حول التطورات الأخيرة داخل الاتحاد المغربي للشغل، -التوجه الديمقراطي-:


أحمد بيان
2015 / 3 / 3 - 19:18     

أليست معامل أو مصانع المافيا هي المسيطرة
على كل المجالات في عالم اليوم؟

بيروقراطية مصنوعة في معامل المافيا. أليست هي من تسيطر على الواقع الاقتصادي والمالي؟ أليست المؤسسات السياسية وديمقراطيتها المزعومة هي ديمقراطية سيطرة هذه المؤسسات الاقتصادية والمالية؟ أليست المؤسسات الإعلامية مُسيطرا عليها سيطرة تامة ومطلقة من طرف المؤسسات الاقتصادية والسياسية؟ أليست مؤسسات التعليم والفكر والثقافة كلها موضوعة في خدمة المؤسسات المالية. فلم يتبق مجال إلا واقتحمته الآلة الاقتصادية والسياسية والإعلامية. فإما أن يعمل على تصريف ما تمليه تلك الآلة أو يتم تدميره وإعادة بنائه ليصبح قادرا على تنفيذ المهمة. فإما أن يرفع من شأنه من طرف تلك الآلة أو يتم القضاء عليه ونفيه من الوجود، وذلك من أجل أن تظل هذه الآلة هي المضمون الأبدي. وكل المجالات الأخرى هي في خدمة ذلك المضمون. لقد انتهى ذلك الزعيق والضجة التي رافقت إعلان ميلاد ما يسمى "التوجه الديمقراطي"، انتهى صراع الديكة، انتهى السب والشتم، انتهى موخاريق وفاروق ومن معهم، انتهى الفساد الذي ينخر هذه المركزية حتى النخاع، انتهت البيروقراطية، وانتهت معها الديموقراطية، انتهى زمن الانفصال والانشقاق.. وببساطة، لقد حلت المشاكل ما بين "الرفاق" أو هي في طريقها الى الحل. فابن العائلة يمكن أن يغضب أو ينتج رد فعل، لكنه يبقى ابن العائلة، وهو على أتم الاستعداد للدفاع عنها والتضحية في سبيلها. ابن العائلة لا يمكن أن ينسى عائلته المقدسة.. أليست تلك العائلة هي التي تحدد أصوله ونسبه؟ وقد وصل غضبه عليها في لحظة معينة لدرجة أن أصبح بعض أعداء العائلة يتصورون بأنه أصبح منهم ويفكر وفق تفكيرهم ويعبر عن الآمال التي يعبرون عنها. فالابن لا يصل إلى مستوى الانفصال عن العائلة أو إزاحتها عن الكرسي وعن العرش الذي يعبر عن كينونتها، وهو عنصر قوتها. ولا يمكن أن يصل إلى مستوى تحديد الانتماء والانصهار مع من يكنون العداء لنفس العائلة ويتصيدون وقوعها، بل يجهرون بأن الحل هو إزاحتها بالكامل عن كرسي العرش، بل القضاء على هذا العرش والكرسي المصاحب له بشكل نهائي وللأبد. وواهم من لا ينظر لهذه الحقيقة أو لا يريد الإيمان بها، لأن الشرب من نفس كأس العائلة الموروث هو نقل لنفس قيم العائلة وثقافتها وأفكارها، وهو نقل لنفس العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. إن غضب أفراد العائلة لا يعني نسف تلك القيم والثوابت، فهي خارجة عن أي اختلاف أو صراع، بل كان من أجل تبوء مكانة مميزة من داخل نفس الثوابت. فعرش العائلة ينبغي الحفاظ عليه بنفس طريقة حفاظ الأحزاب السياسية الملكية على العرش الملكي، ليظل الاختلاف أو الخصام فيما بينهم حول من المؤهل أكثر من غيره لخدمة الهدف، أي خدمة العرش والحفاظ عليه. وكيف لا وشيوخ التجربة تطالب بمسؤولية أصدقاء الأمس لـ"مناهضة المخزن وترك جانبا قضية طبيعة النظام وقضية الصحراء" (مقتطف مما نشر مؤخرا بمناسبة أحد حوارات نبيلة منيب). فاليوم، نحن أمام شوط آخر من الفرجة (المأساة)، فسوف يتعلم من لم يعش من قبل أحداث أو وقائع تؤرخ للمساومة التي أقبرت أحلام وآمال الشعب المغربي في التحرر والانعتاق من نظام الاستغلال والاضطهاد والتبعية، سوف يتعلم بالرغم من أن كل مساومة ما هي إلا مقدمة لمساومات أخرى أكثر منها فتكا، إن لم يتقدم المناضلون في بناء المشروع البديل، إن لم نتقدم في المساهمة النوعية لبناء التنظيم السياسي الممثل للطبقة العاملة.. فيكفي النظر إلى الأمس القريب وما حمله من قذف ونعت بأقدح الأوصاف في بيانات وتصريحات ومقالات وكلمات ما يسمى قيادة "التوجه الديمقراطي" في حق "مخاريق" ومن معه في الأمانة الوطنية للمركزية النقابية، وكيف سيتحول هذا السب والشتم إلى نقيضه، إلى علاقات الحب والوئام والتوافق والتفاهم ما بين "المتصارعين"، لدرجة أنه حتى أنصار المتخاصمين/المتوافقين سيصابون بالدهشة والحيرة قبل غيرهم، ولن يجدوا تفسيرا لمواقعهم ضد من انتصبوا وإلى جانب من وقفوا، بل سيجدون أنفسهم أمام الاستنتاج الشائع أنه ليس هناك عداوة دائمة، كما أنه ليس هناك صداقة دائمة، كل ما يوجد هو المصالح المتبادلة. فليس هناك من تفسير يمكن أن يقنع أنصار المتخاصمين/المتوافقين غير رؤية المصالح المتبادلة والاستفادة منها حتى يتم استيعاب عملية التحول من الخصام (السب، القذف، الكراهية...) إلى التوافق (الحب، الوئام، الود...). والسؤال الذي يطرح في هذا الصدد هل سيتم توزيع المصالح (الغنائم) على الأنصار في هذه اللحظة، أم هي لحظة توزيع الغنائم ما بين القيادات. أما الأنصار فسيلزمهم الانتظار حتى تأتي هذه الطبخة العجيبة بالنتائج، ومن ثم توزيع الخيرات عليهم. وبلغة أدق سينعم من هم في مراكز هندسة هذا المشهد المأساوي، وسيستفيد البعض من أنصارهم (الببغاوات الذين هم على استعداد لترديد كلام أسيادهم) وسيصاب بالدهشة البعض منهم، وسيتدمر آخرون بالتأكيد. لكن، هل هناك من سيواجه هذه الحقيقة وسيطرح السؤال الحقيقي ويبحث عن الجواب الحقيقي؟ ويكفي أن نعود للتاريخ الماضي، وكيف طرحت الأسئلة وكيف تمت صياغة الأجوبة –نموذج الحركات الماركسية اللينينية في السبعينات- فأغلب مناضليها قد خرجوا من وسط الأحزاب وأعلنوا "التمرد" والتحقوا بالإفراز الجديد بعدما أثبت تطور الصراع الطبقي واشتداده إفلاسها السياسي والتنظيمي والإيديولوجي. فهل ما نعيشه اليوم مع العديد من الأحزاب التي تضع نفسها في صف الشعب بالقول، وهي بعيدة عنه عمليا، ألا يستحق من طرف المناضلين الشرفاء طرح الأسئلة الحقيقية والحسم مع من عبر التاريخ عن إفلاسه؟ فـ20 فبراير، انتفاضة وحركة، شاهدة على هذا الإفلاس بعدما اختارت هذه القوى السياسية موقع مراقبة الأحداث من الخلف، نموذج "مجالس الدعم"، وعملت على التحكم فيها سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لتعلن بصراحة تنصلها حتى من بعض شعاراتها. والمثال هنا واضح جدا، فحركة 20 فبراير هي حسب البعض حركة من أجل "إسقاط المخزن" ومن أجل "دستور ديمقراطي" و"إسقاط الفساد والاستبداد" و"الفصل بين السلطة والثروة"، وهي من أجل "ملكية برلمانية" حسب البعض الآخر. فلنعتبر معهم أو لنفترض أن أهداف الحركة هي ما تعبر عنه هذه الأحزاب ومن معها، لماذا اختار هؤلاء موقع المراقبة من الخلف ولم يتقدموا إلى موقع القيادة من أجل تحقيق هذه الأهداف؟ فالتجربة توضح بالملموس أنهم تخلوا حتى عن شعاراتهم في الواقع. وفي هذه الحالة، فنحن أمام كيانات لا تصل حتى إلى مستوى تلك الشعارات والمواقف، والدليل أنها تخلت عن الحركة وعن شعاراتها ومواقفها، فليس هناك من إفلاس سياسي أكثر مما أكدته تجربة حركة 20 فبراير، ولا زال العمل منصبا، بل منظما لإفراغ 20 فبراير حتى من هذه الشعارات ("دستور ديمقراطي"، "ملكية برلمانية"...)، لتصبح حركة تتحرك بدون أهداف وبدون برامج وبدون مرجعية. فتاريخ القيادات البيروقراطية للمركزيات النقابية، هو تاريخ خيانة الطبقة العاملة والشعب المغربي عامة، وتاريخها كذلك هو تاريخ مواجهة وقمع كل المحاولات الجادة لتجاوزها أو إزاحتها. فلن تستطيع هذه المحاولات البئيسة محو ذاكرة الشعب المغربي ومناضليه، ولن تستطيع أن توقف مهمة تجاوز وإزاحة تلك القيادات وبناء منظمات مقاومة معبرة ومنحازة بالكامل للطبقة العاملة، معبرة عن مصالحها الجوهرية ومدافعة أمينة عنها. هذه المأساة هي رسالة لمن يهمهم الأمر بأن الصراع مع النظام، العدو الحقيقي للشعب المغربي، هو صراع مع القوى الرجعية وكذلك مع القوى الإصلاحية (البيروقراطية والانتهازية...) ومع كل المشاريع التي تعيق تحرر الشعب المغربي وخلاصه من نظام الظلم الشامل.. إنها رسالة لمن ظل يحاول تجاوز ضعفه بمد يده لهذه الانتهازية، بل أصبح يتحرك من داخل استراتيجيتها سواء من داخل العمل النقابي أو الحقوقي، متذرعا بحالة الضعف واللاتنظيم التي تميز مناضلي الطرح الثوري البديل، فالتراكم لا يحدث بأسلوب الالتواء والمراوغة، أو بأسلوب إخفاء الحقائق، بأسلوب الامتناع عن الدعاية والتأطير والتنظيم، أو بالشعارات التي لا تحدث فعلا على الأرض، أي التي لا تحدث تراكما حقيقيا، عموما، ليس بالقول فقط. فكيف لمن لا يدافع عن ديمقراطية الشعب، ديمقراطية الطبقة العاملة في النهاية، وهو يتقلد مسؤوليات وقيادات، أن يراكم للمشروع الثوري؟ إنها بعض عناصر الضعف التي لا نراكم بها في إحداث تجاوز نوعي في سيرورة بناء البديل الحقيقي ومواجهة الانتهازية. وهذا الضعف، بل وهذه الممارسة، لا تساهم في إنضاج الشروط لبناء البديل، بل تزيد هذه المهمة تعقيدا. فالاختلاف ما بين المناضلين وارد، وهو موضوعي إن كان اختلافا مبدئيا، اختلافا مبنيا ويجري على أرض الواقع، أي اختلاف في تصور لواقع معين، في ممارسة معينة، في تقدير وضع معين، في الموقف المعبر عنه في الوضع المعين.. لكن أن يصل الأمر إلى السباحة في طريق يؤدي بنا إلى المستنقع، بل هو المستنقع بحد ذاته، فهو ما لا نريد للمناضلين الوقوع أو البقاء فيه. فالمرحلة تتطلب النضال الذي لا هوادة فيه ضد كل المستنقعات وضد كل الطحالب والطفيليات..