ماذا تقول لنا احداث العالم؟!


عادل احمد
2016 / 7 / 24 - 22:48     

حتى وقت قريب كانت تظهر الدول الغربية مكانا امنا للعيش ورمزا للاستقرار السياسي والاقتصادي، وبناء على ذلك اتجهت موجة الهجرة من باقي انحاء العالم الى الدول الغربية بحثا عن حياة افضل والتي هي غير موجودة في بلدانهم. وبالفعل كانت هذه الدول مقارنة بدول العالم الثالث في أفريقيا وشرق اسيا وفي دول امريكا اللاتينية، مكانا امنا وخاصة بعد عملية البناء من بعد الحرب العالمية الثانية. ان عملية البناء استغرقت عشرات السنين واحتاجت الى الأيدي العاملة والعمالة الرخيصة من انحاء العالم، وعلى هذا الاساس فتحت الدول الغربية ابوابها لاستقبال الهجرة. كما وأن نمو الحركة العمالية والردايكالية في هذه البلدان كان لها الدور الرئيسي ايضا للتعاطف مع باقي عمال العالم من اجل الهجرة ومساعدة المهاجرين.
تغيرت الظروف اليوم، ان الرأسمالية في جميع الدول الغربية تمر بازمة اقتصادية كبيرة وكثير من عمالقة رؤس الاموال بدأت يتلاشون، وكثيرا من الشركات وامبراطوريات السلع بدات تصغر نتيجة المنافسة في ظل الازمة الاقتصادية الرأسمالية العالمية. ان الدول الرأسمالية الكبرى تحاول تقسيم العالم ومناطق النفوذ من جديد والكل يحاول استقطاب الاسواق لصالحه. ان تدخل الدول الغربية مباشرة بباقي دول العالم وباقي المناطق الاخرى من العالم في اليمن ومصر وتونس وليبيا وجنوب السودان، وفي سوريا والعراق وفلسطين ولبنان في الشرق الاوسط، وكوريا الشمالية والفليبين في شرق اسيا، وفنزويلا وكوبا والبرازيل وشيلي والارجنتين في امريكا اللاتينية، اصبحت هذه الدول غير مستقرة سياسيا واقتصاديا ومن الناحية الاجتماعية تفكك النسيج الأجتماعي فيها نتيجة الاستقطابات والصراعات السياسية. وان هذا التدخل من قبل الدول الرأسمالية الكبرى في بقية انحاء العالم ادى الى عدم استقرار العالم ومن ظمنها الدول الغربية نفسها.
من الناحية الاقتصادية فأن الازمة الرأسمالية للدول الصناعية والغربية بدأت تشتد يوما بعد يوم والتي تصدر اعباء هذه الازمة الى الدول في العالم الثالث وبالتالي فرضت عليها عدم استقرارها، وان الدول الغربية نفسها تعاني من الركود الاقتصادي المزمن والبطالة المستمرة وعدم تعافي الاقتصاد نحو النمو طيلة عقد من الزمن، وعدم قدرة الشراء في الاسواق نتيجة البطالة وانخفاض الاجور وارتفاع اسعار السلع والغلاء، واتسعت الهوة بين الفقراء والاغنياء بدرجة عالية. وان تصدير اعباء الازمة الى الدول المتاخرة اقتصاديا يؤدي الى اشعال والحروب وعدم الاستقرار، لان هذه الدول المتأخرة مرتبطة ومعتمدة على الرأسمال الغربي بالدرجة الاساسية، واسواقها تعتمد كليا على سلع الدول الصناعية وتحويلاتها المالية والمصرفية. اي ان الدول الغربية تحاول التقليل من مشاكلها الاقتصادية واعبائها المالية، بتصدير قسم من هذه المشاكل الى الدول التابعة اقتصاديا لها عن طريق تصدير رساميلها. وان تصدير الرأسمال النقدي واستثماراته يحتاج الى فتح اسواق جديدة وايدي عاملة رخيصة. وبما ان الاسواق في هذه الدول (المتأخرة اقتصاديا) مجزئة وفيها استثمارات متنوعة، فأن المنافسة والصراع بين الكتل البرجوازية في هذه البلدان يتخذ شكل سياسي ويؤدي الى الاقتتال واشعال الحروب بين المتنافسين، او في احسن حالاته عدم الاستقرار السياسي كما في تونس وفنزويلا والبرازيل.
اما من الناحية السياسية فان الخروج من الازمة العالمية الشاملة يحتاج الى حلول سياسية وحسم الصراعات في مناطق النفوذ عن طريق الصراعات السياسية واستقطابات سياسية عالمية. ان التكتلات السياسية السابقة والاستقطابات العالمية السابقة لم يعد لديها أجوبه على مشاكل الرأسمالية المعاصرة. ان الاستقطابات السياسية السابقة كانت لديها أجوبة على مرحلة الصراع بين الكتلة الشرقية والغربية من بعد الحرب العالمية الثانية. اما اليوم فأن هذه المرحلة قد انتهت والكتلة الشرقية بدات تتحد مع الغرب الاوروبي وتتداخل مصالحها مع بعضها البعض، كما وان التقارب الروسي والفرنسي والالماني على حساب ابتعادها عن امريكا وبريطانيا هي ملامح جديدة للسياسة العالمية. وان نشؤ استقطابات جديدة يعني أنتقال الصراعات السياسية من الخفاء الى العلن، وهذا بدوره يؤدي الى دورة جديدة من عدم الاستقرار في الدول الغربية نفسها وكذلك الدول التابعة لها في امريكا اللاتينية وشرق اسيا والدول الافريقية والشرق الاوسط. ان الرأسمال يتحرك وفق مخططات سياسية لهذه الدول. ان تعارض المصالح بين الكتل الرأسمالية العالمية ظهر الى العلن في الازمة الحالية في العراق وسورية واليمن وليبيا والبرازيل وفنزويلا وفي قلب اوروبا ايضا وفي اوكرانيا. ان الاحداث الاخيرة في كل من فرنسا والمانيا وبلجيكا من الانفجارات والعمليات الارهابية من قبل الاسلاميين هي رد فعل الصراعات السياسية في الشرق الاوسط. ان الاسلام السياسي امثال داعش والقاعدة وجبهة النصرة وجند الشام واخواتها هي من صنع الراسمال الغربي نفسه، ولكن عندما تتغير المصالح والصراعات يتغير الاسلام السياسي ايضا بتوجهاته وارهابه بالضد من ولصالح من؟ واليوم الارهاب يطرق باب اصحابه سواء الارهاب الاسلامي او الارهاب العنصري من الفاشيين والنازيين الجدد.
في كل الاحوال لم يبقى مكانا امنا في العالم، لا في الغرب ولا في الشرق. الارهاب الاسلامي مقابل الارهاب العنصري. لم يبقى الاستقرار المالي لا في الغرب ولا في الشرق. في كل الاحوال فأن الطبقة العاملة والجماهير الكادحة في العالم هم الضحية في جميع الاماكن، ويدفعون ثمن سياسات وصراعات اصحاب الرأسمال العالمي. مادام الرأسمال مسيطر على الحياة والمعيشة فلن تجد الامان ولن تجد الرفاه والعيش بحياة كريمة، ولن تجد السلام ولن ترى الفرح.. ليس هناك الا الاقتتال والحروب والمعانات ومشقات الحياة والفقر والبطالة والجوع والهجرة بحثا عن حياة افضل. ان النظام الرأسمالي لا يصلح للبشرية ولا يخدم البشرية بأي شيء، ليس هذا وحسب وانما هو عائق امام تطور البشرية ونيلها السعادة والامان والرفاه. ان احداث العالم تقول لنا بصراحة بأن النظام الرأسمالي يجب ان يرحل ويزول الى الابد، وان يرمى في مزبلة التاريخ كما رميت الانظمة السابقة، وان يحل محله النظام الاشتراكي وان يكون الانسان فيه هو الاصل وكل شيء من اجل الانسانية لا لطمع وجشع رأسمال.