العودة من الحجر واستئناف النشاط : فلتكن نضالاتنا سداً منيعاً بوجه أرباحهم، بقلم العاضي (كاتب بجريدة المناضل-ة الموقوفة)


المناضل-ة
2020 / 5 / 24 - 01:06     

سقط أولى ضحايا فيروس كوفيد ـ 19 شهر مارس ليبدأ انتشاره التدريجي في صفوف الطبقة العاملة. وجد العمال ـ ات والكادحين أنفسهم عزل في مواجهة "الجائحة". إن سياسات التقويم الهيكلي التقشفية المفروضة بالقمع لم تُبق سوى على النزر اليسير من كل شيء: صحة وتعليم وشغل وسكن لائق ...، بالمقابل وهبت لبورجوازية متعطشة للربح السريع (امتيازات شتى، نذكر منها: تسهيلات ضريبية، دعم عمومي، تفويتات شبه مجانية، وخوصصة...). واجه العمال ـ ات والكادحون الوباء وهم في الصفوف الأمامية مثقلين بعقود من الفقر والبؤس والأمية والخوف.

في البداية، استهانت الدولة بهول خطر تفشي الوباء، لكن بمرور الأيام تنامى عدد الإصابات، بعضها أدى لوفيات. وجد الوباء بلدا منهكا دمرت مستشفياته وتجهيزاته الطبية غير كافية، ووسائل وقاية وحماية معدومة أو شبه منعدمة، كل هذا جراء سياسات واعية تخدم مطالح مالكي المال والسلطة.

بتوالي الإصابات، أعلنت الدولة حجرا صحيا. لكن ما جرى من حجر لم يكن في مستوى امتداد الجائحة. فالحجر طال الكادحين والكادحات الذي يعيشون على هامش الاقتصاد، الذين فُرض عليهم البقاء في منازلهم، في حين واصل جزء كبير من عمال وعاملات بلدنا تدوير عجلة الاقتصاد من خلال وثيقة (شهادة تنقل) تتيح لهم التنقل ليل نهار. استمر الإنتاج في الأنشطة الضرورية كما في تلك غير الضرورية الموجهة أغلبها للتصدير والرفاه. كان الحضور الجسدي مفروضا على العمال ـ ات في أماكن العمل في حين أدار أرباب العمل أعمالهم وأرباحهم عبر حواسيبهم من البيوت.

قبلت الجماهير الشعبية الكادحة والمكتفية لتعيش بدريهمات يومية قليلة، على مضض، الجلوس في البيوت لأن ما وفرته الدولة من تعويض هزيل لفائدة الأسر الفقيرة ومتواضعي الحال والذين توقفوا عن العمل، ليس كافيا بتاتا. لم يكن هذا الإجراء الوحيد، فلقبول تعويض الدولة (800 و1000 درهم و1200 لفائدة الأسر الفقيرة و1000 و2000 لفائدة العمال-ات الموقوفين عن العمل)، نزلت الدولة بعصاها على كل من تجرأ على خرق الحجر وبلبلة "الإجماع الوطني" حولها. فجرت محاكمات لكل من خول لنفسه رفض الحجر ومنتقدي سياسات الدولة. بل كانت على وشك تمرير قانون يكمم الأفواه، يحرم حتى من بعض الحرية التي تتيحها منصات التواصل الاجتماعي على النت.

جرى الحجر كما جرى تجريم كل من يخرقه من الكادحين. في حين لم يجر تجريم خارقي الحجر الحقيقيين. إنهم أرباب العمل الرأسماليين. فعلاوة على أن العديد منهم من جهة، لا يقوم بالتصريح بأجرائه لدى الضمان الاجتماعي ما حرم الآلاف من تعويضات كورونا الهزيلة، ومن جهة ثانية لم يقم هؤلاء بتوفير شروط الوقاية والسلامة بأماكن العمل ووسائل نقل تحترم التباعد الجسدي اللازمة حماية للأجراء. تشير كل الإحصائيات أن العديد من الإصابات بفيروس كوفيد ـ 19 جرت في بؤر عمالية. إنها في الحقيقةً سبب نقل العدوى للبؤر الأسرية. لم يجر أي تجريم أو مسائلة لمسببي تفشي الوباء في البؤر العمالية والأسرية الحقيقيين، أي أرباب العمل.

إن استمرار انخفاض أرباب العمل بفعل توقف النشاط الاقتصادي الجزئي (ما عدا مواد الغذاء الأساسية) أثار قلقهم. هكذا، عمدت الدولة بضغط من نقابة أرباب العمل إلى وضع سيناريوهات ما بعد الحجر الصحي وما بعد كورونا.

يجري التشديد بوسائل الإعلام هذه الأيام على خسائر الاقتصاد المالية لكن لا حديث عن خسائر الطبقة العاملة من الحيوات وانتشار البطالة وتفشي البؤس. إنهم يسارعون الزمن للعودة لما يسمونه حياة عادية، حياة اعتصار فائض القيمة من الطبقة العاملة.

إن رفع الحجر دون وضع إجراءات توفير حماية ووقاية فعليين يعني الحكم على العمال ـ ات وأسرهم والفقراء والفقيرات بالموت عن سبق إصرار. فلا قدرة لبنية قطاع الصحة التحتية على احتواء عدد المصابين إذا ما ارتفع عددهم مستقبلا، في غياب تدابير الوقاية والاحتراز للوقوف في وجه اجتياح الوباء: فالكمامات رديئة الجودة ولا توزع مجانا ولا الفحوصات الطبية شاملة ولا إجراءات الوقاية والحماية مطبقة بأماكن العمل. يهم الدولة بشتى الطرق إعادة ضخ الأوكسجين في جهاز تنفس البورجوازية. استئناف العمل من أجل مواصلة تحقيق الأرباح.

إن الدولة عازمة على الإجهاز على مكاسب وحقوق عقود من النضالات العمالية والشعبية، كي تستعيد ما خسره البرجوازيون من أرباح جراء كورونا، وأيضا لأنها تدرك ما ينتظرهم من ركود بفعل الأزمة الاقتصادية.

ستكون الأيام المقبلة قاسية بالنسبة للطبقة العاملة جمعاء. لا بديل عن تكاثف الصفوف ووحدتها لمواجهة الخطر القادم. فلتكن تجمعاتنا بالأحياء وتجمعاتنا النقابية بالمعامل لنقاش المطالب الآنية سبيل عودة النضالات. إنه نضال لا يغنينا عن طرح السؤال الجوهري إلى متى سيبقى العمال ـات أسرى في سجن الرأسمالية ؟