الرق الجديد

عيسى الدرازي
2020 / 12 / 3 - 10:46     

حسناً فعلت جائحة كورنا حينما كشفت ما كانت تخفيه كنتونات العمالة الوافدة طوال عقود. حجم الاستغلال والبيئة السكنية غير الملائمة كانا أكبر مما تغفله الأنوف التي أزكمها ما وصلت إليه بعض النفوس البشرية الدنيئة التي لا ترى في تكديس عشرات البشر في مساكن لا تتسع حتى لربع هذه الاعداد، أي مانع، كونها تؤتي أتاوتها كل مطلع شهر.
ولم تكتف الجائحة برفع الغطاء عن حقيقية مساكن العمالة الوافدة فحسب، بل عرّت ممارسات عديدة ومستمرة جميعها تندرج ضمن انتهاك حقوق العمالة الوافدة وتقع ضمن نطاق العمل الجبري المجرمة دولياً.
الاجتهادات الرسمية لم تتوقف لتحجيم قضايا الإتجار بالأشخاص التي غالباً ما تتخذ أبعاد دولية متشعبة جداً، وكان آخر تلك الخطوات الحميدة إنشاء نيابة متخصصة بالإتجار بالأشخاص، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح، نحو تعزيز المنظومة العدلية وتطوير فاعليتها لتحقيق المرجو منها.
وبحسب قرار النائب العام فإن النيابة الجديدة تختص “بالتحقيق في تلك النوعية من الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم (١) لسنة ٢٠٠٨ بشأن مكافحة الإتجار بالأشخاص، وكذلك المرتبطة بها في أي قانون آخر مثل العمل القسري وحجز الأجور والجرائم المؤثمة بمقتضى قوانين هيئة تنظيم سوق العمل، وتنظيم السياحة، والتسوّل والتشرد، وغير ذلك من الجرائم الماسة بحقوق الإنسان وحريته التي قد تبرز فيها صورة الاستغلال في جريمة الإتجار بالأشخاص”.
وكما يشير رئيس نيابة الإتجار بالأشخاص فإن: “جريمة الاتجار بالأشخاص قد تتداخل مع جرائم أخرى ممثلة أو مقاربة في بعض الأركان سواء فيما يتعلق بالفجور والدعارة العمل القسري وحجز الأجور وغيرها”.
لذلك فإن نطاق قضايا الإتجار بالأشخاص لا ينحصر في قضايا الاستعباد الجنسي بل تفشت مظاهر أخرى للاستعباد البشري والمتاجرة بالرق من جديد منها العمل الجبري استغلالاً لحاجة العمالة عبر استخدام أساليب قد لا تبدو ذات طابع عنيف إلا استمرار العامل في عمله دون رغبة منه في ذلك ورغماً عنه لأي سبب كان، ويكفي ذلك ليندرج ضمن مفهوم العمل الجبري.
لذلك فإن العبء الملقى ضمن اختصاص نيابة الإتجار بالأشخاص غير هيّن، وهو ما يترتب عليه إحكام المنظومة القضائية كي لا يتسرب أحد الجناة من العدالة، كما فإن ملاحقة المتسببين بقضايا الإتجار بالأشخاص تحتاج إلى تشريعات صارمة وواضحة لا تقبل التأويل، فغالباً ما يتعاقب المجرمين خلف قضايا الاتجار بالأشخاص، ما تستوجب سن تشريعات تضمن ملاحقة مرتكبي الجريمة في سلسلتها الهرمية من بدايتها حتى القاعدة.