الطبقة العاملة تستقبل السنة الجديدة بموجة من النضالات في أنحاء عديدة من العالم


مرتضى العبيدي
2016 / 1 / 11 - 21:12     


كنت أعتزم تقديم تغطية شاملة للنضالات العمالية المسجّلة في مستهلّ هذه السنة الجديدة، إلا أن تعدّدها واتساع رقعتها الجغرافية يجعل من المستحيل مواكبتها جميعا، فاقتصرت في هذا المقال على بعض البلدان اللآسيوية التي قلما تردّد صداها الصحافة عندنا، على أن أعود لبقية القارّات في مقالات لاحقة.

عمّال منجم سوما بتركيا يستقبلون العام الجديد بإصرار من حديد

فبينما كانت جميع العواصم تحتفل كل على طريقتها بحلول السنة الجديدة، كانت الطبقة العاملة في جميع أرجاء العالم تستقبلها هي الأخرى على طريقتها الخاصة، ولعل عمّال منجم "سوما" بتركيا الذين أصرّوا على استقبال السنة الجديدة معتصمين أمام مدخل المنجم للتعبير عن رفضهم لسياسة التسويف التي تمارسها إزاءهم الشركة المشغلة بتواطؤ مع نظام أردوغان وبحماية منه، خير تعبير على أن العمّال إذ يربطون العام بالعام فلا يكون ذلك إلا بالنضال، وقد كانوا شرعوا في هذا الإضراب منذ يوم 18 ديسمبر المنقضي. ويُعتبر هذا المنجم بالذات إحدى قلاع النضال الطبقي في تركيا إذ أنّه كان نقطة مضيئة في المسار الكفاحي للطبقة العاملة التركية حتى في أحلك فترات الدكتاتورية العسكرية التي كانت تجرّم حتى الانخراط في النقابات. كما أن أوضاع هذا المنجم تعبّر من ناحية أخرى على جشع الرأسماليين الذين لا يتوانون في اللجوء إلى أبشع أساليب الاستغلال والاستهانة بالذات البشرية من أجل تكديس الأرباح. ولعلّنا نذكر جميعا الحادث المريع الذي جدّ في منجم "سوما" في بداية شهر ماي 2014 والذي ذهب ضحيته 301 من عمّاله دُفنوا تحت الأنقاض.
عمّال إيران يرفضون سياسات الملالي
وغير بعيد عن تركيا، ولدى الجارة العدوّة، إيران، اختار العمّال المضربون الاعتصام أمام مبنى البرلمان ليلة رأس السنة، للتعبير عن رفضهم للإجراءات الجديدة التي طرحتها حكومة الملالي في ميزانية العام الجديد والتي تعتبر هجوما شرسا على الأجراء وأصحاب الدخل الضعيف، تحت مسمّى "التقشف للخروج من حالة الانكماش الاقتصادي". إذ أن إيران ككل الدول النفطية تأثرت بهبوط أسعار النفط في الأسواق العالمية، ولم يرى النظام القائم من بدّ غير تحميل ذلك على كاهل العمّال، عوض مراجعة سياساته اللاهثة وراء المزيد من التسلح للحفاظ على مكانته كقوة إقليمية ذات نزعة هيمنية في المنطقة. وقد كان النظام الإيراني شرع في تطبيق هذا البرنامج التقشفي منذ السنة المنقضية وادّعى أن الأزمة عابرة ووعد "مواطنيه" بأن الضيق لن يتجاوز الستة أشهر وإذا به يحافظ على نفس الإجراءات في مشروع المخطط السادس للتنمية الذي يمتدّ على خمس سنوات. لذلك حوّل العمّال الميدان المقابل لمبنى البرلمان إلى ساحة نضال فعلية، يقصدها الجميع للاحتجاج وللتشاور ولتبادل الخبرات النضالية، بحيث أنّها ضمّت ليلة رأس السنة آلاف العمّال من قطاعات مختلفة أبوا إلا أن يتجمّعوا في جوّ عمّالي نضالي رغم قساوة الطقس. والملاحظ أن المعتصمين يمثلون القطاعات الحيوية والأكثر تنظّما نقابيا. فهم جاؤوا من قطاع النفط، وتوليد الكهرباء والاتصالات، دون أن ننسى شريحة الشباب المعطّل عن العمل والذي أبرز قدرة نضالية عالية في الأسابيع الأخيرة، حتى أن بعض مظاهراته تحوّلت إلى مصادمات مع أجهزة القمع أودت بحياة شاب (مرتضى فرجانية) وإلى جرح اثنين آخرين غير بعيد عن مدينة بهبهان في مقاطعة خوزستان. علما وأنّ قمع النقابيين لا يتوقف في إيران، وآخر فصوله الحكم بالسجن لمدّة ست سنوات على المناضل جعفر عزم زاده بتهمة "التآمر على الأمن القومي وترويج الأراجيف حول الجمهورية الإسلامية وإحداث الشغب" لإقدامه على تأسيس نقابة حرّة في إيران تجمع شتات العاملين في القطاع الخاص بمن فيهم المسرّحين من العمل والذين يتكاثر عددهم من يوم إلى آخر. وتشنّ اليوم عديد النقابات المناضلة في العالم حملة من أجل إطلاق سراحه.

عمّال العراق يتوحّدون ضدّ الطائفية

أمّا في العراق، فإنّ الحركة العمالية بدأت تسترجع عافيتها رويدا رويدا خاصة بتصدّيها للتقسيمات الطائفية التي كانت تؤجّجها الأطراف السياسية المتنازعة، حيث يتوحّد العمال أكثر فأكثر حول لوائح مطالب مشتركة ذات طابع اقتصادي واجتماعي، لا يدخل في صياغتها أي اعتبار عرقي أو طائفي، بل هي تجمع العمّال بصفتهم تلك أي كمنتمين إلى طبقة المستغلين، قدرهم التوحّد لمقارعة جشع الرأسماليين الذي لا يحدّ منه أو يزيد فيه انتماءهم لهذه الطائفة أو تلك. ففي بغداد شهد ميدان التحرير في نهاية السنة المنقضية وبداية السنة الجديدة توافد مسيرات عارمة من العمّال وخاصّة من العاملات خرجوا للاحتجاج على عزم الحكومة التخفيض في رواتب الأجراء وجرايات المتقاعدين بنسبة 3٪-;- خلال السنة الجديدة، وقد تزاوج هذا المطلب ذي الطابع الاقتصادي بمطالب سياسية إذ أنه في معظم المسيرات، حملت عديد اللافتات الشعار التالي: "خبز، حرية، لائكية" إذ أن الشعب العراقي الذي يعاني منذ احتلال البلاد من تبعات الحكم الطائفي، هو من أكثر الشعوب المؤهلة للحكم على الدمار الذي ينجرّ عن النظام الطائفي الذي يُقجم الدين بالسياسة. وزيادة على بغداد عرفت عديد مدن العراق كالناصرية وكربلاء والحلّة مسيرات مشابهة رفعت فيها شعارات مندّدة بالفساد في مؤسسات الدولة بكل مستوياتها.

في بنغلاديش، العمّال يطالبون بحقّهم في حياة كريمة

وفي عديد البلدان الآسيوية الأخرى، تعدّدت نضالات العمّال في مفتتح هذه السنة الجديدة لتعلن أنها لن تكون كسابقاتها وأن الطبقة العاملة ضاقت ذرعا بالاستغلال الرأسمالي الذي لم تعد تحكمه أيّة ضوابط. ففي حقول الشاي في مقاطعة "هابيغانج" في بنغلاديش، يواصل العمّال والعاملات إضرابهم الذي انطلق منذ الثامن من شهر ديسمبر الماضي احتجاجا على ما يتعرّضون إليه من مظالم على يد ملاكي الأرض الذين يفرضون معاملات ترجع إلى عهود أخرى، إذ لا يتجاوز أجر العامل عندهم ما يساوي 0,8 يورو في اليوم الواحد، وهو أجر لا يفي بأيّ من ضرورات الحياة، فكان الملاكون يسمحون للعمال منذ ما يناهز عن القرنين باستغلال الأراضي المحاذية لهذه الحقول وأغلبها غير صالحة للزراعة، فيستصلحونها وينتجون فيها ما به يسدّون رمقهم من خضراوات. لكن هؤلاء الإقطاعيين تراجعوا عن تلك المنّة في الآونة الأخيرة واستحوذوا على تلك الأراضي وصنّفوها "أراض خاصّة" لاعتزامهم إقامة مشاريع أخرى فوقها. فكان هذا الإضراب، ونوّع العمّال أشكال النضال والاحتجاج للفت النظر إلى حالهم المزري. من ذلك تنظيم السلاسل البشرية من مواقع الإنتاج حتى عاصمة المقاطعة، أو تشكيل وفود عمالية للتنقل للجهات الأخرى التي تكثر فيها حقول الشاي لطلب مؤازرة رفاقهم. وقد تبنت مطالبهم عديد المنظمات الاجتماعية وكذلك الحزبين الاشتراكي والشيوعي ببنغلاديش اللذان أصدرا بيانا مشتركا للتنديد بهذه المظلمة الجديدة وهما يعتزمان تنظيم تحركات مساندة شعبية في كامل البلاد.

احتجاجات عمّالية في كبرى مدن باكستان

أمّا في باكستان، فقد شهد اليومان الأوّلان من السنة عديد التحركات العمّالية، إذ تظاهر في مدينة بيشاور آلاف العمّال الذين يشتغلون في حقول التبغ ضدّ طرد 141 من رفاقهم في إطار إعادة هيكلة الشركة المشغلة. وفي اسلاماباد فقد تظاهر أكثر من خمسة آلاف متقاعد من الشركة الوطنية للاتصلات من أجل المطالبة بتطبيق حكم قضائي أصدرته لصالحهم المحكمة العليا يجبر الحكومة على الترفيع في جراياتهم. إلا أنه رغم مرور سبعة أشهر عن صدور هذا الحكم، مازالت السلطات تتلكأ في تطبيقه. وفي مظفّرآباد، تظاهر ثلاثة آلاف من أعوان الصحة العمومية للمطالبة بأجورهم التي لم يتقاضوها منذ ثمانية أشهر...


ومن خلال هذه الأمثلة، وغيرها كثير كثير، يتضح أنّ لا بلدا في منأى عن تأثيرات أزمة النظام الرأسمالي والتي إذا ما تراجعت حدّتها في بعض البلدان، فإنها تحتدّ في بلدان أخرى، خاصّة منها البلدان التابعة مهما كان حجم ثرواتها الطبيعية. كما أنّ الأنظمة الحاكمة في هذه البلدان ليست سوى أدوات في خدمة البورجوازية المحلية منها والدولية، وأنّ السياسات المملاة عليها هي ذاتها إذ هي تهدف إلى تحميل أزمة النظام الرأسمالي إلى الطبقات الشعبية عموما والطبقة العاملة بصفة أخصّ. إلا أنّ هذه الأخيرة لا تستسلم للأمر الواقع ولا تستكين بل هي تبرز يوما بعد يوم من الصلابة والوحدة في مقارعة أعدائها الوطنيين والطبقيين ما يجعل يوم انتصارها قريب.

مرتضى العبيدي