المشهد النقابوي بالناظور: بين التبطيق والاسترزاق وتحريف المضمون الكفاحي


لنشيد خط الكفاح
2020 / 8 / 6 - 10:43     

"النقابة هي منظمة بروليتارية تخوض فيها الطبقة العاملة نضالها اليومي ضد الرأسمال وتكون لها بمثابة مدرسة"
نعلم جميعا مهام النقابات وعلة وجودها وسياق تأسيسها، وندرك إدراكا عميقا أن من يخرج من صلب الشعب ويعبر عن تطلعاته سيمكث في الأرض ويتشبث به كل مناضل حر، ومن يعمل وفق سياسة التعاون الطبقي ويكون همه تسوية المشاكل بالتنازلات، وفرملة النضالات الجماهيرية، وجر الشغيلة إلى إصلاحات آنية جوفاء تخدم الرأسمال وتشرعن هجوماته المتواصلة عليه ( التلطيف الطبقي)، ويعمل على إفشال أي مبادرة وحدوية ميدانية بإطلاق التهم الجاهزة وطرد المناضلين حتى من فروعهم أوتجريمهم والتضييق عليهم و استخدام عبارات مثل (هذوك كلاكلية/النضال والمناضلين ديال الجامعة) مع التهرب من تحمل المسؤولية والانسحاب من المعارك بداعٍ أن هذه المعركة أو ذاك الملف يتبناه إطار ما.
وقد تحدث لينين عن بعض مظاهر النقابوية قائلا إن "التطور العفوي لحركة الطبقة العاملة يؤدي إلى إخضاعها للأيديولوجية البرجوازية…فالحركة العفوية للطبقة العاملة هي النقابوية … والنقابوية تعني إخضاع العمال أيديولوجيا للبرجوازية". ومن مثل هذه المظاهر، وإضافة لما قيل لاحظنا قيام بعض أصحابنا باستقطاب المناضلين النوعيين المقبلين على دخول المعترك المهني وإطفاء جذوة النضال فيه وإقباره وجعله رقما في الصور أمام جنبات المسيرات والمعتصمات (إضافة إلى تقبيعهم لإضهار القوة والتباهي بالأرقام في الأشكال) وبذلك تفقد التنظيمات الشعبية مناضلا، وتكسب مثل هذه النقابات/الخيريات/الجمعيات رقما إضافيا في عدد المنخرطين الذي لم يكن ولن يكون أبدا معيارا لكفاحية أي تنظيم وخدمته الحقيقية للشغيلة.
ماذا نقصد بهذا الكلام؟
نقصد به بوضوح شديد أن بعض ممتهني العمل النقابي أو النقابويين الخاضعين للإديولوجيا البورجوازية في إقليم الناظور، يخدمون بوعي أو بغير وعي نقيض الشغيلة التي يدّعون الدفاع عن مصالحها الآنية والإستراتييجة، وذلك بعملهم الحثيث والـمـستمر على تحويل مسارات الصراع، بمحوهم إمكانات المواجهة بين التحت والفوق، وبخدمتهم مصالح الفوق بذريعة خدمة مصالح التحت، وهذا يدل على فقدان البوصلة لدى هؤلاء، وعلى الشغيلة بإقليم الناظور أن تغادر مقاعد المتفرجين وتنهج حلا شعبيا لمواجهة المشكلة البيروقراطية التي لم تقبع فقط في سدة المركزيات بل امتدت عدواها إلى بعض المكاتب الجهوية والإقليمية ووصلت حتى الفروع والجماعات، فبدل الكشف عن التناقضات الرئيسية وتوجيه السهام لها ومواجهة مخططاتها وإيديولوجيتها وتتبع مطالب الطبقة العاملة وخدمتها، وتأطير مناضليها بالندوات وتقديم كرونولوجيات هذه الإطارات و مناقشتها مع العمال والتعريف بأبرز معاركها وكذا مواقفها من مختلف القضايا -التي ضحى من أجلها الشهداء-إضافة إلى تفكيك مختلف المخططات الطبقية بمنظور شعبي، نجد هؤلاء ينهجون طرقا تقليدية في الاستقطاب العلني والخفي، المباشر و حتى الرقمي بتقديم الـمَشورات الخيرية بدل الصدع بالمواقف الصلبة للإطار، ونهج سياسة (درتْ فيك الخير) لبيع البطائق كأنه في مقاولة تجارية، ولا يكتفون عند هذا الحد بل يعمل محترفو النقابوية على تفريغ المنخرط من أي حس نضالي تخويفا بالقانون و(بتجربتهم الإقليمية)، وينتج عن كل ذلك ظاهرة الشّماعات بتعليق الأخطاء على بعض الأشخاص، وشخصنة النقاشات- ولنا أمثلة لا تعد ولا تحصى في ذلك- وإدانة القرارات وتوجيه وكيل الاتهامات. وبقدرة قادر تتحول عند هؤلاء فجأة الأزمة التي تعاني منها الشغيلة قاطبة من أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية إلى أزمة جغرافية وأزمة أخلاقيات وأقوال (هذا من الجهة الفلانية وآخر من المدينة الفلانية وذاك من المجموعة الفلانية) بدل خوض الصراع الفكري لإقصاء كل ما هو خاطِئ انسجاما و قوانين الدياليكتيك.
ومن جهة ثانية، خاصة في ظل الأزمات الدورية للرأسمالية، التي لم تعد بمقدوها أن تمنح شيئا للعمال، بل تحاول استرجاع ما تنازلت عنه سابقا، وتسعى إلى أن يؤدي عالم الشغل ثمن أزمتها كي تستعيد أرباحها، وهذا هو مضمون الهجومات المتتالية على مكتسبات الشغيلة وحقوقها، لهذا فعلى (صاحبنا النقابوي) بدل الاشتغال موسميا واحتراف مهنة الصيد والقنص أن يقرأ بعض مهامه ويراجع علة وجوده التي لن تحيد عن الخط الشعبي وامتدادته في كل قطاع ومهنة، ولن تحيد كذلك عن المبدأ الكفاحي والدفاعي عن كل المصالح الآنية والإستراتيجية للعمال، وموازاة مع ذلك النضال ضد الاستغلال الرأسمالي. ونظن أن أكثر الطرق فعالية لبلوغ هذا الهدف هو العمل النضالي المباشر الميداني الوحدوي أي توحيد العمال بدل تقسيمهم وإدخالهم في صراعات هامشية ولعل نمودج زاكورة لخير دليل، وليس نهج سياسة التعاون الطبقي ولعب دور الوسيط أحيانا والإطفائي أحايين أخرى، هذه هي الخلاصة الأولى.
إلا أن هناك خلاصة أخرى نعتبرها أساسية وحاسمة هي طرح نظرة شمولية ومنسجمة من أجل محاربة الفساد من داخل الإقليم ومواجهة كل أشكال البيروقراطية وأسبابها وتجلياتها من أجل مصالح الشغيلة والكادحين، لكن هذا يبقى خطابا ديماغوجيا إن لم يُسند ويُشفع بفعل ميداني وحدوي واضح المعالم مبني على فكر وإيديولوجية الكادحين منتبه لكل الأساليب الجديدة التي تستعملها الرجعية في التضليل وخاصة شعاراتها وخطاباتها الجوفاء الـمُفرغة من المضامين الكفاحية والمحتويات العملية والجدلية. إضافة إلى هذا فإن خدمة الشغيلة -مهما كانت الظروف والاعتبارات الوقتية- يقتضي الاعتماد على الفكر العملي، ويقتضي الانطلاق من معقل الداء بغية استئصاله نهائيا، ويقتضي التمييز بين التناقضات دون تذبذب والتواء، ودون رضوخ، بل بفكر مقاوِمٍ ومواجِهٍ وفاضِحٍ أساليبَ النفاق والتهديد التي تعودت الطبقات المستغِلة على استعمالها وفرضها. ولا بد من تحديد المواقع وأجرأة المواقف ميدانيا ببرامج نضالية وحدوية وممارسة النقد والنقد الذاتي انسجاما مع منظومة (وحدة-نقد-وحدة...) لتمتين هذه الوحدة وتطويرها(نموذج الإضراب المشترك الناجح في إقليم الناظور 11 مارس 2020) وليس الاكتفاء بالرفض أو الانسحاب وتحميل المسؤولية للآخر لأن اللاموقف في آخر المطاف هو موقف يخدم الرجعية.
ونحن نعتقد اعتقادا راسخا أن المناضلين(كانوا نقابيين أو غير ذلك) الذين ضمنوا ويضمنون استمرار حركة المجابهة والمقاومة والممانعة بمضامينها الشعبية هم الممثلون الحقيقيون للشغيلة وتقاليدها الحقيقية؛ تقاليد اليقظة والمبادرة والتضحية ضد كل محاولات التسطيح والتبضيع والتجهيل والتفقير والتمويه...
فليخدع الكذابون والمنافقون والأغبياءُ والعميانُ وأنصارُهم الشغيلةَ متشدقين بالخطابات الرنانة الفارغة من المضامين الكفاحية وبالانتصارات الخيالية ذات المضامين التراجعية الانهزامية وبالمكتسبات المسمومة، أما نحن فإننا نقول للأساتذة والأستاذات انزعوا القناع عن وجوه هؤلاء الكذابين افتحوا عيون هؤلاء العميان وتساءلوا؟
انتصار لأي طبقة؟ طبقة المستغَلين أم طبقة المستغِلين؟
ونعتقد أن من يتحدث عن خدمة الحقيقة وخدمة الشغيلة ويدّعي المرافعة عنهم، ولا يطرح برنامجا نضاليا إقليميا، بل يكتفي بسرد تضحيات ومعارك الأمس ويتشدق بالقول ولا يجتازه إلى الفعل والممارسة إنما هو ألد أعداء الشغيلة، إنه ذئب ارتدى جلد الحمل، وخصم عنيد للشغيلة، وخادم لأعداء الشغيلة، وهنا يظهر بالواضح والملموس الفرق الجذري حيث اعتنوا بالطلاء الخارجي البراق للنقابة وتناسوا قصدا وعجزا جوهرها المتين، فجاءت تواريخهم صورة مشوهة ناقصة فاضحة لهم. لكن جماهير الشغيلة العظيمة قد بدأت حركتها فعلا والدليل على ذلك تفنن أعدائها في ابتكار أساليب جديدة لممارسة العنف ضدها، و لمعاودة الهجومات بطرق غير معهودة، لكن هيهات ثم هيهات فمهما انتزعوا الأشجار فلن يستطيعوا أبدا منعنا من احتضان البذور.
وقبل الختم نقول لهؤلاء إن الإنقاذ المنشود هو إنقاذ الشغيلة من نير الاستغلال الممارس عليها والهجومات المتواصلة على مكتساباتها التاريخية، وإنقاذها مما تتخبط فيه وتتعرض له من أخطار على كافة الأصعدة خاصة في ظل تحميلها كلفة الأزمة. وذلك لن يتم إلا عن طريق إيقاظ القوى الكامنة فيها وتوجيهها ضد أعدائها الحقيقيين، أجل هذه القوى الكامنة وحدها هي التي تستطيع أن تضغط على (حكوماتها ووزارتها) وتكُرِهها على وقف زحف خطر المخططات الطبقية، ونقول لهؤلاء ولأولئك أن النضال لم يكن و لن يكون أبدا بالوكالة وإنما هو فرض عين على كل قادر، وهو نضال مزدوج ضد جبهتين؛ النقيض الحقيقي المباشر الذي يُنزّل في كل حين ولحظة ترساناته القانوية والسياسية والإعلامية لحماية مخططاته الطبقية، وكل من سولت له نفسه جعل الإطارات الشعبية فارغة من المضامين الكفاحية التي أسست من أجلها ويجعلها ذات مضامين استرزاقية.
ونصل للخلاصة الأخيرة التي تهم كل أستاذ فرض عليه التعاقد وهي أن أولوية الأولويات عند الأساتذة المفروض عليهم التعاقد هي تقوية هياكل التنسيقية وتجديدها باستمرار لتحقيق مطالبنا العادلة والمشروعة المسطرة في ملفنا المطلبي والتي يأتي على رأسها إسقاط مخطط التعاقد والإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية. وحري بنا التذكير بأن التنسيقية تأسست كإجابة علمية حتمها الفراغ والتخاذل والتواطؤ والصمت والهروب من المواجهة.
و قد جاءت هذه التوضيحات تضع حدا لكثير من التساؤلات و تحبط كثيرا من مناورات التزييف والتضليل في هذا الظرف الدقيق الذي يعيشه شعبنا المهدد بالمجاعة في الشهور المقبلة والذي لم يبق لديه إلا الدعاء من أجل المطر.
إن قولنا هذا لا يعني أن كل المسؤولين النقابيين بيروقراطيين أوكانوا بيروقراطيين من البداية فنحن نعلم علم اليقين أن في كل التنظيمات مناضلين مخلصين لهم تكوين نظري وسياسي وينهلون من الخط الشعبي، لكن البيروقراطية تحاصرهم وتمارس التضييق عليهم.