المآسي الاجتماعية لا تنتهي بجبل عوام- من أجل مؤسسة عمومية للرعاية خاصة بعمال المناجم وأسرهم. بقلم، إ.س صحافي متضامن


المناضل-ة
2020 / 11 / 3 - 05:01     

جبل عوام، بمجرد ذكره تخطر على البال صفحات مجيدة. صفحات من نضال عمال المناجم ومكاسبهم. صفحات طواها أرباب العمل و الدولة بعملية تصفية الشركة في التسعينات، تلك التصفية المصطنعة التي كانت غايتها بالذات هي تحطيم مكاسب الشغيلة، وفرض هشاشة التشغيل لتضخيم الأرباح.
قرابة نصف عمال مناجم جبل عوام يتم استغلالهم اليوم ببشاعة عبر ما يسمى المناولة.
هذه الطريقة في الاستغلال الرأسمالي خلقت تمييزا بين العمال في الدخل والمنافع، فرغم القيام بنفس العمل لا يحصل العامل لدى مقاولة المناولة على ما يحصل عليه العامل الرسمي. وهذا طبعا رغم أنف الجمل التي تنص في مدونة الشغل على عدم التمييز بين العمال.
ما يمسى المناولة ليس إلا غطاء للإفراط في استغلال العمال، وإعطاء فرصة اغتناء لأرباب مقاولات المناولة على ظهر العمال. فمعظم هذه الشركات إنما تعمل بمعدات المقاولة الأصلية وتجهيزاتها. و لا تقوم عمليا سوى بتسجيل العمال لديها، كي تتملص منهم الشركة الأم، وتوزع عليهم الأجور الهزيلة.
وكما هو الحال في جميع الصفقات التي يتم تمريرها من طرف آمر إلى منفذ، يفتح اعتماد المقاولات من باطن مجالا واسعا للفساد، وتقاسم الغنائم. بل ثمة حالات يتم فيها إحداث مقاولات صورية من باطن لمجرد النهب والاختلاس.
وهذا ما يلزم الوزارتين الوصيتين، وزارة التشغيل ووزارة الطاقة والمعادن، بإجراء تحقيق دقيق، تشارك فيه منظمات العمال، للتأكد من خلو القطاع المنجمي من هذه الظاهرة الخطيرة التي يغتني بها الفاسدون المفسدون وتتضرر بها الطبقة العاملة. وبالطبع يمكن لأجهزة الدولة الحصول على المعلومة بطرقها المتعددة المعروفة، لو كانت ثمة نية في القيام بهذا العمل.
واعتماد المقاولة من باطن هو أيضا طريقة مفضوحة لتجنب تطبيق قانون المنجمي [ظهير 24 ديسمبر 1960]على قسم من العمال. فتطبيق هذا القانون يشترط وجود300 عامل في المقاولة المنجمية [ الفصل 1 من ظهير 24 ديسمبر 1960 ]. ورغم أن هذا القانون ينص على إمكان تطبيقه على مقاولة من 100 عامل بقرار من وزارة الطاقة، فإن ذلك لم يتم قط في مقاولات المناولة المتكاثرة في مناجم المغرب. وهذا ما يوضح دور الوزارة والدولة برمتها إلى جانب أرباب العمل.
ليس كل ما جاء في القانون لصالح العمال يجد طريقا إلى التطبيق ، لا بد من نضالهم.
من المعلوم أن ظهير 24 ديسمبر 1960 ينص على انتخاب مندوبي السلامة الذين يتفرغون بالكامل لتتبع شروط الصحة و السلامة في المنجم. وبعدم وجود هؤلاء في مقاولات المناولة يزداد تعرض عمالها لخطر حوادث الشغل وأمراضه.
باختصار يعتبر إدخال المناولة الى المناجم جريمة بحق العمال، الذين يوضعون في جهنم الاستغلال لينعم أرباب العمل في فردوسهم.
وطبعا تنعكس هذه الإخطار على الأسر العمالية حيث أن موت العمال في الحوادث الخطيرة يخلف أرامل وأيتاما. لم تكن أجرة العامل تكفي حاجاتهم، فما بلك بما يبقى لهم بعد موته.
عامل المنجم في المغرب عامل مقهور ومحكور، يجري استغلاله أبشع استغلال وعند التقاعد يعيش فقرا أكثر مما عاش وهو عامل. عامل المنجم المتقاعد ، أو أسرة العامل المتوفي، أرقام يسقطها رب العمل من حسابه . ما تحتاجه الأسر العمالية بالمناطق المنجمية هو مؤسسة وطنية تضمن لقدماء المناجم وأسرهم حياة كريمة: دخلا لائقا و حماية اجتماعية في المستوى المطلوب وسكنا لائقا.
وهذا العيش الكريم هو من التطلعات العمالية التي يحققها النضال. هذا متحقق نسبيا في بلد كفرنسا. حيث توجد بهذا البلد مؤسسة عمومية خاصة للعناية بعمال المناجم القدامى وأسرهم. تأسست عام 2004 تحت اسم الوكالة الوطنية لضمان حقوق عمال المناجم .
يتمثل دورها في ضمان باسم الدولة للحقوق الاجتماعية لعمال المناجم القدامى و ذوي حقوقهم. وفي 2007 أضيف اليها المنجميون الذين لا يزالون يعملون. و في 2012 أضيف إلى مهامها تدبير الرعاية الصحية والاجتماعية. وفي 2014 أضيفت سياسة العطل والترفيه ونظام الضمان الاجتماعي الخاص بعمال المناجم.
يستفيد 170 97 شخص من عمال وأسرهم من منافع عينية وتقاعد نسبي و 102 25 مستفيد من الرعاية الصحية و الاجتماعية [أرقام ديسمبر 2019]
كما تشرف هذه الوكالة على تسيير مكاسب عمال المناجم في التدفئة و السكن والمنح الدراسية لأبناء العمال طبقا لقانون العمل بالمناجم الفرنسي [ قانون 14 يونيو 1946] وكذلك التعويضات لأيتام العمال ضحايا الحوادث القاتلة بالمناجم. زد على ذلك العديد من الخدمات الأخرى حسب تنوع حالات العمال الذين مروا من المناجم.
نعود الى المغرب. ماذا هناك؟
الموت للعمال و البؤس للأرامل و الأيتام.
حتى النزر القليل الذي ربما لا يزال يستفيد منه بعض العمال بمقتضى قانون 24 ديسمبر 1960 مهدد بالزوال. مثال ذلك السكن الوظيفي الذي تبقى فيه أسرة العامل بعد تقاعده او وفاته.
مشروع تعديل قانون 24 ديسمبر 1960 الذي وضعته وزارة الطاقة والمعادن ينص على إرجاع السكن إلى الشركة المنجمية أوتوماتيكيا وإلزاميا في اجل 6 أشهر بعد فسخ عقد الشغل لأي سبب [ تقاعد، طرد، وفاة ...] وإلا غرامة ربع الأجرة اليومية عن كل يوم تأخير . بينما كان قانون 1960 ينص على إمكان الاحتفاظ بالسكن باتفاق مع رب العمل.
فرنسا فيها مكاسب مهمة عند عمال المناجم لأن فيها تاريخيا حركة نقابية قوية ومكافحة هي التي فرضت تلك المكاسب، كما فرضت مكاسب في مجال الحريات والحقوق الإنسانية .
البرجوازيون ، في المناجم وفي جميع القطاعات، مصاصو دماء العمال. و لا يهمهم مصير الضحايا والمتقاعدين والأيتام و الأرامل. تهمهم الأرباح. هذه هي الرأسمالية بديمقراطيتها . و الاستغلال الرأسمالي لا جنسية له، فقط النضال العمالي هو الذي يوقفه عند حده، وحتى يقضي عليه أحيانا، كما شهد التاريخ.
وللموضوع بقية