مرة أخرى:لا خلاص للعمال إلا بالوحدة والنضال


حزب العمال التونسي
2005 / 7 / 20 - 13:10     

لا يكاد يمر شهر، بل أحيانا أسبوع واحد دون أن نسمع باعتصام عمالي في هذه الجهة أو تلك وخصوصا في الجهات التي تتكاثر فيها معامل النسيج (الساحل، تونس…). ففي هذه الأيام بالذات يوجد اعتصامان، أحدهما بتونس العاصمة (عمال شركة فنطازيا) والثاني بالساحل وتحديدا ببوحجر من ولاية المنستير (عمال شركة صوبوتاكس). وبشكل عام فإن أسباب هذه الاعتصامات واحدة، فإما أن العرف أغلق فجأة المؤسسة وأطرد العمال دون أن يستوفيهم حقوقهم مدعيا الإفلاس، أو أنه امتنع عن تسديد أجورهم لمدة شهرين أو ثلاثة بل لمدة شهور عدة أحيانا زاعما أن المؤسسة تمر بـ"صعوبات". وغالبا ما يكون الإفلاس أو العجز متعمدا من قبل الأعراف بغرض طرد العمال مباشرة أو عدم تسديد أجورهم تمهيدا لطردهم أو طرد جزء منهم في مستقبل قريب. وغالبا ما يكون الأعراف الذين يقومون بهذه الممارسات قد بعثوا بعد مؤسسات جديدة وانتدبوا لها عمالا جددا قابلين بأجور وظروف عمل أتعس من أجور وظروف عمل عمال المؤسسات القديمة.

ولا يجد العمال في مثل هذه الحالات أي جهة يلتجؤون إليها لمواجهة غطرسة الأعراف المتلاعبين بقوتهم وقوت أولادهم وبناتهم. فالحكومة مع الأعراف إذ أنها هي التي أقرت السياسة الاقتصادية الليبيرالية الحالية المولدة لمآسي العمال والكادحين، وعدلت قوانين الشغل بما يسمح للأعراف باستغلالهم بصورة وحشية وبما يجعل من الشغل "امتيازا" لا حقا أساسيا من حقوقهم مما أدى إلى تفاقم ظاهرة الطرد الجماعي وانتشار مختلف أنماط العمل الهش (عمل جزئي، عمل وقتي أو بعقد، عمل بالمناولة) على حساب العمل القار وعمقت حيرة العمال وخوفهم من المستقبل. كما أنها هي التي تستعمل مختلف أشكال القمع البوليسي والإداري لإخضاعهم ومنعهم من الدفاع عن أنفسهم. أما القيادات النقابية البيروقراطية فهي متواطئة في الأساس مع الحكومة بقطع النظر عن الخلافات التي تطرأ بينهما من وقت لآخر. فقد زكت منذ أواخر الثمانينات سياسة بن علي الاقتصادية والاجتماعية المعادية للعمال وساعدته ولا تزال تساعده على فرض تلك السياسة عليهم ومنعهم من التصدي لها بصفوف موحدة وتخريب النضالات التي يجرؤون على خوضها رغم ظروفهم الصعبة.

لهذه الأسباب لم يجد العمال بدا من مواجهة أوضاعهم وحدهم ومن القيام بتحركات حتى وإن كانت جزئية ومعزولة ومتفرقة كالتي تحصل اليوم. وقد ظلت هذه التحركات في الحقيقة محدودة الجدوى سواء بالنسبة إلى القائمين بها أو بالنسبة إلى الطبقة العاملة ككل، ولم تولد حركة أو حركات عامة قطاعية أو جهوية أو وطنية رغم أن متاعب العمال واحدة، ورغم أن هذه المتاعب تتفاقم من يوم إلى آخر، وهي لا تمس صنفا معينا منهم بل كافتهم حتى وإن كانت بعض الأصناف من العمال مهددة أكثر من غيرها كما هو الحال في قطاع النسيج المتأزم. فالطرد الجماعي والبطالة والتفقير المستمر وهشاشة العمل وتدهور المقدرة الشرائية وظروف العيش بشكل عام علاوة على تدهور ظروف العلاج وتعليم الأبناء والبنات واشتداد الضغوط الجبائية، هي الخصائص الأساسية التي تميز أوضاع الشغيلة التونسية على الصعيد الاجتماعي اليوم، يضاف إليها على الصعيد السياسي القمع بمختلف أشكاله المسلط عليها كالحرمان من الحق في حرية التعبير عن الراي والاجتماع والتظاهر والإضراب عن العمل علاوة على الحرمان من الحق في التنظم والنشاط النقابيين في قسم كبير من مؤسسات القطاع الخاص، وعلى الإهانات اليومية والمراقبة الدائمة التي تمارسها الإدارة والشعب المهنية والبوليس.

وما من شك في أن السؤال الذي ظل يرافق كل التحركات العمالية بما فيها التحركات الحالية في شركة "فنطازيا" و"صوبوتاكس" وقبلها في "إيكاب" و"هوتريغا" و"بنبلة برومسيون" و"كوفرتاكس" بجهة الساحل وغيرهما من المؤسسات هو التالي: إلى متى سيظل العمال يتحركون بهذه الأشكال الجزئية والمعزولة والمتفرقة التي يسهل على الأعراف والحكومة والبيروقراطية النقابية احتواءها وحصرها في حدود ضيقة وتخريبها وفي النهاية إفشالها؟ وبعبارة أخرى كيف يمكن للعمال تجاوز الحالة التي هم عليها اليوم من تشتت وتفرقة وتهميش حتى يصبحوا قادرين على التصدي بصفوف موحدة للمشاكل التي تؤرقهم ويفرضوا على الحكومة أن تأخذ بعين الاعتبار مطالبهم ويحتلوا المكانة التي تليق بهم في الحياة العامة ويكونوا بالتالي، كما هو مطلوب منهم موضوعيا وتاريخيا، محركا للتغييرات الجوهرية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي تحتاجها تونس وينشدها الشعب بصورة عامة حتى يحقق تحرره من الدكتاتورية والاستغلال الفاحش والتبعية؟

إن الجواب على هذا السؤال واضح. فالقضاء على التشتت والتفرقة والتهميش يقتضي من العمال أن يتسلحوا بـ: أولا، نظرة موحدة لمشاكلهم تشمل الجواب على الأسباب العميقة لهذه المشاكل وتحدد المسؤول عنها. ثانيا، برنامج موحد يحدد الحاجات التكتيكية المباشرة للعمال والتي تخول لهم مواجهة سياسات الأعراف والحكومة يوميا وتحسين أوضاعهم كما يحدد الحاجات الاستراتيجية التي تشمل مستلزمات تخليصهم جذريا من الأوضاع التي هم فيها.

ولكن تحقيق هذين الشرطين مرتبط بتحقيق شرط آخر أساسي وجوهري وهو تنظم العمال، وليس تنظمهم نقابيا فحسب، بل تنظمهم سياسيا أولا وقبل كل شيء. فالتنظيم السياسي للعمال أي انتماؤهم إلى الحزب الذي يدافع عن مصالحهم، يمكنهم من أن تكون لهم البوصلة التي ترشدهم في كل الظروف، فتفسر لهم مناورات أعدائهم من دولة وأعراف، وما لف لفهم من انتهازيين وبيروقراطيين، وتشرح لهم الظروف العامة التي يتحركون فيها والسبل الكفيلة بتحقيق أفضل النتائج في مثل تلك الظروف وتبين لهم كيف يتوجهون إلى الطبقات والفئات الشعبية الأخرى التي تعاني من مظالم الدكتاتورية النوفمبرية واستغلالها، لكسب تأييدها وتوحيد الصف معها من أجل الأهداف المشتركة القريبة والبعيدة.

غير أن العمال التونسيين ظلوا بعيدين عن الاهتمام بالشأن السياسي. فالدكتاتورية تمنعهم من ذلك عن طريق القمع لأنها تـدرك أن اكتسابهم للوعي السياسي هو من أهم شروط تحررهم. والبيروقراطية النقابية ترهبهم وتحذرهم من "السياسة" حتى تضمن استمرار هيمنتها عليهم لأنها تدرك أن الوعي السياسي يوسع آفاق تفكير العامل وفهمه لما يدور حوله ولما يجب أن يقوم به من أجل نيل مطالبه وتحقيق طموحاته. وفي كلمة فإن الدكتاتورية والبيروقراطية النقابية وما لف لفهما من انتهازيين يراهنون على الجهل السياسي للعمال كي يواصلوا التمعش من عرقهم ودمهم. ولا بد من الإشارة في هذا المجال إلى ما يصيب السلطات وعناصر البيروقراطية النقابية والانتهازيين من رعب كلما اقترب مناضلات ومناضلو حزب العمال الشيوعي التونسي من العمال سواء بصورة مباشرة، في إضراب أو اعتصام أو إضراب جوع، أو بصورة غير مباشرة عن طريق منشور أو جريدة (صوت الشعب)، فالجميع يتحرك: البوليس يرهب ويستنطق عما دار من كلام، والبيروقراطية تحذر العمال من "الطامة الكبرى" والانتهازيون يخيفون العمال من "تسييس القضية" إلخ. وما كل هذا في الحقيقة إلا تعبير عن الخوف من وعي العمال ومن حزب العمال خصوصا الذي يعمل على إكساب العمال هذا الوعي وتخليصهم من جهلهم السياسي. ومن هنا يتضح الرابط الذي من المفروض أن يكون بين حزب العمال والعمال التونسيين وهو ما نعمل على تحقيقه بكل جدية لأن ليس لنا من مصالـح ندافع عنها غير مصالح العمال وكافة الكادحين.