قادة عكس التيار


عادل احمد
2016 / 6 / 27 - 01:37     

ان تركيبة كل مجتمع هي تركيبة عضوية تتفاعل مع الظروف المادية والموضوعية. وتتأثر بالعوامل السياسية والاقتصادية وتأخذ الشكل التي تتغلب عليه كل هذه العوامل. في حالة الحرب يأخذ المجتمع طابع العنف والاقتتال وفي حالة الاستقرار النسبي يأخذ النمو والشكل الروتيني طابع لتلك المرحلة، وفي حالات الثورة يأخذ المجتمع طابع التغيير والهيجان الثوري وانتشار الوعي، اما في حالات الأخفاق والازمات وانعدام الافاق يأخذ المجتمع طابع السلبي واليائس. في كل هذه الاحوال هناك محاولات عديدة للطبقات الاصلية في الصراع والنضال لاحراز التقدم نحو مصالحها الطبقية ومحاولة ترك بصماتها على الاحداث والظروف. وان محاولة كل طبقة ان تؤثر على المجتمع بطابعها تتوقف على القيادة لهذه الطبقة وافاقها واهدافها. اي ان المجتمع يتأثر بحركة الطبقات وصراعاتها، وهذه الصراعات تتوقف على القادة وافاقهم وكل هذه يتوقف على نوع القادة وتجسيدهم لمبدأ التغير الفعلي.
ان ما يحدث في العراق وكردستان العراق اليوم هو نتيجة محاولة الطبقات السائدة وحركاتها السياسية واحزابها، بأن تطبع بصماتها على المجتمع وان تجر المجتمع نحو اهدافها والتي تتمثل بصراع الاقطاب العالمية والاقليمية والتغير في ميزان القوة كلا حسب مصالحه ورؤيته السياسية. ان قادة جميع التيارات والحركات السياسية البرجوازية من الاسلاميين والقوميين بكل تلاوينها، تحاول جر المجتمع نحو منعطفاتها السياسية بما يصلح لهم، وبالفعل رسم المجتمع في العراق وكردستان بطابع هذه الحركات وافاقها. فان الاسلاميين في المعسكر الشيعي استحوذ طابعهم السياسي على جميع ميادين الحياة في المجتمع من تحالفاتهم وصراعاتهم وتقاليدهم وحتى في الاصطفافات الاقتصادية ومعاهداتهم. طبع المجتمع تحت امرة هذه الاحزاب وقادتها بالمعسكر الايراني واقطابه العالمية. اما فيما يخص المعسكر الاسلامي السني فأن المناطق التي تحت امرتهم طبعت بطابع الصراع مع القطب الايراني، وان جميع اشكال الحياة اخذت طابع هذا الصراع سواء بوجود القاعدة او داعش او القوميين بجميع اشكالهم ومن ضمنهم البعثيين. وان هذا القطب التركي - السعودي له طابع سياسي في مناطق ما تسمى بالسنية. وفي كردستان انقسم القوميين الكرد على المعسكرين ويحاول قادة كل معسكر ان يجر مجتمع كردستان لاحد هذه الاقطاب الاقليمية، وبالفعل انقسم المجتمع الى المعسكرين واخذ المجتمع هذا الطابع وانعكس على جميع مجالات الحياة.
ان رسم ملامح المجتمع في وقتنا الحاضر هي من مقدرة قيادة الحركات الاجتماعية للبرجوازية في الظروف الغير الاعتيادية. وتنعكس هذه الملامح على الصراع الطبقي الاصلي في المجتمع العراقي. ان سريان هذا التيارات (التيار المدمر للبرجوازية) يتجه اكثر واكثر نحو تدمير المجتمع الاعتيادي، واغراقه في بحر الدماء نتيجة صراعاتهم غير الانسانية وابراز الاحاسيس القومية والدينية والطائفية بين المجتمع. ان البرجوازية في العراق غارقة من رأسها والى اخمص قدميها في الرجعية، وان جميع محاولاتها تصب في تدمير وخراب الانسان في العراق.
اذا كان الوضع بشكل عام يتجه نحو هذا المسار وهذا التيار! فهل هناك امل ان يكون عكس التيار يطبع حياة المجتمع بشكل اخر؟ هل هناك امال بأن يتجه المجتمع نحو البناء والتطلعات الانسانية؟ ان الصراع الطبقي موجود وان الحركة العمالية موجودة، اذن ماهي مقومات هذا الانقلاب على مسار المجتمع؟ ان حركة الطبقة العاملة وحضورها بأمكانها ان تقلب الوضع الحالي، لكن حضور الطبقة العاملة في الوقت الحاضر واستعداداتها ضئيل جدا، لان هذه الطبقة لا يتجسد في حركتها قادة ذوو نظرة ثاقبة وأتجاه معاكس لاتجاهات التيارات المسيطرة على المجتمع! ان فقدان القادة الاصليين للصراع الطبقي هي احدى اهم نقاط ضعف الحركة العمالية في العراق. ان الحركة العمالية بدون قادتها مثل جيش بدون رأس.. ولا يمكن السير بالأتجاه المعاكس اذا لم يكن هناك قادة لهذا المسار.
ان مشكلة حركتنا الاشتراكية والعمالية في الوقت الحاضر هي افتقارها الى القادة اللذين يحملون افق التغير الجذري في المجتمع، وان هذه ليس عيبا يمكن اصلاحه وليس مسألة نظرية يمكن بحثها ودراستها وانما مسألة سياسية يجب بحثها في استراتيجية عامل تغيير المجتمع بافاق عمالية ومن مقدرة الطبقة العاملة على اي تغيير في المجتمع. الطبقة العاملة تقف خلف قادتها واذا قادتها ليس بأمكانهم رفع رأسهم في المجتمع فليس لها القدرة بأن تغير شيئا لصالحها. والقادة المرفوعين الراس بأمكانهم ان يظهروا في المجتمع وبأمكانهم ان يقودوا الحركة في المسار المعاكس لاتجاه البرجوازية، وبأمكانهم احراز النصر وبأمكانهم ان يغيروا طابع المجتمع بتغيراتهم وسياساتهم. نحن اليوم نحتاج الى قادة عكس التيار.، نحتاج الى القادة الاصليين للصراع الطبقي ونحتاج الى القادة اللذين يؤمنون بمقدرة الطبقة العاملة لاي تغير في المجتمع. ليس امام الحركة العمالية والاشتراكية الا ان تجد وتتبنى هذه النوع من القيادة والا تنزلق يوم بعد يوم في مستنقعات السياسات البرجوازية. ان ليس كل من يدعي الماركسية قائدا وليس كل من يقول عن نفسه قائد يكون ماركسيا! ان اعتبار الماركسية ليس في نظرياتها وحسب بل في ثورية هذه النظريات ووجود ماركس على رأس الحركة العمالية العالمية ومحاولة تغير العالم من مقدرة الطبقة العاملة. وان البلاشفة وقائدهم لينين كان يسير دائما بالأتجاه المعاكس لمسار البرجوازية. ان كل البرجوازية ومن ضمنها الانتهازيين كانوا مع الحرب العالمية الاولى ووقفوا بجانب حكوماتهم، ولكن البلاشفة وقفوا بعكس من هذا التيار وقادوا الحركة العمالية بأتجاه مصالحها واستلام السلطة. ان مصير حركتنا مرهون بوجود هذا النوع من القادة.