انتخاب اليسار اليوناني وحل الازمة الأقتصادية!


عادل احمد
2015 / 2 / 22 - 22:14     

الاشتداد في الصراع البرجوازي وتفاقم الازمة الاقتصادية، أغلق ابواب عديدة بوجه النظام الرأسمالي لنمو حركة الرساميل والحفاظ على امنها. ان نتيجة الانتخابات الاخيرة في كل من اليونان واسبانيا، اثبتت ميل المجتمع مرة اخرى نحو اليسار. على الرغم من عدم وجود حركة يسار عمالي قوية في اليونان، ولكن انظار المجتمع اتجهت الى انتخاب اليسار البرجوازي بدلا من اليمين والمحافظ فهو دليل على عدم تحمل اعباء الازمة البرجوازية من قبل الطبقة العاملة والكادحة في اليونان. عانت الطبقة العاملة اليونانية والاسبانية اكثر من نظيرتها في القارة الاوروبية تحت وطأت الازمة والفقر والبطالة والغلاء. وعلى هذا الاساس اشتد صراع العمال مع البرجوازية في بداية الازمة والتي ظهرت على شكل إضرابات وتظاهرات عمالية ضخمة في جميع المدن، وعلى مدار سنوات ضد التقشف والتقليص الاقتصادي للساسة وقادة الاحزاب البرجوازية في هذين البلدين.
ان مجيء جناح اليسار البرجوازي الى السلطة لا يعني أنه طوق النجاة لأنقاذ المجتمع من الازمة السياسية سواء لليونان او لاقتصاد منطقة اليورو. بل أنه سيؤدي الى تفاقم الازمة والخطر على كل القارة الاوروبية. عندما يتعلق الامر بالطبقة البرجوازية اليونانية فأن حتى جناحها اليساري غير قادرا على حل الازمة، اولا بسبب طبيعة الاقتصاد اليوناني الضعيف صناعيا، وثانيا بسبب الديون المتراكمة عليه وقروضها من الدول الاوروبية. ان السبب الاول هو نقطة ضعف البرجوازية اليونانية طوال تواجدها في الاتحاد الاوروبي وعلى هذا الاساس لم يكن للدولة البرجوازية اليونانية اي ثقل سياسي في القرارات السياسية والاقتصادية لمنطقة اليورو، بل بالعكس استفادت الطبقة الرأسمالية الاوروبية من استغلال واستثمار الطبقة العاملة اليونانية بسبب رخص شراء قوة العمال في هذا البلد. ان اقتصاد اليونان كان ولا يزال من الدرجة الثالثة في ترتيب الاقتصاد الاوروبي، فأن نسبة قوة سيطرة الطبقة البرجوازية لتخفيف نتائج الازمة الاقتصادية العالمية ضئيل جدا ، وعلى هذا الاساس اعتمدت اليونان على تدخل اقتصاد منطقة اليورو وخاصة المانيا في حل ازمتها. ان بمجيء اليسار البرجوازي للسلطة وادعائه بمناهضة سياسة التقشف والتقليص من الانفاق الاجتماعي يزيد الطين بله، وليس بألامكان الأعتماد على القروض المالية للخدمات الاجتماعية وسد الحاجيات الاولية في المجتمع بدلا من تشغيلها في تنمية الرأسمال وادارة الارباح. ان هذه الاموال والتي تأتي من القروض عليها مستحقات بفوائد ضخمة لا يمكن تسديدها الا بأستثمار غير انساني لقوة عمل العمال في اليونان. وان هذا العمل من قبل اليسار البرجوازي مستحيلا بسبب طبيعة سياساته وادعاءاته لنوع من العدالة الاجتماعية. ان هذا التناقض يضع اليسار الجديد للسلطة امام خيارين اما التوجه الى سياسات سلفه من اليمينيين والوسط والتمسك بموافقة سياسات الدول الدائنة من منطقة اليورو، او سقوطه بسرعة مذهلة من قبل رأسمالي وبرجوازي منطقة اليورو وضغوطاتهم السياسية والاقتصادية.
اما السبب الثاني وهي مسألة الديون والقروض. اذا كان الاقتصاد اليونان اصلا يعاني من ضعف في التنمية الصناعية واستثمار الرأسمال عند اندماجه بالاقتصاد الاوروبي، فأن حظ تنميته في ظل الازمة الاقتصادية العالمية ضعيف جدا او مساوي تقريبا الى الصفر. اذا كان لم ينمو اقتصاد اليونان طوال تواجده في سوق اوروبا المشتركة الا قليلا فكيف يتم تنميته بقروض خارجية وفي ظل اوضاع للركود الاقتصادي العالمية؟ ان الجواب على هذا السؤال واضح جدا من قبل الدول الدائنة ومفوضية الاقتصاد الاوروبي، ولكن السبب من وراء القروض وخضوع دولة اليونان لضغوط سياسات الدول العملاقة اقتصاديا مثل المانيا وفرنسا وبريطانيا، ليس لدوافع التنمية الاقتصادية في هذا البلد في الوقت الحالي، بل بسبب خطورة سقوط اليونان اقتصاديا وسياسيا والذي سيؤدي الى تفاقم الازمة الاقتصادية عشرات الاضعاف في منطقة اليورو. ان اليونان كانت نقطة ضعف اقتصاد اوروبا قبل الازمة الاقتصادية ومع بداية الازمة أفلس اقتصاد اليونان لعاملين مهمين، اولا بسبب سحب استثمارات الاقتصادي الاوروبي للقوة العاملة الرخيصة في اليونان، وثانيا بسبب اداء عملة اليورو القوية في اقتصاد ضعيف نسبيا. ان الاتفاقات السياسية والاقتصادية لمنطقة اليورو تجعل من كل دولة في الاتحاد الاوروبي ان تتلاحم وتتداخل في قضايا عديدة مع بعضها البعض ومن ضمنها اتفاقات العمل والتبادل التجاري. فإذا أصيبت منطقة ضعيفة بالجسم بالورم السرطاني فأن انتشارها سيكون سريعا في بقية انحاء الجسم السليمة وتقتل كل المناعة والمقاومة التي تواجهها.
ان حل الازمة السياسية والاقتصادية في اليونان من قبل يسارها ويمينها لن يتم الا بتشديد الخناق على الطبقة العاملة وزيادة معاناتها. ان الانتظار من الطبقة البرجوازية بكل اجنحتها لأخراج الطبقة العاملة اليونانية من معاناتها في الوقت الحاضر محض خيال. ان توهم الطبقة العاملة باحدى اجنحة البرجوازية بدلا من قوة اضراباتها وتظاهراتها المليونية، هي احدى المشاكل السياسية التي تواجه النضال الطبقي في اليونان في غياب طليعته السياسية، التحزب العمالي. اثبتت الطبقة العاملة اليونانية جدارتها في مواجهة البرجوازية اليونانية منذ بداية الازمة الاقتصادية العالمية بتظاهراتها واضراباتها، واقناع الرأي العام للمجتمع في النزول الى الشارع ومنع تطاول الدولة على مكتسباتها الاجتماعية والطبقية. ان فقط بالاعتماد على قوتها الطبقية ومهاراته النضالية، بالأمكان قطع يد البرجوازية الاوروبية والمحلية من التدخل في حياتهم ومعيشتهم.