ياعمال مناجم جبل عوام اتحدوا


عذري مازغ
2020 / 12 / 17 - 02:47     

هذا المقال موجه بشكل خاص إلى عمال مناجم جبل عوام
مئة (أو مائة) عامل يعتصمون بجبل عوام في الأنفاق والمغاور، وصمت مطبق على وضعهم في الإعتصام، لا اعرف لماذا اعتصام واحتلال المنجم عوض إضراب، لكن الأكيد ان قرار الإعتصام بالأغوار هو نتيجة تعنت إدارة المنجم شكل يعكس الحالة السادية لاطر إدارة المنجم التي قادت العمل في المنجم منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي بشكل هستيري كارثي ادى إلى وفيات في حوادث شغل غير مبررة من خلال إشاعة الخوف وخلق جو من المحسوبية مع التلويح بالطرد التعسفي لمن له مواقف لا تساير أفكار مديرها القديس "لحسن أوشطوبان"، كما لو ان تجديد بروتوكول عقد الشغل في منتصف التسعينات أيضا يسمح له بالحرية المطلقة في فسخ عقود الشغل وتفضيل هذا على ذاك بحسب ميزاجية قروسطية بالية..
احتلال المنجم والإعتصام بالأغوار والأنفاق ليس عمل صحي على الإطلاق (وأنا شخصيا جربت الأمر في تسعينات القرن الماضي)، لكن في غياب دولة مدنية تحمي حقوق الشغل كالمغرب يمكن ان تتشابه الصعوبات، يمكن ان يكون فتح حوار مع مدير سادي لا يتقن إلا لغة "الويل" مثل ما واجهه جيلي من العمال في التسعينات حيث كان احتلال المنجم منه امام تعنت حكومة البصري حينها. لقد أضطر جيلي لاحتلال المنجم لسبب أن العمال حينذاك كانوا يواجهون خمس وزارات سيادية في حكومة المغرب وليس المشكل مع إدارة مناجم جبل عوام، كانت الشؤكة الام التي هي نفسها الآن ب"حنبلها" الجديد، قد وضعت ملف إفلاس لدى المحكمة الوطنية بالدار البيضاء ووضعت درهم رمزي للتخلص من المنجم، والحال هنا أن العمال أمام هذا الوضع لم يكن لهم مع من يتفاوضون وكان احتلال المنجم هو بمثابة جواب لوزارة العدل حينها ومفاده: إن كانت الشركة قد طرحت المنجم بدرهم رمزي فالأولى أن نشغله نحن العمال بسواعدنا لان سواعدنا كانت القوة الضاربة في الإنتاج (في تسعينات القرن الماضي، سبق عمال مناجم جبل عوام بوعيهم التلقائي الرئيس تشافيز الفينزويلي في طرح عملية تأميم الشركة ووضعها في يد من يعملون بها). كان ملف جبل عوام في التسعينات يشكل مواجهة مباشرة مع خمس وزارات سيادية في مغرب الحسن الثاني واللجوء إلى احتلال المنجم حينها كان بحجم سياسي أكثر منه مسألة تتعلق بالأجور والتعويضات وحينها أيضا، كانت وحدة العمال برغم اختلاف النقابات قوة ضاربة في العمق، بمعنى اننا في وقتها تجاوزنا النقابات المركزية في مواقفها العامة المتضاربة كعمال وكان عمال مناجم جبل عوام قدوة في الوحدة والتضامن وكان احتلال المنجم ناجحا إلى حد كبير بدليل الإسراع في حل مشكلته بما هو معروف حتى الآن (أذكر ان الحسن الثاني في خطاب له ضغط لأجل حل لمشكل جبل عوام ومشكل صندوق الضمان الإجتماعي المعروف هو أيضا باختلاسات مالية لا زالت راهنية حتى الآن، وهنا لن أدخل في تفاصيل اخرى حول مجزرة حقوق العمال من طرف المركزيات النقابية الإتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديموقراطية المغربية للشغل وهما بشكل عام مركزيتان يساريتان وإن اختلفنا في التحديدات، أي انه لم تكن لدينا وقتها هذه الصلادة من النقابات المتناحرة المتواجدة الآن بالمنجم وهي صلادة يمين يسار واصولية فقهية وغير ذلك)..
في التسعينات كان الصراع على أشده بين نقابة الإتحاد المغربي للشغل ونقابة الكونفدرالية الديموقراطية للشغل وكانت الهيمنة للإتحاد المغربي للشغل في المنجم باعتباره وريث لنضال العمال بالمنجم منذ اشتغاله وباعتباره وريث الحزب الشيوعي الفرنسي بالمغرب أيضا (نعم كانت نقابة أخرى تابعة لحزب الإستقلال لكنها لم تكن ذا وزن مهم حيث اعتبرت نقابة الاطر الإدارية المنجمية حيث في إضراب 1990 تحول اغلب الاطر المنجمية إلى الإتحاد المغربي للشغل وبعضهم ممن كانوا يعتقدون انهم لا خبزيون تحولوا إلى الكونفدرالية الديموقراطية للشغل) (أحب التذكير بأن النقابات اليمينية لم تكن تخدم تاريخيا حتى مصلحة الأطر الإدارية في المنجم ليتحولوا بشكل ما إلى الإتحاد المغربي للشغل او إلى الك د ش ) أي أن وعي العمال حينها كان بامتياز يساريا لا يتساهل مع نقابات اليمين التي هي الآن تحتضن بعض عمال مناجم عوام (منجم سيدي حسب ماوصلني) أو بشكل عام (عمال مقاولات الوساطة في الشغل ) شخصيا أحمل مسؤولية التفرقة العمالة هذه لأطر نقابة الإتحاد المغربي للشغل في شخص ممثليها الأصوليون التابعين لجماعة عبد السلام ياسين ممن حولوا نقابة يسارية إلى زاوية دينية (أستطيع ان اناقش بالتفصيل في هذا المضمار وذاكرتي قوية بالتفاصيل بخصوص هذا الأمر)
هناك معركة فيها من الخطورة ما فيها الآن بمناجم جبل عوام: عمال يحتلون المنجم، سبعين منهم بمنجم إغرم اوسار وثلاثون بمنجم جبل عوام وآخرون لانتمائهم لنقابة يمينية يعملون في منجم سيدي احمد بشكل يطرح السؤال التالي: هل اختلاف النقابات يؤثر في فهم مصلحة العمال الوحدوية؟ في التسعينات أعطينا النموذج: في المعارك المصيرية ، إلى الجحيم اختلاف النقابات ، هذا الموقف هو من جعلنا نحن قدماء مناضلي جبل عوام في اللائحة السوداء بحيث حتى عندما انتقلنا إلى مناجم أخرى بالمغرب أخبرنا بأننا أناس غير مرغوب فيهم برغم كفاءاتنا المهنية، كانت مواقفنا السياسية نصب خبيث لسيرنا الذاتية (الليبيرالية والرأسمالية لا تومن بمن له رأي خاص في تدبيرها الإقتصادي والسياسي، هذه قناعة اخذتها في حقيبتي السفرية عندما هاجرت إلى أوربا، ليس هناك تلك الخرافة السحرية الفرنسية التي تقول: "أختلف معك، لكن سأضحي من اجل افكارك").
مصلحة العامل فوق مصلحة النقابة، لا يجب تحويل المواقف النقابية إلى مواقف طائفية، وهذا القول قلته أيضا أيام كان يضرب عمال شركات المقايضة في العمل باسم نقابة يمينية، قلته لمناضلين اعرفهم وهم على كل حال كانوا اصدقاء لي في نقابة الإتحاد المغربي للشغل، إن ما يوحد العمال هو واقعهم وليس نقاباتهم .
أمام الراي العام يجب أن تكون قوة العمال ضاربة في القوة امام العدو وليس أن يظهر البعض بمواقف تظهر العداء بسبب مواقف ماضية للآخرين، بعبارة اخرى : ليس لأن المعتصمين حاليا خاذلوا في مناسبات سابقة نضال عمال آخرين يجب ان نقاطع معركتهم، إن العدو في أي معركة هو نفس العدو الذي يلعب "سياسة فرق تسد".
يجب أن نعلم أن اللجوء إلى الإعتصام باغوار المنجم ليس بالحجم المفروض لولا تشتت العمال بسبب الإنتماءات النقابية المختلفة التي تمارس عملها بشكل أشبه بالطائفية اكثر منه من اعمل النقابي.
يجب أن نعرف لماذا التجأ العمال إلى احتلال أنفاق المنجم عوض إضراب عام، هذا اللجوء برغم ان المسألة لا تستدعيه سببه هو التشتيت في صفوف العمال، لقد ذكرت اعلاه لماذا التجأ عمال التسعينات إلى احتلال المغاور، ليس بسبب الاجور والتعويضات الإجتماعية بل بسبب موقف الدولة نفسها من عملية الإفلاس الوهمية

ختاما سأعيد كلمة ماركس في بيانه الشيوعي: "ياعمال العالم اتحدوا" وبشكل خاص: "ياعمل جبل عوام اتحدوا".
عذري مازغ، عامل سابق بمناجم جبل عوام