في الذّكرى ال75 لتأسيس -اتحاد النقابات العالمي- (5): وفاق نقابي فلسطيني وتلاعب انتدابي -صهيوني


جهاد عقل
2020 / 6 / 6 - 11:45     


لم تتوقف الحكومة البريطانية ومعها الحركة الصهيونية، عن المحاولة لتقليص عدد أعضاء الوفد النقابي الفلسطيني، إلى عضوين فقط. أي إلغاء سفر النقابي بولس فرح ممثل "اتحاد النقابات وجمعيات العمال العربية في فلسطين" -أي ممثل اليسار-إلى المؤتمر، ومحاولة إلغاء قرارات الحركة النقابية الفلسطينية، بل ومحاولة زرع بذور الفتنة والشقاق.

وعن هذا التطور غير المتوقع من جانب النقابات الفلسطينية، إلغاء سفر النقابي بولس فرح وتحت عنوان "احتجاج العمال العرب حول وفد لندن" كتبت صحيفة "فلسطين" ما يلي: "قابل ظهر اليوم وفد عن المنظمات العمالية العربية في فلسطين المستر كازنز مدير دائرة شؤون العمل بالوكالة، واحتج لديه على عدم تسهيل الحكومة لمندوبي العمّال العرب الثلاثة السفر إلى مؤتمر النقابات الدولي في لندن وطلبها في اللحظة الأخيرة أن يكون الوفد من اثنين فقط بينما تسمح للهستدروت ب ٢٠ ممثلًا، وأصَرّ الوفد على سفر وفد العمال العرب كاملًا والمفهوم أنه ستعقد هيئات العُمّال العرب في أنحاء البلاد اجتماعات للاحتجاج على هذا التصرف." (1)



وكانت قضية رفض سلطات الانتداب منح النقابي بولس فرح تصريح سفر، قد أثارت غضب قادة الحركة النقابية العربية الفلسطينية، وعن ذلك نشرت صحيفة "فلسطين" خبرًا تحت عنوان "برقية العمال العرب المجتمعين في يافا بتأييد وفدهم إلى لندن" (2) تنقل عبره الصحيفة تفاصيل اجتماع فروع "جمعية العمال العربية الفلسطينية"، في كل من يافا والقدس والناصرة وبيت لحم و"اتحاد نقابات وجمعيات العمال العرب في حيفا"، قام المجتمعون بعده بإرسال برقية إلى "سعادة السكرتير العام مدير شؤون العمل واللجنة التحضيرية لمؤتمر النقابات في إنجلترا ..."(3) وجاء في الخبر أيضًا أن المجتمعين "يصرّون على إرسال الوفد المؤلف من السادة حنا عصفور وبولس فرح وسامي طه لمؤتمر العمال في إنجلترا، وأننا نؤيد بالدرجة الأولى السيدين سامي طه وبولس فرح كممثلين حقيقيين ولا نرى مانعًا أن يكون ثالثهم حنا عصفور"(4).

هذه البرقية بنصّها أظهرت لنا أن الأكثرية في الحركة النقابية (التيار اليساري) لم تؤيد سفر حنا عصفور، لكنها قبلت بسفره على مضض ومن منطلق المسؤولية في الحفاظ على وحدة الحركة النقابية الفلسطينية التي كانت هدفها الأساسي لا غير.



ويقول د.موسى البديري عن الدور البريطاني -الصهيوني والجناح اليميني في الحركة النقابية الفلسطينية، ومعارضة سفر النقابي بولس فرح الى المؤتمر التحضيري لإتحاد النقابات العالمي بلندن وأنه تم التوافق في المواقف بين هؤلاء خاصة سامي طه الذي لم يسلم بالقرار الديمقراطي بأن يكون الوفد ثلاثيًا: "وعارض ترشح بولس فرح لا سامي طه فحسب، بل السلطات أيضًا التي أخرت منحه تأشيرة سفر إلى لندن الى ما بعد بدء المؤتمر"(5).

أما صحيفة "الاتحاد" فكتبت خبرًا لها تحت عنوان "معلومات آخر لحظة، العمال العرب يقولون: نريد أن يذهب وفدنا كاملا..." جاء فيه: "كانت الحكومة في السابق قد أذنت لثلاثة ممثلين عن العُمّال العرب بالذهاب إلى بريطانيا لحضور مؤتمر النقابات الدولي الذي سيعقد قريبًا هناك."(6)

وتشير الصحيفة إلى قرار مؤتمر جمعية العمال في غزة بانتخاب طه مندوبًا والمحامي عصفور بصفة مراقب، والى قرار اتحاد نقابات وجمعيات العمال العرب بحيفا انتخاب بولس فرح ممثله في المؤتمر وأن العُمّال جميعهم أجمعوا على أن يذهب الوفد موحدًا، وأضافت "الاتحاد" في خبرها أيضًا: "وفي آخر لحظة قبل ثلاثة أيام! تراجعت الحكومة عن وعدها، فلم تسمح إلا لإثنين بالذهاب إلى لندن. ولم تكتف بذلك بل تدخلت في اختيار هذين الإثنين ولم تسمح إلا للسيد سامي طه والمحامي حنا عصفور بالذهاب ومنعت السيد بولس فرح من الذهاب دون أن تستشير العمال أو تأخذ موافقتهم". (7)



وتشير "الإتحاد " في الخبر نفسه إلى الاجتماع الذي عقدته النقابات الفلسطينية في مدينة يافا يوم 18/1/1945، وإرسال البرقية والاجتماع مع مدير دائرة العمل بالوكالة وتختتم خبرها بتصريح للنقابي سامي طه: "وصرح السيد سامي طه (حيفا) لمندوبنا في القدس مساء الجمعة الماضية، أنه يصر على ذهاب الوفد كاملًا مؤلفًا من ثلاثة مندوبين حتى يمثل العمّال العرب تمثيلًا صحيحًا". (8)



سفر طه وعصفور وعدم الالتزام بوحدة الصف

لكن سامي طه وزميله حنا عصفور لم يلتزما بهذا التصريح ومجرد حصولهما على تأشيرة السفر جعلهما يذهبان دون المندوب الثالث فرح، أي أن تصريح طه كان مجرد دفع ضريبة كلامية لا غير، وفيه توافق مع الموقف الانتدابي.

وفي خبر لصحيفة "فلسطين" تحت عنوان: "سفر وفد العمال العرب اليوم الى لندن اليوم وعهده قبل السفر" تشير فيه إلى موافقة الحكومة على سفر أعضاء الوفد سامي طه وحنا عصفور وعدم التصريح للنقابي بولس فرح بالسفر وأنه ستجري مقابلة مع مسؤول حكومة الانتداب بهذا الخصوص. وتكتب الصحيفة في خبرها هذا بخصوص سفر عضو الوفد الثالث للوفد: ”فإذا ورده تصريح لحق بزميليه السيدين حنا عصفور وسامي طه اللذين سيسافران غدًا في الساعة السادسة صباحًا حيث تقلهما طائرة الى مصر ومنها الى انكلترا، وسيقيم السيدان عصفور وطه في لندن حتى أواسط آذار القادم ...”(9) وفي نفس الخبر نشرت الصحيفة بيانًا صادرًا عن عضوي الوفد طه وعصفور يتعهدان فيه بتمثيل العمال "تمثيلا صحيحا" والتأكيد على أهمية الاعتراف الدولي بالجمعية وكشف الحقائق عن فلسطين وحركتها النقابية، وجاء في فاتحة البيان :”إننا نعلم عظم المسؤولية وصعوبة العمل ومخاطر السفر ولكن جميعها تشد عزائمنا وتقوي عقيدتنا فتدفعنا إلى الأمام غير مبالين بالأخطار في سبيل تأدية رسالتكم وإسماع العالم قضيتنا العادلة. فبينما نغادر فلسطين مسلحين بثقتكم ومزودين بآرائكم السديدة نرجو دوام اتحادكم ومؤازرتكم لنا ...”(10).



لا بدّ من الإشارة الى ان هذا البيان لم يحمل أي استنكار بخصوص قيام سلطات الانتداب البريطاني منع سفر زميلهم العضو الثالث في الوفد، الأمر الذي كان يجب ان يكون في بداية البيان وتوافقًا مع التصريح السابق لسامي طه الذي نقلته "الاتحاد". وكتبت صحيفة "الدفاع" خبرا لها عن سفر الوفد جاء فيه:”سافر صباح اليوم الجمعة وفد عمال فلسطين في قطار مصر الى القاهرة ..”(11) ويتبين عدم الدقة في نقل الخبر ما بين الصحف منها من كتب ان الوفد سافر في الطائرة واخرى تكتب انه سافر في القطار.



مواصلة النضال لضمان سفر عضو الوفد الثالث

لم تتوقف المعركة النضالية للحركة النقابية الفلسطينية عند سفر سامي طه وحنا عصفور، بل واصل قادة النقابات المحسوبين على التيار اليساري الشيوعي معركتهم لإلغاء القرار بمنع العضو الثالث المحسوب على تيارهم من السفر، وفي تصريح للنقابي بولس فرح لصحيفة "الاتحاد" تحت عنوان "حركة العمال العرب تطالب بإرسال وفدها موحدًا كاملًا ولا يزال لدى الحكومة مجال للرجوع عن رأيها…" جاء في مقدمته: "أثارت قضية وفد العمال الذاهب الى لندن ضجة في أوساط العمال وفي الأوساط الوطنية، بعد منع الحكومة العضو الثالث من الذهاب وهو الذي تريده أغلبية الجمعيات العربية في فلسطين. والغريب في الأمر كله أن الحكومة سمحت لخمسة من الهستدروت بالذهاب إلى لندن ويسرت لهم سبل النقل إلى المؤتمر. وقد قابلنا السيد بولس فرح ممثل اتحاد نقابات وجمعيات العمال العربية في حيفا بصدد هذه المسألة فأفضى إلينا بالتصريح الخطير التالي:

لم يبق مجال للشك لدى السلطة الحاكمة ولدى الرأي العام العربي في فلسطين، من أن حركة العمال العرب أجمعت أمرها على إرسال وفدها موحدًا ـ يمثل قسمي حركتها وجهتيها التنظيمية والفكرية. وإن أقل بيان من جانب الحكومة لتحديد عدد أعضاء الوفد بعدد يقل عن ثلاثة مهما كانت الأسباب يثير أعمق المشاكل ويكون في صالح أعداء حركتنا..”(12)، وبعد الإشارة الى محاولة وكيل مدير دائرة العمل بالقدس زرع بذور الخلاف بين أعضاء الوفد والمنظمات النقابية الفلسطينية، قال فرح مؤكدًا رفض ذلك: ”والواقع أنه ليس ثمة خلاف لا على شكل الوفد ولا على عدد أعضائه، وكان المفهوم منذ ستة اشهر وقبل تأجيل انعقاد المؤتمر العالمي، باتفاق مع دائرة العمل أن حركة العمال العرب ستمثل في المؤتمر بواسطة إثنين منتدبين عن جمعية العمال العربية الفلسطينية، وممثل عن إتحاد نقابات وجمعيات العمال العرب. وقد تم الاتفاق والتفاهم على هذا الأمر بين المنظمة الأولى والثانية بعلم دائرة شؤون العمل...”(13).



ويؤكد النقابي بولس فرح في المقابلة نفسها أن دائرة شؤون العمل الحكومية كانت تتصل به وتطلعه عن كيفية السفر والتدابير الواجب اتخاذها لتسهيل مهمة سفره. وأشار إلى حقيقة إقرار سفر وفد عن الهستدروت عدده خمسة أشخاص (مندوبان وثلاثة مساعدين)، واستنكر موقف ممثل الحكومة ودائرة العمل واختتم حديثه بقوله: ”وأخيرًا لا يزال أمام الحكومة متسع من الوقت للرجوع عن رأيها"(14). علينا الإشارة هنا وهذا ما سيتضح لاحقًا أن وفد النقابات الصهيوني الممثل بالهستدروت ضم شخصًا عربيًا يدعى جورج نصار.



النضال ووحدة العمال تحقق النصر، ودائرة العمل تتراجع

لم يتوقف نضال الحركة العمالية الفلسطينية بتيارها اليساري الأممي من أجل ضمان سفر النقابي بولس فرح، فقامت باتخاذ قرارين هامين أشارت لهما صحيفة "الاتحاد" في صفحتها الأولى وتحت عنوان “وحدة العمال تنتصر…” تطرّقت فيه إلى ما قامت به القيادات النقابية من أجل إلغاء القرار الحكومي وهما:

1- برقية إلى السير والتر سترين سكرتير مؤتمر النقابات في لندن، ونسخ عنها إلى الوفد السوفياتي في المؤتمر والفرنسي والأمريكي والهندي والى المستر شدلي مغتش دائرة العمل في فلسطين والموجود حاليًا في لندن.

2- طلب مقابلة السكرتير العام - برقية

الحكومة عرقلت التمثيل الصحيح للعمال العرب برفضها تيسير سُبل السفر للأعضاء الثلاثة عن وفد العمال العرب الموحد، وكان السماح لإثنين فقط بالذهاب الى المؤتمر، يجعل الوفد ممثلًا القسم اليميني في حركة العمال العرب وحده.

إن الحكومة تدخلت باختيار العضوين، ولكن على الرغم من هذا سمحت لخمسة من الأعضاء الهستدروت بالذهاب. الرجاء أن تتدخلوا في الأمر، أن تعملوا على السماح لممثلنا السيد بولس فرح بالذهاب. إن الهستدروت لا تمثل أي قسم من أقسام العمال العرب في أية صورة من الصور. أما العضو العربي الذاهب مع وفدها فما هو إلا مأجور. ووقع على البرقية السادة: فؤاد نصار-الناصرة، خليل شنير -يافا، حسن ابو عيشه – القدس، أحمد علي – حيفا، هاشم برقوني – غزة، عبد الله البندك -بيت لحم، جورج رباع – بيت جالا".(15)

واضافت "الاتحاد: "وكان من نتيجة هذه الوحدة، وهذا العمل المشترك أن تكللت المساعي بالنجاح ووافقت الحكومة آخر الأمر على ذهاب السيد بولس فرح، فسافر بالطائرة كما ذكرنا"(16).



علينا الإشارة هنا إلى حقيقة غياب مفتش دائرة العمل وتواجده في لندن، ربما قد ساعد الجهات التي أرادت إعاقة سفر الوفد كاملًا، خاصة وأنه – أي شادلي – كانت تربطه علاقات حميمية مع "اتحاد نقابات وجمعيات العمال العرب " وعن تلك العلاقة يكتب د. موسى البديري " ومن محاسن الصدف أن احد مفتشي دائرة العمل هارولد شادلي، كان قبل قدومه إلى فلسطين سكرتير احد فروع نقابة عمال الهندسة إحدى النقابات الأكثر يسارية في صفوف الحركة النقابية البريطانية، وقد انشأ شادلي علاقات ممتازة مع قيادة الحركة العمالية العربية، وخصوصًا مع قيادة اتحاد النقابات في حيفا، ونستنتج من قراءة تقاريره أنه كان يؤيد بحماس قيام نقابات عربية في البلاد. ومن الواضح أن شادلي لم يكن محايدًا في علاقته مع التنظيمين النقابيين العربيين المتنافسين، بل كان متعاطفًا بوضوح مع الجناح اليساري في الحركة العمالية، وقد ساعد اتحاد النقابات في الحصول على تصريح يومي لإصدار جريدة "الاتحاد" في عام 1944 ...”(17) .

وفي هذا السياق نشرت صحيفة "الدفاع" خبرا لها تحت عنوان "مندوب ثالث للعمال العرب" جاء فيه: "وردت على اتحاد نقابات العمال العرب بحيفا برقية من المستر شدلي مفتش شؤون العمل في حكومة فلسطين وهو الآن في إجازة في لندن، يقول فيها أنه اتصل بوزارة المستعمرات وعلم أنها مستعدة لتسهيل سفر ممثل اتحاد النقابات إلى لندن لحضور مؤتمر النقابات الدولي وهو ينصح ممثل النقابات السيد بولس فرح بالاتصال بمدير دائرة العمل في القدس وإطلاعه على المسألة.”(18) وهكذا نجح نضال قادة النقابات العمالية العربية في ضمان سفر العضو الثالث الى مؤتمر النقابات العالمي في لندن.



سفر العضو الثالث الى المؤتمر

من المهم أن نذكر هنا أن جميع الوفود النقابية القادمة للمؤتمر، قد تحلّت بشجاعة خاصة، بسبب سفرها إن كان بحرًا أو جوًا، لمواصلة اشتعال اوار الحرب ولهيبها، ما بين دول المحور ودول الحلفاء ومواصلة القصف الجوي والبحري والبري. وعندما حصل بولس فرح على تأشيرة السفر، تقرر أن يسافر في الطائرة إلى القاهرة ومن هناك إلى لندن، لكن السفر لم يكن من مطار اللد، بسبب حالة الحرب، بل من مطار صغير على شاطئ البحر الميت. ونشرت صحيفة “الدفاع" خبرًا بهذا الخصوص تحت عنوان “سفر مندوب العمال الثالث بالطائرة” جاء فيه : القدس – وافقت السلطات المختصة أخيرًا على اشتراك السيد بولس فرح ممثل اتحاد نقابات وجمعيات العمال العرب بحيفا في وفد للعمال العرب الذاهب إلى لندن لحضور مؤتمر النقابات الدولي والذي سيعقد في السادس من الشهر القادم، وسيسافر اليوم الأربعاء بالطائرة حيث سيلحق بزميليه حنا عصفور وسامي طه، وفهم أن العمال العرب أبرقوا إلى السير والتر سترين سكرتير مؤتمر النقابات في بريطانيا يعلمونه ان الهستدروت لا تمثل أي قسم من أقسام العمال العرب في فلسطين وأن جورج نصار الذي ذهب مع وفد الهستدروت لا ينتمي للعمال العرب بصلة.(19) وكتبت صحيفة "فلسطين" خبرًا بهذا الخصوص تحت عنوان “عضو وفد العمال للندن” جاء فيه:" تلقى السيد بولس فرح عضو وفد العمال الثالث إشارة بالتصريح بالسفر الى لندن لحضور مؤتمر نقابات العمال هناك وقد سافر للقدس لاستلام أوراق السفر"(20) وكتبت أيضًا تحت عنوان “وفد العمال العرب الى لندن” (21) أكّدت فيه سفر فرح بالطائرة والانضمام إلى زميليه.

يتضح لنا مما حدث من محاولة الغاء مشاركة وسفر العضو الثالث للمؤتمر، أنه كان هناك توافق في المواقف ما بين الرجعية في الحركة النقابية الفلسطينية وحكومة الانتداب البريطاني والحركة الصهيونية ممثل بالهستدروت، فكل من الثلاثة حاول كتم الصوت اليساري للحركة النقابية الفلسطينية من منطلقاته، ويكفي أن نشير إلى محاولة الهستدروت – اتحاد النقابات الصهيوني، فرض موقف لها يقول بأنها هي التي تمثل الحركة النقابية العربية الفلسطينية، من خلال ضم عضو لوفدها من اتحاد الظل الذي أسسته لاختراق الحركة العمالية العربية الفلسطينية، وإطلاق عليه اسم "اتحاد عمال فلسطين"، لكن وعي قيادة الطبقة العاملة الفلسطينية ممثلة بالشيوعيين أفشل هذه المحاولة وأسقطت ورقة التوت عن عورة ممثله المدعو جورج نصار.



الوفد يشارك في المؤتمر النقابي الدولي باسم فلسطين

جرى افتتاح الجلسة الأولى للمؤتمر التحضيري لتأسيس اتحاد النقابات العالمي يوم الثلاثاء 6/2/1945 في قاعة بلدية لندن، في ظل خلافات ومشاحنات كانت قد رافقت مراحل التحضير له، وذلك بين تيارين: الأول القوى النقابية العمالية الثورية التابعة للأممية الشيوعية، والتي تطلق على نفسها النقابات الحمراء، وبين القوى الاصلاحية بقيادة النقابات البريطانية في محاولة منها لإحياء "أممية امستردام" الهشة، والتي كانت تضم في صفوفها الهستدروت. على ضوء ذلك لم تكن مهام الوفد النقابي العربي الفلسطيني سهلة، خاصة وأنه أيضا ينتمي فكريًا الى اتجاهين، اليمين واليسار. وقد ظهرت أولى العقبات في محاولات عدم الاعتراف بعضوية العضو الثالث، الذي وصل إلى لندن قبل الافتتاح الرسمي للمؤتمر، ويظهر لنا ذلك من خبر صحيفة “فلسطين” الذي نشرته تحت عنوان “عضو وفد العمال الثالث “جاء فيه:”وردت من السيد بولس فرح برقية من لندن تفيد وصوله اليها وانضمامه إلى زميليه السيدين حنا عصفور وسامي طه والبرقية صادرة من لندن يوم السبت ووصلت أمس الأحد“ ومما يؤكد لنا أن البرقية بعثت من لندن بتاريخ 3/2/1945 وهو ثاني يوم وصول العضو الثالث اي بولس فرح الى لندن.(22).

ونشرت صحيفة “الاتحاد” خبرًا لها على صفحتها الأولى تحت عنوان “آخر الأنباء عن وفدنا في لندن بولس فرح يدخل المؤتمر، قوى اليسار تحطم مناورات الرجعية والصهيونية” جاء فيه “ننقل إلى قرائنا الكرام بإيجاز آخر أنباء وصلتنا من وفد العمال العرب في مؤتمر النقابات الدولي الذي يعقد الآن في لندن.



وصل السيد بولس فرح إلى لندن مساء الجمعة في الثاني من هذا الشهر واتصل حالا بالسيدين سامي طه وحنا عصفور ووردتنا الأخبار أن الأوساط الصهيونية هنا وهناك قلقت لتوفق السيد بولس فرح في الوصول إلى لندن وحسبت لدخوله المؤتمر ألف حساب، فشرعت حالًا في العمل على منعه من حضور جلسات المؤتمر... وبفضل غلبة قوى اليسار التقدمية على اتجاهات المؤتمر واحتجاجات عمالنا وبرقياتهم سمح للسيد بولس فرح آخر الامر بحضور جلسات المؤتمر”.(23)

وكتبت عن نفس الموضوع صحيفة "فلسطين" تحت عنوان “عضو الوفد الثالث” أكدت فيه على العقبات التي يواجهها بولس فرح جاء فيه: ” تسلم العمال العرب برقية تفيد بأنّ مؤتمر العمال العالمي في لندن يقيم العقبات في طريق اشتراك العضو العربي الثالث السيد بولس فرح مع زميليه جلسات المؤتمر وقد أرسلت جمعية العمال بيافا إلى نقابة العمال البريطانية في لندن أمس برقية تعرب فيها عن دهشتها لتصرفات المؤتمر ضد العرب، وتشدد بوجوب اشتراك العضو الثالث في جلسات المؤتمر مع زميليه العربيين.”(24)

أمام هذا الحراك الوحدوي اضطرت لجنة الاعتمادات إلى الاعتراف بعضوية الوفد النقابي الثلاثي وعن ذلك كتبت "صحيفة فلسطين" في خبر لها من مراسلها الخاص في لندن ليونارد جونس جاء فيه “قبلت لجنة اعتماد الممثلين بعد ظهر اليوم السيد بولس فرح ليكون عضوا في مؤتمر النقابات العالمي ويواصل ممثلو العمال العرب الثلاثة الآن حضور جلسات المؤتمر بمثابرة وقد حضروا جميع الجلسات حتى الآن، والمنتظر أن يتكلم ممثلو العمال العرب في ثلاثة أو أربعة مواضيع خصوصًا حول الحركات العمالية في البلدان الغير مستقلة”.(25)

وكان د. موسى البديري قد أشار إلى أن الحل بالنسبة للخلاف حول موضوع عضوية بولس فرح فكان ذلك بعضوية بصفة مراقب، أي يحق له حضور جلسات المؤتمر "وحين وصل في نهاية الأمر إلى لندن وجد سامي طه وحنا عصفور يمثلان المقعدين المخصصين لعرب فلسطين، ولم يمنح سوى صفة مراقب" (26).

وفي تصريح لوالتر سيترين بالنسبة لأهداف المؤتمر النقابي العالمي نشرته صحيفة "الاتحاد" كان أفضى به قبل انعقاد المؤتمر: ”أن الدعوة لمؤتمر كهذا، لو جاءت قبل بضع سنوات، لكانت تبدو من الأمور الخيالية ، ولكن تقدم الحرب وبروز مشاكل ما بعد الحرب بشكل قوي قد أقنعا جميع العقول التقدمية والواقعيين من الناس أن أجرأ الخطوات وأوسعها في ظروفنا الحاضرة هي أحكمها وأنفعها، أشرف على تحضير المؤتمر لجنة تحضيرية مؤقتة من ممثلي الحركات النقابية في انكلترا والإتحاد السوفيتي وأمريكا وبرنامج المؤتمر هو نفس البرنامج الذي تقرر العام الماضي وهو يشتمل على أربعة بنود :

1- توسيع مجهود الحلفاء الحربي.

2- موقف نقابات العمال تجاه السلام العالمي.

3- تمثيل نقابات العمال في مؤتمر السلام واللجان التحضيرية للإسعاف والإسكان ولمشاريع التعمير بعد الحرب.

4- مشاكل التعمير لما بعد الحرب وتشمل بناء الحركة النقابية الأممية."(27).

(في الحلقة القادمة ماذا جرى بين وفد الحركة النقابية الفلسطينية ووفد الهستدروت وتباكي ممثلها في المؤتمر، هل حضرت وفود عربية أخرى المؤتمر؟)



يتبع



هوامش

1- صحيفة فلسطين 18/1/1945 ص1

2 - صحيفة فلسطين 19/1/1945 ص3

3 - ن. م

4 - ن.م

5 - د. موسى البديري – تطور الحركة العمالية في فلسطين – بيروت 1981 ص 51

6 - صحيفة الاتحاد الأحد21/1/1945 ص4

7 – ن.م

8 – ن.م

9 - صحيفة فلسطين الجمعة 26/2/1945 ص 3

10 – ن. م

11- صحيفة الاتحاد الاحد 28/1/1945 ص 4

12 – ن.م

13 – ن.م

14 - صحيفة الاتحاد الاحد 4/2/1945 ص 1

15 – ن.م

16 – ن.م

17- د. موسى البديري – تطور الحركة العمالية في فلسطين – بيروت 1981 ص 42

18 – صحيفة الدفاع الخميس 25/1/1945 ص2

19 - صحيفة الدفاع الأربعاء 31/1/1945 ص2

20 - صحيفة فلسطين الثلاثاء 30/1/1945 ص3

21 - صحيفة فلسطين الاربعاء 31/1/1945 ص 3

22 - صحيفة فلسطين الثلاثاء 6/2/1945

23 - صحيفة الاتحاد الأحد 11/2/1945 ص1

24 - صحيفة فلسطين الأربعاء 7/2/1945 ص3

25 - صحيفة فلسطين الجمعة 9/2/1945 ص1

26 - د. موسى البديري – تطور الحركة العمالية في فلسطين – بيروت 1981 ص 51

27 - صحيفة الاتحاد الأحد 18/2/1945 ص3