في الذكرى ال 75 لتأسيس -اتحاد النقابات العالمي- (3)


جهاد عقل
2020 / 5 / 23 - 11:46     


عُقدت الدورة الثالثة للجنة النقابية الأنجلو - سوفيتيه في أواخر شهر حزيران / يونيو 1943 في موسكو، أُطلق على هذه الدورة "دورة الخلافات "، بسبب عدم الشفافية التي سادت التقرير الذي قدمه قائد النقابات الإنجليزية والتر سيترين، بخصوص "مهمته في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي سكت عن العديد من الحقائق التي أصبحت معروفة والمتعلقة بنشاطه ومحادثاته مع فيدرالية العمل الامريكية "، كما نشبت خلافات أخرى بخصوص العديد من القضايا ومنها ما يتعلق بدور النقابات الإنجليزية في موضوع الحرب والإضرابات التي قامت بها في هذه المرحلة، الامر الذي اعتبره الجانب السوفيتي محالة لإعاقة النصر على دول المحور، وموضوع بناء إتحاد نقابات عالمي.





من أجل السير على خطى بناء إتحاد النقابات العالمي، إقترح الجانب السوفيتي في الاجتماع نفسه توسيع تركيب اللجنة الأنجلو – سوفيتية، ليس فقط من أجل تعبئة أكبر للنضال ضد المانيا، بل والقيام بخطوة حاسمة جديدة في طريق الوحدة النقابية العالمية وضمن " هذا الإقتراح أصر الوفد السوفيتي على أن تضم اللجنة أيضًا المنظمات النقابية في أمريكا الشمالية والجنوبية، والبلدان المحتلة بولونيا، فرنسا، يوغسلافيا، اليونان وغيرها.”



رد الوفد الإنجليزي ورئيسه و. سيترين كان حادًا مؤكدًا أن هذا الإقتراح ليس من اختصاص اللجنة، مع أن هدف الوفد السوفيتي كان عدم التأخر في مسار تحقيق تشكيل نواة لوحدة نقابية عالمية، المعارضة الشديدة للوفد التي أبداها الوفد الإنجليزي عرقلة عملية التوصل إلى اتفاق، وعلى ما يبدو أن نواياه لم تكن صادقة، ونابعه من موقف معادي للأممية الشيوعية . وهذا ما سيتضح لنا لاحقًا مع بداية التحرك لتشكيل وحدة نقابية عالمية، وتصاعد النشاط لذلك خاصة بعد تحقيق النصر في معارك ستالينغراد، حيث بدات تنتصب أمام النقابات العمالية مهمة تحديد دور ومهام النقابات في عالم ما بعد الحرب والدفاع عن مصالح الطبقة العاملة عامة.





موقف النقابي سيترين ومعه الوفد الإنجليزي الرافض للاقتراح النقابي السوفيتي أدى الى تعميق الخلاف في الجلسة بين الطرفين، وإلى عدم "التوصل إلى أي اتفاق حول هذه المسائل"، ومن اجل الخروج من هذه الخلافات وبلغه دبلوماسية، اتفق أن يعود كل طرف الى قواعده ومؤسساته النقابية لبحث الاقتراح السوفيتي، وبذلك انفض الاجتماع في أجواء خلافية واضحة.



اقتراح النقابات السوفيتية في هذه الجلسة جاء بالتنسيق مع الاممية الشيوعية والنقابات المنضوية ضمنها، وفي ظل ما حدث من تطورات وانتصارات على الجبهة العسكرية التي حققها الجيش الاحمر ودول الحلفاء كل هذه القضايا فرضت "تدريجيًا فكرة عقد كونفرنس نقابي دولي، وتأسيس منظمة نقابية عالمية تضم في صفوفها المنظمات النقابية من البلدان الديمقراطية والمناضلة ضد الفاشية .”



سبب آخر حدث في هذه المرحلة ألا وهو تراجع دور "الفيدرالية النقابية" او ما سمي بأممية أمستردام،التي برز دورها خلال الهجوم الفاشي هو القيام بتخريب ومناهضة "جهود النقابات الثورية الهادفة الى بناء الوحدة النقابية، وبعد ان إشتعل حريق الحرب برهنت الفيدرالية الإصلاحية على انها قد أفلست، ولم تقم بنشاط يستحق الذكر.”



- النقابات الإنجليزية تحاول عقد مؤتمر نقابي دولي

بعد عودة الوفد النقابي الإنجليزي من موسكو، او من "جلسة الخلافات"، لم يهدأ لوالتر سيترين بال، وباشر بإجراء اتصالات مع جهات نقابية إصلاحية من عدة دول، وذلك من أجل عقد مؤتمر نقابي عالمي، بكلمات أوضح كان ذلك رد رافض للاقتراح السوفيتي السابق، وانتهت هذه التحركات بأن "قام المجلس العام للنقابات الإنجليزية في أواخر عام 1943 بدعوة لكونفرنس نقابي عالمي يُعقد في لندن خلال شهر حزيران /يونيو من عام 1944” راغبا بهذه الدعوة الى ان "يحتضن الحركة الدولية المتنامية الهادفة الى الوحدة النقابية… بل بعث وجود أممية أمستردام النقابية اللا أخلاقية " جرى كل ذلك دون إجراء مشاورات من قبل المجلس العام للنقابات الإنجليزية،مع النقابات السوفيتية على حد رأي الاخيره .



كما اتضح من الدعوة التي وجهها سيترين أنه حدد "مهمات الكونفرنس "بأن المؤتمر يُعقد من أجل إقامة منظمة نقابية دولية، دون اقتراح لجدول أعمال أو تقديم تقارير، مما يعني أن المجلس العام للنقابات الإنجليزية هو من يقوم بالتحضير والتسيير للمؤتمر دون" فسح المجال أمام مشاركة المنظمات النقابية الديمقراطية الأخرى". بكلمات أخرى تجاهل الاقتراح النقابي السوفيتي المدعوم من الاممية الشيوعية، بضرورة تشكيل لجنة تحضيرية ووضع برنامج اعمال للمؤتمر وغيرها من الخطوات التي يتطلبها نجاح عقد المؤتمر وتجسيد الوحدة النقابية العالمية.





- النقابات السوفيتية والأممية الشيوعية يفشلان المخطط النقابي الإنجليزي



بعد تلقي المجلس المركزي لنقابات عموم الإتحاد السوفيتي، الدعوة التي وجهها والتر سيترين، بإسم المجلس العام للنقابات الإنجليزية، جرت مشاورات ليس على الإطار النقابي المحلي فقط،بل وشمل الأممية الشيوعية والقيادة السياسية أيضًا، وجرى وضع برنامج عمل يهدف الى وقف بل إفشال الدعوة الإنجليزية، وكخطوة أولى قام شفيرنيك رئيس النقابات السوفيتية بتوجيه رسالة إلى سيترين سكرتير النقابات الإنجليزية بتاريخ 30/1/1944، عبّر من خلالها عن موافقة النقابات السوفيتية على مبادرة عقد كونفرنس نقابي دولي، مؤكدًا " على أن نجاح الكونفرنس رهن بطريقة تحضيره الى درجة كبيرة، وإقترح أن تكون الدعوة للكونفرنس موجهه بإسم النقابات في إنجلترا والإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الامريكية..”وأكد في الرسالة أن مثل هذا المسلك في التحضير للكونفرنس النقابي الدولي "يستجيب كليًا للمبادئ الديمقراطية التي تتميز بها النقابات".

عمليا الموافقة السوفيتية كانت وبلغة دبلوماسية، مشروطه بإلغاء الخطوة الإنجليزية.



رد المجلس العام للنقابات الإنجليزية على الإقتراح النقابي السوفيتي، لم يتأخر وفي رسالة بعث بها سيترين بتاريخ 4/2/1944 الى شفيرنيك، رفض فيها الاقتراح السوفيتي، مؤكدًا " أن الدعوات قد أُرسلت بإسم النقابات الإنجليزية فقط. ولذلك فإن من غير الممكن إجراء أية تعديلات". هذا الجواب فيه رفض قاطع للاقتراح النقابي السوفييتي، وبعد إجراء مشاورات تقرر إرسال رد سوفيتي على رسالة سيترين، بعثها شفيرنيك بتاريخ 19/2/1944 ملخصها أن الاقتراح السوفيتي بخصوص الدعوة للكونفرنس هدفه توفير" الإمكانية لمشاركة عدد أكبر من المنظمات النقابية في عمله، ويزيل الخوف لدى بعض النقابات من السيطرة الاحتوائية على الحركة النقابية الدولية …”.



هنا أيضًا لم يتاخر والتر سيترين بإرسال رده يعبر فيه عن رفضه القاطع للاقتراح النقابي السوفيتي، لكن الطرف الأخير لم ييأس وبعث برسالة في مطلع شهر آذار 1944 أكد فيها أنه ومن منطلق المسؤولية الأممية، ومن أجل أخذ دور إيجابي " في ضمان دحر المانيا الهتلرية بأسرع ما يمكن، ويساعد في إقرار سلم دائم ونظام ديمقراطي متين في أوروبا وخارجها أيضا، قد قرر الاشتراك في الكونفرنس النقابي الدولي الذي دعوتم إليه". مع التأكيد في الرسالة على ضرورة إدخال التعديلات التي سبق وبعثت بها ومنها جدول الاعمال وغيرها، وضرورة عقد إجتماع للجنة النقابية الأنجلو – سوفيتية.



رفض وتأجيل

على الرغم من قيام المجلس العام للنقابات الإنجليزية مواصلة التمسك بموقفه المعلن بالإعداد لعقد الكونفرنس النقابي الدولي، إلا أنه قام بتوجيه دعوة للجانب النقابي السوفيتي لحضور مؤتمر النقابات الإنجليزية في شهر تشرين أول /أكتوبر 1944، وبعد فترة وجيزه من توجيه الدعوة،والرفض بالنسبة لعقد الكونفرنس النقابي قام الجانب الإنجليزي بإبلاغ الجانب النقابي السوفيتي "انّ عقد الكونفرنس يؤجل الى ظروف أكثر ملائمة بسبب صعوبات المواصلات وغيرها" ووجه الدعوة للجنة النقابية الانجلو – سوفيتية الى عقد دورتها الرابعة بالتزامن مع مؤتمر النقابات الإنجليزية أي في تشرين أول 1944، وبذلك حققت النقابات السوفيتية المدعومة من الأممية الشيوعية هدفها، بأن يكون المؤتمر النقابي رافعة لتحقيق الوحدة النقابية الدولية الحقيقية.



عندما عقدت اللجنة النقابية الانجلو – سوفيتية دورتها الرابعة في لندن في تشرين أول 1944 كما هو متفق عليه،، كان موضوع عقد الكونفرنس النقابي الدولي هو الموضوع المركزي في أبحاث الدورة الرابعة، وحيث استمرت الخلافات في وجهات النظر والمواقف، فالجانب الإنجليزي إقترح التأجيل بالرغم من ان "المجلس العام للنقابات الإنجليزية قد اتخذ جميع التدابير الضرورية لضمان انعقاده وعمله ولكنه لم يلق التفهم الكامل في هذا المجال من حكومة المحافظين" ، بكلمات اخرى أن التأجيل جاء بسبب حكومي داخلي وليس بناء على الاقتراح السوفيتي، كما ورفض الوفد الإنجليزي الاقتراح السوفيتي القاضي بتشكيل لجنة تحضيرية تهتم مباشرة بتنظيم وعقد الكونفرنس النقابي، تتألف من ممثلين عن النقابات السوفيتية والإنجليزية والنقابات الإنتاجية (الصناعية) في الولايات المتحدة الامريكية، وبعد نقاش طويل، تراجع الجانب الإنجليزي عن موقفه الرافض للاقتراح السوفيتي، ووافق على عقد المؤتمر النقابي الدولي، وتم إصدار بيان بهذا الخصوص تم التأكيد فيه بأنه خطوة هامة في طريق إقامة تعاون نقابي دولي دائم بين المراكز النقابية في البلدان الديمقراطية في الطريق للنصر على النازية وفي "سبيل مواصلة توطيد الصداقة ووحدة العمل بين الشعوب في البلدان المتحالفة من أجل إقامة سلم دائم وضمان المصالح الحيوية للطبقة العاملة لدى حل جميع المشاكل المعاصرة ومشاكل ما بعد الحرب".





- تشكيل لجنة تحضيرية لعقد الكونفرنس النقابي العالمي الاول



وفق اقتراح اللجنة النقابية السوفيتية، قررت الدورة الرابعة للجنة النقابية الانجلو – سوفيتية "تشكيل لجنة تحضيرية تهتم فورًا بالتحضير وعقد الكونفرنس النقابي الدولي"، وتشكلت اللجنة وفق الاقتراح النقابي السوفيتي من ممثلين عن نقابات إنجلترا وأمريكا والإتحاد السوفيتي وتم تحديد تاريخ أول إجتماع لها ليوم 4/12/1944، وبذلك تحقق الهدف الذي وضعته النقابات السوفيتية والأممية الشيوعية، بتشكيل لجنة تحضيرية تضع جدول اعمال وتقديم تقارير وخطوط عريضة للمبنى التنظيمي للإتحاد النقابي الدولي وبذلك تم إفشال مخطط النقابات ذات التوجه الإصلاحي الغير ثوري والمهادن للرأسمالية.



- العمل على تشكيل تعاون نقابي واسع



بالتوافق مع هذا التطور، قامت النقابات السوفيتية بإجراء اتصالات مع العديد من الحركات النقابية الثورية وتشكيل لجان عمل مشتركة، وذلك ضمن الاستعداد لعقد المؤتمر النقابي الدولي، ضمن هذا التحرك قام وفد نقابي سوفيتي بالاستجابة لدعوة الحركة النقابية الايطالية المناهضة للفاشية واجتمع مع وفد كونفيدرالية العمل الايطالية في شهر اب 1944 اسفر اللقاء عن تشكيل لحنة نقابية مشتركة .

كما استجابت النقابات السوفيتية لدعوة بعث بها النقابي لوي سايان بتاريخ 20/9/1944، سكرتير النقابات الفرنسية التي كان لها دور في دحر الاحتلال الالماني لفرنسا، وتم اللقاء بتاريخ 27/12/1944 حيث قام وفد نقابي سوفيتي بتلبية الدعوة واللقاء مع الرفاق الفرنسيين، وجرت محادثات مستفيضه بخصوص التعاون المشترك وموضوع التحضير للمؤتمر النقابي الدولي وضرورة انجاحه كما وقام الوفد بزيارات للعديد من المدن والمواقع في فرنسا واستمرت الزيارة حوالي شهر تقريبا حتى 24/1/1945 وتم الاتفاق على تشكيل لجنة نقابية مشتركة، وواصلت النقابات السوفييتية اتصالاتها مع مختلف الاتحادات النقابية الثورية والوطنية، جرى ذلك في ظل قيام النقابات الانجليزية وشراذم اممية امستردام باجراء اتصالات والقيام بتحركات تهدف الى افشال المؤتمر.





اللجنة التحضيرية واقرار موعد انعقاد المؤتمر النقابي الدولي.



عقدت اللجنة التحضيرية يومي 4 و 5 كانون الاول / ديسمبر 1944 اجتماعها الاول في لندن، حيث جرت "مناقشة مسائل عديدة متعلقة مباشرة بالدعوة للكونفرنس النقابي الدولي، جدول الاعمال وشؤون تسيير الكونفرنس والتمثيل وغيرها"، ومن القضايا الهامة التي ناقشتها اللجنة كيفية تامين وصول اعضاء الوفود ومكان امن لعقد المؤتمر، لان الحرب ما زالت جارية وطائرات المانية تواصل قصف المدن الانجليزية، لكن بوتيرة اقل عما سبق . وتم الاتفاق على وضع صيغة مسودة قرارات منها " مساعدة الجهود الحربية للحلفاء في الحرب ضد المانيا الهتلرية، وموقف النقابات من قضايا تركيب عالم ما بعد الحرب، واقامة اتحاد نقابات عالمي، ومطالب العمال الاقتصادية المباشرة في فترة ما بعد الحرب وغيرها.”

في الواقع لم تكن اعمال اللجنة التحضيرية سهله، خاصة في ظل الخلافات حول العديد من القضايا ومنها اقتراح النقابات الانجليزية اعتبار هذا الاجتماع ضمن نشاط اممية امستردام الاصلاحية، لكن اقتراحها هذا رفض من قبل الوفد السوفيتي وبدعم الوفد الامريكي، كما جرى نقاش طويل حول هوية النقابات – البلدان- التي تُدعى لارسال وفود الى الكونفرنس، وقضية التصويت على القرارات وغيرها من القضايا التي تم اقرارها في اللجنة التحضيرية او تركها لاقرار الكونفرنس، وفي النهاية تم الاتفاق على موعد عقد المؤتمر، وتحديد تاريخ له وهو 6/2/1945 ومكان انعقاده في انجلترا، وعلى النقابات الانجليزية تحديد المكان الاكثر امنًا لانعقاده، ليكون هذا الكونفرنس بمثابة الاجتماع التحضيري لماسسة اتحاد النقابات العالمي، وتم الاتفاق على ارسال الدعوات للوفود المشاركة فيه ومن هذه الوفود الوفد النقابي العربي الفلسطيني.





* ( في الحلقة القادمة سفر الوفد النقابي الفلسطيني،للمشاركة في المؤتمر وطرح قضايا الحركة النقابية والقضية الفلسطينية ن وهل كان الوفد بتركيبته نقابيًا بأكمله؟)