لماذا تكرر تمردّ عمّال الشركة التونسية للكهرباء و الغاز على نقاباتهم ؟


سفيان بوزيد
2020 / 11 / 30 - 22:43     

الستاغ : تمرد عمّالي خارج سيطرة النقابات و الادارة

سفيان بوزيد طالب باحث في علوم الاعلامية



تشهد البلاد في الآونة الأخيرة اضرابات متواترة على غرار مؤسسة العدالة من قضاة و أعوان العدليّة ، كما تتالى ميلاد التنسيقيّات المنظمّة للاضرابات امام مؤسسات الانتاج الحيويةّ التي تمسّ مصالح المواطنين مباشرة من انقطاع قوارير الغاز و البنزين خاصّة بالجنوب التونسّي.

كما لوحظ مؤخرا اضطرابات عمّالية داخل وحدات الشركة التونسيّة للكهرباء و الغاز و انقطاع للبعض من خدماتها الأساسيّة ، و يبدو انّ التحركاتّ العمالية بعدد من أقاليم الشركة (جبنيانة ، قسم العمران لصيانة معدات التوزيع ، تونس المدينة ،محطة فريانة لإنتاج الكهرباء ، اقليم سوسة الشماليّة ، المنزه، القيروان الشمالية ، صفاقس، محطاّت التربينات الغازية بالقصرين….) اخذت بالخروج عن سيطرة النقابات التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل.

و قد مثلّ فشل الجلسة التفاوضية التي عقدت بين ممثليّن عن وزارة الصناعة و الطاقة و المناجم و جامعة الكهرباء و الغاز بتاريخ 25 نوفمبر 2020 و المتمحورة حول المفاوضات الترتيبّة التي تهمّ بصفة مباشرة أعوان و إطارات الشركة ، نقطة مفصليّة لاندلاع التحركّات العمّالية الفجئيّة خارج الأطر النقابيّة المعهودة :فالملاحظ أنّ العمّال أضحوا شديدي التنظيم ، فصدرت بيانات التنديد بفشل المفاوضات ، رغم محدوديّة انعكاساتها الماليّة ، و تطورت الامور من وقفات احتجاجيّة الى إضراب عام مفتوح ، مع مشاركة واسعة من العمّال ، كما لوحظ وجود عناصر “ثوريّة” تقود الحراك دون غطاء نقابي .

الملاحظ أيضا أنّ النظرة العمّالية للنقابات يسودها الشكّ و اللاّثقة فأصبحوا ينعتوها بالإنتهازيّة و بخدمة مصالحهم الشخصّية و أجندات لفائدة أشخاص متنفذيّن إمّا في الإدارية و بل داخل الهيكل القيادي النقابي ، و قد توضحّ ذلك خاصّة في الخلاف حول تعديل الفصل العشرين من قانون الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يسمح بالتمديد لاعضاء المكتب التنفيذي بالترشح لعهدتين و هو ما ولدّ معارضة نقابيّة “القوى النقابية الديمقراطية” اتهمت المكتب الحالي بالدكتاتورية و الانقلابيّة و طبعا لم تكن جامعة الكهرباء و الغاز خارج صراع المركزيّة النقابية .

كما ان ادارة الشركة التونسية للكهرباء و الغاز تسعى دائما لتوريط جامعة الكهرباء و الغاز و رغم انّ ذلك ظاهريّا يستدعي الاعجاب و التشجيع باعتبارها تقوم بتشريك طرف ممثّل للعماّل في نقاط معينّة ، على غرار “اللجان الادارية المتناصفة” و التعاونيّة ، و لكنّ لا رأي لممثليّ النقابات في السياسة العامّة للشركة بابعادها المتعددة ، و لعلّ الفصل 105 الصادر في 25 فيفري 2020 و المتعلقّ بالاستثمار في الطاقات المتجددة و تفاقم المديونيّة علاوة على المشاكل الفنيّة في شبكات نقل الكهرباء اكبر دلائل على ذلك .كما ان الخطير يكمن في تحميل العمّال وضعيّة الشركة المتأزمة ماليّا لأن لديهم الكثير من “الإمتيازات” و “المنح” و تكريس عقليّة “رزق بليك” وتكون الخلاصة في اختصار و تأكيد دور النقابة فقط على المطالبة الاداريّة و الماديّ.

نقطة أساسيّة أخرى ، تضرب العمل النقابي في صميمه اكثر من اضراب فاشل : فالاحساس تحول الى قناعة تامّة ان مسؤولي النقابات اضحوا يمثلون الطبقة “الأوليغارشية” النقابيّة ، ذاتيّات استهلاكيّة ، نقابيّون ذوو العقليّات المحاسبتيّة ، و نرجسيّون و بل تافهون دون تخطيط ، دون لقاءات ، دون استراتجيّة بتفكيكهم للوحدة العمّالية

ان الطرح الأساسي اليوم الذي نعاينه في احتجاجات اعوان الشركة التونسية للكهرباء و الغاز ،حول الحركة العمّاليّة كحركة “سياسية” في بعدها الأرقى ام عليها ان تمتثل لقواعد ادارية مترهلة و تخضع لدينامكيّة القوانين البيروقراطيّة مع ما انظاف لها من مصطلحات خاصّة ما يعرف “بالحوكمة” حيث تدعى النقابة لا كفاعل اساسي لاعادة ارساء قواعد جديدة اجتماعية و مهنيّة بل فقط لاضفاء دعم عماليّ على سياسة “تسليع” الكهرباء و الغاز.



ختاما ، هل ان افراز نقابات فاشلة هو انعكاس أيضا لحالة سياسية وجدت في تونس ، ّ مجلس نواب الشعب بتلوناته الشعبوية و اليمينيّة ابرز دليل ، ام ان النقابات العمالّية اضحت جزءا من بيروقراطية سلطة محلية تعادي الرفاق العماليين؟