التقسيم بالاخلاق تشويه لصورة الصراع الطبقي


عادل احمد
2016 / 9 / 26 - 00:19     

ان الصورة التي تظهر المجتمع كأفراد مستقلين وان العلاقة التي تربط بينهم فقط هي الاخلاق والصفات الحسنة او السيئة. اي الصورة التي توضح بأن هناك بعض الناس يمتازون بالاخلاق الحسنة والبعض الاخر بالاخلاق السيئة. وتطبيق هذه الصورة على الطبقة السياسية أيضا، اي في كل حزب سياسي هناك بعض السياسين ذو الاخلاق الحسنة والشريفة والبعض الاخر ذوو اخلاق سيئة ونويا شريرة. ويقسم المجتمع من جراء هذه الصورة وهذا المنظور الى الناس الطيبين والناس الاشرار، اي هناك بين الاغنياء من هم طيبين ومن هم اشرار وكذلك يقسم الفقراء وفق هذا المنظور ايضا اي الاشرار والطيبين فقط. ان بث تقسيم المجتمع على هذه الصورة المشوهة هو من صنع الافكار البرجوازية لاخفاء طابع الصراع الطبقي والتقسيم الفعلي والاصلي للمجتمع الرأسمالي.
ان هذه الصورة المشوهة والغير حقيقية والبدائية للمجتمع نسمعها يوميا في البيت والمدرسة وفي العمل ويروج لها عبر الاعلام والقنوات الفضائية في الاخبار والجرائد وحتى في صناعة السينما، بأن الفساد في السياسة او القضاء او الجيش والشرطة او في اوساط العمل التجاري والصناعي و..الخ. يكون حسب تقسيم الخير والشر!. هذه الصورة المشوهة لها تأثيرها على أفكار المجتمع وبالتالي ابعاده عن محتوى الصراع الحقيقي داخل المجتمع. وهذا ما تريد الطبقات الحاكمة من الرأسمالية ان ترسخه في المجتمع.
ان جميع هذه التقسيمات سوى الاخلاقية او القومية او الاثنية أو العرقية هي تقسيمات مصطنعة وغير حقيقة عن المجتمع. هناك تقسيم واقعي وموضوعي في المجتمع وهو التقسيم الطبقي، اي أن هناك طبقات فعلية مختلفة ولكل طبقة مصالح ونمط حياة ومعيشة مختلف، ولدى كل طبقة تفكير وتصور مختلف عن الحياة وعن الحقيقة وعن الاخلاق وعن الحكم وعن الطبيعة.. وان هذا التقسيم الطبقي الفعلي هي مصدر كل معاناة المجتمع البشري. في زمن العبودية كان التقسيم بين المالك والعبد هو التقسيم الطبقي بين من يملك الثروة والعبيد وبين من لايملك اي شيء حتى نفسهو التي كانت مملوكة للطبقات الحاكمة. وفي زمن الأقطاعية كانت التقسيم الفعلي بين الطبقة المالكة لكل الاراضي الزراعية وبين الفلاحين الفقراء اللذين لايملكون غير قوة عملهم في هذه الاراضي لأنتاج المحاصيل الزراعية لصالح الطبقة الاقطاعية مقابل حصة قليلة جدا تكاد تكفي لبقائهم أحياء فقط. والتقسيم الحالي للمجتمع الرأسمالي هو بين من يملك الاراضي والمياه والسماء والطبيعة ويملك المصانع والموانيء، ويملك الاعلام والقنوات الاعلامية ويملك اجهزة الجيش والشرطة والقضاء والمحاكم والقوانين.. وبين الطبقة العاملة والتي لا تملك غير قوة عملها والتي تبيعها في السوق لاصحاب الرأسمال. ان هذا التقسيم الطبقي ليس مصطنع في عقولنا وفي خيالنا وانما هو واقعي وواضح مثل وضوح الشمس. ان كل الطبقة البرجوازية والرأسمالية تتمتع بالثروة والرفاه وتتمتع بالسلطة الفعلية في البيت والشارع والمدينة.. تمتلك القضاء والمحاكمات وتمتلك الدولة وقوانينها.. بالمقابل الطبقة العاملة والجماهير الفقيرة والكادحة تواجه هذه السلطة الرأسمالية وهي فاقدة لأرادتها وفاقدة لحقوقها.. وتقع على راسها دائما كل الماسي التي تصنعها الطبقة الراسمالية. ان الطبقة المالكة والطبقة الغير المالكة هو التقسيم الواقعي للمجتمع وهو الذي تحدد ملامح المجتمع ولا شيء اخر غير ذلك.
ان الاخلاق هي ظاهرة طبقية مثل بقية الظواهر في المجتمع الطبقي. الطيبين والاشرار هم ظاهرة طبقية. من هم الاشرار ومن يحدد ان يطلق هذه التسمية؟ هل الاشرار هم الذين يعملون يوميا كي يؤمنوا لقمة عيشهم وعيش اطفالهم، ويصرفون كل طاقتهم في اليوم ويتعرضون لشتى أنواع الأهانة ولشروط العمل القاسية والغير أنسانية.. ام الاشرار هم منتجي هذه الأوضاع والمدافعين عنها بالقوانين وقوات الشرطة والجيوش؟.. من هم الكذابين؟ هل هم هؤلاء العمال اللذين يحاولون وبكل الطرق اقناع اصحاب العمل ان يشتروا قوة عملهم وان يبقوا في العمل أطول مدة ممكنة.. ام الطبقة الغنية والتي تكذب يوميا لاستغلال القوة العاملة بأجور زهيدة.. مقابل تمتعها بأرباح تجارة بضائعها في الاسواق وحرمان الصانع الاصلي لهذه الأرباح؟ من هو الانسان الشريف؟ هل هم الطبقة الغنية والراسمالية سارقي قوة عمل العمال وانتاجهم؟.. ام الطبقة العاملة المالك الاصلي للثروة المجتمع؟ من هو الانسان الطيب؟ هل هو الرأسمالي الذي يعيش على استغلال الاخرين عن طريق شراء قوة عملهم ودمائهم ليحصل على أرباح هائلة.. ام هو العامل التي يخلق ثروة المجتمع وهو محروم من الحصول على خيراته؟ ان الشريف ليس من يملك المال والثروة، انما الشريف هو يكسب عيشه ورفاهه بعمله وبأنتاجه ولا يستغل احد. أن الاخلاق بكل مقاييسها هي ظاهرة طبقية وتحدد كل طبقة محتواها ومعانيها حسب موقعيتها في المجتمع وفي علاقات الانتاج.
ان الصورة لحقيقية للمجتمع الحالي هي وجود المجتمع الطبقي ووجود الطبقات المختلفة والمصالح المختلفة. فكل طبقة له رؤية مختلفة للامور وكل طبقة لديها تصور مختلف عن الحياة والمعيشة. وكل طبقة لديها تنظيم واحزاب سياسية مختلفة واهداف وافاق مختلفة. ان طبقة الاغنياء والرأسماليين لديهم انواع واشكال من الاحزاب الخاصة بهم تخدم مصالحهم، سواء الأحزاب القومية أو الدينية أو غيرها فلكل هذه الاحزاب شيء مشترك هو الابقاء على نظام العمل المأجور والرأسمال، الأبقاء على استغلال العمال، ولكن يختلفون على كيفية حماية النظام الراسمالي. ان جميع الاحزاب البرجوازية بكافة ألوانها تخدم الرأسمالية نتيجة تقسيمها للطبقة العاملة والجماهير الفقيرة الى قوميات واديان مختلفة لشرذمة قوتها وصفوفها. ليس هنالك حزب برجوازي شريف أو غير شريف.. وفي أو غير وفي.. اصلي أو غير اصلي، وانما جميعهم موجودون لخدم الاغنياء بالضد من الفقراء. بالمقابل هناك أحزاب عمالية مختلفة ليس بالتسمية، وأنما أحزاب عمالية فعلية تناضل من أجل مصالح العمال والفقراء بطرق مختلفة، ويشتركون في نقطة مشتركة وهي الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة وافاقها. ان وجود الطبقات ومصالح الطبقات المختلفة والافكار الطبقية المختلفة ونمط الحياة المختلف هو الواقع الحالي للمجتمعات وليس التصور الاخلاقي.