طبقة عاملة، منزوعة السلاح، مهدورة الحقوق !


حزب العمال التونسي
2005 / 5 / 7 - 11:23     

الاحد، 1 ماي 2005 .
ألا انهضْ وسرْ في سبيل الحياه *** فمن نام لم تنتظره الحياه

أبو القاسم الشابي

تقف الطبقة العاملة في كل بلد من بلدان العالم يوم غرة ماي من كل سنة لتقيّم مسيرتها وتحصي ضحاياها وتتبيّن نقاط القوّة والضعف في كفاحها العادل المتواصل من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

ويحلّ عيد العمال العالمي لعام 2005 والطبقة العاملة التونسية ضحيّة مفضّلة للاستغلال، والتهميش السياسي، والتفقير المادي والمعنوي، ضحية مفضّلة للاعتداء على لقمة عيشها وعلى حقّها في الشغل والحياة الكريمة وحقّها في النشاط النقابي والسياسي المستقل للدفاع عن نفسها وبناء الوطن المستقل والمزدهر.

فقد أمعنت حكومة 7 نوفمبر في تطبيق السياسة الاقتصادية الليبرالية ومن موقع التبعية للخارج، وأمعنت بالتالي في تخريب النسيج المؤسّساتي القائم عن طريق الخوصصة والبيع العشوائي وترديد معزوفة اقتصاد المؤسسات الصغرى والمتوسطة والمشاريع الخدماتية غير المنتجة وتخلّت الدولة مقابل ذلك عن دورها وحلّ محلّها الرأسمال الخاص في قطاعات ذات نفع عمومي كالصحة والتعليم والنقل والاتصال، وحلّ محلّ الشغل القارّ نظام التشغيل بالمناولة وغيره من أشكال العمل الهشة (العمل الوقتي، العمل بعقد…).

وبالتوازي يتواصل غلق المؤسسات (أزمة النسيج في الآونة الأخيرة) وتتفاقم ظاهرة الطرد الجماعي للعمال مقابل إجراءات شكلية كإحداث عقود إعادة إدماج في الحياة المهنية التي أخرجوا منها ! !

ويتواصل غلق باب الانتداب أو اعتماد القطرة قطرة في ما بقي من مؤسسات الدولة والقطاع العام وتوخّي المصفاة الأمنية في انتداب الأعوان.

ويتواصل الضغط على حق العلاج بمراجعة نظام التأمين على المرض عبر الترفيع في نسب المساهمة وفي تعريفات العلاج وأسعار الأدوية، وعلى المقدرة الشرائية بالترفيع في أسعار المواد الحيوية أو بتحريرها، والترفيع في الأداءات.

ولتغطية هذه السياسة وتمريرها دون رد فعل من ضحاياها يتمّ التمويه دوريا بزيادات شكلية في الأجر الأدنى الصّناعي والفلاحي، ومن دون تشريك لممثلي الشغالين، كما تتم زيادة بضع دنانير لأجور الموظفين والأعوان مرة كل ثلاث سنوات. ويتفاقم عجز ميزانية الأُسَر الكادحة واتساع الهوّة بين ما يتقاضاه الأجير وتكاليف العيش. وفي المقابل يزداد ثراء الأثرياء الجدد الذين يستولون على الملك العام والمال العام ويمارسون النهب والسلب تحت غطاء التأهيل والخوصصة وغيرها وتحت حماية أجهزة القمع الموضوعة على ذمتهم.

وتنخر الآفات الأخلاقية المجتمع كالرشوة والمحسوبية والغش والوشاية والبغاء والتسول والكحولية والمخدرات. ويقضي الشباب نحبه غرقا أو يقع القبض عليه وهو يجازف بحياته هربا من جحيم البطالة والفقر والقهر.

وتجد هذه الآفات في تدهور المقدرة الشرائية وفي البطالة التي طالت عشرات الألوف من أصحاب الشهادات العليا وفي سياسة تكميم الأفواه تربة خصبة لمزيد الانتشار.

ولا تنفع الإجراءات الشكلية التي تتّخذها حكومة بن علي بين الحين والآخر للإيهام بتفريج كربة المحرومين مثل مواسم "الصّولد" التي تعني فيما تعني كساد السوق المحلية وضعف الطاقة الشرائية. كما لا تنفع معزوفة المسار الديمقراطي وحقوق الإنسان التي أفلست ولم تعد تنطلي على أحد أمام واقع القمع والإقصاء.

ويزداد وضع العمال وأبناء الشعب الكادح والعاطل سوءا في ظل سياسة الارتهان بالخارج التي وجدت في "العولمة" ذريعة جديدة للتخلي على المكشوف عن الاستقلال الوطني واستقلالية القرار، عبر تقديم المزيد من التسهيلات للخواص الأجانب، مالية وعقارية وقمرقية، ومن التفويت في المؤسسات العمومية التي هي ثمرة مجهود وطني، ومن التداين الذي جعل كل مواطن تونسي مدينا للخارج بما يناهز ألفي دينار، ومن توجيه الاقتصاد للتصدير بدل سد الحاجات الداخلية للسوق الوطنية والشعب التونسي، مما جر إلى تفكك قطاعات الإنتاج وتراجع دورها وأهم علامة على ذلك عجز القطاع الفلاحي عن تغطية حاجيات البلاد من الحبوب واللحوم والحليب والغلال والخضر (أزمة البصل والبطاطا مثلا) وهي سياسة جعلت اقتصاد البلاد ومعيشة المواطن يتأثران بأبسط أزمة تظهر على الاقتصاد العالمي، والدليل اليوم أزمة البترول ومضاعفاتها المباشرة على أسعار المحروقات، وأزمة قطاع النسيج إثر إلغاء العمل بنظام الحصص وما سببته من غلق لمؤسسات النسيج في المنستير وتونس وبنزرت..إلخ. وتعزيز لصفوف العاطلين بأعداد جديدة.

ولكي يفرض النظام البوليسي هذه السياسة اللاّشعبية واللاّوطنية على العمال والعاطلين والشعب الكادح توخّى نهج القمع ومَنَعَ كافة أشكال الاحتجاج والتنظّم المستقل بذريعة أن "التنمية والأمن" متلازمان، فأين التنمية وأين الأمن؟ !

كل ما هنالك تنمية جيوب أصحاب رأس المال تونسيين وأجانب، وثروات الذين ينهبون ويسرقون، مقابل تراجع مداخيل العمال وعجز الأُسَر الشعبية، وهي الأغلبية، عن تلبية حاجاتها الأساسية، المادية والمعنوية.

وكل ما هنالك من أمن، أمن في خدمة الأغنياء وتأمين مصالحهم وحماية نظامهم من غضب الشعب، ومحاصرة النقد ومعاقبة الاحتجاج، وهو معنى تدجين المنظمة النقابية، الاتحاد العام التونسي للشغل، وشراء ولاء البيروقراطية الفاسدة المهيمنة عليه منذ عقود، واحتكار الإعلام، وتسخير الإدارة، وعدم القبول باستقلالية القضاء وضرب المحاماة، وتزوير الانتخابات ليبقى بن علي رئيسا مدى الحياة ، وعدم الاستجابة لنداء العفو التشريعي العام، وعدم الكفّ عن ممارسة التعذيب وإخضاع المكالمات الهاتفية والمراسلات العادية والإلكترونية والتنقلات والمنازل للمراقبة، وهو أيضا معنى منع حق الاجتماع وحق التظاهر وحق التنظّم وغيره من الحقوق الأساسية التي يتمتع بها الناس في معظم أنحاء العالم ولا يتمتع بها التونسيون في بلدهم التي حولها بن علي إلى سجن كبير.

وهو أيضا معنى الخطوة الجديدة في مغازلة الامبريالية الأمريكية ودوائر رأس المال العالمي قصد كسب صمتها على الملفات الداخلية التي باتت تحرجها وفي مقدمتها ملف المساجين السياسيين وملف التعذيب وملف الإعلام، هذه الخطوة التي قطعها بن علي في التطبيع مع الكيان الصهيوني والتي توجتها دعوته مجرم الحرب شارون لزيارة تونس في نوفمبر القادم بدعوى المشاركة في قمّة مجتمع المعلومات.

يعود غرة ماي والعامل التونسي يعاني من انعدام الأمان في عمله وفي أجره وفي قُوته ويواجه هدرا متزايدا لحريته وكرامته رغم دوره الأساسي في إنتاج الثروة وتضحيته السخية في سبيل الوطن، وليس أمامه من خيار غير خيار المقاومة المنظمة والواعية، داخل النّقابات وخارجها، لردّ هجمة رأس المال ووضع حد لآفات الاستبداد والفساد والتبعية التي تعرقل نهضة تونس وتعطّل طاقاتها وتهدر ثرواتها وتذل أبناءها وبناتها.

إن نهضة تونس مرتبطة شديد الارتباط بنهضة عمالها وكادحيها، فإن هُمُ تحرّكوا تحرك المجتمع بأسره وتغير وجه تونس التي تبدو اليوم خاضعة، يشار إليها بالإصبع في كافة البلدان التي افتكّت شعوبها حريتها، بوصفها مأوى لواحدة من أبشع الدكتاتوريات البوليسية التي لا تزال قائمة في العالم.

عاش كفاح الطبقة العاملة العالمية.
كل غرة ماي والعمال التونسيون أقدر على فرض الحقوق وحفظ الكرامة.
معا ضد التطبيع، ضد زيارة مجرم الحرب شارون، ومن أجل استقلال العراق وفلسطين.


غرة ماي 2005