بمناسبة اليوم العالمي للعدالة لإجتماعية هل حقا توجد عولمة عادلة؟؟


جهاد عقل
2019 / 2 / 26 - 20:48     

- اليوم العالمي للعدالة الإجتماعية هذا العام تحت شعار:"العمل لأجل العدالة الإجتماعية طريقنا للسلم والتنمية".

عدالة إجتماعية - عولمة عادلة؟
عندما باشرت منظمة العمل الدولية بأركانها الثلاث، الحكومات ، أصحاب العمل والعمال (النقابات) ، الى دراسة موضوع "العدالة الإجتماعية " في ظل نظام العولمة الذي هيمن على العالم بإقتصاده وسياسته ، قامت، أي منظمة العمل بتشكيل لجنة خاصة لبحث موضوع الوضع الإجتماعي ودراسته ومن ثم تقديم توصيات بهذا الخصوص ، تكون بمثابة وثيقة معتمدة تضع المسارات لإيجاد حلول للمشاكل الناجمة عن العولمة في قضايا العدالة الإجتماعية .
كانت البدايات لهذا الموضوع في أواسط العقد الأول من القرن الحالي ال(21) حيث تم تشكيل لجنة من الأخصائيين قامت بإجراء بحوث ووضع مسودة لوثيقة ، طرحتها في العديد من ورشات العمل التي بادرت لها في مختلف الدول وبإشتراك ممثلين عن الحكومات وأصحاب العمل والنقابات العمالية ، بهدف التوصل الى صيغة متفق عليها وتقديمها للموافقه عليها في مؤتمر منظمة العمل الدولية.
لا وجود لعولمة عادلة
كنت قد شاركت في ورشة عمل عقدتها المنظمة في بلادنا وتحت نفس العنوان "العدالة الإجتماعية من أجل عولمة عادلة"، قدم خلالها ، خبراء منظمة العمل محاضرات إعتمدوا فيها على مسودة الوثيقة التي قاموا بتوزيعها على المشاركين .
عندما قمت بطرح السؤال أو التساؤل :" كيف يمكن أن تكون عولمة عادلة ، ونحن نشهد ما قامت به من تقويض جهاز دولة الرفاه ، الذي كان بمثابة الدرع الواقي للعاملين خاصة وللمواطنين عامة ، أو درع العدالة الإجتماعية لهم ؟ وهل حقا توجد عولمة عادلة في ظل ما نشهده من سياساتها القائمة على الإستغلال والبطش بالعمال ومختلف شرائح المجتمع ، من أجل ضمان مصالح قوى رأس المال صاحبة سياسة العولمة، خاصة وأن هذه السياسة العولمية قامت بضرب حقوق العمال وإلغاء الإتفاقيات الجماعية التي ضمنت العدالة الإجتماعية أو الضمان الإجتماعي لهم ، بل وقامت بضرب حرية التنظيم النقابي ، لذلك لا أرى أن هناك أي ربط ما بين العدالة والعولمة فهما على طرفي نقيض.
أثار ما طرحته حالة من الهرج والمرج بين المشاركين تعرضت خلالها الى هجوم من قبل ممثلي أصحاب العمل والحكومة والى دعم من قبل عدد من النقابيين الإصلاحيين ، وبعد النقاش الحاد بيننا عدت وقلت : أتمنى أن نعود الى أسس العدالة الإجتماعية ، من توفير فرص عمل لائق، لكل طالب عمل وضمان أجور لائقة بما في ذلك ضمان إجتماعي على كافة أشكاله، لكنني لا أعول أن يتحقق ذلك من خلال ما تطلقون عليه "عولمة عادلة" ، لأنه هناك تناقض تام ما بين ما تحمله العولمة من أهداف إستغلالية وبين ما تحمله كلمة العدل او ال "عادلة" .
مؤتمر العمل الدولي يقرر إعتماد وثيقة بهذا الخصوص
بعد إنتهاء النقاش حول الوثيقة في مختلف المحافل ، تم طرحها بصيغتها النهائية على جدول اعمال مؤتمر العمل الدولي في دورته السابعه والتسعين يوم العاشر من حزيران / يونيو 2008 ، تحت عنوان :"إعلان منظمة العمل الدولية بشأن العدالة الإجتماعية من أجل عولمة عادلة"، من الصعب أن نتناول كافة بنود ال:إعلان" الذي يشمل 21 صفحة ، ويتناول العديد من القضايا ومما جاء في المقدمة :" السياق الحالي للعولمة ، المتسم بنشر التكنولوجيات وتدفق الأفكار وتبادل السلع والخدمات وزيادة رؤوس الأموال والتدفقات المالية وتدويل عالم الأعمال والعمليات التجارية والحوار وتنقل الأشخاص ولا سيما العاملات والعمال "، مما يؤدي الى "تغيير معالم عالم العمل تغييرا جذريا" ، أما بخصوص الأهداف فجاء :"تحقيق نتيجة محسنة ومنصفة لصالح الجميع ، في ظل هذه الظروف" الأمر الذي :"أصبح ضروريا أكثر فأكثر من أجل الإستجابة للتطلع العالمي الى العدالة الإجتماعية ومن أجل تحقيق العمالة الكاملة ولضمان إستدامة المجتمعات المتفتحة والإقتصاد العالمي وتحقيق التلاحم الإجتماعي ومحاربة الفقر وحالات عدم المساواة المتزايدة."
أعتقد ان الجميع يتمنى بأن تتحقق العدالة الإجتماعية الكاملة ، بما في ذلك إيجاد فرص عمل للجميع والقضاء على الفقر والبطالة .
الأمم المتحدة تعلن عن ليوم العالمي للعدالة الإجتماعية
من جهتها كانت الامم المتحدة وبالتزامن مع بداية بحث هذا الموضوع في منظمة العمل الدولية ، وهي هيئة تابعه للامم المتحدة ، تم إقرار الإعلان عن تحديد ال 20 من شهر شباط / فبراير من كل عام ك :"اليوم العالمي للعدالة الإجتماعية" ، بداية تم إتخاذ قرار اولي في القرار رقم 1062 في شهر تشرين ثاني من العام 2007 ، وبعدها وفي إجتماع الجمعية العامة للامم المتحدة في دورتها الثالثة والستون ووفق البند44 من جدول الأعمال يوم 19كانون أول / ديسمبر 2008 تم إعتماد قرار منظمة العمل الدولية بخصوص :" إعلان العدالة الإجتماعية والعولمة العادلة" .
هل تحسن الوضع بعد مرور عقد من الزمن؟
لقد مر عقد من الزمن على إقرار هذا "الإعلان" وما نشهده ووفق الوثائق والدراسات الصادرة عن منظمة العمل الدولية نفسها ، ما زال الوضع مأساويا ، في العديد من الجوانب ، ومنها مواصلة إنتشار البطالة خاصة بين الشباب لدرجة أن كل واحد من بين خمسة شبان تحت سن ال 25 لا يعملون ولا يتعلمون ، وهناك حوالي ملياري عامل اي 61% من القوة العاملة في العالم ما زالوا مصنفين بأنهم يعملون ضمن العمالة الغير رسمية ، أي بلا حقوق وبأجور متدنية ،وبلا ضمان إجتماعي ، اما المعطى المذهل فهو يتحدث عن أن 29% فقط من سكان العالم يحصلون على ضمان إجتماعي شامل ، في حين أن 71% من السكان في كوكبنا أي 5,2 مليار نسمة غير مشمولين أو مشمولين جزئيا فيه ، بكلمات أخرى بلا عدالة إجتماعية ، هذه الأرقام صادرة عن منظمة العمل الدولية نفسها بمناسبة اليوم العالمي للعدالة الإجتماعية لهذا العام، لذلك نستطيع القول أ"العولمة العادلة" لم تنجح في تحسين الأوضاع الإجتماعية على مختلف مساراتها.
الحل هو تغيير السياسات القائمة
بالإمكان تقديم العديد من المعطيات التي تؤكد أن موضوع العدالة الإجتماعية والعولمة العادلة هما في تناقض مستمر وفي تصريح لمدير البحوث في منظمة العمل الدولية ديميان غريمسو هذا الّإسبوع وبهذه المناسبة قال :"ما يثير قلقنا هو عدم وجود فرص عمل اللائق، بشكل كاف، فمن بين ال 3,3 مليار الذين يعملون في العالم الآن، يقلقنا أن الكثير منهم يواجهون إحساسا بعدم الأمان فيما يخص مستقبل مداخيلهم". كما حذر من أن بعض "نماذج الأعمال الجديدة" الناتجه عن التكنولوجيا الحديثة "تهدد بتقويض إنجازات سوق العمل في مجالات مثل تحسين شكل العمالة والأمن التشغيلي والحماية الإجتماعية ومعايير العمل ".
هذا ما كنا قد حذرنا منه سابقا ،ألا وهو التناقض القائم ما بين العولمة والعدالة ، لذلك نعود ونتمنى على جميع القائمين في منظمة العمل الدولية خاصة في مناسبة الذكرى المئوية لتأسيس المنظمة ، مراجعة هذا الإعلان ، بما في ذلك الدخول في مواجهة قوية مع قوى رأس المال وسياساتها العولمية التي قد تؤدي في مرحلة قادمة الى حدوث كارثة إقتصادية - إجتماعية شاملة في عالمنا عامة وعالم العمل خاصة.
كلمة ورسالة
تابعنا السجال القائم لدى السلطة الفلسطينية ، ومختلف مركبات المجتمع الفلسطيني ، فيما يتعلق بتشريع قانون الضمان الإجتماعي الذي من المفروض ان يضمن الحد الادنى من العدالة الإجتماعية ، لكن ما جرى ويجري حتى اليوم من محاولات إفشال هذا القانون ، يدفعنا الى توجيه رساله صادقة للجميع ، كفى لهذه الخلافات كل موظف وكل عامل وكل مواطن يستحق أن يشمله قانون الضمان الإجتماعي ، فهل يا ترى سيجد هذا النداء من ويتبناه؟.