الحركة العمالية العالمية بحاجة الى مشروع عالمي فوري


فلاح علوان
2005 / 9 / 26 - 11:22     

-1-
لقد تغيرت ملامح العالم بصورة متسارعة جدا, وشهد عقد التسعينات وبداية الالف الثالث تطورات عاصفة غيرت ايقاع حركة العالم بما لم يعد يشابه الماضي القريب ابدا, وبرزت واختفت ضواهر حتى قبل ان تتم دراستها وتحليلها وتحولها الى اساس "كلاسي".

.
وهذا نشا عن تغير في توازن القوى ناجم عن سعي الاقطاب العالمية الى فرض نموذج وقالب سياسي يستوعب الابعاد الجديدة لتوسع قوى الراسمال , واحتواء الازمات المتسعة والمتسارعة ابدا. والسعي الى منع تحولها الى شكل من الثورات التي تطيح بكل البنيان القائم. ولان هذه الاوضاع يراد لها ان تجري بما يتلائم ومصالح القوى القائدة في السوق العالمية, فانها تاخذ اشكال جد معقدة من الازمات وخلق النزاعات, وفرض الهيمنة والحملات العسكرية واحتلال البلدان, واقامة القواعد العسكرية.
وحل محل التطورالتدريجي المتوازن الذي يمكن مراقبته ووصفه استنادا لمعطيات سابقة واشباعه بالدراسات الاكاديمية, حل ما يشبه التغيرات الطبيعية الفجائية كالفيضانات او الاعاصير او الزلازل, والتي تنقل اجزاء من الطبيعة من وضع "ساكن" الى وضع جديد, ذي ملامح مغايرة بشدة لما كان قائما. ليجري التطور بعدها بمقاييس اخرى وابعاد اخرى, ومن نقاط توازن جديدة ومن مواقع جديدة. اي باختصار شكل جديد لبنى وهياكل تسعى الى هضم الاشكال المحلية القائمة ودمجها في منظومة اوسع فاوسع, وزجها في افلاك اوسع و بمقاييس كونية.
وايا كانت شدة واتساع الاتجاهات العامة للازمات حد بلوغها اشكالا هيكلية بنيوية, لايمكن حلها اواصلاحها الا بالثورة الاجتماعية او تدهورها الى كوارث اجتماعية وسياسية تنجم عن فرض بدائل القوى السائدة. فان الاوضاع تجري على نحو بحيث ان من يقرر مسار الاوضاع الدولية هو القوى السائدة سواء الاقطاب العالمية الرئيسية او ممثلي هذه الاقطاب في سائر اجزاء العالم.
في مقابل وضع هامشي ودور محدود للجماهير وتحديدا الحركة العمالية في الوقت الذي يمسك العمال عصب الحياة, ويتوقف مجمل الانتاج والتداول, وبالتالي السوق العالمية على ما ينتجونه كعمال وما يستهلكونه كمستهلكين.
ومع العمال اقسام المجتمع الاخرى صاحبة الاهداف والميول التي تتعارض مع سياسة زعماء السوق التي تسعى لتكريس هيمنة فئة من المجتمع على الثروة الاجتماعية وتحكمهم بمصير وحياة البشر.
وللعمال اطرهم التنظيمية واشكال تعبيرهم عن مطالبهم التي تكونت وتشكلت خلال حقب طويلة, واتخذت اشكالها وقواعدها وسننها ولوائحها, كاتحادات اومنظمات عمالية بدءا بالاشكال البدائية للتنظيمات وصولا الى نماذجها المقتدرة والواسعة.
وداخل الاتحادات العمالية كانت ولا زالت الاتجاهات السياسية والاحزاب تلعب ادوارها سواء الاحزاب العمالية التي تدعو الى استلام السلطة من العمال انفسهم والغاء العمل الماجور, او الاحزاب الاصلاحية او الاحزاب اليمينية التي تسعى الى قولبة الحركة العمالية مع متطلبات سياسة القوى الممثلة لمصالح اصحاب الشركات ورؤوس الاموال واجهزة الدولة, اي باختصار مصالح الراسمال.
المسالة الاكثر جوهرية التي تبرز هنا, هي رغم تغير ملامح العالم بشدة, وتبدل هياكل القوى السائدة وكل توازن القوى, الا ان الاطرالتنظيمية وكل بنية المنظمات العمالية مازالت جامدة ومحافظة, تمنع تدخل العمال في رسم ملامح العالم.
ويمكننا بقليل من التفحص مراقبة ملامح وخصائص اساسية في مجمل الحركة العمالية في العالم.
• سيادة التيارات السياسية والاحزاب المحافظة واليمينية على الاتحادات الرئيسية في العالم, والاتحادات ذات الثقل التي يمكنها فرض تغيير توازن القوى على الصعيد العالمي.
• تراجع الدور الاجتماعي والسياسي للنقابات على الصعيد العالمي قاد الى تراجع العضوية العمالية, وبالتالي انحسار في حجم النقابات وفاعليتها, وهذا ناجم عن سيادة الاتجاهات اليمينية والمحافظة, والحيلولة دون تطور اتجاهات راديكالية داخل الحركة العمالية.
• تواجه الحركة العمالية على الصعيد العالمي ضعفا في استقطابها والتفافها حول الاحزاب العمالية الراديكالية واليسارية, وتعاني الاحزاب العمالية واليسارية من ضعف وتراجع بسبب عدم وجود حركة عمالية مقتدرة, وتواجه الضعف والتشتت وتتحول الى فرق ومحافل تتناول طروحات ايديولوجية وعقائدية ومحفلية, ولا تمتلك اجابة على معظلات الواقع, والقضايا الملحة والاساسية للحركة العمالية.
• مع قيام الراسمالية المعاصرة بتنظيم نفسها في اطر اكثر اتساعا وعالمية, تمنحها قدرة وحرية اكبر في دمج مكونات السوق العالمية, وفتح ابواب جديدة امام حركة الراسمال واعادة تشكيل النماذج الاقتصادية, لتدور في فلك ومحور القوة القائدة على الصعيد العالمي, في العملية التي يطلقون عليها اسم العولمة. مع كل هذا الاقتدار الهائل الذي تمنحه العولمة للراسمال, نجد ان الحركة العمالية على العكس تزداد تشتتا وضعفا, بسبب احياء الروح القومية, احياء العنصرية في بعض اجزاء العالم, واحياء الثقافات القائمة على التمييز بين البشر, وحتى العودة الى البربرية والعشائرية, وخلق هوة بين البشر بتقسيمهم على اساس الدين او اللون او المعتقد اوالجنس في اجزاء اخرى من العالم, وحسب المناخ الاجتماعي والحضاري القائم في هذا الجزء من العالم او ذاك. بحيث نرى ان الراسمال يسعى اكثر فاكثر لتركيز قواه وعقد التحالفات اقليميا وعالميا, في حين نرى ان الحركة العمالية اكثر تمزقا وتشتتا. وحيث ان قوة الحركة العمالية تاتي من وحدتها اصلا, ومن تنظيمها, لذا نجدها تعاني من نقاط ضعف اساسية وعميقة.
وفي الاجابة على المعضلات الحاسمة والتاريخية تنطلق العديد من الاتجاهات داخل الحركة العمالية, لتطرح بدائل ناضجة وواضحة, ولكن فعاليتها تكون محدودة وتكاد تقتصر على نشاطات من نوع الحملات المحلية او الاقليمية وتبادل بيانات اتفاق حول محاور اساسية.
ورغم اهمية الانجازات والنشاطات هذه ووصولها الى مديات واسعة نسبيا- على الاقل في اقطار معينة- تهدد توازن القوى السائد. الا ان الحركة العمالية منذ عقود لم تفرض تراجعا ستراتيجيا على الراسمال على الصعيد العالمي.
• تواجه الراسمالية تحديات ادارة عالم معقد واسع يكتط بالصراعات والازمات, وقد طرحت على نفسها موضوعة العولمة, اي توسيع نموذج القطب الاقوى على الصعيد العالمي وجر كل اقسام العالم وراء نموذج وشكل جديد فرضته ضرورات اعادة انتاج الراسمال على الصعيد العالمي. وتواجه الطبقة العاملة تحديات الاجابة على معضلات العالم المعاصر, ومهمة اعادة تعريف دورها على الصعيد العالمي.
المهمة الاساسية لا تكمن في تشكيل وتوسيع اتحادات عمالية, تحصر مهام الحركة العمالية بنضال يومي حول الدفاع عن مستويات معينة من الاجر او عدد محدد من ساعات العمل, رغم اهمية هذا المطلب. او الاحتفاظ بعلاقات متوازنة مع السلطات لغرض حصر الصراع في اطر ضيقة لا تدفع الاوضاع باتجاه الصدام مع البرجوازية, سواء فئات الملاكين المباشرين او السلطات.
والمهمة الان تقوم لافي المطالب المباشرة واليومية فقط, بل في التصدي لدور جديد ومهمة تاريخية جديدة, هي التدخل الفوري في رسم ملامح العالم, وبالتالي بناء المجتمع الانساني.
قطبان يقفان احدهما ازاءالاخر, الراسمال من خلال ممثليه, الملاكين واجهزة الدولة والمؤسسات الحقوقية والبنى السياسية والمؤسسات الدينية. في مقابل العمل.
الاول طرح بديله امام تحيات عالم يكتظ بالمعضلات والازمات, ويسعى لتركيز ومركزة قدراته في مشروع عالمي يسميه العولمة.
والثاني وهو العمل, والذي طرح موضوع العالمية منذ اكثر من قرن ونصف القرن, وفرصته في العالمية وتوحيد صفوفه على الصعيد العالمي اوفر, بسبب انسجام العمال كطبقة وتطابق مصالحها عالميا.
ورغم قيام البرجوازية بانفاق المليارات على احياء النزاعات بين البشر على اساس الدين او القبيلة او اللون او اللغة او الجنس او المعتقد الا ان الاهداف العليا والمحورية للعمال بقيت تدور حول وحدة الطبقة العاملة ووحدة اهدافها ومصالحها النهائية على الصعيد العالمي.
كيف تستطيع الطبقة العاملة طرح بديلها ونموذجها في مواجهة بدائل البرجوازية؟
ان العولمة هي المشروع السياسي والاقتصادي للبرجوازية في مواجهة تحديات العالم المعاصر, واداتها في فرض وتوسيع سيطرتها على العالم, فما جواب الطبقة العاملة على هذا التحدي؟
ان"عولمة" العمل بل عالميته اصلا هي ليست مشروع جديد, فالطبقة العاملة لم تسع الى تجريب او تكريس قوميتها واقليميتها, او تجميع نفسها في احلاف اقليمية وماشاكل.
ان اهم خصائصها هي في عالميتها, في نفس بنيتها باعتبار ان المصالح العليا والاهداف العليا للطبقة العاملة على الصعيد العالمي هي واحدة, وهي التي تحدد شكل اجابتها على معضلات العالم المعاصر, والتعامل مع المسائل الفورية والملحة.
ان لب المسالة يكمن في الاجابة على السؤال التالي. ما هو المشروع السياسي على الصعيد العالمي الذي يمنح الطبقة العاملة اداة لتنظيم صفوفها وتحويل تطلعاتهاالى برنامج عمل له مهام فورية عاجلة, كجزء من اهدافها النهائية العليا؟

-2-


إن الغرض الأساسي وراء هذا البحث هو تقديم الخطوط العامة لمشروع توحيد صفوف حركة عمالية راديكالية، قائمة عالميا وواسعة ولكنها مجزأة.
وهو في جانبه العملي السعي للإجابة على معضلة فورية، تشكل الميدان الرئيسي لصراع عالمي، هي مسالة احتلال العراق وتحويله إلى ساحة لصراع الأقطاب العالمية والإقليمية والقوى اليمينية الممثلة لها، وتحكمها بمصير الجماهير في العراق. في مقابل دور هامشي وغير حاسم للطبقة العاملة في هذا الصراع، ليس بسبب اقتدار الأقطاب المتصارعة بل بسبب تشتت وعدم وجود لائحة عملية للحركة العمالية في العراق وعلى صعيد العالم.
إن كل قطب من الأقطاب المتصارعة تسعى إلى فرض نموذجها وقالبها السياسي، كما إن لها أجندتها وخطابها رغم فوضى المشهد السياسي.
وعلى الرغم من كون العمال في العراق يشكلون القسم الأوسع من المجتمع ألا أنهم مازالوا غير قادرين على حسم الصراع لصالحهم بل إن تدخلهم في التأثير على توازن القوى مازال غير حاسم. وفي نفس الوقت نرى الحركة العمالية العالمية المناهضة للحرب واحتلال العراق قائمة وواسعة في عدة أقطار من العالم بينها الولايات المتحدة واليابان وأفريقيا الجنوبية وفرنسا والمغرب والعديد من الأقطار. ولكنها غير موحدة وغير ملتفة حول برنامج عملي أو لائحة عملية لتنظيم نفسها وطرح بدائلها وفرضها على الصعيد العالمي.
في حين تعمل القوى السياسية في العراق سواء المسلحة منها أو المتحالفة مع القوى الإقليمية والعالمية, كقوى منظمة وكجزء من أو امتداد لقوى عالمية أو أقطاب عالمية. في الوقت الذي لا يتسم بصفة عالمية حقيقية متجانسة سوى العمال كطبقة تعرف نفسها على أساس الموقع الاجتماعي والعلاقة بالملكية مشتركة في العالم اجمع.
تبدو المعادلة معكوسة بصورة تبعث على الدهشة والاستغراب، فالقوى المتناحرة طبقيا وسياسيا تمتلك أجندة وتصورات و تدخل في تحالفات. في حين يعاني العمال من التقسيم طبقة والتشتت.
الإجابة على هذه المعضلة لا تتم من خلال تحليلات أكاديمية وأيديولوجية، وكأن وحدة الطبقة العاملة تأتي بوصفة أو مجموعة بحوث تدعو لتجميع فصائل غير متجانسة، المسالة تكمن في الإجابة على المعضلة المحورية التي تسعى كل القوى السياسية إلى حسم صراعاتها، وحسم توازن القوى عالميا من خلالها، بل السعي المباشر لأمريكا لجعلها نقطة انطلاق لخلق النموذج الأمريكي في الشرق، وفرض عولمتها بالبنادق والدبابات.
إن أي قوة تستطيع حسم الصراع في العراق، ستفرض بدائلها على المجتمع في العراق، بدائل قوى معزولة عن الجماهير ومعادية لها.
ليست القوى المسلحة التي تقاوم أمريكا وقوات الاحتلال، بمجردة عن مصالحها، وإنها تسعى لمجرد إنهاء الاحتلال. إنها الجناح المسلح لقوى سياسية لها مصالحها وأهدافها ونموذجها السياسي الذي تريد فرضه على المجتمع.
كما إن القوى السياسية الداخلة في السلطة أي المتطابقة إلى هذا الحد أو ذاك مع المشروع الأمريكي، أو الممثلة للقوى الإقليمية تسعى هي الأخرى إلى فرض أجندتها وبديلها. ولكل من هذه القوى امتدادها الإقليمي أو العالمي، بحيث تعرف نفسها كجزء من سياسة عامة لقطب أو لنموذج سياسي.
في حين مازالت الطبقة العاملة في العراق ومعها القوى التحررية والمساواتية، أي باختصار يسار المجتمع، لا تمتلك هذا الامتداد من الناحية العملية، على الرغم من وجود ملايين التحرريين في العالم يساندون الحركة التحررية وتطلعاتها لإنهاء الاحتلال وإقامة مجتمع متحرر، خال من الاضطهاد والتمييز.

بالإجمال، في الوقت الذي تسعى أمريكا وحلفاؤها إلى فرض نموذجها السياسي على العراق والعالم، وفرض العولمة، على الطبقة العاملة في العالم فرض نموذجها وبديلها في مواجهة هذا المخطط.
عليها طرح نموذجها العالمي الجديد، إي فرض امميتها في مواجهة العولمة. إذا استطعنا وضع الخطوط الرئيسية للإجابة على معظلة احتلال العراق فإنها ستكون فرصة تاريخية كبرى لطرح البديل العمالي عالميا، وفرض التراجع على الرأسمالية بأبعاد عالمية.
أولا:- إذا استطعنا تشكيل شبكة عالمية واسعة من القوى المناهضة للحرب تقوم بطرح لائحة عملية للمهام المباشرة للشبكة، مثل تنظيم المسيرات عالميا، تنظيم اضرابات في البلدان المشاركة في احتلال العراق وخاصة الولايات المتحدة، والضغط المتواصل على الدول المشاركة في الاحتلال لغرض الانسحاب.
ثانيا:- دعم الحركة العمالية الراديكالية في العراق ودعم مشروعها لإنهاء الاحتلال من خلال تدخل القوى المليونية للعمال، في العراق وتنظيم الاضرابات والتجمعات العمالية والجماهيرية، وبالتالي تقوية اليسار في العراق، وفرض التراجع على القوى اليمينية التي تمنع العمال من التدخل في الأوضاع السياسية، بصفتهم الطبقية، وتعريفهم العمال على أساس الدين أواللغة أو المذهب.
ثالثا:- العمل على توسيع مهام الشبكة لتتناول قضايا عمالية عالمية، مثل قضية عمال كولومبيا أو إيران أو الفلبين أو مصر، أي باختصار البلدان التي تشهد تحولات أو مقدمات لثورات اجتماعية، وتغيير الأوضاع القائمة.
إذا استطعنا إنجاز هذه الخطوات الرئيسية فان هذا سيقود إلى:
1- تقوية جبهة المقاومة المدنية في العراق وإكسابها طابع عمالي راديكالي.
2- تقوية الحركة العمالية في العراق والعالم، من خلال التحام العمال وإحساسهم بكونهم جزء من جبهة عالمية مناهضة للحرب والاحتلال.
3- فرض التراجع على اليمين في العراق وفي العالم، من خلال نهوض اليسار، مما سيعزز ويقوي التلاحم الاممي.
4- تحقيق نصر تاريخي بمجرد إنشاء الشبكة عالميا، لأنها ستشكل إنذارا بكون القوى الراديكالية قادمة وستفرض بديلها، للأوضاع العالمية الراهنة