل العمل القارّ وأخذت عقود التربّص والعقود محدودة المدّة مكان عقود الانتداب غير المحدودة وأصبح الترسيم حلما صعب المنال وتفاقمت ظاهرة الطرد الجماعي لتلقي بعشرات الآلاف من العمّال إلى قارعة الطريق دون أيّ مورد لمجابهة مصاريف الغذاء والسكنى والعلاج ودراسة الأبناء حيث لا تسمن التعويضات الزهيدة التي تحكم بها المحكمة (هذا إن حكمت بها وإن لم يتهرّب العرف من تسديدها!) ولا تغني من جوع وتُسْحَبُ منهم دفاتر العلاج والتغطية الاجتماعيّة ليبقوا وأبناؤهم فريسة للمرض والموت البطيء...

إن الطبقة العاملة تجد نفسها اليوم محكوم عليها من قبل دولة البرجوازيّة التابعة بتحمّل تبعات أزمة لم تتسبب فيها بل هي نتيجة برامج نظام حزب الدستور الاقتصاديّة والسياسيّة والتي ينصاع في وضعها لإملاءات دوائر النهب الإمبرياليّة التي يعيش هو والطبقات المُستَغِلـَّة التي يُمثلها على فتاتها، فلا الطبقة العاملة هي من اختار ربط الاقتصاد التونسي بمصالح الاقتصاد الرأسمالي العالمي حتّى تتكبّد نتائج أزمته، ولا الطبقة العاملة هي من اختار توجيه الاقتصاد التونسي نحو القطاعات الهشة (نسيج، سياحة...) حتّى تتحمّل نتائج انهيارها، ولا الطبقة العاملة هي من اختار فسح المجال أمام الرأسماليّين المحليّين والأجانب للاستثمار متى شاءوا والرّحيل بثمرة عمل الشعب التونسي متى شاءوا حتّى تتكبّد تبعات إغلاق المصانع بالعشرات ويُلقى بأبنائها للبطالة والبؤس، ولا الطبقة العاملة هي من أطلق يد عصابات المافيا التابعة للعائلة الحاكمة وميليشياتها لتقطع الأرزاق وتضرب الأعناق و تسلب وتنهب وتقيم النزل والمنتزهات والقصور فوق الأراضي الفلاحيّة والأحياء السكنيّة الفقيرة. وفي كلمة، فإن الأزمة الشاملة والهيكليّة التي يعاني منها الاقتصاد التونسي هي نتيجة سياسة النظام الحاكم وحزبه المتربّعان على ظهر البلاد منذ خمسين سنة عبر القمع الدمويّ ومصادرة حريّة الشعب الكادح وتزييف إرادته بالمؤسّسات والانتخابات والاستفتاءات الصوريّة و الاستقواء عليه بالامبرياليّة الأمريكيّة والأوروبيّة بتملقها ورعاية مصالحها على حساب قوت الشعب ومصيره والهرولة نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني صنيعتها على حساب كرامة الشعب وقضاياه القوميّة.

إنّ النضالات التي تخوضها الطبقة العاملة -والتي تكثفت في السنوات الأخيرة- لن يكتب لها النجاح، إذن، إذا لم يقترن نضالها الاقتصادي من أجل الترفيع في الأجور وتحسين ظروف العمل وتطوير الخدمات الاجتماعيّة ومجانيّتها ومواجهة الطرد الجماعي وحماية الحق النقابي بنضال سياسيّ مستقلّ طبقيّا ضدّ النظام الدكتاتوري القائم وأجهزته القمعيّة ومؤسّساته الصوريّة وبرامجه المعادية للطبقة العاملة وعموم الشعب الكادح من أجل الانتصار على الدكتاتوريّة وتركيز الجمهوريّة الديمقراطيّة الشعبيّة على أنقاضها حيث يتمتع الشعب بالسيادة على ثرواته واقتصاده ومؤسّساته التشريعيّة والتنفيذية والقضائيّة والتي يمكن للطبقة العاملة من خلالها مواصلة مسيرتها النضاليّة حتى تحقيق الإنعتاق الكامل من الاستغلال والاضطهاد. و إنّ نضال الطبقة العاملة من أجل الظفر بحرّيّتها السياسيّة خطوة ضروريّة لاكتساب أدوات النضال الضروريّة لتعديل موازين القوى لصالحها على حساب قوى الاستغلال والاضطهاد. وإن حجم مساهمة الطبقة العاملة في كافة أشكال وميادين الصراع الذي تخوضه مختلف الطبقات ذات المصلحة في الحريّة السّياسيّة ضدّ الدكتاتوريّة سوف يحدّد بالضرورة حجم انتفاعها من نتائج هذا الصراع وأفق البديل الديمقراطي المنشود وبالتالي فهي مدعوّة لتوسيع مساهمتها تلك وتكثيفها حتّى تطبع أفقه بطابعها وتوجّه مساره لخدمة مصالحها الطبقيّة المرتبطة بالقضاء النهائيّ على الاستغلال وتحرير الشعب والإنسانيّة من ربقته.

في هذا الإطار يتنزل الاعتصام وإضراب الجوع الجماعي الذي يخوضه عاملات وعمّال فنطازيا منذ 22 ماي والذي برهنوا من خلاله على استعداد الطبقة العاملة للصمود أمام الاستغلال والظلم والقهر وأنها متى تسلحت بإرادة حديديّة ووعي طبقيّ متقدّم يمكنها القطع مع الجبن والخوف والتردّد وأن تخوض نضالا صارما لا تراجع فيه حتى تحقق مطالبها. وإن صمود عاملات وعمّال فنطازيا أمام القمع والحصار البوليسي وأمام حرمانهم من تلقّي العيادات الطبيّة والعلاج الضروري لوضعيّتهم الصحيّة كمضربين عن الطعام ومنع المواطنين والجمعيّات والأحزاب الديمقراطيّة من زيارتهم والاطلاع على أوضاعهم ومساندتهم وتشبّثهم بالنضال ورفضهم لأيّ أنواع المساومة على حقوقهم وحقوق رفاقهم، يعطي الدليل على الإمكانات الهائلة التي تمتلكها الطبقة العاملة التونسيّة وتكذّب كلّ من يشكّك في طاقاتها النضاليّة متى توفرت لها الظروف الموضوعيّة والذاتيّة الملائمة وأنها القوّة الاجتماعيّة الرئيسيّة القادرة على قيادة الشعب التونســي نحو الإنعتاق الكامل.

إن الملحمة التي يصنعها عاملات وعمّال فنطازيا ونتائجها سوف تؤثر في مستقبل تعامل كلّ العاملات والعمّال التونسيّين مع الأزمة التي ما انفكت تتعمّق ومع الهجمة الفاشيّة على قوتهم وحقوقهم التي ما انفكت تشتدّ. وعاملات وعمّال فنطازيا مدعوّون إذن لإدراك الأهميّة الكبرى التي يكتسيها تحرّكهم ومدى نجاحهم في الحفاظ عليه وتطويره والتخلص ممّا مازال يشوبهم من أوهام حول بن علي ونظامه بالنسبة لمجمل الطبقة العاملة وخاصّة في قطاع النسيج الذي يشهد تفاقم إغلاق المصانع والطرد الجماعي للعمّال حيث سيكون تحرّكهم بمثابة المثال الذي يحتذي به رفاقهم أبناء الطبقة العاملة في مواجهة الظروف القاسية التي تنتظرهم وسيزرعون بصمودهم روح المقاومة والنضال في قلوب رفاقهم والوعي بوحدة واقع ومصير الطبقة العاملة في عقولهم. إن الاعتصام الذي يخوضونه خرج من إطار فنطازيا لإطار قضيّة الطبقة العاملة بأسرها والشعب التونسي المرتبط مصيره بمصيرها.

- المجد لصمود عاملات وعمّال فنطازيا
- عاشت نضالات الطبقة العاملة
- يسقط الاستغلال، يسقط القمع، تسقط الدكتاتوريّة