عمّال الشركة التونسية للكهرباء و الغاز يناضلون لانقاذ شركتهم من الافلاس


سفيان بوزيد
2019 / 2 / 25 - 22:29     

بعد ان نجح اليمين الليبرالي في اعادة السيطرة على دواليب الدولة و انعاش نظامه بتحالف مع اليمين الديني المتغلّف بالمدنيّة و الحداثيّة ، و رغم عديد المكاسب التي حققّها الشعب التونسي خاّصة على فرض الحريّات السيّاسية و المدنيّة بنسبة جزئية و حريّة التعبير و الاعلام ، رغم انّ الحملات الارتدادية متواصلة من الاحزاب الحاكمة الممّولة من لوبيّات الفساد في تونس ، الاّ انّها مكاسب تتكرسّ كل يوم اكثر من مرّة في عقليّة و نفسيةّ الشعب التونسي .
هذه المكاسب قابلها تردّي خطير في الوضع الاقتصادي و الاجتماعي على اعتبار التوجّه الليبرالي الذي اعتمدته الدولة التونسيّة منذ السبعينات ، و قد جعل تونس "التلميذ النجيب" في تنفيذ املاءات الصندوق الوطني و وصفها عدد من القادة الاروبيين بأنها "معجزة اقتصادية" و في لمحة تاريخية لا بدّ من الاشارة الأنموذج الاقتصادي العالمي الذي سيطر في فترة الاربعينات الى حدود التسعينات من القرن الماضي كان قائما على تدخل الدولة في الاقتصاد الوطني لتعديله. وكان الهم الأول هو الحد من نسبة البطالة وان كان على حساب الاستقرار المالي، حيث تقوم الدولة بالاستثمار ودفع النمو الاقتصادي. ذلك ان خلق مواطن الشغل يؤدي الى ارتفاع الدخل الفردي وهو ما يدفع عملية الاستهلاك بما يرفع في الطلب وللاستجابة لهذا الطلب الاضافي تنمو الاستثمارات وتحقق بذلك النمو الاقتصادي (لابد من الاشارة الى أن العملية ليست ميكانيكية ومباشرة ذلك ان النموذج الاقتصادي يختزل الواقع بشكل رهيب) ، هذا التوجّه قد حققّ نتائج اقتصادية و اجتماعية مميزّة .
في نقيض ذلك و على إثر أزمة السبعينات ، تحول العالم الى "الليبرالية" أي هي الانسحاب التام للدولة من المجال الاقتصادي و »تحرير« السوق الذي سيجد بآلياته الخاصة توازنه الطبيعي. وهكذا شرعت الحكومات في التفويت في القطاع العام وكفت عن الاستثمار وتراجعت عن مهامها الاجتماعية و اصبح لكل حركة ثمن.
بعد هذا التصدير يهمنّي ان تصاعد الخطى حول الحديث عن" إتفاق التبادل الحرّ الشامل والمعمّق" (Accord de libre échange complet et approfondi : ALECA)
هذا الاتفاق يعتبر ثاني اكثر برنامج منهجي مدمّر للاقتصاد الوطني التونسي بعد برنامج الاصلاح الهيكلي الذي وقع تطبيقه بداية من سنة 1986 و الذي تسببّ في غلق ألاف المؤسسات المصانع و طرد مئات الالاف من العمّال و تعميق عدم التوازن بين الجهات و مشاكل الفقر و التهميش .

عديدة الشركات العمومية أو لنقل ما تبقّى منها و التي كانت صرحا من صروح الاقتصاد الوطني ، تمرّ اليوم الشركة التونسية للكهرباء و الغاز بأزمة خانقة على المستوى المالي و الهيكلي و لم يعد خافيا أنّ المتسببّ الرئيسي في هذه الوضعيّة الخطيرة حكومة اليمين الليبرالي برئاسة "يوسف الشّاهد" و الذيّ ما انفكّ على غرار سابقيه باستهداف وقح عبر التكتيك لإفلاسها فالأرقام الأخيرة مفزعة حيث ان ديون الشركة التونسية للكهرباء و الغاز بلغت حوالي 1450 مليون دينار منها 50 % متخلّدة بذمة المنشآت و الدواوين و الوزارات هو ما يبين تلكؤ الحكومة في ان تستخلص الشركة اموالها و 50% متخلدة بذّمة المواطنين كما ان الدولة لم تلتزم بالدعم المرصود في الميزانية لفائدة الشركة منذ سنة 2015 الى حدّ اللحظة و هو ما أثرّ سلبا على توازناتها الماليّة ، ، كما انّ شبح الفساد في اسناد عقد طلب عروض لاحد المستثمرين يتعلق بمحطة توليد الكهرباء المرناقية لم يبرح مكانه ، كما اضحى من الجليّ ان الدولة ترفع الدعم تدريجيا على قطاع الكهرباء مما سيؤدي الى تدهور القدرة الشرائية للمواطن و التوازنات المالية للمؤسسة .
يذكر ان الاضرابات التي خاضها عمّال الشركة التوّنسية للكهرباء و الغاز "مؤجلّ" منذ محضر اتفاق ممضى يوم 15 جانفي 2018 بين الاتحاد العام التونسي للشغل و الحكومة ، و هذا الإضراب يأتي لأجل تفعيل محضر الاتفاق الممضى في وقت سابق و محوره كالآتي
1) صرف مستحقات الشركة من الدعم المرصود لها على أقساط يتضمن كل قسط منها 25% من قيمة الدعم في غرة فيفري و غرة جويلية و غرة اكتوبر و موفى ديسمبر
2) استخلاص الشركة لديونها العمومية رغم تعهد وزيري المالية و الطاقة و كاتب الحكومة بحمل كافة المنشآت العمومية على سداد كافة الديون المتخلدة بذمتها والمسجلة على ضوء محاضر الاعتراف بدين قبل تاريخ 31 ديسمبر 2017 لفائدة الشركة التونسية للكهرباء والغاز، وفي حال عجز تلك المنشآت والإدارات عن خلاص ديونها ستتكفّل الحكومة بخلاصها.
3) الرجوع الى طريقة شراء الغاز المعتمدة قبل تاريخ جانفي 2015
4) فتح تحقيق في صفقة اسناد محطة انتاج الكهرباء بالمرناقية بعد شبهات "الفساد" التي تحوم حول كيفية اسناد الصفقة.

كما أطلقت الجامعة العامة للكهرباء والغاز ناقوس الخطر على خلفية الوضعية المالية الحرجة التي تمر بها الشركة التونسية للكهرباء والغاز "الستاغ داعية الادارة العامة الى ضرورة التحرك العاجل لدى المصالح المعنية من وزارات و حرفاء لخلاص مستحقات الشركة كما اقالت نقابة الكهرباء و الغاز الستاغ حرجة تستوجب تظافر كل جهود الأطراف المتداخلة، مشيرة إلى أنّه في حال أوفت الدولة بالتزاماتها وسددت الأعباء المالية التي تكبّدتها الشركة بعد انزلاق قيمة الدينار، سيقع تغطية العجز المسجّل في الميزانية.
من ضمن الحلول التي اقترحتها مذكرة اجتماع مجلس إدارة "الستاغ" توضيح الرؤية في خصوص تعريفة الكهرباء والغاز إذ كان من المؤمل أن تتمكن الشركة من تحصيل ما يقدر ب 500 م د كجملة مداخيل الزيادات في تعريفة الكهرباء والغاز المرسمة بميزانية الدولة لسنة 2018 والعمل على صرف الدعم لسنة 2018 المقدر ب 1690 م د (باعتبار أن منح الدعم التي تم صرفها لا تتعدى 780م د) و 2981 م د بعنوان سنة 2019 إلى جانب التكفل بمستحقات الشركة والتقليص من الفارق التجاري بالإسراع بسداد الديون المتخلدة لدى المؤسسات العمومية.
واقترحت المذكرة أيضا استعمال آليات للتوقي من مخاطر الصرف باستعمال آليات تبادل العملات والشراء لأجل إيجاد خط ائتماني لتمويل شراءات الغاز في 2019 في ظل الحجم الكبير لحاجيات الإستغلال بحكم ارتفاع كلفة الطاقة والتي ستبلغ 4996 م د منها قسط كبير بالعملة الصعبة علاوة على استعمال آليات التوقي من مخاطر الشراء.
هذه المطالب التي يناضل لأجلها باستماتة عمّال الشركة التونسية للكهرباء و الغاز تأتي في وقت تزرح فيه تونس تحت وطأة الضغوطات الإستعمارية الساعية لفرض السياسات التي تخدم مصالحها و عدم مصارحة حكومة يوسف الشاهد الشعب بحقيقة و خطورة الاوضاع الاقتصادية و المالية المترتبة عن تمسكهم بسياسات سابقيهم .
بالموازاة فان حكومة "يوسف الشاهد" ماضية في تنفيذ املاءات صندوق النقد الدولي و على رأسها خصخصة المؤسسات العمومية و تجميد الاجور و الانتداب والتقليص من عدد عمال الوظيفة العمومية، إلى جانب تقليص موارد صندوق دعم المواد الأساسية، فضلا عن البند الأبرز المتمثل في "إصلاح المؤسسات العمومية الخاسرة والتي تعاني خللا ماليا وكلفة مالية عبر خصخصتها"، حيث تزعم الحكومة بأن الخصخصة ستوفر أرباحا للدولة تؤمنها هذه المؤسسات، وذلك عبر الضرائب التي سيدفعها القطاع الخاص.
و يذكر ان الاتحاد العام التونسي للشغل قد دعى في مرات عديدة الى التصدي الى نيّة الحكومة التفويت في بعض المؤسسات العمومية التي تمر بصعوبات مالية و مشاكل تسييرية .